12 ذو الحجة 1438 - 04/09/2017
ما من شك في أن الشباب هم القوة الأكثر نشاطا في الأمة، وأنها الأقدر على تحويل التخطيط من صيغته الفكرية المجردة الى واقع فعلي ملموس في المجالات كافة، ولذلك لا يمكن لأمة أن ترتقي ويعلو شأنها إذا لم تكن لديها القوة القادرة على تحويل الفكر والنظريات والمخططات المجرة الى مجسَّد واقعي ملموس، وهذه القوة غالبا ما تكون مادية فاعلة، فبعد أن يصوغ الفكر الواقع الأجمل والأفضل للدولة والمجتمع، يأتي دور الشباب لكي تتحول تلك الأفكار الى مجسَّدات مادية تصب جميعها في صالح الدولة والمجتمع.
فمن يا تُرى هذه القوة الفاعلة القادرة عل تحويل الأفكار الى أدوات تبني الواقع وتساعد في تحسين حياة الإنسان، إنهم الشباب بلا أدنى ريب، ولكن هؤلاء يحتاجون الى تهيئة وتأهيل لكي يقوموا بدورهم على الوجه الأكمل، فهذا الدور يحتاج الى طاقة علية هائلة متواصلة، مع مهنية عالية، وخبرات وكفاءات كبيرة متميزة، كل هذا يمكن أن نجده في طبقة أو شريحة الشباب، ولكن ينبغي أن يكون هناك من يؤهلهم لهذا الدور.
لهذا السبب نلاحظ أن الأعداء يركزون على هدف مهم لإضعاف الطرف الآخر وهو السيطرة على الشباب وتخريب عقولهم وإضعاف الطاقة الإيمانية لهم لكي يضمنوا تحييد القوة الأكبر في المجتمع، لهذا يكون التركيز في استهداف عقائد الشباب وعقولهم ووعيهم.
وهذا ما جعل سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يؤكد في أكثر من مناسبة لاسيما المناسبات الدينية الكبرى كما في مناسبة (الحج) حيث يركز سماحته على الإرشاد وأهميته التي تفوق الأمور العبادية، حيث نقرأ في هذا المجال ما يقوله سماحته: (ينبغي الاهتمام بالفرائض قبل النوافل، فالأمور العبادية في الحج من ذكر ودعاء وزيارة هي عبارة عن أمور مستحبة، لكن الإرشاد وهداية أبناء المجتمع هي من الأمور الواجبة والفرائض المهمة، خاصة في مثل هذه الظروف).
لذلك من غير السليم للعالِم والمثقف المتدين أن يهمل الإرشاد بحجة أنه منشغل في أداء الأمور العبادية الأخرى كالنوافل مثلا، بمعنى أن قضية إرشاد الناس عموما والشباب على وجه الخصوص هي الأهم والأكثر إلحاحا من سواها.
كما نلاحظ ذلك في تأكيد سماحة المرجع الشيرازي حين يقول: (لا ينبغي للمتدينين من العلماء والمثقفين أن يهملوا الإرشاد بحجة الاهتمام بالأمور العبادية وسائر النوافل).
التعميق النفسي للأصول العقائدية
إن إرشاد الشباب هدف لا ينبغي تجاوزه أو إهماله مطلقا، وأن التركيز على تعزيز العقائد وشرح أصول الدين، وتوضيح المسائل الفقهية والدينية المختلفة للشباب أمر في غاية الأهمية، فهناك تساؤلات وجودية كثيرة تحاصر الشاب وتجعله يطرح الكثير من الأسئلة، كما أن هناك موجات إلحادية وأفكار غريبة تنقلها وسائل العولمة من الثقافات البعيدة، فيكون الشباب إزاء مشكلة صعبة ينبغي أن تتم مواجهتها بأسلوب علمي يجعل الشباب أكثر معرفة بعقائده ودينه والمبادئ التي تسير في هديها حياته ومجتمعه.
وليس هنالك فرصة أكبر من الحج حيث يتجمع أعداد كبيرة من الشباب في هذا المؤتمر الإسلامي الكبير، وهنا لابد أن يتصدى العلماء والنخب لمهمة نشر الفكر الإسلامي الحق من أجل إبعاد الشباب عن التطرف والانزلاق في منحدر التكفير وهذا يستدعي استغلال فرصة الحج أفضل استغلال لكي يوضحوا لهم العقائد والأصول الإسلامية التي تجعلهم أكثر إيمانا وأعمق فكرا.
كما يؤكد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (ينبغي على الجميع أن يهتموا بتوجيه وإرشاد الحجيج من الشباب على وجه الخصوص وذلك بأن يوضحوا لهم أصول دينهم ويعمقوا عندهم الاعتقاد بها).
