15 ربيع الثاني 1429 - 22/04/2008
تعتمد النظم الديمقراطية على أساس التعددية الحزبية وأساليب الترشيح للوصول الى سدة الحكم عن طريق آلية الانتخاب وصناديق الاقتراع، وهذا الحق ليس حكراً على الشخصيات الحزبية بل تستطيع شخصيات مستقلة أن تخوض الانتخابات بعيدة عن التكتلات الحزبية، ومن المتعارف عليه في العمل السياسي والحزبي هو أن تكون الاحزاب ذات برامج سياسية تقوم بطرح أفكارها والبرامج الخاصة بها الى الجمهور ليقوم بالتصويت للبرنامج وليس للإسم-إسم الحزب أو المرشح- عبر صناديق الاقتراع بواسطة عملية إنتخابية تتولى مهمة رقابتها والاشراف عليها جهات محايدة محلية كانت"السلطة القضائية ومنظمات المجتمع المدني" أو دولية"الامم المتحدة" إذا استدعت الضرورة.
وكون العراق بلد له دستور دائم، فقد ضمن حق الترشيح في نصوصه الدستورية في باب الحقوق والحريات المدنية الى جانب العديد من الحقوق الاخرى التي نص عليها مثل حق الاقتراع "الانتخاب"، وحق التمتع بالحياة والكرامة الإنسانية، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، حيث كانت تلك الحقوق محظورة على الانسان العراقي بسبب عدم دستورية البلاد وحصر القوانين بيد الحاكم، لذلك يعد الدستور الوثيقة الاهم التي تتفق عليها الشعوب كعقد وطني يجب إحترامه، وهي نتاج لمقارعة طغيان السلطة السياسية المستبدة والحصول على حقوقها العادلة، ومن خلال هذه الوثيقة تمكنت الشعوب من إجبار حكامها على التمسك بقواعد قانونية وأخلاقية لإدارة الشأن العام، وصولاً إلى الاستقرار والعيش الكريم، ولا يجدر بأي قانون آخر أن يتعارض ونصوص الدستور، فإذا عمل الجميع على إحترامه والاحتكام له أصبحنا نسير في إطار دولة المؤسسات التي يجب أن يخضع لها الجميع بما فيها الاحزاب والحكومة وبقية مكونات الدولة.
وهنا يأتي دور الاحزاب والكتل السياسية في الحفاظ على هذه الوثيقة المهمة وعدم تجاوز نصوصها أو إختراقها أثناء ممارسة الحكم والسلطة وتفعيل دور القضاء لجعلة خط الدفاع الاول في الحفاظ على تطبيق نصوصه.
فالاحزاب التي تريد الاشتراك في العمل السياسي والوصول الى السطة أو المشاركة فيها يجب أن تخضع لبعض الشروط، منها على سبيل المثال "أن لا يمتلك الحزب أو الكيان السياسي جناح عسكري، أو يجب أن يكون الحزب غير مرتبط بدولة أجنبية تعمل على زعزت الامن والاستقرار داخل البلد"، وهما شرطان ضروريان لضمان العمل الحزبي السلمي البعيد عن استخدام القوة والارهاب ضد المقترعين أو زرع الرعب والخوف في نفس من يريد الترشيح أو التصدي لأي منصب ممن هو خارج دائرة تلك الاحزاب.
والاضرار التي يحملها عدم توفر الشرطين أعلاه تكمن في:
أولاً: إذا كان الحزب يمتلك جناحاً عسكرياً.
1- الصعيد القانوني، يعرض من يتبناه الى مشاكل كبيرة وخطيرة ومنها المساءلة القانونية سواء ما يتعارض والقوانين المحلية أو الدولية ووضع هذا الحزب أو ذلك تحت أحد المسميات الشائعة اليوم في قاموس السياسة الحديثة أو ما يعرف بـ(الارهاب).
2- الصعيد الشعبي، فإن الجناح العسكري عادة ما يقلل من شعبية الحزب أو التنظيم السياسي لميل الناس الى حب الهدوء وعدم إشاعة الفوضى كونهم ينظرون الى من يحمل السلاح طرفاً متزمتاً حتى وإن كان صاحب حق وقضية عادلة.
3- الصعيد الدولي، يفقد الدعم الدولي كون المطالبة بالحقوق بوساطة الوسائل السلمية أثبتت نجاحها في العديد من التجارب ويتم من خلالها الحصول على كسب التأييد والدعم الدولي لأن شعوب العالم الحرة تحترم من يفشي ثقافة السلام ونبذ العنف ويحترم حقوق الانسان سواء كانت حركات أوحكومات أوتجمعات ...الخ.
ثانياً: إذا كان الحزب مرتبط بدولة أجنبية تعمل على زعزة الامن والاستقرار داخل البلد.
1- يجعل من الحزب المرتبط بالخارج ينفذ أجندة الجهة المرتبط بها في بلادة على حساب عمله وبرنامجه السياسي.
