23 شوال 1430 - 14/10/2009
لقد عمدت الحكومات المتعاقبة في العهدين الاموي والعباسي على اتباع سياسة القهر والظلم ضد ابناء المجتمع الاسلامي وخصوصا تجاه المعارضين لسياستها، فقد استعملت شتى الاساليب الارهابية بحق اصحاب المباديء وطلاب الحق والفضيلة ،فخلال العهد العباسي وبالتحديد خلال تولي الخليفة هارون العباسي مقاليد الخلافة اصبح الارهاب جزء لا يتجزء من سياسة الدولة تجاه العلويين بصورة عامة وأئمة اهل البيت(عليهم السلام) على وجه التحديد حيث امر احد جلاوزته المسمى حميد بن قحطبة بقتل واحدا وستين علويا في ليلة واحدة جميعهم من ذرية الامام علي وفاطمة (عليهما السلام )...
ولم يكن امام العلويين الا الرضوخ لأحد امرين :
الاول :الاستسلام وملازمة بيوتهم بانتظار الموت الذي قد يحل بهم في اية لحظة .
الثاني :انتهاج طريق الغربة والتشرد ومفارقة الاوطان والاهل والمحبين .
وكان القاسم بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) من الذين فضلوا الخيار الثاني ،اذ قرر هجرة موطن آبائه واجداده في رحلة شاقة لعله يبلغ مأمنا من الارض تقيه ارهاب السلطة العباسية حتى اخذت بيده الكريمة يد الاقدار ارض سورا ليحل فيها ضيفا على اهلها، ولتضم من بعد جسده الطاهر بين احضانها، وليكون بعد ذلك علما خالداً وصرحا مقدسا يفزع اليه الخائفون ، ويأوي في دوحته المقدسة المحتاجون لتلقي البركات الالهية النازلة في روضته المباركة وهو في ذلك لا يختلف عن بقية اهل البيت (عليهم السلام)
ابواب الحوائج الى الله سبحانه وتعالى .
فعلى مشارف المدينة التي حملت اسمه المبارك (مدينة القاسم) تكتحل عين الزائر الكريم بمشرق قبتة ذهبية التي لا تهدأ انوار اشعتها عن بلوغ اعنان السماء ، ومنائر شامخة كأنها اكف لا تكف عن التضرع الى الله سبحانه وتعالى ليل نهار، تدعو عشاق اهل البيت ومحبيهم لزيارة روضة من جنان الله على الارض وهي تنشر عبقها في آفاق الارض ،وتأخذ بلباب القادمين بقداستها ، جنة تحتضن بحنان العشاق والمحبين بضعة من سيد الانبياء والمرسلين، وشجنة من امام التقوى، حتى باتت مهبطا لملائكة الرحمة وتلقي البركات النازلة فيها.
القاسم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الشهيد بن الشهيد بن علي بن ابي طالب (سلام الله عليهم ) وأمه السيدة (تكتم ) الماقبة بأم البنين وهي أم الإمام ابي الحسن علي بن موسى وأم السيدة المعصومة فاطمة (سلام الله عليها) وبهذا يكون القاسم (سلام الله عليه) شقيق الإمام الرضا (سلام الله عليه)لأمه وابيه ، الأب الذي عانى قيود الحديد في حبس المطاميرالتي حملت في كل ركن من اركانها صورا رائعة عن عبادته ومناجاة لربه، الامام الذي شهد له الداني والبعيد الموالي والمعادي على حد سواء بالورع والتقوى والفضل والجود الكريم حتى قيل فيه: عجبت لن تأتيه صرار موسى كيف يشكو القلة.
وأما الأم فقد حفظت ذاكرة المؤرخين في فضلها : ان الامام الرضا (سلام الله عليه) كان يرتضع كثيرا ،وكان تام الخلق ،فقالت : أعينوني بمرضع ، فقيل لها :أنقص في الدر ؟ فقالت: ما أكذب والله ما نقص في الدر ولكن علي ورد من صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولدت.
