16 جمادى الأولى 1435 - 19/03/2014
تمر على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء مناسبة حزينة وعظيمة تثير الأسى والحزن لدى كل موالي بل لدى كل مسلم وحتى لدى كل إنسان يؤمن بقيم الحق والعدالة إلا وهي ذكرى استشهاد سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي جاءت ثلاث روايات في استشهادها أسموها الموالين وعلماؤنا بالأيام الفاطمية والتي كانت لكل رواية رأي في تاريخ استشهادها ولكن على العموم هي كانت أول من التحقت بأبيها نبينا الأكرم محمد(ص) بعد إن اخبرها بذلك الرسول الأعظم محمد(ص) في لحظاته الأخيرة وهو يوصيها بوصية وذلك أن رسول الله(ص) حين حضرته الوفاة وما حدث في يوم الرزية والتصايح والمشادات بين الناس وما أدعى عليه بأنه يهجر عندما أراد أن يدلهم على طريق الفلاح والنجاح قد وضح الأمور كلها لدى الزهراء(ع)روحي لها الفداء وبعد ذلك دعا نبي الرحمة(ص)بأهله وعياله وأوصاهم بوصاياه،ثم جذب فاطمة(ع) تحت ردائه وأسرّ إليها بأشياء فأخذت تبكي،ثم أسرَّ إليها بشيء ففرحت.ولما سألتها عائشة عن ذلك قالت لها(ع): ((ما كنت لأفشي سراً سرني به أبي رسول الله في حياته))وبعد وفاة النبي استحلفتها أن تخبرها بما جرى بينها وبين أبيها عند ذلك قالت: أسرَّ إلى في الأول بالمصائب التي ستجري علينا ـ أهل البيت ـ بعد وفاته فتألمت كثيراً،فلما رأى ذلك بشرني بأني سريعة اللحاق به)).(1)
ومن هنا كان استشهاد الزهراء روحي لها الفداء قد ولد الكثير من الكلام واللغط والنقاشات والحوارات والتي ترى قسم منهم أن وفاتها كان أمر طبيعي ولم يتم اغتصاب حقها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها وهذا حتى ماصرح البعض من الذين يحسبون على الصف الشيعي وعلماؤها بل يذهب البعض في مغالطة صريحة بأنها ماتت وهي راضية عن الشيخين مع العلم أن الكثير من المصادر تؤشر إلى سبب وفاة فاطمة الزهراء(ع) وأنه تم كسر ضلعها وإحراق دارها وإسقاط جنينها الذي يسمى بالمحسن المهم وفي مقالنا البحثي هذا سوف نتعرض الدلالات المهمة والمضيئة لسيدة نساء العالمين وكيف أنها امتداد للنبوة وأنها تمثل الوصلة الطبيعية للرسالة المحمدية.
ولنأخذ هذا التحليل من موقع الميزان لنعرف مقام فاطمة وماتمثله بالنسبة للسماء إذ يقول
"فكما كان أمير المؤمنين مساويا للنبي في كل شيء إلا النبوة، فكذلك كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) مساوية وكفوا لأمير المؤمنين (عليه السلام) في كل شئ إلا الإمامة والإطاعة بلحاظ الزوجية، قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وقال تعالى: (وللرجال عليهن درجة) أما في غير هذين الموردين، فقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) في حق فاطمة ما قاله في حق أمير المؤمنين (عليه السلام)، من قبيل قوله (صلى الله عليه وآله) « إنها روحي ونفسي وقلبي وبضعتي وثمرة فؤادي ونور بصري وفلذة كبدي وشجنتي، وإنها مني وأنا منها » وغيرها مما ورد في كتب الفريقين مما لا يعد ولا يحصى.
فالإتحاد المعنوي النبوي والعلوي جار في وجود سيدة العصمة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، (ولا شك أن فاطمة خلقت لأجل علي، وأن عليا خلق لأجلها، وأنهما كفوان ومتحدان لا يفترقان في عالم الأبدية بلا شائبة وريبة) ". (2)
فهذين النورين قد خلقا قبل آدم في عالم النوار والملكوت ومن هنا كان لابد من أن يكون كفوئين فيما بينهما.
وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله):« يا علي أنت نفسي التي بين جنبي، وفاطمة روحي التي بين جنبي ».
فأمير المؤمنين (عليه السلام) نفس النبي (صلى الله عليه وآله)، وفاطمة روح النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد يقال: أن الروح أرفع وأعلى منزلة من منزلة النفس، ولكن الروح والنفس متحدان في بعض الجهات ويحملان على معنى واحد، أو أن هذه المقالات من الأمور الاعتبارية الإضافية، فتطلق كما هي حسب الموارد إعظاما للمقام. لأن اروح والنفس واحدة تكمل الأخر.
