7 محرم 1429 - 16/01/2008
منذ اعتلى يزيد بن معاوية عرش الخلافة الأموية الغاشمة سنة 60هـ راح ينفذ المخطط الذي وضعه أبوه معاوية بن أبي سفيان في حياته للقضاء على الإمام الحسين عليه السلام والذي عجز عن قتله كما قتل الإمام الحسن عليه السلام، لاسيما بعد أن عرف معاوية أن الحسين لا ولن يبايع يزيد، ولا بد أن يخرج عليه ولذلك ادخر له وصية مهمة عند مشاورة سرجون، ليقضي على التحرك والنهضة الحسينية الحقة، ولقد فعل الحسين عليه السلام كل ما بوسعه من اجل أن يلفت نظر الأمة إلى أفعال معاوية المشينة ومخططاته المشبوهة، ويوجهها نحو قيم الإسلام العليا، ليعيدها من جديد إلى عهد رسول الله صلى الله عليه واله بعدما حرفت سلطة بني أمية مسار الإسلام الأصيل نحو منعطفات خطيرة.
مسيرة النهضة والقافلة الحسينية وهي في طريقها من نقطة انطلاق الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة معقل جده النبي المصطفى صلى الله عليه واله إلى ارض الطف كربلاء، مرت بجملة محطات، وهذه شهدت تحركات وأنشطة مختلفة وحوادث كان لها الأثر الايجابي في بعض، والسلبي لبعضها الآخر على مسار الثورة الحسينية وأبرز محطات قافلة الإمام الحسين عليه السلام كانت:
- التوجه إلى مكة:
حين عزم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة المنورة توجه إلى مكة المكرمة أولى محطاته نحو كربلاء، وقصد قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله ليودعه وداعه الأخير، لأنه يعلم أنه لا يعود إليه ثانية، وليبث شكواه إليه ويستمد من روحانيته العون على مواجهة المحنة الكبرى، ولذا وقف إلى جانب القبر الشريف مناجيا ربه: "اللهم إن هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا".
ثم توجه إلى قبر أمه الزكية فاطمة البتول الطاهرة، وفاض على قبرها أشواقه وأحزانه، وودعها الوداع الأخير، وهكذا فعل مع قبر أخيه الإمام الحسن الزكي المجتبى، وبعد حوار مع أخيه محمد بن الحنفية الذي نصحه بان يبتعد عن الأمصار، لينجو من غدر بني أمية... واستمع الإمام عليه السلام إلى نصائح أخيه بدقة، ثم قال "والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية".
ثم كتب وصيته له جاء فيها "هذا ما أوصى الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية، إن الحسين يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين..".
- مع عبد الله بن مطيع:
في الطريق ما بين المدينة ومكة كان أول من استقبل الإمام الحسين عليه السلام عبد الله بن مطيع العدوي، وقد راح يحذره من الذهاب إلى الكوفة قائلا "إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة، ففيها قتل أبوك، وأخوك طعنوه كادت تأتي على نفسه، فالزم الحرم، فإنك سيد العرب في دهرك، فوالله لئن هلكت ليهلكن أهل البيت بهلاكك".
ألا إن الحسين عليه السلام ازداد تمسكا بالمبدأ والثورة وهو بعلم جيدا ما سيقوم به ويدرك بان كل النتائج ستؤدي إلى نصرة الدين وحركة الإصلاح المنشودة، لاسيما وانه لاقى تأييدا وقبولا من لدن أهل مكة بعد أن تلا عليهم رسالته وغايات رحلته الجهادية نحو كربلاء لمقارعة طغيان وانحراف سلطة حكام بني أمية.
ورغم أن الحسين عليه السلام كان بعلم جيدا أن بني أمية لن يتركوه حيا على كل حال كما أكد ذلك لعبد الله بن عباس، وبالفعل دبروا له عدة مكائد ومحاولات اغتيال وهو في ارض الحجاز لثنيه عن العزم في التوجه إلى العراق وإعلان الثورة على الحكم الأموي الجائر، إلا أنه عليه السلام صمم على الخروج من مكة وبعد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروى تحلل من إحرامه لأنه لم يتمكن من إتمام الحج. مخافة أن يقبض عليه في مكة فتستباح به حرمة البيت الحرام
خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكة يوم التروية في ثمان ليال مضين من شهر ذي الحجة 60 هــ، قاصدا التوجه إلى الكوفة.