3 صفر 1433 - 29/12/2011
كان السيد علي بن جعفر الصادق سلام الله عليهما معروفاً بجلالة الشأن والمنزلة وشرف النسب والعلم والتقوى وصحّة العقيدة.
قال الشيخ عباس القمي قدس سره الشريف في (منتهى الآمال ج2، ص303): كان علي بن جعفر سيداً جليلاً، عظيم الشأن، شديد الورع، عالماً كبيراً، راوياً للحديث، كثير الفضل، عاش إلى عهد الإمام الجواد سلام الله عليه.
فيما رأى صاحب كتاب (عمدة الطالب، ص214) أنّه عاش إلى زمن الإمام الهادي سلام الله عليه، أي أنّه عاصر خمسة من الأئمة المعصومين سلام الله عليهم، كما كان شديد الملازمة لأخيه الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، فأخذ عنه معالم الدين وأحاديث آبائهما وأجدادهما حتى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
كان سلام الله عليه أصغر أولاد الإمام جعفر الصادق، ولكن العلماء والمؤرخين اختلفوا في عمره الشريف، حتى اعتبره بعضهم قد ناهر الـ (120) عاماً.
ولد بين عامي (134 ـ 135هـ) وتوفي في عام (220هـ) أي في أوائل إمامة الإمام الهادي.
فضل السيد علي بن جعفر سلام الله عليهما
نقل العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) اتفاق العلماء والمحدّثين على صحة رواياته، بل اعتبروه من أجلّ الرواة وخير الفقهاء، وتبع المجلسي في ذلك الشيخ الطوسي والشيخ المفيد رحمهما الله.
ومما قاله العلامة المجلسي قدس سره الشريف :
«وكان علي بن جعفر كثير الفضل، شديد الورع، سديد الطريق، راوية للحديث من أخيه موسى سلام الله عليه، وهو المعروف بعلي بن جعفر العريضي.
نشأ في تربية أخيه موسى بن جعفر سلام الله عليهما، ومن أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم، وأدرك من الأئمة أربعة أو خمسة. وقال السيد في الأنوار: كان من الورع بمكان لا يدانى فيه وكذلك من الفضل ولزم أخاه موسى بن جعفر سلام الله عليهما وقال بإمامته وإمامة الرضا والجواد سلام الله عليهما. وكان إذا رأى الجواد سلام الله عليه مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة وينكب على أقدامه ويمسح شيبته على تراب رجليه ويقول: قد رأى الله هذا الصبي أهلاً للإمامة فجعله إماماً، ولم ير شيبتي هذه أهلاً للإمامة. لأن جماعة من الشيعة كانوا يقولون له أنت إمام فادّعِ الإمامة، وكان رضوان الله عليه لا يقبل منهم قولاً.
وروي أن الجواد سلام الله عليه إذا أراد أن يفصد أخذ الدم يقول علي بن جعفر للفصاد: افصدني حتى أذوق حرارة الحديد قبل الجواد سلام الله عليه» كما ذكر الكليني قدس سره الشريف في الكافي: عن الحسين بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن محمد بن خلاد الصيقل عن محمد بن الحسن بن عماد قال:
«كنت عند علي بن جعفر بن محمد سلام الله عليهما جالساً وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه يعني أبا الحسن إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا سلام الله عليهما المسجد ـ مسجد رسول الله ـ فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر سلام الله عليه: يا عم اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم. فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ فقال: اسكتوا، إذا كان الله عزّوجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد» .
من الأحاديث الشريفة المروية عنه عليه السلام
1. حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ره قال حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رضوان الله عليه قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن نصر بن علي الجهضمي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن آبائه سلام الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدّى زكاة ماله وخزن لسانه وكفّ غضبه واستغفر لذنبه وأدّى النصيحة لأهل بيت رسوله فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنة مفتّحة له (3).
2. عن عبد الله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر سلام الله عليهم قال: سألت أخي عن الرجل يدعو وحوله إخوانه يجب عليهم أن يؤمّنوا؟ قال: إن شاءوا فعلوا وإن شاءوا سكتوا، فإن دعا وقال لهم أمّنوا وجب عليهم أن يفعلوا (4) .
3. وعنه عليه السلام: سمعت أخي موسى بن جعفر سلام الله عليهما يقول: من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها أثبت الله عزّوجلّ قدميه على الصراط .
4. وعنه: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر سلام الله عليهما في أربع عمر يمشي فيها إلى مكّة بعياله وأهله واحدة منهن يمشي فيها ستة وعشرين يوماً وأخرى خمسة وعشرين يوماً وأخرى أربع وعشرين يوماً وأخرى أحد وعشرين يوما ً(6) .