وفي سماء هذه الاسرة الطاهرة سطع كوكب منير في سماء الهداية وبزغ فجر ابيض طاهر من سلالة أئمة الهدى والحق ليضيء الدنيا بنور اشراقه الدائم.
واشرقت الارض بنور القاسم (سلام الله عليه) سنة 150 هـ في مدينة الرسول الكريم فهو يصغر الامام الرضا (سلام الله عليه) اخاه بحولين ، ونشأ في كنف والده الذي رأى فيه النباهة والنبوغ منذ ايامه الأولى ، فأحبه حبا شديدا وليس في ذلك تمييزا عن بقية اخوته فالولد كما يقول النبي الكريم ريحانة إن اصابه شيء من الأذى انفطر قلب الأب ألما قبل ان تسقط دموع الأبن على الأرض ، إلا ان الولد الذكي ذو الصفات الأخلاقية العالية تجعل محبة الوالد مضاعفة اتجاهه .
يقول يزيد بن السليط عن الإمام الكاظم (سلام الله عليه )وهو في طريقه الى مكة المكرمة أنه قال له : (اخبرك يا ابا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت الى ابني فلان (يعني الامام الرضا (عليه السلام ) وأشركت معه بني في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، ولو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني ، لحبي ورأفتي عليه ولكن الله ذلك الى الله عزوجل يجعله حيث يشاء ) .
ومما تقدم من الخبر تظهر صعوبة الوضع وخطورته الذي كان يعيشه الإمام الكاظم (سلام الله عليه ) في تلك المرحلة بحيث لا يستطيع التصريح بأسم من يؤول اليه الأمر من بعده فيقول عن الإمام الرضا (سلام الله عليه) فلان ثم يشرك معه باقي اخوته معه كيلا يتميز الإمام (سلام الله عليه )فيكون أحد الأوصياء حاله حال إخوته ولكي لا يصل الأمر الى السلطات العباسية التي تترقب الأمور بكل دقة لمعرفة من سيكون الأمر بعد الإمام الكاظم (سلام الله عليه ) لمحاصرته مبكرا .
كما يظهر الخبر اختصاص القاسم (سلام الله عليه ) بدرجة عالية من الثقة والمحبة عند والده الإمام الكاظم (سلام الله عليه )الذي رأى في ولده كافة الصفات والشروط الذي تؤهله للإمامة من بعده ولكن العهد الإلهي يقضي بجعل منصب الإمام من نصيب الإمام الرضا (سلام الله عليه )بعد والده الإمام الكاظم (سلام الله عليه ), ولا يختلف الأمر بالنسبة للقاسم (سلام الله عليه ) عما حدث لأسماعيل بن الإمام الصادق (سلام الله عليه) الذي كان يحبه حبا عظيما أو محمد بن الإمام الهادي (سلام الله عليه ) إلا ان الفارق بينهم أن القاسم سلام الله عليه ) كان حيا بعد شهادة أبيه بينما توفي إسماعيل ومحمد (سلام الله عليهما ) في حياة الإمامين الصادق والهادي ((سلام الله عليهما).
حين رأى القاسم (سلام الله عليه) هجوم رجال الشرطة العباسية الظالمة على والده الإمام الكاظم (سلام الله عليه ) وهو قائما يصلي ويناجي الله سبحانه وتعالى في مسجد جده الرسول الكريم ( المسجد النبوي) ويودع في احد سجون البصرة ثم ينقل بعد ذلك الى سجن المطامير في بغداد فقد قرر الرحيل ومفارقة الأهل والأحبة على الرغم من رصد كافة تحركاته واخوته ابناء الإمام الكاظم (سلام الله عليه) من قبل العيون والجواسيس الذين كانوا يحملون الأخبار الى مركز السلطة العباسية بصورة فورية ودقيقة وهي سياسة طالما اتبعها الظالمون من قبلهم الطلقاء من اشباه الرجال للدولة الاموية ضد أئمة اهل البيت (سلام الله عليهم ).
