7 ربيع الأول 1433 - 31/01/2012
بعد اندلاع الثورة الاسلامية في ايران و التطورات التي شهدت ايران بعد هذه الثورة في مختلف المجالات سياسيا ؛ ثقافيا ؛ اجتماعيا و اقتصاديا ، تحت زعامة السيد الخميني نشاهد تطوراً عظيماً في الروضة الرضوية المقدسة في تقديم الخدمات و البناء و الاكتفاء بالذات واصبحت ايران اسوة لكل المجتمعات والدول العربية والاسلامية.
تحولت الروضة الرضوية المقدسة تحت سدانة آية الله واعظ طبسي و تطورت في كافة المجالات حيث لامثيل لها في العصور الماضية.
تتكوّن السدانة من عدد الموسسات و الدائرات و لها موسسة اقتصادية تشرف علي اكثر من خمسين شركة اقتصادية ولها خمس عشرة موسسة ثقافية و اجتماعية تحت مراقبة المجلس الثقافي الاعلي . هذا إضافة إلى عدد من الموظفين الإداريين والمُشرفين على الأملاك والعقارات الموقوفة.
واثناء زيارتنا للمرقد الشريف اجرينا لقاء موسع مع السید جلال حسینی سکرتیر المجلس الثقافی الاعلی للعتبة الرضویة المقدسة، ليتحدث لنا عن مراحل تجديد ضريح انيس النفوس وسلطان طوس الامام علي بن موسى الرضا بمدينة مشهد المقدسة الايرانية.
في البداية قال السید جلال حسینی "يستحثّك الشوق، ويطوي بك المسافات من كلّ فِجاج الأرض العريضة.. ليبلغ بك أرضَ طوس، حيث مشهد الامام الرضاعليه السلام. هنالك تَسبقك أشواقُك المجنَّحة لتقبيل الأعتاب الطاهرة، ولتدخل.. ثمّ تدخل الأروقة والدهاليز والأبواب الرائعة.. حتّى تجد نفسك أمام «الضريح» الشريف".
وتابع حسيني "هو ذا أنت قد بلغتَ قلب البقعة القدسية التي تنهمر عليها الأنوار العُلوية كالمطر السَّكيب. هنا المعنوية الخاصة.. هنا رَفرفات القلوب المحلِّقة.. وهنا الأمن والطمأنينة والأمان. هنا تكفّ عن النظر إلى الأشياء بعين الجسد، ولا ترى ما حولك رؤية «فيزيائية».. بل إنّ عين البصيرة هي مَن ترى وتشاهد وتتملّى وتَتَنوّر وتَشِفّ.. فاذا أنت ـ وأنت أمام ضريح القدس الرضوي ـ أمام بوابة الجمال والجلال التي تُفضي بك الى عوالم الملكوت.. حيث لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خَطَر على قلبِ بشر. هو ذا أنت ـ أمام الضريح المبارك ـ أمام الطريق اللذيذ الصاعد نحو الأعالي.. الذي يخطف منك القلب، ويرقى به الى التألّه والايمان العميق، فاذا أنت تشعر أنك بدأت تتطهّر وتتخفّف وتسمو، وتغتسل روحك بصافي النور المحمدي العلَوي العظيم. واذا أنت تنساب في ضراعة صادقة بين يدَي الله عزّوجلّ وفي مناجاة ساخنة وابتهال.. خاشعاً خشوع العبوديّة لله سبحانه، مُتَطامناً تَطامُنَ الفقراء إلى الله المضطرّين".
واكد حسيني بانه " ليس من المعلوم متى وُضعت صيغة بناء سردابٍ للقبر وضريح لمزار الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام على الصورة التي نراها اليوم. ولكنّه من المسلَّم أنّه لم يكن فوق القبر المطهَّر أيّة شبابيك أو محجّرات حتّى القرن الهجريّ الثامن؛ فإلى ذلك التاريخ لم يُطْلعنا أحد ـ لا من السائحين، ولا من الزائرين ـ عن شيء حول ضريح منصوب فوق القبر الشريف، بل كان المشهور أن العصر الصفويّ هو الذي شهد وضع الضريح. ويُحتمل أنّ ذلك بدأ في عهد التيموريّين.. حتّى أصبح المرقد المنوّر للإمام الرضا عليه السّلام ـ عهداً بعد عهد ـ محاطاً بثلاثة أصداف مباركة (من الأضرحة)، شعّت أنوارها وحظى العاشقون والعارفون بالطواف حولها".
