10 ربيع الثاني 1429 - 17/04/2008
ليس بالامر الهين أن يتحول بلد حكمه نظام الحزب الواحد لعقود طويلة من الزمن الى نظام تعدد الاحزاب السياسية، وليس من السهل أن تتحول الممارسة الدكتاتورية في ليلة وضحاها الى ممارسة ديمقراطية، ومن أجل الوصول الى حالة التعددية والديمقراطية لا بد من وجود أدوات للتحول صوب العمل الديمقراطي، ومن بين أهم تلك الادوات وجود أحزاب سياسية مهنية وفاعلة تعي دورها وعملها الحزبي كتنظيم سياسي.
وتُعدّ الجوانب السياسية والايديولوجية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الروحية، من أهم وظائف الحزب السياسي والتي يجب تفعليها في حياة المجتمع، حيث يتطلب ذلك التفعيل اقامة اسس قانونية رصينة لتنظيم نشاط الحزب السياسي كجزء من منظومة المجتمع المدني من جهة، وكعنصر فاعل من عناصر نظام الدولة السياسي من جهة اخرى.
ومن هنا يجب أن تعمل الاحزاب على تبني مشاريع وأفكار واضحة تتلائم مع الجوانب المذكورة أعلاة وفقاً لمتطلبات المرحلة التي تعيشها الاحزاب والمراحل التي تليها، وتبعاً لعملها فإن مهمة التوفيق بين النشاط الاجتماعي والسياسي والتنطيمي للحزب كجزء من آلية الدولة وماكنتها السياسية يجب أن يقع في البرنامج السياسي للحزب، لأنه يشكل مع النظام الداخلي له الاساس القانوني الذي يمنح الحزب صفته الحزبية القانونية، وهذا الامر ليس بالهين بل هو أمر على درجة كبيرة من التعقيد.
فبوجود عدد من الاحزاب ذات البرامج الواضحة والتنظيم الجيد والتي تجعل من المنافسة الشريفة وسيلة للوصول الى السلطة من أجل تنفيذ البرنامج السياسي وليس الحكم والتسلط ، إلى جانب أحزاب أخرى تأخذ صفة المعارضة وتكون مهمتها الرئيسية مراقبة أداء الحزب الحاكم ومساندته في المهام التي يراها تصب في المصلحة العامة والوقوف بوجهه وفضح تواجهاته في حال إنحرافه عن برنامجه السياسي المرسوم له، يتم الترسيخ للعمل الديمقراطي.
ومن الملاحظ إن أحزاب السلطة تقوم في كثير من الاحيان بخلق أحزاب وهمية منافسة لها في حال زيادة الضغط على الحزب الحاكم بالسماح للحريات السياسية، كما هو الحال في بعض البلدان العربية وبلدان العالم الثالث التي يستبد الحكم والسلطة فيها حزب واحد، فإنه يعمل على خلق أسماء لأحزاب لا وجود لها على الواقع لتفادي الضغط الشعبي أو الدولي من أجل الاصلاح والتغيير نحو العمل الديمقراطي والتعددية الحزبية.
أما في الحالة العراقية، فإن ضمان مشاركة الاحزاب الفاعلة سوف يسهم الى حد كبير في تطوير الاداء الوظيفي للبرلمان العراقي كسلطة تشريعية ومؤسسة رقابية فاعلة قائمة على أسس ديمقراطية تعددية، فالدستور العراقي جعل من التعددية الحزبية والحياة البرلمانية واحدة من الاسس الدستورية في الدولة الجديدة، الأمر الذي يجعل من نشاط تلك الاحزاب في مجلس النواب تتويجا لنشاطها كأطراف فاعلة في العمل السياسي ومساهمة أساسية في عملية الانتخابات وهي المرحلة الاكثر اهمية في تحقيق احد أهم الأهداف للأحزاب السياسية, ألا وهو الوصول الى السلطة السياسية.