يقول الأستاذ محمد علي عابدين معللاً اسباب هجرة القاسم (سلام الله عليه )بـ:
اولا :إنقاذ النفس من أيدي الجلاوزة والجلادين ، طالما ثمة فرصة للإنقاذ .
ثانيا: الخروج من دائرة المراقبة والتربص والإرهاب الذي يحيطهم لا سيما الشباب منهم .
ثالثا :تفويت الفرصة على العدو ، وإعاقة تنفيذ خطة القبض على جميع آل الرسول (صلى الله عليه وآله)خصوصا أولاد الإمام موسى (عليه السلام ) .
رابعا : الخشية على نساء الاسرة المشرفة المحمديات الهاشميات ، فعملية الهجرة والهروب أهون وقعا عليهن من القبض والسجن والقتل ..لا سيما وقد بلغ الثكل مبلغه من النساء المخدرات بسبب تكرار المصائب والفواجع ، بحيث لا تتحمله أى مجموعة نساء غيرهن .
خامسا : ويعتقد أن من الأسباب هو استشهاد والده الإمام موسى (عليه السلام ).
ولعل الهدف الرئيسي من وراء هجرة القاسم (سلام الله عليه ) هو للتغطية على شخص الإمام (سلام الله عليه ) الذي سيخلف الإمام موسى (سلام الله عليه)سيما وأن جواسيس وجلاوزة السلطة على بينة من قرب القاسم (سلام الله عليه ) من والده الإمام موسى (سلام الله عليه)، وربما كانت هجرة القاسم (سلام الله عليه ) هي عملية إاستكمال للدور التمويهي الذي كان الإمام موسى (سلام الله عليه )يقوم به عندما قام بتقريب القاسم (سلام الله عليه ) امام الناس وهو – القاسم (سلام الله عليه )- الأكثر شخصية لكي يقوم بذلك الدور بما يملكه من منزلة في العلم والحكمة والتقوى والفضل ، حتى تظهر حقيقة الإمام ويأمن على سلامة الإمام الرضا (سلام الله عليه) في وقت تكون فيه السلطة مشغولة بالبحث عن القاسم (سلام الله عليه )استنادا الى الصورة السابقة التي استنتجتها عنه اثنا وجود والده الإمام موسى (سلام الله عليه ) وذلك للقبض عليه وإيداعه السجن كما اودعت من قبل والده (سلام الله عليه ).
ومهما تكن الأسباب والدوافع فقد بدأ القاسم (سلام الله عليه ) رحلة هجرته باحثا عن مكان يأمن فيه على حياته ، فغير اثوابه وخرج على هيئة مزارع وذلك لأبعاد الشبهة عنه ، وصار يمشي على ضفاف نهر الفرات ، وقد تكون كربلاء المقدسة أو الغري (النجف الأشرف)هي الوجهة الحقيقية لرحلته ،ولما كانت هاتين المنطقتين تملؤها عيون وجواسيس السلطة العباسية فقد اختار القاسم (سلام الله عليه ) منطقة سورا أسفل الكوفة كونها منطقة زراعية بعيدة عن اهتمام السلطة وتواجدعيونها وجواسيسها والتالي يمكن الإختباء فيها ، ولا يمكن ان يكون القاسم (سلام الله عليه ) قد قررالدخول الى المنطقة دون السؤال من الداخلين والخارجين منها عن المنطقة واحوالها ونسبة تواجد عيون السلطة فيها .
