4 ربيع الثاني 1435 - 05/02/2014
قد يبدو العنوان غريبا.. ولكنه يحمل نوعا ما لونا من ألوان الحقيقة، فبعد عقد كامل من الحراب والتنافس "الطائفي العراقي الشريف"، يظهر علينا، من بين عشيرة السياسيين، نموذج رائع طائفيا "ويرفع الراس" عاليا سواء لمناصريه أو معارضيه.
فهذا النائب والسياسي والمجاهد الذي ظهر علينا في غفلة من عين الدهر وراح يصول ويجول في ساحات الاعتصام و"الجهاد" المفتوحة، سعيا منه للحصول على صكوك الغفران الخليجية بتنصيبه والياً للأنبار وبعدها بغداد وربما الاحواز، لم يكن لديه ما يميزه عن سواه فيما عدا شتائمه الطائفية التي حولته وبإرادة منه إلى بيدق شرس و"لطيف" تلعب به أيدي الكبار خارجاً أو داخلا.. وببضعة "ملايين" معدودة.
غير أن حصاد بيدر سياسيي طائفته المظلومة بهم، لم يأت كما شاءوا، فزعيقه ووعيده الطائفي الذي سمعه القاصي والداني..لا يمكن التغطية عليه، وبدلا من أن يتحول لسانه إلى سلاح ضد الآخر، والتحشيد ضده، كما كانوا يتمنون، تحول إلى لسان يذبح نفسه بنفسه، فيما أحاطت به أسنان معوجة لم تفلح معها جميع عمليات التقويم والتجميل، بل أجهزت عليه في ليلة داعشية غبراء لا يحسده عليها اثنان.
تبدأ حكاية أحمد العلواني بين عامي 2003- 2005 حين كان أحد القيادات النشطة في تنظيم حماس العراق الذي كان يشرف عليه كما يقال وزير المالية رافع العيساوي، ويرجع إليه الفضل في مكافأته على "نشاطه" هذا بحشر اسمه في القائمة العراقية التي دخلت آنذاك حلبة الانتخابات البرلمانية ليتمكن من خلالها العلواني من الفوز بمقعد نيابي له بينها.
يحمل العلواني صفة دكتور، ولكن قلّ من يعرف مصدر هذه التسمية أو كيف حصل على شهادتها ومتى وأين، كما لا يستطيع الباحث عنه في غابات الانترنيت الشاسعة الحصول على أية معلومة وافية عن سيرته الشخصية، فيما عدا تلميح عابر في عنوان إحدى المقالات المكتوبة عنه يشير إلى أنه طبيب بيطري، وبغض النظر عن شهادته هذه فطريقته في تناول الأحداث والتعليق عليها لا تنمّ عن دراية أو مستوى ثقافي مقنع بأية حال من الاحوال.
بعد تبوئه منصب النائب بوقت قصير، هاجم العلواني في لقاء تلفزيوني، جميع الدول العربية، مؤكدا أنها لن تجلب للعراق إلا الدمار، داعيا إلى الانتماء للعراق فحسب، وهي "حرشة" كما يبدو أتقنها سياسيون عراقيون قبله، هدفها لفت الانتباه إليهم وتوجيه دعوة "لكسب" ودّ الدول العربية وتحديدا الخليجية "الداعمة" مثلما هو معروف، لكل عوامل الاستقرار والازدهار في العراق.
كبُر بعدها، وبشكل مفاجئ، بالون العلواني شيئا فشيئا، وراح صوته يلعلع في نوافذ المتاجر الفضائية، فانطلق يمسح الأرض بهذا.. قبل أن يهاجم ذاك وكأنه قوة عراقية عظمى يجب أن يحسب لها الجميع ألف حساب، حتى استطاع أخيرا وفي وقت قصير، أن "يحلّل لقمته" أمام مموليه الجدد، ويزيل برعونته الطائفية جميع العبارات الوطنية البراقة التي طالما تسلح بها سياسيونا الأشاوس، للتغطية على أنفاسهم الجهوية والطائفية الكامنة.
وفي منهجه المبارك هذا من قبل كتلته، استمر العلواني يواصل شن هجماته "السياسية" المفخخة التي لا يجيد غيرها، حتى الساعة التي شرعت فيها ساحات الاعتصام بفتح أبوابها لتتيح لهذا البالون أن يكبر على منصاتها إلى حده الأقصى، واستثماره هو وبعض المنتفعين معه مطالب أهل الأنبار المشروعة، لصالح مخططاته العدائية لجميع أشكال العمليات السياسية وغير السياسية ومن يمثلهما.
فراح يصول ويجول في أرجائهما متجاوزاً في خطابه المتشنج جميع المحاذير والخطوط السياسية الحمر التي لم يتجرأ نائب قبله على التصريح بها علانية، وبهذه الصورة البشعة سياسيا وتاريخيا على مستوى العراق.
