b4b3b2b1
الحسين.. برزخ بين الحق والباطل | الإمام البر التقي.. الحسن العسكري عليه السلام | الصديقة الكبرى ...النموذج الأمثل | المسار السياسي في حياة أهل البيت (عليهم السلام) | وقفة في ضلال ذكرى فاجعة تفجير سامراء | حرائق الفساد الإداري.. قد تمطر في أي مكان! | عالمية الشعائر الحسينية تقذف النور في عتمة المعمورة | المصدر: وكالات | الإعلام والمستقبل في فكر الإمام الشيرازي | قيس بن مسهر الأسدي | ثالث أنوار الأئمة... علي بن الحسين (سلام الله عليه) | الصمت المخيف... والترقب الحذر |

اللاعنف في الفكر الشيعي.. الإنتشار السلمي للإسلام في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)

 

25 شوال 1431 - 05/10/2010

بقلم: الباحث نبيـل الكرخي

يحاول الكثير من أعداء الإسلام إظهار الإسلام وكأنه دين وعقيدة مبنية على القتال والعنف وأن إنتشاره متوقف على فرضه على الآخرين بالقتال والسيف ، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول التي تسببت بها زمرة منتسبة للإسلام بعيدة عن منهجه الأصيل ، نجد الحملة ضد الإسلام وقد أزدادت شراسة لا سيما في بلاد الغرب ووسائل الإعلام العالمية في نفس الوقت الذي بدأ به المسلمون في كل مكان يعانون من إرهاب ديني يطالهم ويعرضهم للإعتقال والمضايقات الأمنية والإجتماعية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ، فربطوا بين الإسلام والإرهاب وهو ربط تصدت للقيام به مختلف الجهات المعادية للإسلام التي عجزت عن الوقوف بوجه إنتشاره المبني على أسلوب الأقناع وعرض الآراء والمباديء بالطرق المتحضرة ، فلجأت إلى محاولة تشويه صورة الإسلام بإبتداع أفكار مغلوطة وإلصاقها بالإسلام ، تجد ذلك بوضوح في الكثير من مواقع الملحدين والمواقع المسيحية والماسونية على شبكة الأنترنيت.

فحين نقرأ التاريخ الإسلامي في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) نجد أن الأسلوب السلمي في الدعوة للإسلام هو السائد بشكل مطلق ، وان المسلمين لم يلجأوا للحرب ضد قريش وبقية القبائل العربية إلا دفاعاً عن وجودهم المرتبط بوجود الإسلام ودفاعاً عن حقهم في نشر الإسلام بصورة سلمية ، فكان هدف (نشر الإسلام بسلام) هو الدافع لكثير من الغزوات والسرايا التي تمت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تلك الغزوات والسرايا التي كانت تهدف لكسر شوكة المشركين وتحطيم القوة العسكرية التي يمتلكونها والتي تشكل عائقاً أمام حرية تنقل المسلمين في شبه الجزيرة العربية للدعوة لدينهم بصورة سلمية عن طريق إسماع القرآن الكريم الكريم للعرب ليتعرفوا على الناحية الإعجازية فيه والتي تدل على صدق النبوة وكذلك للإطلاع من خلاله على النواحي الأخلاقية التي جاء بها.

الدعوة المكية:

من المعروف أن المسلمين رغم كل الأذى الذي لاقوه من قبل المشركين في بدء البعثة النبوية الشريفة نجدهم ملتزمين تماماً بمنهج الدعوة السلمية ونبذ العنف ، فبدلاً من مقابلة أذى المشركين بأذى مقابل (رد فعل فردي على أقل تقدير) ولكن أياً من ذلك لم يحصل وفضّل المسلمون الخروج من وطنهم والغربة فراراً بدينهم ، فلم تصدر عنهم أي إساءة أو عنف تجاه المشركين. وكان عدد المسلمين المهاجرين إلى الحبشة حوالي 82 مسلم خرجوا جميعاً من مكة نحو الحبشة في السنة الخامسة للبعثة ، وهؤلاء الـ 82 مسلم جميعاً قد حافظوا على إنتمائهم الإسلامي ونبذهم للعنف بالإضافة إلى الـ 50 مسلم الذين لحقوا بهم في الحبشة مهاجرين من أرض اليمن ، وكذلك المسلمين الذين بقوا في مكة بين ظهور المشركين ، جميعاً كانوا متمسكين بالمنهج السلمي للدعوة للإسلام كما هو إرشاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم ، ومن المعلوم إنّ الأسلوب السلمي للدعوة الإسلامية ونبذ العنف قد أثمر ثماره المباركة في إيمان مجموعة من قبائل الأوس والخزرج في يثرب وإعتناقهم الإسلام ، وبدأت هجرة المسلمين إلى يثرب وإستقرارهم بها حتى بوركت جهودهم بهجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب وتكوين أول دولة إسلامية في التأريخ وهي بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله).

