27 ذي الحجة 1428 - 07/01/2008
لا يشك من نظر في التاريخ الإسلامي وتأمله بعين البصيرة، وأمعن النظر في الأخبار والآثار، وجرد نفسه عن شوائب التقليد، إنه لما جاء الإسلام كان في مبدأ أمره ضعيفاً وأتباعه ضعفاء، وأن أكثر العرب ومن رؤسائها البارزين قريش تألبت ضد الإسلام وضد النبي (صلى الله عليه وآله) الذي جاء به وحاربته وقاومته جهدها، لأنه سفه أحلامها وأهان أصنامها، ولم تدع وسيلة لمقامته إلا واستخدمتها حتى ظهر أمر الله تعالى وهم له كارهون، وليس خافياً على الله ما تخفيه سرائرهم ونواياهم، ولا عجب أن اتضحت حقيقة البعض ممن دخلوا الإسلام من عرب الجاهلية ورجالات قريش، وقد لزموا باب الاضطرار لذلك تماشياً مع مصالحهم وخشية ضياع مراكزهم ونفوذهم القبلي وتحاشيا للموت الذي يلفهم في ساحات الحروب والمنازلة إذا ما أصروا في البقاء على ديانتهم الوثنية، وتلك حقيقة كشفتها الوقائع والأدلة التاريخية.
ولقد كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قطب رحى هذه الحروب وفارسها الصنديد، وكشاف داجية تلك الخطوب، حتى قام الإسلام المحمدي بسيفه، وقتل صناديد المشركين، فامتلأت بالحسد والعداوة له القلوب الجاهلية، وتصاعدت وتيرة البغض والعداء لعترة النبي الطاهر {علي (عليه السلام) وبنيه وذريته} وأيضا لصحابته وشيعته، مع مرور الزمن، وراحت تنكشف حلقات التآمر والعدوان بكل أشكالها الغادرة وصوره الوحشية في العشر الأموي والعباسي.
ولم يتوقف سيل الافتراء الظالم والاستهداف السافر لأهل البيت (عليهم السلام) ومذهب التشيع، بل ومسلسل طويل ومرير من ممارسات الاضطهاد والقتل والإبادة الجماعية والنفي، أفرزته سياسات الحكم العثماني الجائرة، ولجملة قرون زمنية، كل ذلك ظل صوراً وحقائق ماثلة في ذاكرة التاريخ وحياة الأجيال السالفة من أمة الإسلام.
وإذا كانت سياسات حقد الجاهلية والنزاعات القبلية المقيتة المتجذرة من قريشية وأموية وعباسية وعثمانية، عي التي شحنت أجواء وساحات البلاد الإسلامية، بموجات الخلاف والعداء الآثم لشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، وشتت جمع المسلمين في الأزمنة السالفة، فإن الجاهليون الجدد الذين ظهروا في التاريخ الإسلامي المعاصر، وما أسسوه من حركات مشبوهة وتيارات منحرفة وأفكار هدامة يرفضها ويدينها الإسلام الأصيل بشدة.
وهذه جاءت بتوجيه ودعم استعماري صهيوني مكشوف، وكانت وسائل ناجحة وأدوات رخيصة ومناسبة لهدم دين الإسلام وتمزيق كيانه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري، وهو ما حصل بالفعل على امتداد المائة سنة الاخيرة، وحيث تمزقت جغرافية العالم الإسلامي وتقطعت أوصاله، ليتحول إلى دويلات مقسمة متخالفة ومتناحرة تنتابها الأزمات والصراعات الحادة.
اليوم تتكرر الصورة وذات المسلسل العدائي الجاهلي لفكر ونهج وآثار أهل البيت (عليهم السلام) كما تتكرر موجات التشويه والتسقيط وحملات التصفية الطائفية التي تبثها وتقودها زمر الإرهاب التكفيري المدعومة خارجياً، وتستهدف بها أتباع مذهب التشيّع في بقاع وبلدان إسلامية عدة، فالذي يحصل الآن لملايين الشيعة في دول خليجية ومصر وتركيا والباكستان وأفغانستان وللشيعة في لبنان على يد إسرائيل وحلفاءها ما هو إلا صور حية وناطقة تروي حجم المؤامرة وطبيعة التحدي المعادي المفروض.
العراق بات الآن الحلقة الأهم والأكثر تركيزاً في الاستهداف والتدمير، كونه الساحة الأم الحاضنة لمذهب التشيّع والأكثر وللأكثرية من أنصار محبي الأئمة الأطهار من آل النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) والبشاعة الدموية المروعة التي بلغتها يد الإرهاب التكفيري – الطائفي في القتل والذبح الجماعي وفي الخطف والتهجير والتدمير الذي راح يطال وشيعة العراق، هذه البشاعة والمديات البالغة، ترسم أكثر من علامة استفهام إزاء ما يحصل ويجري في هذا البلد العريق بإسلامه وحضارته وأصالته تاريخ شعبه المجاهد المظلوم، وهل من نهاية لهذا المسلسل الدرامي الخطير...؟