وإذا كان الشعب مصدر السلطة أثناء ممارسة الحياة الديمقراطية، فإنه من المستحيل أن نجمع الشعب في مكان واحد لأخذ رأيه في مسألة معينة أو صنع قرار معين، وحيث إن الاحزاب لا يمكن لها الوصول الى مراكز السلطة والحكم إلا عبر آلية الانتخاب الذي يأتي عن طريق المقترعين "الشعب" ويكون بالتالي الاداء الفاعل للشعب بالدرجة الاولى متمثلا بنوابه من الاحزاب الفاعلة والمؤثرة وذات البرامج الجيدة التي تضمن له حقوقه وتصون حرياته، وبذلك تكون الاحزاب هي من يستجدي رضا الشعب وليس العكس كونه"أي الشعب" الوحيد الذي يجعلها تصل الى سدة الحكم وهوالذي يجعلها تنتهي وتتلاشى أيضاً بعدم تأييده لها.
ومن بين أهم المشكلات تعقيداً في الحالة الحزبية العراقية هي اشكالية عدم التوفيق بين النشاط السياسي للاحزاب والوظيفة الحكومية، لأن الانتقال السريع والمفاجئ للاحزاب من حالة كونها تجمعات سياسية أو دينية أو مسميات حزبية معارضة للحكم المستبد الى حالة المساهمة المباشرة في رسم الخطوط العامة للسياسة الداخلية والخارجية للدولة وإدارة شؤونها، أظهر إلى السطح عدد من الاشكالات والتي قد يتطلب حلها جملة من المراجعات وإعادة النظر بتركيتها التنظيمية والقانونية للاسهام الفاعل في مستقبل العمل السياسي في العراق، وهي مسألة طبيعية لبلد لم يعرف الحياة البرلمانية أو التعددية الحزبية، بل وأن تداول السلطة تم في جميع المراحل السابقة عن طريق الانقلابات العسكرية بعيداً عن التداول السلمي، الامر الذي يتطلب معالجة سياسية وقانونية لدور الاحزاب في العمل السياسي والبرلماني.
وبالتالي، حتى وإن أخفقت الاحزاب الحالية في فهم دورها الحزبي تجاه بناء مؤسسات الدولة أو قواعدها الشعبية، فإنه لا يمكن في أي حال من الاحوال القضاء على فكرة التعددية الحزبية، لأنها تمثل الاساس في العمل الديمقراطي من خلال مساندة الجماهير لها، وهذا لا يعني البقاء على الاحزاب الموجودة حالياً في العمل السياسي فقط، بل يجب إيجاد أحزاب سياسية أخرى تفهم جيدا العمل الحزبي التعددي لضمان استمرار الحياة الديمقراطية التي لا وجود للاستبداد معها، حيث ينبغي لنا كمجتمع اسلامي - وكما يقول الامام السيد محمد الشيرازي(قدس سره): (وربما وجب علينا، في حياتنا وخاصة السياسية، اتخاذ اسلوب التعددية السياسية والحزبية المتنافسة على البناء والتقدم، لا المتناحرة فيما بينها كما تعارف عند بعض المسلمين في هذا اليوم حيث تشكلت فيهم احزاب وجماعات تعمل بدل التنافس في الخير والتقدم، على ضرب بعضهم البعض).
فمن خلال الكلام المتقدم يتضح، ان حالة التقدم والرقي للدولة والمجتمع تبنى على خلق حالة من التنافس المشروع بين أحزاب وقوى تؤمن بالتعددية والعمل الديمقراطي في ظل قوانين وأنظمة لا تسمح لها بالاتجار بحقوق الناس والمساومات الرخيصة، بل يجب أن تفتح الباب للتحاور والتنافس والتسابق فيما بينها، وليس الانغلاق على الذات والحكر على النفس، كونه"الانغلاق والحكر" يؤدي الى الجمود والتقهقر، وبالتالي الى التاخر في كل شيء.
إن اعتماد التعددية الحزبية من خلال الحياة البرلمانية الحقيقية نهجا لبناء مؤسسات الدولة، يعد القاعدة الرصينة التي من خلالها تشيد الحياة الديمقراطية وتحرم الحقوق العامة والخاصة ويتم الانطلاق نحو تقدم سياسي اجتماعي وازدهار اقتصادي.