الدعوة المدنية:

كان تشكيل الدولة الإسلامية في يثرب قد شكّل ضربة قوية للمشركين ونظامهم السياسي والإجتماعي في مكة وكل الجزيرة العربية ، حيث حصل المسلمون على موطيء قدم مهم في جزيرة العرب يكون منطلقاً نحو الجزيرة العربية كلها لتحقيق الإنتشار الإسلامي في جميع أنحائها بنفس أسلوب الدعوة السلمية ونبذ العنف في الفترة المكية وهو الأسلوب الذي ضمن للمسلمين النجاح في يثرب ، وقد تنبه المشركون لهذا الأمر مبكراً ، وقرروا منع تغلغل المسلمين في باقي انحاء الجزيرة العربية ومنع أختلاطهم مع القبائل العربية ، والإصرار على منع تكرار تجربة المسلمين في يثرب في أي منطقة أخرى من بلاد العرب ، فكان الحزم والشدة والتقتيل منهجاً للمشركين لمنع تنقل المسلمين خارج يثرب ومنع أتصالهم ببقية القبائل العربية بحيث تكون بلاد العرب منطقة مغلقة في وجه المسلمين ، ونتيجة لهذه السياسة التي أتبعها المشركون لم يعد بإمكان أي مسلم التنقل بين القبائل العربية خارج يثرب دون أن يناله القتل ، وأصبح الأمان مفقوداً للمسلمين خارج يثرب ، ولعل حادثة بئر معونة التي سنأتي على ذكرها ، هي نموذج للأخطار التي كانت تتهدد المسلمين خارج يثرب ، ونتيجة لذلك فقد أصبح المسلمون من الناحية العملية محاصرين في يثرب ، فلا تجارة ولا قوافل ولا علاقات إقتصادية مع أي جهةٍ كانت ، ولذلك عاش المسلمون في يثرب معيشة الفقر والحاجة ، وظهرت طبقة من المسلمين وهم فقراء المهاجرين يعيشون في المسجد وينامون فيه من شدة فقرهم وهم أهل الصفة وعددهم حوالي الأربعمائة مسلم ، واستمر حال المسلمين على هذا النحو دون أن يحركوا ساكن ولمدة سنتين ، حتى أتى أمر الله عزَّ وجل فنزل قوله تعالى : (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله )) ، وبنزول هذه الآية المباركة بدأ منهج إسلامي جديد يتضمن كسر شوكة المشركين العسكرية من أجل فسح المجال للدعوة السلمية الإسلامية وضمان حرية تنقل المسلمين بين القبائل العربية ، فبدا المسلمون يتعرضون لقوافل قريش ويقطعون الطريق التجاري بين مكة وبلاد الشام من أجل إضعاف قوة قريش وفرض هيبة الدولة الإسلامية الجديدة ، فكانت معركة بدر الكبرى ونتيجتها الحاسمة التي أسست للإنتشار السلمي للإسلام في كل أنحاء الجزيرة العربية ومن ثم في كافة أنحاء العالم.

شهداء بئر معونة :

وهم سبعون مسلماً من القرّاء أستشهدوا وهم في طريقهم لنشر الإسلام بين القبائل العربية ، وتتلخص قصتهم بأن أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطلب منه رجالاً مسلمين يذهبون إلى نجد ويدعون أهلها للإسلام وهو الكفيل والضامن لسلامتهم ، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعين مسلماً من القرّاء ، وحين وصلوا بئر معونة هجم عليهم عامر بن الطفيل مع قبائل عصية ورعلاً وذكوان والقارة وقتلوهم ، وهذا نموذج واضح للصعوبات التي كانت تواجهها الدعوة الإسلامية بين القبائل العربية رغم سلمية تلك الدعوة.