"ويقول أحد العلماء المعاصرين: عيسى (عليه السلام) روح الله، وفاطمة (عليها السلام) روح النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذه النسبة إلى الساحة الإلهية دليل الأفضلية، فيكون عيسى (عليه السلام) أفضل من فاطمة(عليها السلام)، ثم إن مقام الذكورة أفضل من مقام الأنوثة، والرجال أفضل من النساء!! ولكن هذه المرأة أفضل من رجال العالمين، تفوقهم جميعا شرفا وفضلا وأولوية، وليس في عالم الأرواح والأنوار والعقول والنفوس عنوان الأنوثة، وأشباح هذه الهياكل المقدسة تمتاز عن الأشباح الملكية الحسية الأخرى.
ويشهد لذلك الأحاديث المعتبرة المتواترة عن الأئمة البررة (عليهم السلام) ; منها ما روي في البحار: « كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يطيعها في جميع ما تأمره » وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) أحيانا فيقول: « يا علي أطع فاطمة (عليها السلام) » ويأمر فاطمة (عليها السلام) فيقول: « أطيعي عليا ».
وإنما يأمر عليا بطاعتها لعصمتها وصواب رأيها ولأنها لا تخطأ، وكأن رأي فاطمة رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا قال (عليه السلام): « عاشرت فاطمة تسع سنين، فلم تسخطني ولم أسخطها ».
وهذه من الخصائص الفاطمية والمزايا النبوية، وسيأتي شرح الحديث في باب العترة الزكية إن شاء الله تعالى. ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) - وهو أعظم الأولياء الكاملين والنفس المقدسة لحضرة خاتم المرسلين وسلطان العالمين - يباهي ويفتخر بزواجه بفاطمة الزكية، وقد حرم الله عليه الزواج..
بغيرها ما دامت حية، وجعلها كفوا لا كفو لها إلا علي، فيكفي في جلالة قدر فاطمة أنها كفو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن النساء حرمت عليه مع وجودها.
ويكفي في جلالة قدر علي أن تكون كفوه امرأة كفاطمة في فخامة النسب وعظمة الحسب، كفو لا ند له ولا نظير، فهي الكاملة من جهات الإنسانية، والمنزهة من النواقص، صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى ولديها".(3)
ولهذا كان الحبل المبارك الذي ربط النبوة الشريفة ممثلة بنبينا الأكرم محمد(ص)وبين الإمامة المباركة ممثلة بزوجها الأمام علي(ع)والعترة الطاهرة من أولادهما الأئمةالمعصومين(صلوات الله عليهم أجمعين).
ولهذا كان الزهراء (ع) ليست امرأة كباقي النساء كما يدعي عدد من الكتاب القصيري النظرة ويعملون مقارنة بينها وبين عائشة والتي كيف جاز لهم ذلك وعمل هذه المقارنة والتي لا تلقى أي قبول لدى أي عاقل ولا يقرها العلم والمنطق والتي سوف نناقش ماهي الدلالات والمؤشرات لعصمة وعظمة الزهراء روحي الفداء، ونحن عندما نقول ذلك حول عمل هذه المقارنة وبطلانها لا ننطلق من منطلق طائفي فعائشة هي زوجة الرسول (ص) ونحن لا ننتقص منها بل نعتبرها أحدى زوجات الرسول(ص) وما عملت من مثالب فأنه عند لقاء ربهاسوق تحاسب عند ربها وعند ذاك هنالك يخسر المطلون ولكن نحن نتحدث بواقعية وموضوعية فأن عندما هذه المقارنة كأنك تعمل مقارنة بين عالم ومفكر له من العلم المنزلة الكبيرة وبين جاهل أمي لا يفقه من الأمور شيئاً مع الفارق طبعاً ولكن وكما يقال المثل يضرب ولا يقاس أو تعمل مقارنة بين الأمام علي(ع)وباقي الصحابة فهل كل عاقل أو لبيب يقبل بهذه المقارنة؟ فقطعاً سوف يكون الجواب بكلا.
ولندخل إلى صلب موضوعنا ونناقشه بكل حيثياته وبالأدلة والأسانيد لنثبت عظمة هذه السيدة الجليلة التي هي ثمرة الرسول الأعظم محمد(ص) وسيدة نساء العالمين سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام)
فاطمة بضعة الرسول
يقول نبينا الأكرم محمد(ص) في حديثه الشريف ((من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله)).(4)
أن هذا الحديث النبوي الشريف بحق السيدة فاطمة الزهراء(ع) هو حديث مسند وبإجماع من قبل كل المذاهب ولكن نريد أن نناقش لماذا لم يقل نبينا الأكرم محمد(ص) أبنتي بل أطلق ووصفها بالبضعة أي بضعتي والذي ينم عن معاني عظيمة والتي ذكرها وهو رسولنا الأعظم إذ لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ولنأتي أولاً إلى معنى البضعة في الاصطلاح اللغوي والتي تعني:
"بِضعة: (إسم)
الجمع: بِضْعات و بِضَع، مذ بِضْع بِضْعةٌ من اللَّحم: قطعةٌ منه هو بِضْعَة منِّي: هو في قرابته كالجزء منّي ".(5)
ومن هنا قال الرسول(ص) أنها بضعة منه أي أنها جزء منه للدلالة على علو منزلتها وأنها روح الرسول وأنها تمثل روح الرسول وقد شرحنا آنفاً ما معنى الروح في زواج الأمام علي(ع) من فاطمة (ع)ومعرفته بما سيجري لها من بعدها كان يؤكد دوماً على مكانة الزهراء(ع) ومنزلتها وضرورة المحافظة عليها لأنه كان يعرف بما سيجري من ظلم بحقها وما تؤول إليه الأمور في غصب حقها وكسر ضلعها والذي أخبره بها جبرائيل من عند الله سبحانه وتعالى.
