29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008
اسمه: علي.
ألقابه: الهادي، الناصح، المتوكل، التقي، الخالص، العسكري، الطيب.
كنيته: أبو الحسن.
والده: الإمام الجواد (عليه السلام).
والدته: السيدة سمانة المغربية.
ولادته: قيل أنه ولد في رجب سنة214هـ أو212هـ في منطقة بصريا وهي قرية أسسها الإمام الكاظم تابعة للمدينة المنورة.
عمره: 34 سنة.
زوجته: كان (عليه السلام) قد تزوج من امرأة واحدة لا غير وهي أم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
صفته: كان (عليه السلام) أسمرا معتدل القامة واسع العينين غليظ الكفين واسع الصدر جسيم البدن حسن الوجه.
معاصروه: عاصر الإمام الهادي من ملوك بني العباس بقية ملك المعتصم الذي أمر بسم الجواد (عليه السلام)، ثم عاصر الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمعتمد.
نائبه الخاص: عثمان بن سعيد.
هجرته: هاجر (عليه السلام) من المدينة إلى سامراء في العراق بأمر المتوكل العباسي.
استشهاده: توفي (عليه السلام) سنة254هـ على إثر تناوله طعاما مسموما بأمر المعتمد العباسي على ما نقله المفيد.
قبره: وله الآن صرح مجيد تعلوه القبة الذهبية السامية، يقع قبره الشريف في مدينة سامراء في العراق جنب قبر ابنه الحسن العسكري (عليه السلام).
نقش خاتمه: الله ربي وهو عصمتي من خلقه.
حرزه: يا عزيز العز في عزه ما أعز عزيز العز في عزه يا عزيز أعزني بعزك وايدني بنصرك وادفع عني همزات الشياطين وادفع عني بدفعك وامنع عني بمنعك واجعلني من خيار خلقك يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد.
الهيبة والوقار في شخصية الإمام
إن من جملة ما يرثه المعصوم هو الوقار والهيبة التي تعكس عظمته وشموخه والفيوضات الروحية التي تنطلق من شخصيته فتحير كل من ينظر إليه، لأنها آثار الأنبياء والأوصياء والعظماء حيث أن النور والبهاء والجمال المعنوي وحسن الكلام وفصل الخطاب وعذوبة اللسان وفصاحة المنطق ورصيد الكمال المختزل فيه تجعل الآخرين يقفون بكل احترام له وهو الإمام المعصوم.
يقول محمد بن الحسن الأشتر العلوي:
كنت مع أبي على باب المتوكل العباسي في جمع من الناس، وبينما نحن كذلك إذ جاء أبو الحسن الهادي فوقف له الناس كلهم إجلالا وإكبارا حتى دخل القصر، فقال بعض الناس ممن يبغض الإمام ويحسده: لمن نترجل، لهذا الغلام؟ ما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا والله لا نترجل له إذا خرج.
فقال له أبو هاشم وهو من أصحاب الإمام الهادي: والله لتترجلن له صغارا وذلة.
وعندما خرج الإمام علت الأصوات بالتكبير والتهليل وقام الناس كلهم تعظيما للإمام.
فقال أبو هاشم للقوم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟
فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا.
نعم إن الهيبة هي تملأ قلوب الناس إجلالا وتعظيما للإمام الهادي (عليه السلام) مع أن الإمام لم يكن يملك سلطانا أو مالا خطيرا وإنما ملك علوم الأنبياء وأسرار آل محمد (صلى الله عليه وآله) ولذلك نرى أن زيد بن الإمام الكاظم وهو شيخ كبير السن طاعن فيه كان يقف بكل احترام للإمام ويجلس أمامه بكل تواضع مع ان الإمام كان في صباه.
ولم يقتصر هذا الاحترام لشخص الإمام من أتباعه ومحبيه وأنما كان يحترمه جميع المسلمين وحتى بعض النصارى، وحتى ملوك بني العباس أنفسهم ووزراءهم وقوادهم وجميع قواعدهم السياسية والعسكرية.
وهذا إنما يدل على رصيد القداسة التي يملكها الإمام الهادي المتوارثة عنده من جده (صلى الله عليه وآله) وآبائه (عليهم السلام)، فإنه سليل الأسرة التي طهرها الله وأبعد عنها الرجس.
عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
امتاز عصر الإمام الهادي بعدة خصائص منها:
1- تعدد الجنسيات: حيث أصبح الإسلامي متكونا من العرب والفرس والأتراك والمغاربة والروميين والأقباط و... وهذا ما يؤثر على اختلاف اللغة وشكل الملابس وطراز التعامل واختلاف الألوان والدماء ودخول عادات متباينة في الوسط الإسلامي، وإلى غيرها من أمور تنعكس سلبا وإيجابا.
2- توسع رقعة ونفوذ الأتراك: حتى أصبح تعيين الملك العباسي وخلعه بأيديهم.
3- انغماس ملوك بني العباس باللهو والغناء وبناء القصور: مما يعني عدم وجود نظام اقتصادي، بل كانت الأموال التي تبذل على البناء والليالي الحمراء على حساب فقر الجماهير، فالطبقية كانت واضحة في ظل الحكم العباسي.
4- استمرار الثورات: وذلك من العلويين في مختلف البلاد، ومن غير العلويين ممن نقم على بني العباس بسبب سياستهم القذرة.
5- ظهور وشيوع الأفكار الهدامة في الأوساط الإسلامية: وكانت السياسة من ورائها مثل الفلسفة اليونانية الملحدة، والأفكار الجبرية التي تقول أن الإنسان مسير ومجبور في أفعاله، والقول بأن القرآن الكريم قديم بقدم الله تعالى أزلي مع أزلية الله تعالى.
6- الفسق: الذي تمثل في انتشار ظاهرة الفرق الغنائية والانحلال الأخلاقي والتفسخ الماجن وتأليف الكتب الماجنة وانتشار قصص الفاسدين والمضحكين.
7- كبت المؤمنين: الخناق الضيق الذي فرضته سياسة العباسيين على أهل البيت (عليهم السلام) ومطاردة أتباعهم وسجن كبار الشيعة وسمهم أو إبعادهم وتهجيرهم اضطر الإمام الهادي أن يجعل لنفسه وكلاء في البلاد، وطلب من الشيعة أن تتصل بالوكلاء وهو يتصل بهم عبر المراسلة أو اللقاءات النادرة.
8- التنافس على السلطة بين العباسيين: وأخيرا التنافس المقيت بين رجال بني العباس على السلطة، حيث المؤامرات والخيانات والاغتيالات والاغراءات، وهذا مما قوى الصراع الداخلي وأضعف الدولة من الخارج، وهذا ما حصل شيئا فشيئا حتى سقطت الدولة العباسية فيما بعد.
أهم أعمال الإمام الهادي (عليه السلام)
وفي مثل هذه الأجواء والمراحل الصعبة لم يجلس إمامنا الهادي مكتوف اليدين بل خاض الجهاد ومعترك الحياة وعمل بأساليب هادئة وطرق رائعة على حفظ الشريعة الإسلامية الحقة وتوسيع رقعة الشيعة وحملة آثار آل محمد (صلى الله عليه وآله) العاملين بهذه الشريعة.
فيمكن أن نختصر أعمال الإمام بما يلي:
1- محاربة الأفكار المنحرفة: وذلك بأفكار إسلامية واضحة موافقة للكتاب العزيز والعقل السليم، فحارب أفكار الجبرية وموضوع خلق القرآن أو قدمه، وحاول الإمام من خلال أحاديثه أن يربط الأمة بأهل البيت (عليهم السلام) باعتبارهم الثقل الثاني بعد القرآن وباعتبارهم حجج الله على الخلق وخلفائه في بلاده.
فمثلا روى الإمام الهادي عن آبائه عن جده النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المحب لأهل بيتي والموالي لهم والمعادي فيهم والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم فيما ينوبهم من أمورهم.
وروي عنه (عليه السلام) عن جده (صلى الله عليه وآله): إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار.
وروي عنه (عليه السلام) عن جده (صلى الله عليه وآله): يا علي خلقني الله وأنت من نوره...
ومثل هذه الأحاديث الذهبية التي تؤكد علاقة وارتباط الإنسان بالقدوة الصالحة هي الأسلوب الأنجح في إحياء الأمة.
2- توضيح مقام أئمة أهل البيت: وعمل الإمام الهادي على توضيح مقامات الشموخ والمنازل العالية التي يتمتع بها الأئمة باعتبار أن الإمامة هي الخط الوحيد الذي يعبر عن النبوة، فهي الامتداد الطبيعي الذي جعله الهل تعالى تكملة لرسالاته السابقة.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك هي الزيارة الجامعة التي خرجت من ثنيا أبي الحسن الهادي، ومن جملة فصولها:
السلام عليكم يا أله بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين...