حينئذ استهوته كما يبدو فكرة إقامة أقاليم طائفية كبيرة تنضم إليها محافظتا نينوى والأنبار، وتمكنت منه شهوة السلطة "وهي كما هو معروف، مرض عربي شائع وعضال"، فراح يخلط الحابل بالنابل في خطبه الرنانة، حتى إنه في إحدى صولاته العلوانية دعا إلى الثورة على عملاء إيران في بغداد من الصفوية، وفي الوقت نفسه الخونة من القردة والخنازير في محافظته الانبار.
ولتهوره في الطفر على جميع الأسوار الأخلاقية والوطنية، لم يجد أمامه إلا التوغل والاستمرار في الهجوم المفتوح على الجميع حتى من يقف معه، لمجرد أنهم حاولوا إبداء رأي آخر، أو التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، وهو الأمر الذي توج فيما بعد بالاعتداء على نائب رئيس الوزراء حامد المطلك، الذي ظن خطأ أنه سيجد آذاناً صاغية له في ساحات الاعتصام، التي كانت قد استعدت مسبقا لاستقباله "خير استقبال" وفي لحظة غياب مدروس ومخطط له كما يبدو، للعلواني عنها.
بعدئذ تحول مشهد ساحات الاعتصام إلى صورة مبالغ فيها لموقف أهل الأنبار السياسي، وأدى علو صوت الخطباء الموتورين فيها إلى تصدرهم المشهد، بطريقة أثارت استغراب الكثيرين لمعرفتهم الدقيقة بأهل الأنبار الذين خرجت من بينهم أسماء لامعة من السياسيين والمثقفين عبر التاريخ، فضلا عن شيوخ عشائر أجلاء، ورجال دين مخضرمين، كان الأجدر بأهالي المحافظة الاستماع لصوتهم لا لصوت العلواني وأمثاله، الذي لا يؤدي إلا إلى الفوضى والفتنة.
غير أن العلواني أخذته العزة بالإثم ولم يتوقف، خاصة أن طفوليته..السياسية الواضحة لكل المراقبين في ساحات الاعتصام و"جفصاته" المدوية على حد قول أحد محرّضيه، جعلت الأنظار تلتفت إليه، فراح يطلق سراح عواطفه الطائفية المكبوتة على عواهنها كما يقال، بل ويبالغ فيها.
فقام فضلا عن إفساد أهم المطالب المشروعة للمعتصمين، باستبدالها "بالقوة كما يبدو" بخطاب متطرف يدعو لطرد جميع مؤسسات الدولة الاتحادية القائمة بين القائم حتى الفلوجة، بالدعوة في الوقت نفسه، إلى تشكيل جيش يدافع به عن المحافظات "المنتفضة" ومواجهة أي هجوم يستهدفها.
وقد جذب خطابه الطائفي هذا كل من رضع مثله من حليب الطائفية والكراهية، فوجد آذاناً صاغية له بينهم في إباحة دم الآخر وتكفيره وقتله، ليلتقي في هذا التوجه بدراية منه أو عدم دراية مع "مجاهدي" القاعدة، على أرضية ساحات جديدة سميت بساحات العزة والكرامة، افتتحت بدءا بمطالب محلية محدودة لمعتصميها وانتهت بالدعوة لقطع الرؤوس واحتلال إيران والعراق وسوريا بالإضافة إلى توجيه إنذار في طريقهم "وعلى الماشي" إلى الجنرال السيسي في مصر!.
في لقائه التلفزيوني المطول في برنامج "بين قوسين"، والذي يبدو أنه يستحق الحصول على جائزة أوسكار لأسوأ نائب على وجه الكرة الأرضية، تتضح شخصية العلواني المحتقنة بالكراهية والإثرة هذه بأجلى صورة.
فهو لم يجب خلال دقائق هذا اللقاء الذي استمر على مدى سبعين دقيقة على سؤال واحد من أسئلة محاوره الذكي، ولم يجد في جعبته المليئة فقط بالشتائم إلا عبارات التسويف والمماطلة للتهرب منها وبطريقة متلعثمة تكاد تكون كوميدية، على الرغم من أن اللقاء جرى في "عرينه" وسط الرمادي، وفي ظل قلق لا حدود له من مقدم البرنامج على سلامته الشخصية بعد اللقاء، خشية تعرضه لمراسيم "ضيافة" مشابهة لتلك التي قدمها بعض معتصمي العلواني في ساحات الاعتصام، بحق شيوخ عشائر الجنوب حين قدموا لزيارتهم وإصلاح "ذات البين" معهم.