وهنا نحن متأكدين من أنها بضعة الرسول(ص)من الناحية الفسيولوجية والقضايا الوراثية بحكم أنها أبنته ولكن نأتي إلى الأمور الأخرى المادية في أنها شبه أبيها نبينا الأكرم محمد(ص).
حليتها وشمائلها:
كانت الزهراء عليها السلام تشبه أباها صلى الله عليه وآله وسلم خلقاً وأخلاقاً ومنطقاً، وقد وصفها الصحابة المعاصرون لها بأنّها كانت كأبيها صلى الله عليه وآله وسلم في مشيته وجلسته وسمته وهديه ما تخطي منه شيئاً.
عن أنس بن مالك، قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن ابن علي وفاطمة عليهما السلام.(6)
وعن عائشة، قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(7)
وقالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(8)
وعن جابر بن عبدالله، قال: ما رأيت فاطمة تمشي إلاّ ذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تميل على جانبها الأيمن مرّة، وعلى جانبها الأيسر مرة.(9)
وعن أُمّ سلمة، قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(10)
وكانت الزهراء عليها السلام المثل الأعلى في خَلْقِها وخُلُقِها وسموها وتفوّقها في كل الفضائل والصفات الإنسانية العليا على جميع نساء أهل الدنيا، حتى بلغ من كمالها أن وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراراً وتكراراً بالحورية، فسبحان من خصّها بما خصّها وفضّلها على نساء العالمين.
ومن هنا نستنتج أن فاطة الزهراء (ع) كانت الامتداد الطبيعي لرسول الله (ص)وأنها كانت كما كناها أبيها (بأم أبيها) في أنها كان رسول الله عندما يخرج من المدينة في معاركه أو يعود فكان أول ما يعود الى بيت فاطمة وإذا أراد سفراً أو غزاة كان صلى الله عليه وآله وسلم آخر الناس عهداً بفاطمة عليها السلام، وإذا قدم كان صلى الله عليه وآله وسلم أول الناس عهداً بفاطمة عليها السلام (11)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها،... ويدعو لها..
[07:22:58 م] احمد جمال: .(12)
أما تعامل الزهراء عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت تهتم به اهتمام الاُمّ بولدها (13)، فمنذ أيام طفولتها كانت تدفع عنه أذى المشركين (14)، وتخفّف آلامه وتضمد جروحه (15)، وتمسح الدم عن وجهه في الحرب (16)، وإذا عاد من سفرٍ بادرت إلى استقباله واعتنقته وقبّلت بين عينيه، وكانت تتأثر لحاله وتحنو عليه.
أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر، صلّى في المسجد ركعتين، ثمّ أتى فاطمة فتلقته على باب البيت، فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « ما يبكيك ؟ »فقالت: « أراك شعثا ًنصباً، قد أخلولقت ثيابك »فقال لها: « لا تبكي، فإنّ الله قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيت ولا مدر ولا حجر وبر ولا شعر إلاّ أدخله الله به عزّاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل ».(17)
ومن هنا يمكن استخلاصه من هذه الكنية التي تشرفت بها الزهراء عليها السلام وهو أن الاُمّ في اللغة بمعنى الأصل، وفاطمة عليها السلام هي الفرع الفذّ النامي من الشجرة المحمدية الذي حافظ على بقاء الأصل وديمومته، فأخرج للناس ثمار تلك الشجرة الباسقة.
عن عبدالرحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة ».(18)
وقد استلهم بعضهم هذا المعنى فأنشد:
كمـا الله سمّاها بفاطم إذ قضـى *** بفطم محبيها مـن النار في الاُخرى
بـأُمّ أبيهـا كنّيـت إذ بفـاطـم *** بقى ذكره في الناس والملّة الغرّا.(19)
ومن هنا نعرف بأن الزهراء ليست أمراه كباقي النساء أو هي فقط تحمل أنها أبنه الرسول الأعظم محمد(ص) بل هي تحمل من المكنونات والأسرار العظيمة التي لو كتبنا عنها لاحتاجت إلى كتب ومجلدات وكل ما نكتبه هو يمثل قطرة في محيط كرم وجود هذه السيدة العظيمة والتي في أجزائنا القادمة سوف نستكمل إن شاء الله هذا الإبحار في هذا النبع الصافي والكريم لسيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.