6 شعبان المعظم 1430 - 30/07/2009
إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للاسلام بعد عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الاسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الاُمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأخذ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) يعملون على توعية الاُمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلى الله عليه وآله) وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمة جمعاء .
وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الاُمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق اليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود .
وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير .
ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق ، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق .
إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدء برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.
ولادته ..... في ظل خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أرسل حريث بن جابر وكان واليا على جانب من المشرق بعث إلى أمير المؤمنين بابنتي يزدرجرد بن شهريار فعرض عليهن الإسلام فدخلن فيه واعتنقن الإسلام كدين جديد لهن، ولما رغب المسلمون في الزواج منهن سألهن أمير المؤمنين وكان قد أعطاهن كامل الاختيار في الانتخاب، فاختارت شاه زنان الحسين سيد الشهداء فتزوج منها.
وهكذا بقيت العترة الطاهرة تنتظر ولادة الإمام السجاد من هذه المرأة الطاهرة، وفعلا فقد جاء إلى الدنيا عام38هـ وابتهج به جده أمير المؤمنين وأبيه الحسين وعمه الحسن(عليهم السلام) وأجروا عليه المراسيم الإسلامية التي أجراها رسول الله على الحسن والحسين.
وبقي الإمام زين العابدين سنتين في أحضان جده نهل روحانيته ومعنوياته، وعاش مع عمه الحسن عشر سنين ومع أبيه22 أو23 سنة. وهكذا تلقفت أركان الإمامة السجاد بالعلم والأدب وحكمة الأنبياء وصفاء الأولياء، بعد أن اختار الله تعالى له هذا الاسم المبارك(علي) زين العابدين وسيد الساجدين.
للسجاد(عليه السلام) فضائل كثيرة، كيف لا وهو من أئمة الهدى الذين طهرهم الله تعالى وعصمهم بلطفه، ومن فضائله التي تدل على علو مقامه نذكر:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف.
وروى جابر الأنصاري الصحابي الجليل قال: كنت عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فدخل عليه الحسين بن علي فضمه إلى صدره وقبله وأقعده إلى جنبه ثم قال: يولد لابني هذا ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو.
وقال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) لابنه الحسين حينما أراد التزوج من شاه زنان: ليلدن لك منها أعلام خير أهل الأرض.
وهذا اليسير من فضائله الكثيرة ولكنها ترشدك إلى شموخه وعظيم منزلته.