وبعد ان أشرف القاسم (سلام الله عليه) في رحلته على حي (باخمرا) نسبة الى إشتهار سكانه بخمار الطين أي تخميره وخلطه بالتبن ليصبح صالحا للبناء وصنع الأدوات الفخارية ، سمع بنتين تتزودان بالماء من البئر تقول احدهما للأخرى :( لا وحق صاحب بيعة الغديرما كان الأمر كذا وكذا )الأمر الذي جعل القاسم (سلام الله عليه) يطمئن اكثر لأهل الحي فدنا يمشي بإستحياء نحوهن ، وقال للتي أقسمت : من تعنين بصاحب الغدير ؟ فقالت مولاي علي بن أبي طالب ،فسر لهذا الحديث وقال : من هو كبير هذا الحي ؟ فأجابته إحداهن :إنه والدي ،فقال لها : هل لك ان ترشديني اليه؟. وأرشدته الى دار ضيافة والدها وعند وصوله استقبله وأكرم وفادته وأحسن له الضيافة وقضى عنده ثلاثة أيام ثم سأله عن اسمه ونسبه فأجابه القاسم (سلام الله عليه )ان اسمه الغريب ثم قال القاسم (سلام الله عليه ) لمضيفه : ياعم ما عبد الله بشيء أفضل من العمل ، فهلا اخترت لي عملا يكون لي مغنما فقد طاب عيشي بين ظهرانيكم .
فقال الشيخ: اختر لك عملا ، فقال القاسم(سلام الله عليه ): احعلني أسقي الماء.
الجدير بالذكر هنا ان اجابة القاسم (سلام الله عليه ) بأن اسمه الغريب دليل على قلة عدم عيون السلطة والحالة الأمنية الجيدة في المدينة وإلا لأصر كبير الحي على معرفة اسمه وحسبه ونسبه خوفا من مسائلة سلطات الدولة الأمنية وتعرضه للأذى فيما لو عثرت على القاسم (سلام الله عليه ) عنده نتيجة إحدى الإخباريات .
وخلال إقامة القاسم (سلام الله عليه ) في الحي نزلت بركات السماء مطرا غزيرا ،فأخضرت الأرض واينعت الثماروكثرت خيراته بشكل لم يعهده اهل الحي من قبل، فوقع حب الغريب (القاسم سلام الله عليه )في قلوب سكان الحي وزاد تعلق كبير الحي به .
وتستمر القصة كاشفة عن كيفية عرض رئيس الحي على القاسم (سلام الله عليه ) الزواج من إحدى بناته (.. فقبل القاسم (سلام الله عليه) المصاهرة والزواج من البنت التي أقسمت بصاحب بيعة يوم الغديرعند اول دخوله الحي .
وقد عانى القاسم (سلام الله عليه)كثيرا من ألم الغربة والبعد عن الأهل والديار حتى أخذ الحزن منه مأخذا كبيرا مما أثر في صحته فأسرع اليه المرض وأقعده في فراشه إلا ان ذلك لم يقطعه عن التواصل مع الله سبحانه وتعالى شأنه في ذلك شأن آبائه وأجداده حين تحيط بهم الملمات حتى إذا اشتد عليه المرض اجتمع عنده أهل الحي يودعونه بمشاعر ممزوجة بالحزن والأسى فهم يفارقون إنسانا كريما وقدوة لهم في الأخلاق الفاضلة وسببا من اسباب نزول البركات في اراضيهم والرحمة عليهم .
وعند اللحظات الأخيرة من عمره الشريف ، ودنا الأجل افصح القاسم (سلام الله عليه ) عن اسمه ونسبه الطاهرين ، اجهش المحيطون به بالبكاء ، وعلا فيما بينهم حديث العتاب ولوم النفس حين سعروا بالتقصير في حق حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان بين ظهرانيهم فترة من الزمن ثم حملوا الجثمان الصلاح والتقوى بعد ان قاموا بغسله وتكفينه الى شاهق الحي عند موضع اختاره (سلام الله عليه ) بنفسه ليكون ملاذا لكل المحتاجين والخائفين ومزارا يتزود منه المؤمنون البركة والعطاء وبابا من ابواب الحوئج الى الله سبحانه وتعالى سنة 192هـ.
