b4b3b2b1
مَقامُ الإمامِ المَهُديّ عليه السّلام في الحلّة | الحرم الحسيني.. باب للرحمة وقبة يستجاب منها الدعاء | مرقد سبع الدجيل.. جوهرة آل محمد صلى الله عليه وآله | مرقد السيِّدة فاطمة المعصومة.. المقام الشامخ والمنزلة الرفيعة | مقام السيدة فضة خادمة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) | مرقد النبي قيدار (عليه السلام) في خدابنده | أبو ايوب الانصاري | السيد شاه علي رضوان الله عليه | إبراهيم الخليل (عليه السلام)... من المقام المقدس حتى أرض المحرقة | الشهيد الثائر زيد (عليه السلام)... كوكب هاشمي في سماء الشهادة | مرقد الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) | مرقد الشاه ابراهيم |

المشهد الكاظميّ

4194

 

24 ذو الحجة 1434 - 30/10/2013

في العام 183 هـ لخمس بَقِين من رجب توفي الإمام موسى الكاظم عليه السّلام في بغداد، فحمل جثمانه الطاهر إلى مقابر قريش فدفن هناك حيث قبره الآن.

وليس لدينا من أحاديث المؤرخين ما يصلح أن يكون وصفاً لقبر الإمام عليه السّلام حين دَفنِه وما أُضيف إليه وما أُسبغ عليه من بناء وعمران بعد ذلك بسنوات.

وفي العام 220 هـ في آخر ذي القعدة توفي الإمام محمد الجواد عليه السّلام في بغداد، فدفن في تربة جده موسى الكاظم عليه السّلام.

ولم نعثر على وصف لما أصبح عليه المشهد بعد دفن الإمام الجواد عليه السّلام مباشرة أو بعد ذلك بحين، ولكنّ المتيقَّن أن القبرَين كانا في بنية خاصة بهما، وكان يتردد لزيارتهما كثير من الناس في هذه البنية الخاصة. ويستفاد من كلام بعض المؤرخين ـ من ذكر « تربة موسى بن جعفر » أن هناك قبة خاصة شملت القبرين، لأن التربة لا تُطلَق إلاّ على قبر مختص عليه قبة، كما يستفاد من رواية مسكويه ـ أثناء حديثه عن المحسن ابن الوزير ابن الفرات ـ وجودُ سكان حول المشهد وبجانب مقابر قريش.

وكان للمشهد خلال العصر العباسي خمس عمارات نلخصها فيما يأتي:

• العمارة الأولى بعد وفاة الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام مباشرة وكانت عمارة بدائية صغيرة، ولعلها كانت لا تتجاوز غرفة واسعة خاصة بالقبر عليها قبة ولها أبواب وإلى جانبها حجر متعددة يُودَع فيها الأثاث والزيت وينام فيها الخدم والقوامون، ويحيط بها عدد من المساجد يعتبر مسجد باب التبن أشهرها.

• وكانت العمارة الثانية بعد استيلاء معز الدولة البويهي على بغداد حيث أعاد تشييد المرقد سنة 336 هـ، ووضع على القبرين ضريحين من خشب الساج وفوقهما قبّتَين من الساج أيضاً، وأدير عليهما حائط كالسور. وكانت هذه العمارة أول عمارة كبرى تُشَيَّد على المرقد، ويستفاد من النصوص التاريخية أن القبتين كانتا كبيرتين يتسع فضاؤهما لعدد غفير من المصلين في حجرتين. وإن القبرين كانا منفصلين في حجرتين. وكان من نفائس ما أُهدي إلى المشهد بعد انتهاء هذه العمارة بفترة قصيرة قنديل صفر مربع غاية في حسنه.

واستمرت العناية بهذه العمارة وإضافة ما ينبغي إليها وتوسيع ما يجب توسيعه منها، حتّى بلغت في سنة 443 هـ غاية فخامتها وروعتها، وأصبحت زاخرة بالقناديل والستور والمحاريب وأكثرها من الفضة والذهب، وأصبح للمشهد سور يدور حوله وأبواب للدخول والخروج وبوابون وقوام وترب كثيرة للأشراف من الناس.