أما في حال إهمال الشباب وعدم الاهتمام بتثقيفهم كما يجب، فإن ذلك يجعلهم أكثر عرضة الى التسيب والانحدار مع موجات فكرية مغرضة تسعة لإدخالهم في معترك الانحراف، لذلك يجب أن تبقى الأصول لدا الشباب قوية ومصانة دائما.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (أن الكثير من التسيبات التي تطفوا على السطح في الوسط الشبابي يعود مرجعها الى ضعف الاعتقاد في الأصول).
أما في حالة تعميق الأصول في نفسية الإنسان عموما والشباب بشكل خاص، فإن هذا الفعل سوف يصون الشباب من الضعف ويقيه ويحميه من الانحراف وبالتالي نحافظ على شريحة شباب قوية متماسكة لا يمكن للثقافات والأفكار الوافدة عبر وسائل العولمة أن تؤثر عليهم بسبب قوة عقائدهم وتدينهم، وهذه هي مهمة العلماء والمثقفين حيث ينبغي أن لا يقدموا الأمور العبادية على إرشاد الشباب مهما كانت الأسباب.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لو عمقت الأصول والإرشاد في نفسية الإنسان المؤمن وشعر بأنه مراقب من قبل الله سبحانه وتعالى في كل حرماته لتجلت عنده حالة الورع والالتزام الديني)..
ضغوط الظروف الاجتماعية والاقتصادية
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على جانب مهم في شخصية الشاب، فيؤكد سماحته على أن شخصية الشاب المسلم ونفسيته نظيفة بسبب حالة النقاء والطيبة التي يتحلى بها، وهذا التوصيف يمكن أن نلمسه بالفعل لدى الشباب، ولكن هنالك ظروف عصيبة اجتماعية واقتصادية قد تجعل من حياة الشاب على قدر كبير من الصعوبة، ولهذا السبب يمكن أن تنعكس هذه المصاعب على العقائد والأفكار والتدين الذي يتحلى به الشباب، وربما يتم تشويه هذه العقائد بسبب المصاعب والظروف التي تحيط به، لذلك ينبغي أن يتنبّه الآباء ومن يهمهم أمر الأمة والشباب منهم على وجه الخصوص الى أهمية تذليل هذه المصاعب.
أما كيف يتم ذلك، فيمكن أن نمد يد العون للشاب بشكل مستمر عبر المتوفر من الوسائل، كما أن الجهات المعنية وخاصة الحكومية والأثرياء والمؤسسات الخيرية ينبغي أن تسهم في تقليل المصاعب وترويض ظروف الشباب، حتى لا تتزعزع عقائدهم وأفكارهم، ولا ينحرفوا الى الموجات الفكرية المادية الدخيلة والتي غالبا ما تهدف الى تخريب المتانة العقائدية الدينية الفكرية للشباب، فتجعله في حيرة من أمره في حالة تركه لوحده في مواجهة هذه المصاعب.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (أن الجيل الشاب المعاصر ينطوي على نفسيات صافية وقلوب طيبة إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة المحيطة بهم، تشوه تفكيرهم الديني وتحطم روحياتهم الإيمانية).
كما أن الشباب لا يمكن مواجهتهم بشدة في حالة ارتكاب الخطأ، بل هنالك أساليب اللين والتوجيه والتوضيح والشرح وفق أسلوب هادئ يحترم الشباب ويمنحه السكينة والأمان والهدوء ويجعله قادرا على فهم ما يدور حوله، ويكون قادرا على تصحيح الموقف بهدوء أيضا، فلا يجب مواجهة الشباب بالقوة أو بأساليب العنف بسبب الأخطاء التي يرتكبونها، فالسبب الأول والأخير هو عدم إرشادهم، لهذا يركز سماحة المرجع الشيرازي على أولوية وأهمية إرشاد الشباب واستثمار مناسبة الحج والأعداد الشبابية الكبيرة التي تحضر في هذه المناسبة والشروع في إرشادهم ومساعدتهم على مواجهة الثقافات الدخيلة.
كذلك ينبغي استيعاب الشباب والإجابة عن أسألتهم بطرق وأساليب جديدة تتناسب وروح العصر، والأهم من كل ذلك أن يتم التوجيه والإرشاد وفق أسلوب هادئ يجعل الشاب مطمئنا وقادرا على التمييز بين ما يفيده ويضره.
في الختام يقول سماحة المرجع الشيرازي: (ينبغي أن نتعامل مع الشباب برحابة صدر ولا نواجه أخطاءهم بأساليب عنيفة، بل نعفو عنها ونحتضنهم قدر المستطاع ونقدم لهم أجوبة على تساؤلاتهم الجديدة بأساليب غير معقدة).
منقول عن شبكة النبأ المعلوماتية