وبلا شك أن ارتباط الأمة بالأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يوفر لها مسارها الصحيح وعزها ويلهمها الأفكار النيرة والأخلاق السامية.
3- احتواء الشيعة: وعمل الإمام الهادي (عليه السلام) على احتواء القواعد الشيعية المنتشرة في أرجاء البلاد، وكانت طريقة الاحتواء والاستيعاب عبر:
أ- إرسال الوكلاء في المدن المهمة.
ب- إرسال الرسائل إلى بعض الوجهاء والكبراء من الشيعة وربطهم به (عليه السلام).
وبذلك استطاع الإمام أن يرسخ قواعد التشيع الذي يحاول الظالمون اقتلاع جذوره، واستطاع الإمام أيضا أن يوسع رقعة انتشار المذهب من خلال هذه الطرق.
وبعبارة أخرى يمكن القول أن الإمام الهادي قاد الحركة الإسلامية المتملثلة بالخط الإسلامي النقي من البدع والانحرافات وهو المذهب الإمامي، كما واستطاع أن يحافظ وينشر رسالة جده الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ربط الأمة بأعظم الشهداء
ومن جملة الأمور والأعمال المهمة التي سعى إليها إمامنا الهادي هو العمل على ربط المسلمين بأعظم قتيلين وأعظم شهيدين في العالم كله، الأول هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والثاني هو الحسين بن علي (عليهما السلام).
ففي السنة الأولى التي كان الهادي (عليه السلام) في سامراء ذهب منها إلى مرقد جده الإمام علي (عليه السلام) وزاره بهذه الكلمات الرسالية والعقائدية المختزلة فيها كل معاني الحق والمظلومية والاضطهاد الذي تعرض له الإمام علي:
السلام عليك يا ولي الله، أشهد أنك أول مظلوم وأول من غصب حقه فصبرت واحتسبت.....
وثانيا عندما ألم المرض بالإمام الهادي (عليه السلام) فإنه بعث بعض أصحابه وأعطاهم أموالا لكي يذهبوا إلى كربلاء ويدعون له بالشفاء عند مرقد الحسين، وقد تعجب الأصحاب من طلب الإمام، فقال محمد بن حمزة: يوجهنا إلى الحائر وهو بمنزلة من في الحائر؟ فأجابه الإمام: إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها وحائر الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من البيت والحجر وكان يطوف بالبيت الحجر، وإن لله تعالى بقاعا يحب أن يدعى فيه فيستجيب لمن دعاه والحائر منها.
وكان هذا التصريح من الإمام طريقا جديدا لمعرفة عظمة الحسين والحائر المقدس، وإنما أراد الإمام أن يوضح هذا المعنى المهم، ومنذ ذلك الوقت انتشرت معرفة جديدة حول الحائر الحسيني وقدسيته.
وبهذا الشكل ربط الإمام الهادي المسلمين بموضوع زيارة الأئمة العظام لاسيما الأمير والإمام الحسين (عليهما السلام) لما كان من تأكيده على الزيارات والدعوات المأثورات والصلوات عليهما من قبل الإمام الهادي نفسه فاستطاع أن يركز شهادة الأولياء في قلوب الناس لينهلوا من نهج علي (عليه السلام) العدل والإنصاف ومن نهج الحسين والصمود والتضحية، وبذلك أوجد الهادي قاعدة روحية جديدة تلهم الثائرين عزيمة وتزيد المحبين له عقيدة.
حكمة بالغة
لقد كان الوقت في منتصف الليل والمتوكل العباسي قد شرب من الخمر ما أسكره ولكنه ما زال يحتفظ بمقدار من العقل، وقد أدخل عليه الإمام الهادي وهو معتقلا من قبل جلاوزته، فلما دنى منه الإمام حاول المتوكل أن يقدم له كأسا من الخمر استهزاء به، فقال له الإمام: والله ما خامر لحمي ودمي قط، فقال المتوكل: أنشدني شعرا، فقال الإمام: إنني قليل الرواية للشعر، فقال المتوكل: لابد أن تنشدني، فقال الإمام:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم*** غلب الرجال فما أغنتهم الحيل
واستنزلوا بعد عز عن مراتبهم*** فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا*** أين الأسرة والتيجان والحلل؟
أين الوجوه التي كانت منعمة*** من دونها تضرب الأستار والكلل؟
فافصح القبر عنهم حين ساءلهم*** تلك الوجوه عليها الدود يقتلل
واهتز المتوكل من هذه الحكمة البالغة وطار السكر من رأسه فأخذ يبكي وامر برفع الخمر واعتذر من الإمام وأمر بالعطاء له.