وكان من وصيته (سلام الله عليه) لعمه شيخ الحي قوله :(ياعم إذا مت غسلني وكفني وادفني ، وإذا صار وقت الحج ،حج أنت وابنتك وابنتي هذه ،فإذا فرغت من مناسك الحج ، اجعل طريقك على المدينة فإذا أتيت باب المدينة ، انزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي وامشي انت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب عالية فتلك الدار دارنا ، فتدخل البيت وليس فيه إلا النساء وكلهن ارامل ).
وفي السنة الثانية من وفاة القاسم (سلام الله عليه) حج شيخ الحي مصطحبا بنت القاسم (سلام الله عليه ) معه فكان كما قال القاسم (سلام الله عليه ) حيث طرقت ابنته الباب ففتح لها ، فأجتمعت حولها الهاشميات يسألنها عن اسمها ومن ابوها فبكت فلما خرجت ام القاسم (سلام الله عليه )ونظرت الى شمائلها جعلت تنادي : واولداه واقاسماه...والله هذه يتيمة القاسم ثم اخبرتهن البنت بوقوف جدها وامها عند الباب ، وقيل ان ام القاسم مرضت حين علمت بما حدث لأبنها فلم تمكث سوى ثلاثة ايام حتى ماتت .
تاريخ بناء الحرم القاسمي المطهر
ذكرت المصادر التاريخية ان اول عمارة اقيمت على قبره الشريف ، كانت بينة القوم الذي مات القاسم (سلام الله عليه ) وان الذي بناها هو شيخ باخمرا على شكل غرفة ربما بنيت من طين واللبن وقد كتب عليها (هذا قبر القاسم سليل الإمام الكاظم )، ثم توالت عليه العمارات في العهد البويهي خلال القن الرابع والخامس من الهجرة .
وفي القرن السادس والسابع قامت الأسرة العلوية التي كانت تسكن قرب المرقد بتجديد البناء بشكل جيد والقيام بخدمته حيث اشتهر المرقد فقصدت اليه الناس بالزيارة والسكن .
وقد ذكر الشيخ حرز الدين ان هناك (بناء عرفوه على قبر سيدنا القاسم كان في عهد الملوك الصفوية ،وأول من زار العتبات المقدسة في العراق من الصفويين هو السلطان شاه اسماعيل الأول سنة 914 هـ ) وكان وقتئذ مرقدا حوله حرم وعليه قبة ، ورسم قبره كان صندوقا خشبيا في بستان كثيرة الأشجار .
اما العمارة الخامسة ،فهي عمارة آل سعد وقد أقيمت سنة 1204هـ ، وآل سعد هم قبيلة تسكن مدينة كربلاء المقدسة وقد أرخ السيد صادق الفحام البناء قائلا:
جزاكم الله آل سعد *** خيرا وأوفى لكم جزاه
جددتم مشهد ابن موسى *** لنا واحكمتوا بناه
نلتم بذلك فخرا وعزا *** يقصر الوصف عن مداه
يا زائرا السيد الذي *** قد أخلصه الله واجتباه
وزاده الله من لدنه فضلا*** خص به دون من سواه
مولى الورى القاسم الذي ***من يزره يزر الرضا أخاه
إذا اتيت المقام فانظر *** تجد بناء علي سناه
ألق العصا ثم قل وأرخ *** (وفق للخير من بناه ) 1204هـ
اما العمارة السادسة فيرجع تاريخها الى سنة 1288هـ على نفقة السيد آغا علي شاه الحسيني ، ويدل على ذلك الرخامة الصفراء التي وضعت بجانب باب الحرم على يمين الداخل طولها نصف متر وعرضها ربع متر بسبعة اسطر بخط الثلث ، وقد كتب عليها هذا النص :( قد بنى هذا المشهد الشريف والضريح المبارك قربة الى الله وطلبا لمرضاته لسيدنا القاسم بن الإمام الهمام موسى بن جعفر (عليهم السلام )الأكرم السيد السند النبيل العلوي الفاطمي آغا علي شاه الحسيني بن السيدين المحتشمين السيد حسن الحسيني والمدعو بأقا خان والمخدرة الجليلة (بي بي سركار) وكان ذلك في شهر ذي القعدة الحرام سنة (1288هـ).
