19 ربيع الأول 1439 - 09/12/2017
بقلم: السيد حسين الشيرازي
قال تعالى بعد تقديم أحد عشر قسماً بأعظم الكائنات وبذاته القدسيّة مكرراً: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
تشكل النفس الانسانية أهم مفردات القرآن الكريم، فالآية المذكورة فضلاً عن العشرات امثالها، خير شاهد على الاهميّة القرآنية العديمة النظير (مزدوج الجانب): 1. الاهتمام والصيانة 2. الإهمال وترك الصيانة.
ـ المشاعر اهم جوانب النفس الانسانية، وهي قوى نفسية هائلة ومعقّدة للغاية لها التأثير المطلق على حصول الانفعالات النفسانية التي تؤدّي إلى العمليات النفسية ومن ثم تؤدّي إلى العمليات السلوكية والفيزيولوجية، وبالنتيجة تسيطر بشكل مطلق على مصير الانسان، هذا مضافاً إلى سلطتها المطلقة لتأويل المكوّنات المعرفية والدمج بين المفاهيم النظريّة وايجاد الربط العميق بين ايديولوجيات في مستويات عالية. فالشعور هو العامل الأساسي الذي يحثّ الإنسان على التفكير ومن ثم التوليف ومن ثم الإذعان، فهناك نوعان من المشاعر: 1. معرفيّة 2. نفسانيّة، تنشأ الأفكار من خلاهما التجاذبات بشكل بالغ التعقيد.
ـ العمليات النفسيّة: كالحسد والطمع والقلق والخوف والضجر والحماس والإضطراب والاكتئاب والهيجان، وهكذا: الشوق والحبّ والسكينة والاطمئنان والخشوع والخضوع والإهتمام.
العمليات السلوكية: كالعنف والغضب والنشاط والحركة والاندفاع والثوران والضوضاء والصخب والنبض وهكذا: الهدوء والوقار والمرونة والجمود والكسل... تُدير دفّة الاُمور في حياتنا.
ـ يمتلك الإنسان نوعين من القوى:
1) قوى دفع، وهي بمثابة «دواسة البنزين».
2) قوى تقييد، وهي بمثابة «دواسة الفرامل» أو «دواسة البريك»، وغير خفي أن رفع القدم عن الضغط على دوّاسة الفرامل «البريك» أهم بمليون مرّة من الضغط على دوّاسة البانزين، فالتقدّم إلى الأمام مرهون في الدرجة الأولى لمعالجة الطاقة المقيّدة واحباط مفعولها والغاء مكينتها.
ـ أعتقد ان كل انسان عندما يولد، تكون كلتا قدماه في حالة الضغط على دواسة البريك «الفرامل» وأنه يبقى على هذه الحالة إلى آخر لحظة من حياته، ودواسة الفرامل تمثّل المشاعر غير المروّضة.
ـ كل انسان يمتلك مخزوناً هائلاً من الطاقات الدافعة والعبقرية والمواهب والإمكانات والمقوّمات الماديّة والمعنوية التي لا تنضبّ وغير متناهية وكالبحر الذي ليس له سيف، كما أن الإنسان يمتلك كل الإرث والمخزون الهائل لجهود الأسلاف وكل السوابق والانجازات (الخطيرة والحقيرة) للماضين حتى الغرباء والأجانب، لكنها تضيع كلها بسبب المشاعر غير المروّضة.
ـ ليس الحديث هنا عن موضوع «الثقة بالنفس» فانها على أهميتها البالغة، تبقى عديمة الفائدة، في ظروف المشاعر غير المصقولة، بل هي كسائر الطاقات والمواهب تتحول في ظل المشاعر المترهلة إلى أهم عوامل الفتك بالإنسان.
ـ حتى اكبر العباقرة والعلماء والعظماء والقادة على صعيد العالم والاذكياء الأفذاذ، كلهم محكومون وخاضعون للتأثير المطلق لقوة المشاعر الفتاكة بلا حدود، يستحيل عليهم الإنسلال عنها حتى لو أدركوها.
ـ الأمراض النفسية المنتشرة بشكل هائل والاضطرابات العقليّة والامراض الجسميّة الفتاكة والعلاقات الزوجيّة الفاشلة والاُسر المفككة والحياة العلمية المضطربة و... إحدى مظاهر فتك المشاعر.
ـ (بنفس النسبة) المشاكل والفُرَص، تجعلنا سفهاء في التصرف ومن ثم تودّي بنا إلى الانزلاق في مزالق الشهوات والحماقات والطيش والغباء والبله و... جرّاء حفنة من المشاعر غير المصقولة.
