26 ربيع الأول 1429 - 03/04/2008
نبي اصطفاه الباري عز وجلّ.. فحباه وعظم قدره ومنزلته وختم به رسالاته السماوية السمحاء إلى الإنسانية جمعاء.. وحفه ببينات ومعاجز لينشر الحق والعدل في زمن الجاهلية والعداوة والفكر المفكك المنحرف.. فهدى الأمة كلها به عن طريق كتابه المنزل (القرآن الكريم) الذي جاء كمعجزة ودستور أصلح العالم بأسره.. ترجمه النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قولا وفعلا آية بعد آية وسورة بعد سورة.
كذلك أعطاه الله معاجز أخرى كالإسراء والمعراج التي تعتبر من الحوادث الخارقة والخارجة عن القوانين الطبيعية التي وأن اختلف المؤرخون في تحديد زمان وقوعها...كما اختلفوا في مكان الانطلاق، لكنها تبقى بصمة ودلالة على عظمة هذه الشخصية.
كما إن الثابت أن الإسراء كان بمكة قبل الهجرة وذلك لقوله تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى...)، كما يدل عليه أيضاً الروايات من إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشاً بذلك صبيحة ليلته وإنكارهم ذلك عليه.
كما اختلفوا في السنة التي أسري به (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها، فقيل في السنة الثانية من البعثة، وقيل في الثالثة، وقيل في الخامسة أو السادسة، وقيل ...الخ.
ومن المهم الانتباه إليه أن الروايات المأثورة المرويّة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصرّح بوقوع الإسراء مرّتين، وهو المستفاد من آيات سورة النجم حيث يقول سبحانه: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى)، وكما هو معلوم أن الأحاديث التي تؤخذ عن أهل البيت عليهم السلام هي أوثق وأصدق الروايات لأنهم أهل بيته وأدرى الناس بما جرى ويجري عليه صلوات الله عليه (حديث عن أهل البيت والرسول).
واختلفوا أيضاً في المكان الذي أسري به (صلى الله عليه وآله وسلم) منه، فقيل: اسري به من شعب أبي طالب، وقيل: من بيت أم هاني بنت أبي طالب، وقيل من المسجد الحرام لقوله تعالى: (...أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، إلا أن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله مجازاً، فيشمل مكة.
ومن الجائز أن يكون الإسراء مرتين ــ كما قلنا ــ احدهما من المسجد الحرام والأخر من بيت أم هاني.
وتباينت آراء المؤرخين في كيفية الإسراء، فقيل كان إسراءه (صلى الله عليه وآله وسلم) بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم، ومنه إلى السماوات العلى، وعليه الأكثرية وقيل: كان بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم بروحه من بيت المقدس إلى السماوات، وقيل: كان بروحه (صلى الله عليه وآله) وهو رؤيا صادقة أراها الله نبيه، ونسب ذلك إلى بعضهم.
لكن المتأمّل إلى آية الإسراء الكريمة ينكشف له أن الله سبحانه أسرى بشخص الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس بروحه مجرّدة عن الجسد، فالآية صريحة في دلالتها أن الله أسرى بعبده، وليس بروحه كما أنه إسراء وليس رؤيا صادقة كما يدّعي البعض.
وكان الغرض من الإسراء رؤية بعض الآيات الإلهية الكبيرة العظيمة ( لنريه من آياتنا... ) و (لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) ـ النجم: 18، إضافة إلى ذلك فإن هذه المعجزة الكريمة تزيد من ثبات المؤمنين وإيمانهم بقدرة الله سبحانه. وبنفس الوقت زعزعت ضعاف الإيمان ومن في نفوسهم مرض فارتدّوا عن الإسلام، ولم يثبت إلا من ثبت الإيمان في نفوسهم... وبهذه الطريقة عرف من ارتدّ عن الإسلام ومن لم يثبت الإيمان في قلبه .
ففي رواية عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: لما أُسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس، وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلّى بها، وردّه إلى مكة فمرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجوعه بعير لقريش، وإذا لهم ماء في آنية، وقد أضلّوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك الماء وأهرق باقيه.
فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لقريش: إن الله جل جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم، وإني مررت بعير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه فاسألوه كم الأساطين فيها والقناديل، فقالوا: يا محمد إن هاهنا من قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه!... فجعل يخبرهم بما يسألون عنه فلما أخبرهم، قالوا: حتى تجيء العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تصديق ذلك أن العير يطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق.
فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة، فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين طلع القرص يقدمها جمل أورق فسألوهم عما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالوا: لقد كان هذا، فأضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا، ووضعنا ماءً فأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتواً ونفورا.
وقد حدث المعراج في نفس الليلة التي حدث فيها الإسراء. من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وهي معجـزة كبيرة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد سخّـر الله سبحانه وتعالى لنبـيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) البراق...فارتفع به ومعه جبرئيل ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه تعالى ...
وقد تحدّثت سورة النجم عن هذه المعجـزة الكبرى: بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) صدق الله العلي العظيم.