في النتيجة، يمكن لأي مشاهد لهذا اللقاء، التعرف جيدا على قاموس مفردات العلواني الشحيح، والذي لا يعدو بضع عبارات سباب طائفية شائعة، دعا فيها لأن تكون أول فقرة في استمارة التعداد تحديد المذهب، فقط لكي يثبت "مقدما" صحة الادعاء القائل بأن الأكثرية في العراق هم من طائفته وليس من الطائفة الأخرى، وكأن الشغل الشاغل للعراقيين ليس في قضاء حاجاتهم اليومية وضمان مستقبلهم واستقرار وازدهار بلدهم بل في تحديد نسب الشيعة والسنة والكرد فيه.. إلخ.
وللتدليل على ذكاء العلواني الحاد، يمكننا الاستشهاد بردة فعل أحد "عشاق" العلواني من سياسيي الطائفة الأخرى، الذي بادر بتقديم الشكر الجزيل له لأنه قدم ومن هبّ معه لطائفته "المتهمة بالصفوية علوانيا" ما لم تكن تحلم به، وبالمجان.
فيما عبر أحد وجهاء طائفته ممن كان حاضرا عن خجله الشديد من خطف أمثاله لمنبر المتحدثين باسمها، وهي التي كانت ومازالت تغص بأسماء لامعة لا يمثل العلواني أقل من عشر معشارها على حد قوله.
هكذا يمكن القول إن العلواني يصلح وسط ركام التطيّفات والتوافقات والمحاصصات العراقية لاعتباره معيارا "صالحا" جدا لقياس أعلى درجات الحرارة الطائفية لدى سياسيينا الأشاوس، فهو النموذج الذي فعل مالم يفعله أحد وجازف بالتصريح بطائفيته، جهارا نهارا، وبأعذار واهية، وهي خصلة ما كان يتشرف بها أحد قبله أبدا، حتى ولو كان طائفيا حتى النخاع.
والآن وبعد ما كل ماجرى ومازال يجري في الأنبار، علينا إحصاء بعض ما تركته خلفها جفصات هذا اللسان الطائفي الأعوج، بدءا بساحات اعتصامه "غير المفتوحة" وليس انتهاء بعشرات آلاف العوائل التي هربت من جحيم النار التي أوقدها هذا النائب الألمعي فيها.
ولكن تبقى هناك فضيلة أخيرة للعلواني، حسب وجهة نظر محرضيه الذين ادعوا استقالة جماعية "لفظيا"، بعد إلقاء القبض عليه، وهي أنه أسهم في تصعيد قضية المظلومية السنيّة "الواردة حديثا" في خطابات السياسيين العراقيين بالتوازي مع المظلومية الشيعية، والكردية، في تناس مقصود ومتواصل للمظلومية العراقية ككل، من أجل نيل مكاسب ومغانم هذه المظلومية بطرق تحريضية سهلة لا تخلو من الخبث والعبث بمصالح واستقرار العراقيين جميعا.
ووفقا لهذا المسلك ينطلق رئيس البرلمان العراقي النجيفي، في تحليل ما جرى ويجري وكأنه ينتقد نفسه بنفسه ويؤكد أن عودة القاعدة سببها الحكومة التي لم تف بوعودها لأهالي الأنبار الذين تصدوا للقاعدة سابقا، بل "عاملتهم كمناوئين وأعداء..وأصبح الناس مقتنعين بعدم جدوى التعامل معها، لأن ممثليهم في الحكومة والبرلمان غير متمكنين من تلبية مطالبهم المشروعة أو إرجاع حقوقهم.. وأصبحوا بين نارين، نار الجيش والقاعدة".
ومن هذا التحليل "النجيفي" الذي لا يجيد قوله نائبنا العلواني، يتضح أن صراخ العلواني وسط ساحات الاعتصام ومطالبته بالزحف إلى بغداد والأهواز بعدها من اجل تخليصها من "الخنازير الصفوية"، كانت بفعل فاعل، ولم تكن المحاولات المتواصلة للإجهاز على كل من يدعو إلى وأد الفتنة من أهالي الأنبار والتفاوض مع الحكومة لحل المشكلة عبثية، بل تأتي ضمن مخطط مدروس يتولى العلواني الجانب العملي منه بتخريب أي فكرة للتفاوض، بهدف استمرارها لما جلبته له ومن يقف خلفه من شهرة إعلامية وصوت مسموع خليجيا.. وربما حتى داعشيا.
في الختام يبقى..السوال مشرعا، وهو ما الذي جناه العلواني، قبل أهله وعشيرته وطائفته، من كل ما فعله؟ فها قد لفظه أصحابه وحلفاءه قبل غيرهم وفقا لمبدأ "الطايح رايح" العراقي، وراحوا يتوارثون كل ماقام به "بإشرافهم ربما" دون أن يخسروا منصبا واحدا، بل على العكس، هاهم يصولون ويجولون في عواصم الشرق والغرب، ويتحدثون بلسان ذرب عن المظلومية السنية بأسلوب لن يستطيع العلواني وأمثاله تقليده ولو بعد ألف عام.