ويظهر من الأسماء المذكورة والألقاب ان المتبرع من سكنة الهند ، وقد اجريت على هذه العمارة تطورات كثيرة ،وتتكون العمارة من :
1- حرم مربع طول ضلعه (5،7 م ).
2- صندوق خشبي على القبر .
3- شباك خشبي يعلو الصندوق .
4- قبة كبيرة بيضاء .
5- أواوين على جانبي الحرم الشمالي والجنوبي في كل جانب منها وكل إيوان طوله (9،2 م) وعرضه ( 8،2 م) وارتفاعه ( 2،4 م) .
6- طارمة امام الحرم من جهة الشمال ، امام الأواوين الشمالية طولها (10 م) وعرضها (35،3 م ) وارتفاعها (5م).
7- الصحن الجانبي ، حيث لم يكن الصحن الشريف في هذا البناء محيطا بالحرم كما هو الآن ، بل كان في الجانب الشمالي فقط ، طوله ( 36 م ) وعرضه (10م ) وكان الباب في منتصف الحائط الشمالي .
اما الصحن فيتكون من :
1- الطرف الشمالي وفيه:
أ- غرفة صغيرة متصلة بالحائط الشمالي جانب الصحن .
ب- بئر كبير لأستعمالات للوضوء والشرب .
جـ- حوضان للماء .
د- أواوين .
هـ- سلم سطح الحرم .
2 –الطرف الغربي وفيه:
أ-غرفة كبيرة متصلة بالجدار الشمالي بجانب باب الصحن .
ب – أواوين متصلة في جدار الحرم .
فضل زيارته (سلام الله عليه )
نص السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس في كتابه مصباح الزائر على استحباب زيارت القاسم (سلام الله عليه ) وقرنه بأبي الفضل (سلام الله عليه ) وعلي الأكبر(سلام الله عليه ) وذكر له زيارة خاصة وفي ذلك دلالة واضحة على عظمة القاسم (سلام الله عليه ) وعلو منزلته عند أئمة اهل البيت (سلام الله عليهم ) فعن الإمام الرضا (سلام الله عليه) أنه قال : في فضل زيارة القاسم ( من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم) .
وقد زار مرقد القاسم (سلام الله عليه ) ثلة من العلماء الأعلام منهم :
1- علي بن محمد بن يونس ، البياضي العاملي ، صاحب الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم ، المتوفي سنة 877هـ حيث قال : ( خرجت مع جماعة نزيد على اربعين رجلا الى زيارة القاسم بن موسى الكاظم ، فكنا عن حضرته نحو ميل من الأرض ، فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد أخذ ما معنا ، فخبينا ما خفنا عليه فلما وصلنا رأينا آثار فرسه ولم نره ، فنظرنا ما حول القبة فلم نر أحدا ، فتعجبنا من ذلك مع إستواء الأرض وحضور الشمس وعدم المانع فلا يمتنع إذ يكون هو الإمام أو أحد الأبدال ، فلا ينكر حضور شخص لا يرى لسر اودعه الله فيه ).
2- زين الدين بن نور الدين علي الجعبي ، الشهيد الثاني ، المستشهد يوم الجمعة من شهر رجب سنة 966هـ خلال رحلته لزيارة العتبات المقدسة في العراق .