ولم يكتف المشركون في منع المسلمين من التنقل بين القبائل العربية بل سعوا للإعتداء على المسلمين في عقر دارهم أي في يثرب ، فنجد بعض المشركين يتسللون إلى يثرب لإغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكن محاولاتهم تلك باءت بالفشل والحمد لله ، منهم أحد المشركين من قبائل غطفان ومحارب الذي نزل فيه قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) ، ومشرك آخر بعثه أبو سفيان لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) ولكن أمره أنكشف فتم أسره وحبس في بيت أسيد بن حضير ثم أطلق سراحه بعد ذلك منّاً وأسلم بعدها ، وآخرون أيضاً حاولوا تلك المحاولات الفاشلة التي تعكس مدى إصرار المشركين على الوقوف بوجه الدعوة الإسلامية والقضاء عليها من خلال منع المسلمين من التنقل بين القبائل العربية ومحاولة قتل النبي (صلى الله عليه وآله).

أستشهاد عاصم بن ثابت وأصحابه :

وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن بكير الليثي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق ، وقيل هم عشرة مسلمين ، وتتلخص قصة إستشهادهم بأن جماعة من قبيلتي عضل والقارة قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وادعوا أن فيهم مسلمين وطلبوا نفراً من المسلمين يعلمونهم الإسلام ، فذهب هؤلاء الشهداء المذكورين معهم ، وفي الطريق غدروا بهم وقتلوهم عدا خبيب وزيد اللذان أسرا وبيعا إلى قريش التي قتلتهم بعد ذلك صبراً.

وهناك نماذج كثيرة من التاريخ الإسلامي تصب في هذا السياق ، وتبين صعوبة تنقل المسلمين بين القبائل العربية وهم دعاة مسالمون لا يملكون سوى القرآن الكريم سلاحاً لهم في الإستيلاء على عقول وقلوب المشركين.

إسـلام همـدان:

نموذج على صدق ما ذهبنا إليه من الإنتشار السلمي للإسلام بين القبائل العربية ، فدخول قبيلة همدان اليمانية في الإسلام كلها دفعة واحدة في يوم واحد حين دعاهم لذلك الإمام علي عليه السلام بعد إرساله إلى اليمن من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) هو دليل على قوة الإسلام التي كان يتخوف منها المشركون وهو دليل على صحة التخوف المذكور الذي كان من نتائجه العداء بين المشركين في جميع الجزيرة العربية مع المسلمين ومنعهم من حرية التنقل التي ذكرناها آنفاً ، فالمشركون كانوا يعلمون جيداً عظمة القرآن الكريم وقدرته على إقناع العرب في صحة الرسالة الإسلامية وأحقيتها في الإتباع.

ولذلك نجد قوله تعالى يؤكد على أهمية إسماع القرآن الكريم للمشركين وهو : (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)).

صلـح الحديبيـة :

وهو الصلح الذي أصبح فتحاً للمسلمين وبوابة إنتصار الإسلام ، ذلك الإنتصار الذي بني على الدعوة السلمية والإقناع ، ويكفي أن نعلم أن الإسلام أنتشر وأعتنقه الآلاف من العرب مستفيدين من فترة السلام التي حصلت بين المسلمين من جهة وقريش وبقية العرب من جهة أخرى ، حيث أن عدد المسلمين في صلح الحديبية كان ألف وأربعمائة مسلم تضاعف خلال سنتين من الإنتشار السلمي في أجواء السلام إلى عشرة آلاف مسلم في فتح مكة. وهذا دليل قاطع على أن الإسلام لم ينتشر إلا بالسلام ونبذ العنف وأن الإسلام لم يجبر أحداً على إعتناقه بخلاف ما يشيعه أعدائه عنه.

يقول الطبري في تاريخه ج 2 ص 283 طبعة مؤسسة الأعلمي : (يقول الزهري فما فتح في الاسلام فتح قبله كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا الا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الاسلام مثل ما كان في الاسلام قبل ذلك وأكثر).

وتتابع العرب بعد ذلك في إعتناق الإسلام حتى أطلق على العام الذي يليه أسم عام الوفود لكثرة من وفد من العرب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) معلناً إسلامه طوعاً.