b4b3b2b1
المصدر: وكالات | كثرة العطل الرسمية.. إرهاب من نوع آخر | الإمام العسكري وإعداد الأمة لتقبل غيبة المهدي عجل الله فرجه | فضل صوم شهر رمضان | مفاوضات بغداد: مثلث متساوي الاضلاع لمختلف الـ... نوايا!! | السلطة بين الحق والعنف | الإمام الشيرازي.. مرحلة جديدة للأمة الشيعية | التحسن الامني في العراق: اداء حكومي ام فاعل اقليمي؟! | الإمام الصادق عليه السلام ... مدرسة الفقاهة ورائد العلم | المصُلح المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ...قضية ومعطيات | دليل بحاجة إلى أدلة | الحيوان إنسان ناطق |

الأمة الإسلامية في عصر إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

 

5 جمادى الأولى 1431 - 21/04/2010

بقلم : محمد الموسوي

كانت الأمة الإسلامية في نهاية الدولة الأموية وما رافقها، تزخر بمظاهر الفساد والتخلف والبعد الفكري والعقائدي عن منظور الحياة الإسلامية التي أسسها رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) والتي وصل في زمن إمامة الإمام جعفر الصادق عليه السلام في جميع المجالات في الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها من موروث سياسة الدولة الأموية الظالمة البعيدة عن روح الدين الإسلامي ومجيء الدولة العباسية التي هي الأخرى أخذت تقوم بتزوير صورة الدين والفقه الإسلامي على هواهم عن طريق الوضع في الحديث والفتوى بالرأي، وتمييع التشريع الإسلامي، بإدخال عناصر غريبة على الدين الإسلامي، وفي مصادره التشريعية، التي أدت إلى فقدان التشريع خاصيته وأصالته الإسلامية، ومحاولات الحكام العباسيين لتشجيع الغلاة والمتصوفة والحركات الأخريات ضد الشريعة الإسلامية الحقيقية وكثرة الضرائب الثقيلة على الناس وإدخال الموالي في مناصب حكومية مهمة، ما أدى إلى إرباك المسلمين الضعفاء الذين لجأوا إلى أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أهل العدالة والتقوى، فكانت بداية كل الثورات ضد الأمويين والعباسيين بسبب هذه الظروف الصعبة وبسبب ظهور حركات غريبة على الواقع الإسلامي التي هيأت لها الظروف والأوضاع العامة في زمن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حتى أصبحت خطراً على وجود وكيان الدين الإسلامي الحنيف منها التشريعي والعقائدي، إضافة الى وجود صراع سياسي ومذهبي داخل الأمة الواحدة.

فكان لابد للإمام الصادق (عليه السلام) أن يواجه كل هذه التناقضات والحركات ضد الإسلام والمسلمين، وهذه التيارات المنحرفة التي دخلت الى الأمة الإسلامية لتمزيقها وتهديد الإسلام في الصميم. لقد تولى الإمام الصادق (عليه السلام) قيادة الأمة الإسلامية سنة 114 هـ بعد استشهاد أبيه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وعاصر الإمام خلال فترة إمامته عدة حكام من بني أمية ومن بني العباس؛ أولهم هشام بن عبد الملك الذي سم الإمام محمد الباقر (عليه السلام) والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الولي،د ومروان بن محمد المعروف بـ(مروان الحمار) ومن العباسيين عبد الله بن محمد المعروف بالسفاح، وأبو جعفر المنصور، ودامت إمامته 34 سنة، والتي امتازت سنوات إمامته بالعدالة والتقارب بين المجتمع الواحد، والابتعاد عن التسلط والاضطراب وتفكيك الدين الإسلامي. فقد اطلع الإمام الصادق (عليه السلام) عن قرب على جرائم وظلم الأمويين ضد المسلمين عامة وضد آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصة العلويين الذين قاموا بثورات ضد طغيانهم بداية من نهضة وثورة الامام الحسين المباركة عام 61 هـ وثورة زيد بن علي (عليه السلام) في 122 هـ وعدة ثورات قام بها العلويون ضد الدولة الأموية بانحرافها عن الدين الإسلامي.