الإمام في سامراء
عندما أمر المتوكل بتهجير الإمام الهادي من المدينة إلى سامراء، عمل بعد ذلك على عدة أمور:
1- أن يكون الإمام الهادي تحت المراقبة الشديدة.
2- لا يحق له الخروج من البيت أحيانا.
3- عليه أن يأتي إلى البلاط العباسي كل اثنين وخميس.
4- يمنع الإمام من اللقاءات الجماهيرية العامة.
ولكن كل هذه الأساليب الدكتاتورية لم تزد الإمام الهادي إلا شرفا وحبا في قلوب الناس كلهم فإن الرواة يذكرون أن اليوم الذي يريد الإمام به أن يذهب إلى البلاط العباسي كانت الجماهير تزدحم عند بوابة القصر لرؤية الإمام وهم يهتفون بالتكبير والتهليل مالا يهتفون للمتوكل نفسه، ويقول الرواة كان عند باب القصر تزدحم الناس مع دوابهم من إبل وحمير وحصن مضافا إلى رجال الشرطة فكانت عند بوابة القصر ضجة وضوضاء من الناس والحيوانات لكن بمجرد أن يقترب الإمام الهادي من بوابة القصر يسكت الجميع فلا يسمع لأحد من الإنس والحيوان صوتا.
وفي البلاط كانت تجري المناورات العقائدية والحوارات الفقهية ومن جملة هذه المناظرات المفيدة التي جرت في سامراء نذكر منها:
مرض المتوكل يوما فنذر إن عافاه الله تعالى أن يتصدق بدنانير كثيرة، ولما عوفي من مرضه سأل الفقهاء عن قدر ما يتصدق لأنه لم يعين المبلغ وإنما قال (دنيانير كثيرة) فكم هو مقدار الكثير؟
فاختلف الفقهاء في ذلك، كل واحد منهم يذكر رقما معينا بلا دليل، فاستفتى المتوكل الإمام الهادي، فقال له الإمام: عليك أن تتصدق بثلاث وثمانين دينارا، فعجب المتوكل والفقهاء وقالوا: من أين هذا؟، فقال الإمام: إن الله تعالى يقول: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة)، وقد روي أن المواطن في السرايا كانت ثلاثة وثمانين موطنا.
إجابة الإمام عن أسئلة يحيى بن أكثم:
وطلب المتوكل من يحيى بن أكثم أن يوجه مجموعة من الأسئلة المحرجة على الإمام الهادي، فكان منها:
أنه سأله عن قوله تعالى: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أن السائل هو سليمان والمسؤول هو آصف فهل كان سليمان وهو نبي محتاجا إلى علم آصف؟
فقال الإمام: إنه لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف لكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أن الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده ولتأكيد الحجة على الخلق.
فقال يحيى: قال تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) كيف سجد يعقوب وولده ليوسف وهو أنبياء؟
فقال الإمام: أما سجود يعقوب لولده فإنه السجود لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله تعالى وتحية ليوسف كما أن السجود من الملائكة لم يكن لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله تعالى باجتماع الشمل.
فقال يحيى: أخبرني لماذا قتل الإمام علي أهل صفين وامر جيشه بقتلهم مقبلين ومدبرين وحتى الجرحى، ولم يفعل في حرب الجمل؟
فقال الإمام: لأن أهل الجمل لم يكن لهم إمام يرجعون إليه، وإنما رجع القوم إلى منازلهم متحاربي ولا محتالين ولا متجسسين ولا متبارزين فقد رضوا بالكف عنهم وكان الحكم فيه دفع السيف...، وأهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح والدروع والسيوف ويستعد لهم ويسني لهم العطاء ويهيئ لهم الأموال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم... فيرجعون على محاربتهم. فهذه الأسئلة والأجوبة نماذج من مجموعات كثيرة.
بعدها قال يحيى بن أكثم للمتوكل بشكل منفرد وحوار خاص: ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي فإنه لا يرد على شيء بعدها إلا دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة.
وبهذا الشكل يهرب الجاهلون من الحوار العلمي والنقاش الموضوعي الرصين.