3- المرحوم الميرزا النوري ، الذي يذكر قصة طريفة وقعت للعلامة الشاعر السيد صادق الفحام المتوفي (1204هـ) مع سيد الطائفة السيد مهدي بحر العلوم المتوفي سنة (1212هـ) حين خروجه من النجف الى الهاشمية لزيارة القاسم (سلام الله عليه) مع جماعة من أهل العلم والأدب ، كالشيخ احمد البلاغي، والشيخ راضي نصار نقلها النوري عن السيد مهدي الهندي .
الصحن القاسمي الشريف وابوابه
تقدر مساحة الصحن القاسمي الشريف بـ (625 م2 )، يتوسطها المقام الذي يضم بداخله المرقد ، ويفتح الصحن على الخارج من اربعة جهات ، حيث يتوسط كل جهة باب كبيرة مزينة بالنقوش ، يحيط بها الكاشي الكربلائي المزخرف والمنقوش ، وقد عرفت باسماء مختلفة للتمييز بينها وهي :
1- باب الإمام موسى الكاظم ( سلام الله عليه ) وتقع في الجانب الشمالي .
2- باب الإمام الرضا ( سلام الله عليه ) وتفتح على الجانب الشرقي حيث جهة مزار الإمام الرضا (سلام الله عليه ).
3- باب القبلة ، وتقع في الجانب الجنوبي ، وهي الباب الرئيسة اليوم لدخول الزائرين .
4- باب الأمير (سلام الله عليه ) وتقع في الجانب الغربي.
وعند الدخول الى الرواق الخارجي المحيط بالحرم يلاحظ الزائر وجود ثلاثة ابواب الوسطى وهي الرئيسية وقد كتب اعلاها ( قال الإمام الرضا عليه السلام : من لم يتمكن على زيارتي فليزر أخي القاسم ).
وأما المدخل الأخر فيقع على يسار الباب الرئيسية وهي باب مخصصة لدخول النساء
وعلى الجدار رواية منقوشة بالكاشي الكربلائي تقول:( جاء رجل الى الإمام الرضا فقال : يا بن رسول الله عظم الله لك الأجر بأخيك القاسم ، فقال له الإمام : في أي مكان وافاه الأجل ؟ فقال الرجل :في سورا ، في حي يدعى (باخمرا ) فقد آمنوه وأكرموه ، فقال عليه السلام : اللهم آمن هذه البلدة من كرب الزمان كما آمنت أخي القاسم ) ويقابلها من الجهة اليمنى نفس الرواية وباب مغلقة.
أما الحرم فهو عبارة عن ساحة مربعة (30 × 30 ) م ،تحيط بها اروقة تطل على القبر الشريف من خلال اربعة مداخل ، تتوسط الأروقة باحة مغلقة بواسطة القبة المزينة بالمرايا المزخرفة ، منقوش عليها أسماء الأئمة (سلام الله عليهم ) وطوقان كتب في الطوق الأعلى ( آية الكرسي ) وفي الطوق الأسفل كتبت آية ( الله نور السموات ولأرض .....) ويبلغ ارتفاع القبة (32)م وبقطر ( 5،12 )م.
كما ينقسم الحرم الى جانبين جزء للرجال وآخر للنساء ، وتزين جدرانه نقوش رائعة مزخرفة بدقة وإتقان .
اما القبر المبارك فيعلوه شباك فضي بمساحة (2 × 5،2) م ،يعلوه تاج ذهبي تتخلل قمته قناديل مضاءة ، وكتائب مزخرفة صغيرة منقوش على كل كتيبة أسم من أسماء الله الحسنى أما ارتفاعه فيبلغ ( 5،2)م مستندا على قاعدة من المرمر ترتفع ربع متر عن الأرض تقريبا ، كما تعلو القبر الطاهر ثريا صغيرة لا تتناسب مع ضخامة القبة وكذلك الشباك الصغير الذي لا يمكن الوصول اليه إلا لمجموعة قليلة وخاصة في اوقات الزيارة حيث يزدحم الناس مما يحرم الكثيرمن الزوار فرصة الزيارة بصورة مريحة .