وعند سقوط الدولة الأموية جاءت الدولة العباسية؛ فاذا بها أظلم وأقسى وأجرم من الدولة الأموية. والظروف لم تسمح للإمام (عليه السلام) بإقامة حكومة إسلامية تنسجم فيها كل القيم والمبادئ، وعلى خطى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنه رفض التعاون مع الدولة العباسية، ويعترض على الحكام في الوقت المناسب، والدليل على ذلك؛ طلب أبو جعفر المنصور من الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن ينصحه فكتب الإمام له قائلاً: (من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك) فقال المنصور: (لقد ميز الصادق طلاب الدنيا عن طلاب الآخرة). فان الإمام الصادق (عليه السلام) كان يؤمن بأن تسلم السلطة له وحده لا يكفي ولا يمكن من تحقيق عملية التغيير جذرياً اسلامياً ما لم تكن هذه القيادة مدعومة بقواعد شعبية واعية تعرف أهداف تلك السلطة وتؤمن بنظريتها في الحكم، وتعمل في سبيل حمايتها، فان تخطيط الإمام الصادق (عليه السلام) سريع فاتجه نحو العمل في بناء هذه القواعد الشعبية والإشراف عليها، وتنظيم عملها في مواجهتها الانحراف والتدخل الخارجي من الجماعات المنحرفة، وكذلك العمل على تحريك ضمير الأمة الإسلامية وإرادتها والاحتفاظ لضمير الإسلامي وارادته بدرجة أن الحياة والصلابة تحصن الأمة الإسلامية ضد التنازل المطلق عن شخصيتها وكرامتها للحكام العباسيين المنحرفين عن الخط الإسلامي. فتخلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن العمل المسلح بصورة مباشرة ضد الحكام المنحرفين بل يمارس شخصياً على العمل داخل الأمة ويبني فيها قواعده الشعبية بناء واعياً تكون أداة تنظيمية لنشر أفكاره ومبادئه.

فقد سبقه آباؤه الأئمة الأطهار عليهم السلام في العمل على هذا المستوى وهذا المنهاج مبشرين الأمة الإسلامية بأن دولتهم ستظهر يوماً ما، ما دامت تسير بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرة الائمة الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام) فكان الإمام علي السجاد (عليه السلام) قد مهّد للإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام من بعده لتبدأ حركتهم ببناء أكبر مدرسة اسلامية تحكي دعوة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) ورسالة الإسلام الإلهي الأصيل بالظهور والانتشار في أوساط الأمة، لينشأ جيل من علماء الإسلام الحقيقيين، ولتبدأ على يدي هذين الإمامين بالتتابع وعلى أيدي الأئمة المعصومين من بعدهم معركة الرسالة السماوية بكل أبعادها ضد رسالة الظلم والطاغوت بكل أشكالها وألوانها، لينتشر جيل العلماء الذين تخرجوا من هذه المدرسة إلى كافة أقطار الأرض لتصل صافية نقية الى كل الأجيال المتعاقبة الى يومنا هذا، وما بعدنا من ظهور علماء ومرجعية رشيدة تسير على خطى الأئمة الأطهار (عليهم السلام). فكانت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) هي الأكبر بالنسبة لعدد الأشخاص الذين درسوا تحت يديه بسبب الظروف، فكانوا أكثر من أربعة آلاف طالب علم في كافة العلوم الإسلامية في التفسير والفقه والحديث والعلوم الطبيعية مثل الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات وغيرها حيث كشف لهم عن أسرار العلوم، فقد كتب وألف علماء المسلمين أسماء تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي استشهد بالسم الذي أرسله أبو جعفر المنصور اليه في المدينة المنورة في الخامس والعشرين من شهر شوال عام 148 هـ ودفن في مقبرة البقيع الطاهرة إلى جوار أبيه وجده (عليهم السلام) وقام بدفنه والصلاة على أبيه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).