2- يجعل ولائه الى من يرتبط به أكثر من ولائه لبلده.
3- يجعله عرضة للإتهامات من قبل الجهات الحزبية الاخرى والقواعد الشعبية.
4- تجعل من مخابرات الدولة الاجنبية هي التي تتحكم بتوجيه عمله الحزبي وتحديد شخصياته الحزبية بحسب الولاء وتنفيذ الأوامر المسندة اليه.
وبذلك وجدنا العديد من الاحزاب التي إعتمدت السلاح بإعتباره جزءاً مكملاً لتنظيمها الحزبي أو تلك التي تمتلك جناحاً عسكرياً أفقدتها تلك الصفة الكثير من المميزات التي تتمتع بها على الاحزاب الاخرى، كما حدث مع الاخوان المسلمين على سبيل المثال حينما عرضوا أنفسهم وتاريخهم وقواعدهم الشعبية للمساءلة والمطاردة بإعتمادهم على السلاح كأداة للتغيير في نهجهم الحركي.
وبالعودة الى ما يجري في العراق فقد صدر مؤخراً وعلى خلفية الاحداث التي دارت في مدينة البصرة والمدن العراقية الاخرى في الوسط والجنوب قرار من المجلس السياسي للامن الوطني ببغداد يقضي بعدم مشاركة الكتل والأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية أو المحلية القادمة والتي لديها ميليشيا عسكرية في حال عدم حلها بحسب وصف البيان، وهو أمر يستدعي الوقوف والتأمل بمواقف الاطراف السياسية وخلفيات إتخاذ هذا القرار ومدى إمكانية تطبيقه ومطابقته لأحكام الدستور.
ومن كل ما تقدم نجد:
أولاً: لم يسن قانون ينظم عمل الأحزاب من قبل الجهة التشريعية(البرلمان) وفقاً للحالة السياسية التي يشهدها العراق بعد التغيير والتي تدعو إلى التعددية الحزبية وحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب التي نص عليها الدستور الدائم في ظل عراق ديمقراطي.
ثانياً: المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي الجهة الوحيدة التي تحدد من يحق له الدخول في العملية الانتخابية أو لا يحق له وفقاً لقانون الأحزاب المشرع من قبل البرلمان.
ثالثاً: المجلس السياسي للأمن الوطني لا أساس دستوري له، وقراراته ليست ملزمة أو واجبة التطبيق، ومن الممكن أن يرفع المجلس توصياته عن طريق الكتل السياسية المتمثلة داخله إلى البرلمان ليقوم الأخير بالتصويت عليها كقانون يسري على جميع المكونات التي تحمل صفة الأحزاب السياسية.
رابعاً: حق الترشيح والانتخاب مكفول لجميع العراقيين بموجب الدستور واعتباره من الحقوق والحريات المدنية التي يجب احترامها.
خامساً: يجب وضع تعريف لمفهوم الميليشيات حيث نعتقد إن أغلب الأحزاب العراقية تمتلك أجنحة عسكرية(ميليشيات) ويجب أن يسري القانون على الجميع لضمان سير العدالة وتطبيق القانون كي تعود ثقة المواطن بأجهزة الدولة ومؤسساتها الدستورية، ويعدّ خطوة جيدة في طريق العمل الديمقراطي.
سادساً: حظر الدستور ممارسة العمل السياسي على الاحزاب والحركات التي تصنف ضمن "الارهاب" وبذلك فالحكم الذي يصدر بحرمان جهة ما من ممارسة العمل الانتخابي يجب أن يصنفها تحت هذا العنوان وهذا ما يجب أن يقرر من قبل القضاء.
سادساً: تستطيع شخصيات الاحزاب المحظورة من الدخول في العملية السياسية من خلال الدخول تحت هذا المسمى أو ذاك كما فعل أعضاء سابقون في حزب البعث المحظور بموجب الدستور، وهو ما يوجب التمييز بين العنوان الحزبي والشخصية الحزبية.
وبما إن أغلب الاحزاب السياسية الموجودة ضمن العملية السياسية اليوم كانت معارضة للنظام السابق فقد كانت طبيعة عملها تأخذ منحى عسكري الى جانب الحشد الدولي الذي مارسته لإسقاط ذلك النظام، لذلك عليها اليوم جميعاً التخلي عن عسكرت التنظيمات الحزبية لتمارس عملها كمنظومات سياسية تصل الى الحكم عن طريق العمل الديمقراطي القائم على اساس الانتخابات الحرة، وهذا ما تطلع له العراقيون أثناء وضع التشريع الذي ينسجم مع ما ورد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، خصوصاً ونحن نعيش في ظل الربيع السياسي الذي تشهده بغداد في أجواء وجهود متوحدة في الرأي والمواقف بعد الاحداث التي شهدتها البصرة.