محاولة خاسرة:
لقد فكر المتوكل بطريق آخر يستذل فيه الإمام الهادي ويشوه صورته وسمعته أمام الناس، فإن الجماهير كانت تكن الاحترام والتقدير لابن الرضا.
فجلس المتوكل يوما مع رفقاء السوء وقال: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع.
فقال له أحدهم: فإن لم تجد من ابن الرضا ما تريده في هذه الحالة فهذا أخوه موسى يجلس مجالس الطرب فابعث إليه ينادمك ويشرب معك ونحن نشيع في الناس أن ابن الرضا ينادم ويشرب مع المتوكل، والناس لا تميز بين هذا وذاك فكلهم أبناء الرضا.
فرأى المتوكل أن هذا أحسن طريق لتشويه صورة الإمام الهادي (عليه السلام) فقال: ابعثوا إلى موسى وهيئوا له منزلا فيه المغنيات والخمارين.
فلما وصل مبعوث المتوكل إلى موسى فرح كثيرا وتهيأ للخروج إلى البلاط العباسي.
وفي أثناء الطريق تلقاه أبو الحسن فقال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط.
فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟
فقال الإمام: فلا تضع من قدرك ولا تفعل فإنما أراد هتكك.
ولكن موسى كان رجلا ضعيفا في مبادئه فأبى، وكلما كرر عليه الإمام النصيحة فإنه يأبى.
فقال الإمام: أما إن هذا مجلس لا تجتمع أنت وهو عليه أبدا.
فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم، ثم يعود غدا فيقال له: قد سكر اليوم، فيغادر ويعود في التالي فيقال له: إنه مريض، وهكذا لم يجتمع موسى بالمتوكل أبدا حتى قتل المتوكل.
وبذلك صرف الله تعالى هذه الطريقة عن الإمام وحفظه من شرها بلطفه بحيث أنسى المتوكل أمر موسى ولم يوفر الأسباب التي تدعوهما للقاء.
الهجوم على دار الإمام (عليه السلام)
في يوم من الأيام مرض المتوكل فأشرف على الهلاك، فنذرت أمه إن عوفي ان تحمل هي إلى أبي الحسن مالا كثيرا، ثم أشار الفتح بن خاقان أحد وزراء المتوكل أن يطلبوا من الإمام الهادي وصفة دواء، فكتب لهم الإمام وصفة دواء فجربوها، وفعلا شوفي المتوكل من مرضه، فقامت أمه بدفع مبلغ كثير من المال ثم ختمت الأكياس التي فيها الدنانير بختمها الخاص.
بعد ذلك سعى أحد المنافقين والمتزلفين وهو أبو عبد الله البطحائي من أحفاد الإمام الحسن المجتبى إلى المتوكل وقال له أن في دار الهادي سلاحا وأموالا.
فأمر المتوكل جلاوزته أن يهجموا ليلا على دار الإمام، وفعلا عندما أشرف الليل هجمت الشرطة على دار الإمام من السطح، فوجدوا الإمام جالسا يصلي وليس في داره أي سلاح، فقط وجدوا الأموال التي بعثتها أم المتوكل للإمام، فحملوها إلى المتوكل، وعندما رأى خاتم أمه تعجب فأرسل إليها وسألها فقالت له: إني كنت نذرت في مرضك إلى أبي الحسن هذا المال.
فخجل المتوكل وأمر برد المال إلى دار الإمام الهادي (عليه السلام).
استشهاد الإمام (عليه السلام)
دعا الإمام الهادي (عليه السلام) على المتوكل العباسي فأماته الله بهذا الدعاء، بعد أن ذاق الإمام من المتوكل مختلف ألوان الأسى والعذاب والحرب النفسية وغيرها.
ثم جاء المعتمد وهو الآخر انتهج سياسة المتوكل، فضيق على الإمام الهادي كثيرا لما شاهده من المكانة الرفيعة التي يتمتع بها وسط الجماهير بالرغم من عدم امتلاكه للسلطة والمال، وحسده على ذلك وضاقت نفسه بما يرى ويسمع من مكارم وفضائل ومعاجز الإمام الهادي كما يقول تعالى: (بل يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).
وأخذت نزعات المعتمد الشريرة تدفعه إلى ارتكاب أخطر جريمة في الإسلام والإنسانية، فدس السم إلى الإمام الهادي في طعامه عن طريق الجلاوزة، وعلى إثره لازم إمامنا الهادي الفراش. فاستشهد (عليه السلام) مسموماً كما استشهد من قبل آبائه وأجداده.