23 شوال 1430 - 14/10/2009
الزيارة تعني الحضور عند المزور، فلا خصوصية لنوعه أو مكانه فبمجرد الذهاب اليه يقال عنه زيارة كأن تزور إنساناً أو مدينة أو أثر تاريخيا أو متحفيا او مرقدا او حديقة والى آخر ما يخطر على بال ولكن عند اطلاق اللفظة ينصرف الى الذهن عند المسلمين الى الحضور في المشاهد المقدسة كقبر النبي صلى الله عليه وآله ومراقد الأئمة الاطهار عليهم السلام ومراقد الصالحين رضي الله عنهم.
ويرى بعضهم ان حقيقة الزيارة عند الشيعة حضور روحي وان الروحانية الكبرى للمزور ونفسيته الممتازة وصفاته القدسية تفيض على نفسية الزائر فتكتسب منها لتطمئن بعد اضطراب ولتسعد بعد شقاء وترجو بعد قنوط وتشرق بعد تجهم وربما يحصل ذلك الانتعاش الروحي بمجرد تصور نفسية المزور واستعراض صفاته الممتازة في طواف حول تلك الشخصية الروحية طوافا ذهنيا بدون خصوصية للمكان ولكن الشيعة لا يكتفون بذلك بل لا تعد الزيارة الروحية الا اذا كانت عند تربة المزور وهذه هي الحقيقة، فقد ورد ان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري قال لقومه عندما زار قبر الحسين عليه السلام في 20 صفر عام 61هـ مع جماعة من اهل المدينة قال ألمسوني القبر وظاهر الخبر انه انه لا يجد في الزيارة طعما دون ان يضع يده على القبر الشريف.
ان الزيارة ممارسة قديمة يدل عليها امر الله تبارك وتعالى لنبيه ابراهيم عليه السلام بقوله جل جلاله (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) والحج زيارة لبيت الله الحرام اقترنت بالمناسك التي اوحاها الله تعالى لأنبيائك عليهم السلام.
وتناول الدكتور جواد علي ممارسة الزيارة في العصر الجاهلي فقال: (وتزار قبور السادات والأشراف ويذبح عندها ويحلف بها ويلجأ اليها طلبا للامان والسلامة).
وقبيل الإسلام كانت والدة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب تزور قبر عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول صلى الله عليه وآله وكانت آخر زيارة لها يوم عاد النبي صلى الله عليه وآله من البادية خرجت به لتزور الفقيد الراحل في مثواه وتحسبه مشوقا تحت اطباق الارض الى رؤية الوليد الذي لم تبصره عيناه تحت شمس النهار وكذلك تزير الوليد اليتيم أباه فلما قضت حق الزيارة قفلت بوليدها راجعة الى مكة فماتت ودفنت في طريق.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يزور قبر عمه حمزة رحمه الله وروي انه صلى الله عليه وآله كان يخرج في ملأ من الناس كل خميس الى البقيع فيقول (السلام عليكم أهل الديار ــ ثلاثا ــرحمكم الله ــ ثلاثا ).
وزارت سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله عليها قبر أبيها وزار امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقبر فاطمة لسلام الله عليها.
ففي لقاء أبي حمزة الثمالي بالإمام زين العبادين (عليه السلام)، يا ابن رسول الله ما أقدمك إلينا؟ قال: ما رأيت، ولو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه ولو حبواً.
هل لك أن تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قلت: أجل، فسرت في ظل ناقته حتى أتينا الغريين في بقعة بيضاء... فنزل ومرغ خديه عليها... ثم ودعه ومضى إلى المدينة.
وزار الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السلام) قبر جده أمير المؤمنين (عليه السلام) ومثله فعل الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وبقية الأئمة (عليهم السلام) وجملة من الملوك والخلفاء والوزراء والعلماء والأعيان.
وفي القرون الخالية لم يكن ثمة إحصائيات لعدد الزائرين للعتبات المقدسة عدا ما ذكره بعض الرحالة الأوروبيين، ففي سنة (1179 هـ/ 1765م) قدر الرحالة الألماني (كارستن نيبور) عدد الزوار الذين كانوا يقصدون العتبتين في المشهدين (النجف وكربلاء) بحوالي خمسة آلاف زائر في السنة. وهذا العدد كبير بالنسبة للفترة الزمنية ووسائط النقل فيها. وفي عام (1322 هـ / 1807 م) ذكر السائح الفرنسي (أدريين دوبريه) أن عدد الزوار الذين كان يمرون إلى زيارة النجف وكربلاء كان يتراوح بين خمسة عشر ألف وعشرين ألف نسمة.
وقال (فونتانييه) عام (1340 هـ / 1834م) أن مائة ألف أجنبي يمرون سنوياً للذهاب إلى زيارة ضريح الإمام علي، وفي سنة (1270هـ/1853م) قدر (لوفتس) عدد الزوار بـ (80000) شخصاً.
وفي عصر تقدم وسائط النقل وكثرتها وصلاحية الطرق وانتشارها وعدم وجود عوائق سياسية بين العراق والدول الإسلامية، يزداد عدد الزوار بشكل ملحوظ (وقد دلت الإحصاءات الرسمية على أن متوسط أعداد الزائرين للنجف في المواسم المخصوصة يتجاوز نصف مليون نسمة وفي الأعوام الأخيرة، وبعد سقوط النظام الطائفي الجائر في العراق سنة (1324هـ/ 2003م) وما بعدها قفزت أعداد الزائرين للعتبات المقدسة في كربلاء والنجف في السنة إلى عدة ملايين.
أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته مأمور بها مندوب إليها لكل من استطاع ذلك من الرجال والنساء على حد سواء لمن سكن المدينة المنورة ولكل مسلم على وجه الأرض في أي مكان في العالم. للحاج والمعتمر ولغيرهما ممن يقصدون القيام بالزيارة المباركة.