5. وعنه أيضاًقال: وقال أخي: قال رسول الله: لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن (7).
6. حدثني محمد بن يحيى العطار عن العمركي الخراساني عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه سلام الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يؤمر برجال إلى النار فيقول الله عزّوجلّ لمالك: قل للنار لا تحرقي لهم أقداماً فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد ولا تحرقي لهم وجوهاً فقد كانوا يسبغون الوضوء ولا تحرقي لهم أيدياً فقد كانوا يرفعونها بالدعاء ولا تحرقي لهم ألسنة فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن. قال: فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا: كنّا نعمل لغير الله عزّوجلّ، فقيل لنا خذوا ثوابكم ممن عملتم لهم (8).
مدفنه سلام الله عليه
اختلفت الأقوال في مدفن السيد علي بن جعفر سلام الله عليهما. إذ نسبت إليه ثلاثة مزارات، ومنها:
أولاً: في سمنان، حيث قيل إنّه عزم على زيارة الإمام الرضا سلام الله عليه في خراسان، فابتلي بمرض عضال حتى وافته المنيّة في مدينة سمنان ودفن بها.
ثانياً: في قم، في وسط المدينة قرب مقبرة (كلزار شهداء)، حيث قدم إلى قم بدعوة من أهاليها وعلمائها، إلى أن توفي فيها عام (252هـ).
المدفونون في بقعته المباركة
* أما المدفونون في (بقعة علي بن جعفر سلام الله عليه) بقم المقدسة فهو كما مكتوب على القبر: (هذا قبر علي بن جعفر ومحمد بن موسى سلام الله عليهما)، فهم أولاً: علي بن حسن العلوي بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر العريضي، وثانياً: محمد بن موسى بن إسحاق بن إبراهيم العسكر بن موسى بن السبحة بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، المشهور بقم: بـ (محمد الفقيه).
ولعلّ السبب في اشتهار البقعة المباركة ببقعة علي بن جعفر ومحمد بن موسى، أن الغالب في الفترات السابقة كان حذف وإسقاط الوسائل النسبية، كما كان يقال للإمام العسكري سلام الله عليه: ابن الرضا، والحال أنّه ابن حفيده.
المرقد المبارك
* شيّدت البقعة المباركة عام (707هـ) طيلة (33) سنة، وقيل أن قبة كانت على المرقد منذ عام (453هـ).
والقبة مثمنة الأضلاع مخروطيّة، بارتفاع (30/3) امتار، وقد بنيت من أفضل أنواع الكاشي الأزرق اللون والمطرز بأسماء أهل البيت سلام الله عليهم.
وهناك صحن كبير إلى الشمال من البقعة المباركة مزين بأروع الزنية، وكتب على بابه بخطوط رائعة فضائل السيد علي بن جعفر وكونه قد عاصر خمسة من الأئمة سلام الله عليهم، وذلك طبقاً للاعتقاد بأن صاحب البقعة هو علي بن جعفر الصادق سلام الله عليه مباشرة، وليس السائد بين أقوال العلماء في كونه ابن حفيد الإمام الصادق.
وجدد بناء البقعة المباركة والضريح الفضي في عهد الملك فتح علي القاجاري، كما زيّنت أطراف صحنه المبارك بالآيات القرآنية البارزة وأبيات شعرية كثيرة خاصة بعظمة المكان وفضائل صاحبه.
وقد أوليتْ البقعة الشريفة بكثير الإهتمام بعد انتصار الثورة الإسلامية، حيث رتّبت الإيوانات الأربعة المحيطة بالمرقد، وكذلك رممت البيوتات المجاورة والمسجد المحاذي للحرم، وشيّدت بالقرب منه حسينية ضخمة البناء.
كما تمّ استبدال الضريح الطاهر من قبل إدارة أوقاف قم المقدسة بضريح فضي باهر الشكل، نقشت على أطرافه أسماء المعصومين الأربعة عشر، ومن فوقها أسماء الله الحسنى، ومن تحتها أبيات شعرية فارسية، خاصة بشرح فضائل أهل البيت سلام الله عليهم.
ولمزيد من الاطلاع، يراجع كتاب (كنجينه آثار قم ـ كنز تراث قم) بالفارسية، وكتاب (تربت پاكان ـ تربة الطاهرين) باللغة الفارسية أيضاً، وذلك للإطلاع على تاريخ المرقد ونوع بنائه ووصف القبة بالكامل، وكذلك ما يخصّ أساليب التزيين.