وتابع حسيني "هناک من یعتقد بان صنع الضریح یتعلق الی عهد الصفویین و یعد من مظاهر الفن فی العتبة الرضویة المقدسة فان الضریح الطاهر للامام ( ع ) تعرض للتغیر خمس مرات".
وعن تاريخ ومراحل تبديل الضريح قال حسيني "الضریح الأوّل هو ضريح خشبيّ، تحيط به أحزمة فلزيّة، وهو مزيّن برقائق ذهبيّة وفضّية مطعّمة، ويرجع زمن صناعته إلى عصر الشاه طهماسب الصفوي، أي إلى سنة 957هـ. ونُصب هذا الضريح فوق الصندوق الخشبيّ للمضجع المنوّر. ثمّ بُدِّل هذا الضريح عند استبدال الصندوق الخشبيّ سنة 1311 لتآكل قواعده، وفُصلت الرقائق الذهبيّة والفضيّة المطعّمة بالجواهر عن الضريح الخشبيّ، ونُقلت إلى خزانة الآستانة الرضويّة المقدّسة".
واضاف حسيني "اما الضريح الثاني فهو ضریح حدیدی مرصع یعرف بضریح الزمرد و قد تم اهداءه فی سنة 1160 للهجرة الی الروضة الرضویة المقدسة و نصبه بأمر من شاهرخ بن رضا میرزا ابن السلطان نادر افشار و حفید السلطان حسین الصفوی . ما کان لضریح الزمرد سقف و إن داخل الضریح الحالی قطع من حدید , تحتوی علی قباب صغیرة و علی کل واحدة من هذه القباب المربعة و المتشابکة التی یبلغ عددها احوالی 2000 قبة سبیکة من الذهب زینت باربع قطع من الیاقوت و قطعة من الزمرد . کما أن هناک عارضة علی باب الضریح بخط نستعلیق کتب علیها : المحتاج الی رحمَة ربه , تراب أقدم زوار هذه الروضة , هذا وقف سبط السلطان نادر شاهرخ شاه الحسینی الموسوی الصفوی بها درخان , تم نصب هذا الضریح الطاهر و القباب المرصعة بتاریخ 1160 للهجرة و فی عهد میرزا سعید خان و من اجل الحفاظ علی ممتلکات المرقد المطهر و ضع شباک مطلی بالذهب فوق القبر الطاهر .
وبخصوص الضریح الثالث اكد حسيني " فی عهد السلطان فتح علی شاه ملك القاجاریین , تم صنع ضریح من الفولاذ بأبعاد 3*4*2 م و نصب فوق ضریح الزمرد و صنع سقفه من ورق الذهب و طلی من الخارج بالذهب عند أقدام الامام ( ع ) من الداخل ثم نصب باب مرصع بأمر من فتحعلی شاه . نقل هذا الضریح الی المتحف المرکزی للعتبة الرضویة المقدس أمام عیون النظار" .
والضريح الرابع فهو الضريح الذی يُدعى بـ «شِير وشِكَر» (أي: حليب وسُكّر)، وقد نُصب هذا الضريح الوهّاج سنة 1959م ـ أي في حدود سنة 1380 هـ ـ، تحت إشراف المرحوم السيّد أبي الحسن حافظيان وعلى يد الأُستاذ الماهر محمّد تقي ذوفنّ الإصفهانيّ.. صنعه من الذهب والفضّة، إضافة إلى الحديد والخشب، وهو على هذه الأبعاد: الطول 5/4 أمتار، العرض 06/3 أمتار، الارتفاع 60/3 أمتار. ويبلغ وزنه سبعة أطنان تقريباً. ومن مشخّصاته أنّه: يحتوي كلٌّ من ضلعيهِ الطوليّين على أربعة شبابيك، وضلعيه العرضيّين على ثلاثة شبابيك، فيكون المجموع 14 شبّاكاً تُتَوّجُها 18 صفيحةً بيضويّةً محدّبة مَطْليّة بالذهب، كُتبت عليها جملة من الأحاديث الشريفة بالخطّ الثُّلْثيّ الجميل، هذا.. إضافة إلى ما يُرى من خطوط لسُوَر مباركة (هل أتى ـ أو الإنسان ـ، ويس، والنور) وقرابة مئة اسم من الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى، إلى جملة من الأشعار والخطوط المتعدّدة والنقوش البديعة باللغتين: الفارسيّة والعربيّة، بأشكال لا مثيل لها من: الحكّاكيّ والمنبّت، حتّى ظهر الضريح على صورة في غايةٍ من الهيبة والجلال.