وكذا زيارة قبور وأضرحة الأولياء والشهداء والعلماء وقبور سائر المؤمنين. مأذون فيها ومرخص بها ومدعو إليها لكل من شاء من عباد الله لدخولها جميعا في عموم الأمر النبوي الشريف "نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة".
وقد ثبت ذلك بصحيح الروايات من تكرار زيارته صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع للدعاء والاستغفار لهم بأمر من الوحي الشريف.
ومعلوم أن تلك القبور يؤمها ملائكة الرحمة ممن لا يعلم عددهم إلا الله تعالى فيؤمنون على دعاء الداعي ويستغفرون له، وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم وهم يفعلون.
كما أن في زيارة الصالحين في قبورهم الكثير من معنى المودة وإظهار المحبة لهم، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بمودة أهل البيت رضي الله عنهم في آية عامة لم تفرق بين مودتهم في الحياة وبين مودتهم بعد موتهم فقال الله تعالى:
{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
مشروعية زيارة القبور :
إن علماء الإسلام أفتوا بجواز و مشروعية زيارة القبور ـ خاصة قبور الصالحين ـ استناداً إلى عدد من الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة ، بل أنهم أفتوا باستحبابها و أفضليتها ، و حتى الوهابيون منهم لم يحرموا أصل الزيارة بل حرَّموا السفر و شد الرحال لزيارة قبور الصالحين .
أما الدليل من القرآن الكريم فقول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾، و الآية تمنع النبي ( صلى الله عليه و آله ) عن الصلاة على موتى المنافقين و القيام على قبورهم ، و مفهوم الآية هو جواز هذين الأمرين بالنسبة لغيرهم .
و أما الدليل من الأحاديث فالأحاديث كثيرة منها :
1. عن عائشة : إنَّ رسول اللّه رَخَّصَ في زِيارَةِ الْقُبُورِ .
2. و عن عائشة أيضاً : أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قال : " فأَمَرَني رَبِّي أنْ آتي الْبَقيعَ فَأسْتَغْفِرْ لَهُمْ " .
قلت : كيْفَ أقُولُ يا رَسُولَ اللّه ؟
قالَ : قُولي : " السَّلامُ عَلى أهْلِ الدِّيارِ مِنَ الْمُؤمِنينَ وَ الْمُسْلِمينَ ، يَرْحَمُ اللّه الْمُسْتَقْدِمينَ مِنّا وَ الْمُسْتأخِرينَ ، وَ إنّا إنْ شاء اللّه بِكُمْ لاحِقُونَ " .
3. وَ رَوى مسلم في صحيحه : زارَ النَّبِىُّ قَبْرَ أُمَّه ، فَبَكى وَ أَبْكى مَنْ حَوْلَهُ ... وَ قالَ : " اسْتَأذنْتُ رَبِّي في أنْ أزُورَ قَبْرَها ، فأَذِنَ لي ، فَزُوروا الْقُبُورَ فَإنَّها تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ " .
4. كانَ رَسُولُ اللّه يُعَلِّمُهُم ـ إذا خَرَجُوا إلى الْمَقابِرِ ـ فَكان قائِلُهُمْ يَقُولُ : السَّلامُ عَلى أهْلِ الدِّيارِ ـ أو ـ السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدَّيارِ مِنَ المؤمنينَ وَ الْمُسْلِمينَ ، وَ إنّا إنْ شاء اللّه للاحِقُونَ ، أسْألُ اللّه لَنا وَ لَكُمُ الْعافيَة .
والأُمّة الإسلامية تمتلك رصيداً كبيراً من عمالقة الدنيا وأفذاذ التاريخ وعظماء الرجال تمجّدهم، وتستعيد ذكرياتهم، وتقف على مراقدهم وقفة المستلهم لمعاني الخير وروح البطولة والعطاء. فإذا كانت زيارة قبور العظماء والأبطال وأضرحة الشهداء سيرة عقلائيّة وسنّة نبويّة لا تخص قوماً أو أُمّة فلا يلام أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عندما يزورون أئمتهم، بالأخصّ رمز الإنسانية والحريّة والإباء سبط هذه الأُمّة وسيد شباب أهل الجنّة الحسين بن علي (عليه السلام)، وهو أبو الأحرار وقدوة الأبطال والمثل الأعلى؛ لذا نرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) يشيرون في أحاديثهم إلى زيارة القبور لما فيها من آثار تربويّة واجتماعية،قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما الميت في قبره إلا كالغريق المتغوّث، ينتظر دعوة تلحقه من أبيه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كان أحبّ إليه من الدنيا وما فيها)ونحن نقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أعظم قدوة لنا؛ والتاريخ يشهد بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يزور قبور البقيع وشهداء أُحد، بل يحث المسلمين على زيارة القبور من أجل العظة والعبرة. هذه الخصوصية لمجرد أنّه يحمل هوية مسلم، فكيف بالحسين (عليه السلام) وهو ابن أوّل من أسلم، وقد أسلم كثيراً من الناس ببركة ثورته الإنسانية بواقعة الطف، وهو سيد الشهداء وسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو الأئمة أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام)، ويكفينا قول جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليه السلام)حسين مني وأنا من حسين(عليه السلام). فزيارة الحسين (عليه السلام) هو زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشفاعة الحسين (عليه السلام) هو شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه بضعته (صلى الله عليه وآله وسلم).
الروايات التي أشارت إلى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) منها:
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كأني بالقصور قد شيدتْ حول قبر الحسين، ولا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الآفاق، وذلك عند انقطاع ملك بني مروان(عليه السلام) .