ـ المنابع والمصادر: تتكون المشاعر، بقسميها (المعرفيّة والنفسانية) من خمسة مكوّنات، وهي: 1) المصالح والمفاسد 2) الأمل والخيبة 3) الجذب والقرف 4) الدينية والعلمانية 5) مستقل.
ـ المنبع الأول: المصالح والمفاسد: الأساس الفطري للمصلحة هو: الإحساس اللذيذ الذي يصحب نشاطاً يبلغ الأهداف دون عائق نفساني وعلى الرغم من جميع العوائق الخارجيّة، ويُعارضه مفهوم المفسدة.
ـ يقسم هذا المفهوم (المتقابل) إلى ثلاث أقسام، وهي: 1) في 2) أو 3) بين، يعني: (المصالح والمفاسد) القائمة: 1. في الأشياء 2. المرددة بين عدة أشياء 3. المقسومة بين الاشياء.
ـ يشكل هذا المنبع، التأثير الاكبر على صنع شخصيّة الإنسان ونموه في مختلف المجالات وعلى سلوكه واندفاعاته واهتماماته، بشكل لا شعوري عمدتاً، وبشكل واعي في بعض الاحيان.
ـ المنبع الثاني: الأمل والخيبة: يمثل الأمل والرجاء، الضمانة والثقة بالنفس والقدرة على تحديد الأهداف والنزوع التفائلي والتشوق إلى الحياة في الحاضر والمستقبل، ويمثل القنوط والابتئاس ضدها.
ـ قال أرسطو: الحاضر هو موضوع الادراك والمستقبل هو موضوع الرجاء. هذا التعبير في غاية الضعف، لعدم تجانس «الادراك» مع «الرجاء» حيث إن الأول من مقولة العلم والثاني من مقولة المشاعر.
ـ أقول: الحاضر موضوع القضاء والقدر (الاختياري واللا اختياري) وموضوع اللابديّة العقليّة التي لا تستجيب لأيّة محاولة تعصّي أو تملّص أو تخلّص، سواء في الجانب الذاتي او الآثار المترتبة عليه.
ـ هذا المنبع، في أغلب الأحيان يلازم الانزلاق في الأوهام وفقدان التوقعات الحقيقية المنسجمة مع المعايير الواقعية المستيقظة ومع العقل والمنطق، وهذا الانزلاق يعود إلى الخطأ في الحسابات.
ـ في الظروف القاسية والأوضاع التي يصعب تحمّلها كالسجن والمرض وعيشة القهر وتحت وطأة الاستبداد، يحتاج الإنسان بشكل مُلح إلى تصنّع الأمل والرجاء ولو بشكل وهمي وغير منطقي، لأنه أقل ضرراً جدّاً.
المنبع الثالث: الجنب والقرف: يمثل هذا المنبع مفهوم الانطباعات النفسانيّة تجاه المفاهيم التي تثيرها الأشياء من حيث العظمة والجمال والجذابيّة والظرافة وما يقابلها من المفاهيم في المكان والشكل الألوان.
ـ كل هذه المفاهيم التي تثيرها الأشياء، تخضع لمعايير الذوق، ولذا فانها تختلف باختلاف الاذواق وتتبدّل بتبدّل الزمان والمكان والظروف، لأن الذوق على قسمين: 1. شخصي 2. عصري.
ـ المنبع الرابع: الدينيّة والعلمانية: وهي مفاهيم روحانية معرفيّة نابعة من حاقّ الدين، تتراوح بين مفهوم «الانقياد والاستسلام» ومفهوم «الاتصال المباشر بالمطلق» ويقابلها مفهوم التحرر من كل ذلك.
ـ يمثل هذا المنبع، اكثر المنابع جدلاً ونقاشاً واعظمها مأزقاً ومعضلة أشدها غموضاً ولُغزاً عبر التاريخ، كما انه يمثل الشرارة الأساسيّة لأقسى وافتك الحروب والنزاعات والتوترات والخصومات والتباغض.
ـ يشكل التنوع في المشاعر الدينية عدداً لا محدوداً بسبب تدخل الدين في كل ابعاد الحياة، حتى الأمور الصغيرة جدّاً، فالمشاعر الدينية تنطبع على كل شيء في الوجود، وهو مما يؤدّي إلى تلاشي كل المفاهيم غير الدينية.
ـ أبرز المشاعر الدينية هي: الاخلاقيات، المبدأ والمعاد، الوجود المطلق، الخوف من عذاب جهنم، الأمل في الخلاص في الحياة الثانية، مصير الانسان، المبادئ والقيم، الخلاص من مآسي هذا العالم، العدل.