أمّا فوق الضريح الطاهر للإمام الرضا عليه السّلام فيُشاهَد عدّة أغطية زاهية. وقد أبدعت في الضريح يد الفنّانين وأصحاب الذوق وأساتذة هذه الصنعة؛ فصبّوا عليه جواهر الإبداع، وسكبوا عليه أزهى الألوان وأثمن التزيينات. وبلا شك.. خلال التاريخ، أُهديت إلى العتبة الرضويّة المقدّسة آلاف الأغطية القماشيّة البديعة للضريح، نُذرت أو أُوقفت، فثُبّتت في سجلاّت العتبة المقدّسة، ووُضع عدد منها في المتحف أو خزانة الإمام عليه السّلام.
ولكثرة مرور أيدي المتبرّكين على الضريح المنوّر.. ظهرت ـ بعد عقود من السنوات ـ بعضُ الثقوب على ظاهر المشبّك المجوّف وعلى الصفائح المنقوشة على هيئة أوراق الأشجار، لذلك أصبح من الجدير أن يُصنع ضريح جديد للمضجع الرضويّ المبارك، فبدأ العمل به وأوشك على الإتمام.
أمّا مشخّصات الضريح الجديد فهي: تزيد أبعاده على الضريح الحاليّ بأربعين سنتيمتراً من جميع الجهات، وهو في إطاره الأعلى مفصَّص إلى 14 قسماً على عدد أسماء المعصومين عليهم السّلام. ومن ناحية السبك والتصميم يختلف عن جميع الأضرحة، فهو من سقفه إلى أعلى شبابيكه مزيّن بنقوش ذهبيّة وفضّيّة على أشكال نباتيّة: زَهْريّة ووَرَقيّة، ومطعَّم بالمرايا الملوّنة الجذّابة".
والضریح الخامس وهو الموجود حالياً، يشرح لنا السيد حسيني بالقول" وهوإشراقة الضريح الجديد الزمان: مباهج يوم عيد الأضحى المبارك (10 ذوالحجّة 1421 هـ). المكان: البقعة النورانية المتلألئة عند مرقد الامام الرضا عليه السلام. الحَدَث: قَلّ أن يتكرّر خلال الأجيال.. اكتمال نَصب الضريح الرائع الجديد فوق المضجع القدسيّ الكريم. هذا هو الضريح الخامس من الأضرحة التي أثبتتها لمشهد الرضا عليه السلام مدوَّنات التاريخ، بعد الضريح السابق الذي سَعُد هناك أربعين سنة، تَشبَّع خلالها بالقدس والطهر والنور. والضريح الجديد الذي يَشرُف أن يوضع في هذه البقعة الشريفة يُعدّ من أعظم الأعمال الفنّية ، ومن أوفرها دقّةً وجمالاً وذوقاً وأصالة فنية وإيمانية. يشتمل تصميم هذا الضريح المتفرّد ـ فيما يشتمل ـ على (14) محراباً رائعاً في هيئته وفي إبداعه الخلاّب. وهذه المحاريب الأربعة عشر ـ التي اختير عددُها تيمّناً بعدد المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم ـ ترتبط عُقودُها من فوق بقوس محراب أصلي كبير يحتضنها على نحوٍ مليء بالمعاني الروحيّة والدلالات التعبدية. وينتهي القوس العُلوي للمحراب الكبير بأقدس لفظة في الوجود هي لفظة (الله).. الجامعة لكلّ معاني الأسماء الحسنى في جمالها وجلالها وكمالها الذي لا يعرف الحدود".
