b4b3b2b1
الرئيس القائد والمقابر الجماعية | المعاني العظيمة ليوم الأربعين | البعد الأخلاقي المحمدي وأثره في الحضارة الإسلامية | الأحزاب السياسية مصدر للديمقراطية | السعملانية والسعملانيون | الإمام الشيرازي.. مرحلة جديدة للأمة الشيعية | كبار علماء السنة يصرحون بولادة الإمام المهدي | يشع نورهم اينما حلوا... وهذه دعوة | التفكير خارج الخوف داخل الامل | اللاعنف في الفكر الشيعي.. الإنتشار السلمي للإسلام في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) | سامراء.. جريمة العصر | الحسين.. برزخ بين الحق والباطل |

مقدمة كتاب الأدب الموجه للأديب اللبناني الكبير جورج جرداق

 

25 جمادى الآخرة 1429 - 29/06/2008

عرفت السيد حسن الشيرازي ذهناً صافياً ولساناً صادقاً وقلباً محباً ووجهاً تنعكس عليه أنوار نفس كريمة وأخلاق رفيعة وكأنه بذلك كله مجتمع المزايا العالية التي لابد أن يتصف بها كل من جاور الحسين بن علي في كربلاء وكل من اقتبس من سيرته العظيمة سمواً وعلواً.

ثم عرفت السيد حسن الشيرازي في هذه الدراسة التي بين يديك كاتباً تنبثق آراؤه عن صفاته انبثاق الحرارة عن النار فإذا هي جمال وخير وحب وأكبر الأدب إذ يزيد من كمية الجمال في هذه الدنيا وإذ يدعو إلى الخير جهده وحين يفجر الحب من كل سطر وكل لفظ .

وقف السيد الشيرازي كتابه هذا على التوجه الحسن فعقد فيه فصولاً تجمل هذا العنوانين ( أكتب عقيدتك، لا تصف الانحلال، لا تصف القبيح، لا تتشاءم، لا تقلد، دع التعقيد، أدرس كثيراً) وعناوين أخرى ولا شك أنك واجد في هذه المقالات أصالة في التفكير، وإيماناً كثيراً بجمال الصنيع الأدبي، وبقدرة الفن على أن يسهم إسهاماً عظيماً في تهذيب الحس البشري، والإرتقاء بالذوق، والذوق الرفيع هو صفوة الحضارة، وغاية ما يصبو إليه الآدمي من الصفات الكبيرة، لأنه في النتيجة مجتمع هذه الصفات.

وفي الكتاب صفحة عامة تطغى عليه، وتلف كل ما جاء فيه، هي الرغبة في أن يكون الأدب عاملاً في سبيل السلام والإخاء، ولعمري أن هذه هي غاية الأدب الحق، سواء التزم الأديب الدعوة المباشرة إلى السلام والإخاء أم لم يلتزم، لأن كل أدب جمال، والجمال هو الطريق القويم الصريح المؤدي إلى كل خير وكل سلام. فإني ما عرفت في الدنيا أديباً إلا وهذه غايته البعيدة، حتى وهو يذوق بأدبه الخمرة ويذيقها سواه. فوحدة الإحساس بالكون وجمالاته في كيان الأديب الحق، لا تجعل مكاناً للمفاضلة بين موضوع وموضوع، هات فناناً صادقاً، وخذ فناً يخدم الخير والسلام، أياً كان موضوعه ومهما كانت صورته الخارجية بعيدة عما في قاموس الأخلاقيين من أشكال.

الحياة واحدة وهي وحدها جديرة بأن تكون موضوع الأدب دونما نظر إلى ما ضبطه الأخلاقيون في أقوالهم وكتبهم.

الحياة متوثبة ثائرة أبداَ إلى الأجمل والأكمل وغاية الأدب كل أدب هي أن يخدم هذه الحياة في توثبها وثورتها واتجاهها إلى الجمال والكمال وهو حين يكون أدباً حقاً لا ينحرف عن هذه الغاية سواء أكان في امتداح التضحية أو في مصارعة القدر أو في مفاتن المرأة أو نشوة السكارى أو أهوال البحر أو غناء العصافير فكل فن هو جمال وكل جمال هو حق وخير وهو بالتالي مما ترتضيه الحياة وتحتويه وتأمر به.

ويا ليت السيد الشيرازي في أحاديثه الممتعة عن الشعر والشعراء أهمل الفقرات الإنشائية التي تحمل للقارئ نصائح مباشرة.

غير إن هذه الهنات تضيع في فصول هذا الكتاب العامر بالإيمان إيمان الكاتب بقدرة الإنسان على السمو والعلو وعلى اتخاذ الأدب سبيلاً في جملة السبل الموصلة إلى هذه الغاية.

ويعلم كل منا ما للإيمان بجمال الحياة وجمال الأدب وجمال الإنسان الراغب في الكمال من قيمة عظمى في أعمالنا وتفكيرنا وسعينا وراء كل عظيم وكل جليل.

وما يجده القارئ من إيمان المؤلف بالإنسان والحياة وبالأدب الكاشف على جمالات الإنسان وجمالات الحياة إن هو إلا مظهر ساطع من مظاهر الحب العميق الذي يفيض من قلبه على قلمه كما يفيض على وجهه ولسانه ومن تحدث إليك بقلم تتناثر من أشعة الحب فاقبل عليه بكل وجدانك وغض الطرف عما قد يكون بينك وبينه من خلاف في الرأي أو اختلاف في النظر.

هذا الكتاب في كل حال ركيزة جديدة يستند إليها طلاب المعرفة في كثير من القيم والمفاهيم وليس للمؤلف أن يكون في ما يكتب صدى لآراء قرائه وليس للقارئ أن يكون صدى لقلم المؤلف فالأصل في كل تأليف أن يكون نابعاً من القلب والذهن جميعاً والغاية من كل كتاب يعالج قضايا الفكر والأدب هي احتكاك الآراء وتبادل الأذواق وعرض المعارف والمواقف وطرح الميول والأهواء مطارح الجدل والنقاش ثم التقارب حول مائدة الفكر التي لايغنيها إلا تنوع ما عليها واختلاف المقبلين عليها في الرأي والهوى والمذاق....وما حصيلة ذلك كله إلا الإفادة في كل حال.

بيروت 15آب 1966 جورج جرداق