29 محرم 1430 - 26/01/2009
لما رجعَ الإمامُ السجادُ زينُ العابدين (سلامُ اللهِ عليه) الى مدينةِ جدِّه رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) سألَهُ إبراهيمُ بنُ طلحة بن عبيد الله، من الغالب؟ فكان الجوابُ صريحاً قوياً نابعاً من إيمانٍ مطلقٍ بالقضية: (إذا دخلَ وقتُ الصلاة فأذن وأقم تعرف الغالب) !!!
فما دام أسمُ النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وإعلانُ الشهادةِ بالرسالة له في الأذان والإقامة مستمراً فهذا أقوى دليل على إنتصار الثورة الحسينية، إذ كان هدفُ يزيد الباطل (لعنه الله) أن يزيلَ آثارَ النبوة ويمحو معالم الرسالة، ولكن الأمرَ جاء بمشيئةِ اللهِ تبارك وتعالى، وما كان ذلك إلا بفضل الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا ما قالته الحوراء زينب (سلام الله عليها) في ردها على اللعين يزيد: (فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا).
نعم لقد انتصرَ أبو الأحرار على المستوى البعيد، فقد حرّكَ مشاعرَ الأمةِ الإسلامية وقامتِ الثوراتُ من بعده ولم تهدأ أبدا ضد الظلمة، كل ذلك كان بفضلِ الدماءِ الزاكية لآلِ محمد (صلى الله عليه وآله)، تلك الدماءُ التي طهّرت الأرض، وروتْ بذورَ الثورةِ في نفوس الموالين والمحبين والأحرار.
وخير شاهدٍ هو تهافت الملايين على ضريحهِ المقدس يتوسلون الشفاعة والنصرة، كيف لا وهو يعدُ قبلةَ المحبين والثائرين، فقد زادَه اللهُ تعالى رفعةً ومكانة في الدنيا والآخرة، وأعطى لزائريهِ ومحبيه منزلة يُغبطون عليها، أما النقيض (يزيد) الكفر والضلالة ومن معه، ومن روّج ويروّج لأفكاره تراهم في مزابلِ التأريخ إلى يوم يبعثون سودَ الوجوه لقبحِ أعمالهم.
فمن أجل نشر الثقافة الحسينية الحقة علينا أن نتواصلَ معها، فلا نكتفي بالإحتفاء بشهري محرم الحرام وصفر (أيام الفاجعة)، بل علينا تعريف العالم بمعنى الثورة وأبعادها الإنسانية والأخلاقية والدينية والسعي لترجمتها بكل اللغات، فهي ثورة عرّفت الناس بالإسلام الحقيقي وأعادتهم الى المسار الصحيح بعد الإنحرافات التي حصلت من قبل حكومة البغي من بني أمية ومن تبعهم.
وإقامة المهرجانات والمحافل والمآتم الحسينية وإلقاء الخطب والقصائد كلها تصب في مصلحة إنتاج عطاء الذكرى، ومنابر العزاء والبكاء، وتغطية الشوارع والطرقات والمساجد والحسينيات بالسواد واللافتات والشعارات الحسينية، ونصب أعلام العزاء، لإيصال نداء الثورة الذي هو صوت الإسلام إلى كل بقاع الأرض، هي خطوات لا تمثل تحيزا أو تمييزا عرقيا أو مصلحيا أو فئويا...
بل إن إحياء ثمار هذه الثورة يمكننا من تحريك الحياة نحو شاطئ الأمان، لأننا إذا آمنا بقضيتنا نستطيع أن نزلزل الأرض، ونهوي بالعروش الجائرة، وننتزع القيادات الظالمة ليتسلمها الصالحون الذين إن تمكنوا في الأرض، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.