وتابع حسيني "تميّز العين لألاء الضريح كتيباتٍ فنيّة قيّمة نُقِشَت عليها أسماء الله الحسنى، واسم أشرف خلق الله: النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء الأئمة الاثني عشر من ذريّته الطاهرين. إنّ كلّ كتيبة من هذه الكتيبات هي في الواقع آية من آيات الإبداع الفني الخالد.. بحيث يشعر المرء ـ وهو واقف أمام الضريح ـ أنه يدنو من مداخل الغيب المقدس، ويوشك أن تجذبه آفاق مطلقة فوق حدود الزمان وأبعاد المكان. أمّا ما في الضريح الشريف من الزخارف النباتية (التوريقية والزَّهرية) فإنّها صُمِّمت ليكون المحور في إبداعها وهيئتها: العددان [5] و (8). ولا خفاء أنّ العدد [5] إنّما يشير الى الخمسة أصحاب الكساء المطهَّرين بآية التطهير المباركة، وهم: محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم. في حين يشير العدد (8) الى الامام الرضا ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام. ومن ضمن هذه الزخارف.. تتجلّى في الضريح زهرة «دَوّار الشمس» باتساعها وانبساطها المتميّز.. التي يتداعى الى الذهن منها معنى «شمس الشموس» لقباً للإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام".
واشار حسيني "لعلّ الهدف العميق الكامن وراء هذه الهندسة الزخرفية ـ بشتّى عناصرها ـ هو الإيماء الى منعىً معرفيّ إيماني دقيق يدلّ على أنّ التوجّه الى أهل البيت عليه السلام إنما يعني التوجّه الى أبواب الله عزّوجلّ التي أمر بالدخول منها، كما ورد في نصوص الزيارة الجامعة: «مَن أراد اللهَ بدأ بكم، ومَن قَصده توجّه اليكم». وأخيراً.. فإنّ هذا الضريح المبارك الذي استغرق تصميمه ونتفيذه حوالَي سبع سنوات.. إنما هو من تصميم الفنّان الشهير الأستاد محمود فرشچيان (2)، الذي صبّ فيه من خبراته وذوقه وجهده ورؤاه ما جعله ناطقاً بالجمال والجلال والمعنى والفنّ المتّسم بالبقاء. أمّا الخطوط الفنية.. فهي من إبداع الخطاط المعروف الاستاذ موحِّد.. الذي أودعها عصارة فنّه وإخلاصه في العمل، كتيباتُه لوحاتٍ رائعة خالدة من روائع الفن الاسلامي الأصيل".
وعن مزايا وأبعاد الضریح الخامس، قال حسيني" يبلغ وزن الضريح الجديد (12) طنّاً، بطول 78/4م، وعرض 73/3م، وارتفاع ـ مع حَجَر القاعدة ـ 96/3م. • تمتاز الصفائح الذهبية والفضية التي تكسو الضريح بضخامةِ سُمكها عمّا كانت عليه في الضريح السابق، وتمتاز كذلك بأنّ بعضها قد وُصِل ببعض وتمّ تثبيتُه دونما استخدام لأيّ نوع من أنواع المسامير. • كُتبت حول الضريح الرضوي الجديد سورتان كريمتان من القرآن المجيد، هما: سورة الإنسان وسورة يس. استغرق طول كتبية سورة الإنسان 76/16م، وعرضها 14 سنتيمتراً. في حين بلغ طول كتيبة سورة يس 66/17، في عرض 18 سنتيمتراً. لأوّل مرة من بين الأضرحة الرضوية.. زُيِّن داخل هذا الضريح المبارك (سقفاً وجدراناً) بكتيبات جميلة لأسماء الله الحسنى، ذات زخرفة بديعة. فبعد حوالی خمس سنوات من المطالعة و التحقیق و دراسة کافة التصامیم الموضوعة لهذا الضریح الذی کان قد بدأ عمله سنة 1993 م تم نصبه فی سنة 2000 و قد استغرق نصبه 40 یوما و حضر مراسم افتتاحه المرشد الاعلى السید علی الخامنئی" .
تحقيق اجراه /فراس الكرباسي