• وقامت العمارة الثالثة في سنة 450 هـ بفعل فتنة طائفية. وهي عمارة البساسيري، واشتملت على بناء المشهد كاملاً من أساسه ووضع صندوقين جديدين على القبرين، وتشييد بَهْوٍ واسع من جهة الجنوب ومسجد ومئذنة، وأصبحت القبتان في هذه العمارة قبة واحدة.

• أما العمارة الرابعة فهي عمارة مجد الملك القمّي سنة 490 هـ، وقد اشتملت على صندوقين جديدين من الساج وُضِعا فوق القبرين، ومنئذنتين كبيرتين، كما اشتملت على تزيين بالفسيفساء وتشييد دار بجوار المشهد لاستراحة الزائرين وإقامتهم. ولعل تسمية هذه الأعمال بالعمارة لا تخلو من مسامحة، لأنّها في الحقيقة مجموعة مرافق أضيفت للعمارة السابقة التي لم يكن مرَّ عليها أكثر من أربعين عاماً.

• وكانت العمارة الخامسة عمارة الناصر لدين الله سنة 575 هـ وما يليها من السنين، وهي عمارة وسّعت وأضيف إليها الشيء الكثير خلال عهد الناصر الطويل وبعده. فكانت خاتمة عمارات العصر العباسي بل أفخمها أيضاً.

* * *

ونلخص ـ فيما يأتي ـ بإيجاز وصفاً للمشهد في أخريات العصر العباسي من ناحية شكله وعمرانه وما دار عليه سوره من مرافق وملحقات:

كانت على القبرين الشريفين قبة فخمة كبرى واحدة، بعد أن كانت في العهد البويهي اثنتين.

كانت على القبرين الشريفين صندوقان من الخشب الجيد.

كانت في المشهد مكتبة.

كان إلى جوار المشهد محل خاص بالأيتام.

وكانت في المشهد حلقات دراسية، وكانت الترب في المشهدة كثيرة جداً.

وكان يتصل بالمشهد صحن فيه حجر وإيوان واحد أو أكثر.

وكانت حول القبرين الشريفين إبهاء وأروقة.

وكانت في المشهد دار لاستراحة الزائرين.

وكان المشهد مجمعاً للزائرين والقاصدين في المناسبات الدينية والأعياد.

وكان للمشهد خدام وبوابون، ونقيب يشرف على شؤون المشهد.

وأصبحت حول المشهد مدينة عامرة بالسّكان يدور عليها سور.

كان للمشهد سور يحيط به، وهو غير سور البلدة.

ويصف ياقوت الحموي المشهد فيقول:

« ويعرف قبره ( أي الإمام الكاظم عليه السّلام ) بمشهد باب التبن مضاف إلى هذا الموضع، وهو الآن محلة عامرة، ذات سور، مفردة ».

« مقابر قريش ببغداد، وهي مشهورة ومحلّة فيها خلق كثير، وعليها سور ».

* * *

في القرن الثامن

وفي سنة 769 هـ قام السلطان أويس الجلايري بتعمير المشهد فبنى قبتين ومنارتين، وأمر بوضع صندوقين من الرخام الجيد على القبرين الشريفين وزيَّن الحرم بالطابوق الكاشاني الذي كُتب عليه سور من القرآن الكريم، كما عمَّر الرواق ورباطاً كان في الصحن وأمر بإطلاق الأموال للخدم والسدنة وسائر العلويين الساكنين هناك.

وكانت هذه العمارة الجلائرية هي الأولى بعد انقضاء العصر العباسي، والظاهر أن سبب إنشائها تصدّعُ المشهد من جراء تتابع الغرق والفيضانات.

في القرن العاشر

وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة 914 هـ انتهى عهد التركمان بدخول الشاه إسماعيل الصفوي بغداد فاتحاً محتلاً.

