27 ذي الحجة 1428 - 07/01/2008
إن أول ما اختط من الكوفة مسجدها الأعظم ودار الإمارة وبيت المال، يروي البلاذري (إن سعداً لما انتهى إلى موضع مسجدها أمر رجلاً فعلا بسهم قبل مهب القبلة فأعلم على موقعه، ثم علا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم على موقعه، ثم علا بسهم قبل مهب الجنوب واعلم على موقعه، ثم علا بسهم قبل مهب الصبا فاعلم على موقعه، ثم وضع مسجدها ودار الإمارة في المقام العالي وما حوله، ثم اقطعت الأراضي واختطت كل قبيلة موضعها)..
وكان قصر الإمارة يتصل بالمسجد من جهة القبلة، ولم يكن لمسجد الكوفة سور في بادئ الأمر، بل كان صحنه مشكوفاً يحيط به خندق وله سقيفة يستظل بها المصلون، ثم أحيط المسجد بسور من اللبن والطين، ويذكر ياقوت أن الخليفة الثاني كتب إلى سعد يأمره بأن يخط مسجد الكوفة بحيث يتسع للمقاتلة أو ما يكفي لأربعين ألف مصل.. ثم وسعَ المسجد بحيث صار يتسع لستين ألف مصلّ، وبنيت الجدران بالآجر المستخرج من خرائب الحيرة.
وقد رفض الإمام علي (عليه السلام) النزول في دار الإمارة لسعته وكثرة مرافقة قائلاً أنها دار الخبال، وهذا يدل على شدة تواضعه وتقشفه وعزوفه عن الدنيا وزخرفها..
وقد أصبح دار الإمارة في الوقت الحاضر عبارة عن إطلال وخرائب.
والجامع في الوقت الحاضر مربع الشكل وتبلغ أضلاعه (110) متراً و (109) متراً و (116) متراً و (116) متراً ويبلغ ارتفاع جدران السور حوالي (20) متراً. ويدعم السور (28) برجاً نصف دائري، ويقع مدخل المسجد الرئيسي في طرف جدار المؤخرة الشمالي الشرقي ويتألف من إطار مستطيل يتوسطه عقد مدبب عند الوسط وحوله زخارف آجرية محفورة حفراً مخملياً جميلاً وهذه الزخرفة تعود للقرن السادس الهجري.
أما صحن المسجد فهو مكشوف توجه فيه مجموعة من المحاريب ويتوسطه موضع (السفينة) التي ربما كانت أرضيتها أرض المسجد الأول، وقد حدد هذا المكان بشكل مثمن، ينزل إليه بسلم يؤدي إلى بناء مكشوف وفيه حجرة صغيرة داخلها محراب، وهناك أسطورة تقول أن مياه الطوفان التي غمرت العالم كله في عهد النبي نوح (عليه السلام)، قد تدفقت في هذا المكان بالذات. وتوجد في المسجد عدة مقامات منها:
مقام النبي إبراهيم (عليه السلام)، ومقام الخضر (عليه السلام)، ومقام بيت الطشت، ومقام النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، ومقام النبي آدم (عليه السلام)، ومقام الإمام الصادق (عليه السلام)، ومقام جبرائيل (عليه السلام)، ومقام زين العابدين (عليه السلام).
وفي صحن المسجد أواوين عديدة على امتداد أضلاعه كل إيوان يشتمل على غرفة تستضيف الزائرين - وفي الروايات أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عندما أسري به ليلة الإسراء نزل في موضع مسجد الكوفة وصلى فيه.
محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) وموضع استشهاده
لقد أنشأ حديثاً بناء فخم كبير يضم موضع مصلى ومحراب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهو موضع استشهاده سنة (40) هجرية، وروعي في بنائه وتزيينه أحدث الأساليب العصرية والفنون المعمارية وكسيت جدرانه والمحراب بأنفس أنواع المرمر المستخرج من قيعان البحار وكذلك من الألمنيوم المذهب وبني المنبر من الرخام الإيطالي المعرّق الفاخر وذلك تخليداً لذكرى سيد البلغاء والمتكلمين الإمام علي (عليه السلام) والذي صرح فوق ذلك المنبر بأروع الخطب البلاغية التي أصبحت مدرسة في فن البلاغة والبيان.
وهذا البناء بمجموعة يقع داخل المسجد الأعظم على امتداد الجدار القبلي.
مرقدا مسلم وهاني
ويلتصق بالمسجد من الشمال بناء يضم مرقدي (مسلم بن عقيل بن أبي طالب) سفير الإمام الحسين (عليه السلام) لأهل العراق، و(هاني بن عروة) الصحابي الجليل الذي قتل بسبب ولائه ونصرته للإمام الحسين (عليه السلام) وكذلك مرقد (المختار بن أبي عبيد الثقفي)، الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام) وتقوم على ضريح مسلم قبة شاهقة مطلية بالذهب الخالص، بينما يكسو القاشاني الملون القبة القائمة على ضريح هاني بن عروة، ويتصل هذا البناء الفسيح بصحن المسجد الجامع.
لقد شهد مسجد الكوفة قيام مدرسة عظيمة تخرّج منها ألوف العلماء في الفقه والحديث واللغة والنحو والصرف وفي الكيمياء والفلك والفلسفة.
المساجد والمراقد والمقامات القريبة من مسجد الكوفة
تقوم بالقرب من الكوفة عدة مساجد ومقامات ومراقد، منها مرقد (ميثم التّمار)، أحد أصحاب الإمام علي (عليه السلام) الأبرار وكان تمّاراً.. وإلى جهة الجنوب يقوم بيت الإمام علي (عليه السلام) الذي أتخذه مسكناً في أثناء خلافته، وفي يوم استشهاده غسّله ولداه الحسن والحسين (عليه السلام) من بئر لا تزال فيه، وغرفة هي الغرفة نفسها التي عاش فيها الإمام رغم مرور مئات السنين.
وبظاهر الكوفة يقع (مسجد السهلة) وهو من المساجد المهمة التي يؤمها العرب والمسلمون لما فيها من قداسة وجوانب روحانية عالية.. يقول الإمام الصادق (عليه السلام)، ما من مكروب يأتي مسجد السهلة فيصلي ركعتين بين العشائين فيدعو الله عز وجل، إلاّ فرج الله كربته.
وهناك روايات متظافرة تدل على أن بعض الأنبياء والأئمة قد مروا به وصلوا في موقعه أو محرابه. وفي الوسط توجد مقامات للنبي إبراهيم والنبي إدريس عليهم السلام، وكذلك للإمام الصادق (عليه السلام) والإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكذلك مقام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ومنها أن هذا المسجد كان قديماً بيتاً للنبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد خروج العمالقة، وكان بيتاً للنبي إدريس (عليه السلام) الذي كان يصلي ويخيط فيه.
وللمسجد سور عال يبلغ ارتفاعه (20) متراً وفيه أبراج نصف دائرية، وفي وسطه قبة كبيرة مكسوة بالقاشاني الملون.
ويقال أن الدعوات تستجاب من الزائرين في هذا المسجد بإذن الله تبارك وتعالى.