وبعد مرور فترة من الزمن على بقائه في العراق مضى لزيارة المشهد الكاظمي، فأنعم على من كان هناك بأنواع الإنعام، وعيَّن الرواتب لخدام المشهد وأصدر أمره بقلع عمارة المشهد من أساسها وتجديدها تجديداً يشتمل توسيع الروضة وتبليط الأروقة بالرخام وصنع صندوقين خشبيين يوضعان على القبرين الشريفين، وتزيين الحرم وأطرافه الخارجية بالطابوق الكاشاني ذي الآيات القرآنية والكتابات التاريخية، كما أمر بأن تكون المآذن أربعاً بعد أن كانت اثنتين، وبتشييد مسجد كبير في الجهة الشمالية للحرم متصل به، وأحال أمر تنفيذ ذلك إلى أمير الديوان خادم بيك، وعاد إلى إيران.

كذلك أمر الشاه إسماعيل أيضاً بتنظيم شؤون الصحن المحيط بالمشهد، وكان فيه رباط للحيوانات التي تقلّ الزائرين إلى المشهد ومنه، فأمر بإبعاده وجعله خلف الصحن.

كما أمر بتقديم ما يحتاجه المشهد من فرش وقناديل، وكان منها الفضي والذهبي. وعين للمشهد عدداً من الحفاظ والمؤذنين والخدام.

وبدأ العمل على قدم وساق، فتمّ تشييد هيكل الحرم وروضته وأروقته ـ وهو الهيكل القائم اليوم ـ والقبتين والصندوقين والمسجد، وبلغت المآذن الكبيرة الأربع ارتفاعاً يعلو عن سطح الحرم بمقدار ذراع، كما تم صنع الكاشاني ووضعه في محله المقرر، كذلك وضع الرخام في موضعه، ولم يبق شيء مما أمر به إلا وقد نُفِّذ ـ ما وسعه الوقت ـ بأمانة ودقة وإخلاص.

ومن اهمّ الآثار الصفوية المؤرخة الباقية إلى اليوم ـ بالإضافة إلى هيكل الحرم والجامع المتصل به ـ اثنان:

الأثر الأول

الطابوق الكاشاني الموضوع على جدار الروضة المطهرة، وهو الطابوق الذي يحيط بالروضة من داخلها ويرتفع عن أرضها نحواً من مترين، وتزينه بأجمعه كتابة تبدأ من منتصف الجدار الغربي للروضة « جهة الرأس » وتفتتحها سورة الدهر حيث تنتهي في أواسط الجدار الشرقي مارة بالجدار الشمالي، ثمّ تبدأ ثلاث آيات من سورة الزمر وسِيقَ الذينَ اتّقَوا ربَّهُم إلى الجنّةِ زُمَراً ـ إلى قوله تعالى ـ وقيلَ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ويلي ذلك رقم 935 تاريخاً لانتهاء صنع هذا الكاشاني.

ويظهر من تاريخ الطابوق أن الأعمال العمرانية قد تمت بعد وفاة إسماعيل وفي عهد الشاه طهماسب، بل يمكن تحديد تاريخ نصب هذا الطابوق وانتهاء الأعمال العمرانية بعام 936 هـ، وهو العم الذي استعاد به طهماسب الأول حكم العراق من يد الأمير ذي الفقار رئيس قبيلة موصلو الكردية، وكان هذا الأمير قد انتزع حكم العراق من الصفويين ما بين 930 ـ أوائل 936 هـ.

الأثر الثاني

الطابوق الكاشاني المثبت في جدار الرواق الشرقي من جهته الخارجية المقابلة للصحن، وقد أُودِع ذلك في إيوان خاص ذي ثلاثة أضلاع يقع في أواسط « طارمة باب المراد ملاصقاً للباب الرئيسي الذهبي ».

وفي يوم الاثنين 24 جمادى الأولى سنة 941 هـ دخل السلطان سليمان القانوني بغداد محتلاً لها مُزيلاً حكم الصفويين، وفي 28 جمادى نفسه ـ أي بعد أربعة أيّام من الاحتلال ـ بدأ السلطان جولة طاف خلالها في أطراف بغداد وأنحائها، وكان المشهد الكاظمي احد تلك المناطق التي زارها.

وعندما زار السلطان مرقد الإمامين عليهما السّلام أمر بدفع رواتب لخدام المشهد من خزانة بغداد، كما أصدر السلطان فرماناً بإكمال النواقص الصغيرة التي لم يكملها الصفويون.

في القرن الحادي عشر

وفي يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1032 هـ فتح الشاه عباس الكبير الصفوي بغداد فعاد لها حكم الصفويين بعد غياب دام 92 عاماً.

وبعد استتباب الأوضاع واستقرارها زار الشاه المشهد الكاظمية، وأمر بإعادة تشييد ما خرَّبته الحروب والفتن وما سببته من إهمال وتسيب.

وكان من أبرز أعماله أمرُه بصنع ضريح ضخم من الفولاذ يوضع على الصندوقين الخشب ليقيهما غوائل النهب والسلب أثناء معارك الفوضى أو هجوم العشائر على البلدة.

في القرن الثاني عشر

بالنظر إلى ما حدث بعد ذلك من تأزم في العلاقات السياسية بين إيران وتركيا، فقد تأخر إرسال هذا الضريح حيناً طويلاً من الدهر استمر حتّى عام 1115 هـ، حيث وصل إلى الكاظمية في شهر جمادى الثانية من تلك السنة وفد كبير يضم لفيفاً من علماء الدين والوزراء والوجهاء الإيرانيين وفي مقدمتهم شيخ الإسلام الشيخ جعفر الكمرئي ومعهم هذا الضريح الفولاذ، وأُقيم لنصبه على المرقد احتفال عظيم حضره الآلاف من العراقيين والإيرانيين. ويروى أن هذا الضريح كان على جانب كبير من الضخامة والفخامة، وأنه كان يشتمل على كتابات كثيرة من جملتها سورة الدهر وآيات أُخرى من القرآن المجيد، مضافاً إلى بعض الأبيات والمقطعات الشعرية.

ومن أعمال الصفويين خلال عهدهم الثاني في العراق ما أمر به الشاه صفي بن عباس الصفوي سنة 1045 هـ بإجراء بعض الإصلاحات في المشهد: كإحكام قواعد المنائر الأربعة الكبيرة وتصغير المنائر الأربعة الصغيرة الواقعة في زوايا سطح الحرم؛ حذراً من عدم تحمل دعائم القبتين لكل هذا العبء الثقيل.

في القرن الثالث عشر

وفي سنة 1207 هـ بدأ العمل في المشهد الكاظمي على قدم وساق، وتنفيذاً لأوامر أقا محمد شاه القاجاري بإكمال ما بدأه الصفويون في هذا المشهد. واشتملت هذه الأعمال على إنشاء المنائر الثلاث الكبرى التي رفع الصفويون سمكها إلى حد السطح، وكانت الرابعة مشيدة منذ عهد السلطان سليم ـ ولكنها بلا سقف من فوق رأس المؤذن ـ فشُيِّد لها بهذه المناسبة سقف كسقوف الثلاثة الأُخرى الجديدة.

ومن تلك الأعمال أيضاً تأسيس صحن واسع يحف بالحرم من جهاته الثلاث: الشرقية والجنوبية والغربية، ويتصل الجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية. وتم تخطيط الصحن بمساحته الموجودة اليوم.

ولم تنقطع الأعمال العمرانية في المشهد بموت محمد شاه سنة 1211 هـ، بل كانت للشاه الجديد فتح علي شاه أعمال أُخرى، منها: نقش باطن القبتين ـ سقف الروضتين ـ بماء الذهب والميناء وقِطَع الزجاج الملون، ومنها: تزيين جدران الروضة كلها من حد الطابوق الكاشاني الصفوي « الكتيبة » إلى أعلى الجدار المتصل بالسقف بقطع الزجاج الجميل المثبت على الخشب.

وكان من أبرز أعمال هذا الشاه تذهيب القبتين والمنائر الصغار الأربع، وذلك لمّا جدد هذا الشاه تذهيب قبة الإمام الحسين عليه السّلام بكربلاء وبقي الذهب القديم فائضاً عن الحاجة، فنُقل ـ بموجب فتوى شرعية ـ إلى الكاظمية، حيث أُعيد صقله وطليه على الطابوق المُعَدّ لهذا الغرض، وأُضيف إليه ما لزمت إضافته، وتم هذا التذهيب في سنة 1229 هـ.

وفي سنة 1255 هـ غشي الإيوان الصغير الذي يشرع فيه باب الرواق في (الطارمة) الجنوبية بالذهب، وكان ذلك بنفقة منوجهر خان الملقب بمعتمد الدولة أحد رجال الحكومة الإيرانية، وقد توفي نحو سنة 1260 هـ.

وفي سنة 1255 هـ أيضاً أهدى السلطان محمود الثاني إلى المشهد الكاظميّ « الستر النبوي » وهو من السندس المطرز، فأُسدل على الضريح في ليلة القدر من شهر رمضان من السنة المذكوره.

وأهدى السلطان عبدالمجيد ابن السلطان محمود العثماني مِشكاتين للمشهد الكاظمي خلال فترة حكمه 1255 ـ 1277 هـ.

وفي عام 1270 هـ أرسل ناصر الدين شاه القاجاري ملك إيران أحد علماء عصره المعروفين ـ وهو الشيخ عبدالحسين الطهراني المشتهر بلقبه « شيخ العراقَين » ـ إلى العراق للإشراف على تنفيذ مخطط عمراني واسع للعتبات المقدسة، من: تجديد وإصلاح وتجميل، وخوّله التخويل الكامل في الصرف والتصرف.

وبدأت الأعمال العمرانية في المشهد الكاظميّ سنة 1281 هـ بعد انتهاء أعمال العمران في كربلاء وسامراء. وكان من جملة ما حصل عليه المشهد: احكام أُسس جدرانه من قعرها المتصل بالماء إلى أعلى، وتجديد الواجهة الخارجية من جدران الحرم، وتغشية الجدران بالطابوق الكاشاني، وتأسيس دكّتين كبيرتين أمام الحرم متصلتين به من جهتَيه الجنوبية والشرقية وتبليطهما بالمرمر، وبناء مداخل في أطراف هاتين الدكتين لإيداع الزائرين أحذيتَهم وأمانتهم فيها.

ثم تم اختيار الدكة الشرقية لرفع سقف عليها يقوم على 22 عموداً خشبياً، وأُطلق على المجموع اسم « طارمة باب المراد ».

ثمّ ذهب الإيوان الكبير الواقع في وسط « الطارمة » الشرقية بما زاد من الذهب الذي ذهبت به قبة العسكريين عليهما السّلام في سامراء.

وانتهى العمل في كل ذلك سنة 1285 هـ.

ويشرف القرن الثالث عشر الهجري على الانتهاء وقد انتهت سائر الإصلاحات المطلوبة في المشهد الكاظميّ بروضته وأروقته وإيوانَيه « طارمتَيه » وأصبح آية في الفن والجمال والإيداع والإحكام، فلا غرو إذا ما اتجهت الأنظار إلى ضرورة تجديد بناء الصحن لأنه بشكله ذاك لم يكن يتناسب مع فخامة الحرم، خصوصاً وأنّه كان مترباً بلا تبليط ولا رصف، وإن سُوْرَه من الطابوق العادي، وإن القبور فيه متطامنة يتعثر فيها الماشي، وبِركة الماء في وسطه من الجهة الشرقية تغمر الأرض حواليها بالطين والوحل، وليس فيه موضع يستفاد منه للصلاة سوى دكة كبيرة في شمالي الجهة الشرقية تقام فيها صلاة الجماعة.

وتطوع الأمير فرهاد ميرزا القاجاري ـ عم ملك إيران ناصر الدين شاه ـ للإنفاق على هذا المشروع الضخم الكبير.

وقد اشتمل التعمير على ما يأتي:

أ ـ بناء سراديب منظّمة لدفن الموتى في ساحة الصحن وإيواناته وحجراته.

ب ـ تذهيب المنائر الأربعة الكبرى من حد وقوف المؤذن إلى قمتها.

ج ـ تشييد سور مرتفع للصحن يتكون من طابقين.

د ـ تأسيس قاعدتين ضخمتين في سطح الطابق الثاني من الصحن فوق البابين الرئيسيين في جانبي الشرق والجنوب لنصب ساعتين كبيرتين عليهما.

وعلى أي حال، فقد بدأ العمل في عمارة الصحن يوم 17 ذي القعدة 1296 هـ، وتم بجميع ما فيه في 17 ربيع الأول سنة 1301 هـ.