13 صفر 1430 - 09/02/2009
محمد: لماذا البساتين سائرة عنا فقد إعتدنا على رؤيتها، واستنشاق نسيمها، لماذا يا علي فهل أغضبناها أم استاءت منا ؟!
علي: أخدعك البصر يا محمد أنّى للبستان من الحركة والمسير ألا تراه جمعٌ سائر؟
محمد: جمع سائر! دعنا نراه عن قرب هيا يا علي هيا أسرع أرجوك.
فذهب الأخوان إلى التجمع السائر، والذي يبعد عن بيتهم.ألف متر، فذهب الأخ الصغير محمد مسرعاً، متحمساً لرؤيته عن قرب، فلم يرَ هكذا شيئا من قبل.
علي: لا تسرع يا أخي لكي لا يصيبك مكروه لا تسرع إنتظرني.
لكن شوق محمد - لمعرفة ما رآه من على سطح الدار- أنساه عثرات الطريق مابين البيت والطريق العام فقد ألفها الكبار وإعتاد عليها الصغار.
محمد: يا علي أسرع، سأصل قبلك سأصل قبلك.
وفعلاً تحققت الأمنية الأولى ووصل محمد قبل أخيه وحفظه الله من الأذى، وانتظر محمد مجيء أخيه الأكبر علي، لكنه صار مذهولاً، فهو يرى حشداً طاووسياً، فهم ما بين قوي البنية وضعيفها كُلاً سائراً بإتجاه واحد ولا يكاد ينقطع هذا السيل الذي أربك بصره.
وانتاب محمد شعور: أهو يوم الدين الذي عرفناه من سورة الفاتحة؟ لعله هوَ ليصل أخي وأسئله.
واستمر شعور الإستغراب يراود محمد، وكثرت إستفهاماته حول جديد ما رآه، متشوقاً وعجولاً لمعرفة الإجابة التي تعزز من شخصيته، فهو محب للمعرفة، كاره للجهل وعدم السؤال.
محمد: ها قد وصل علي، هيا أسرع يا أخي أسرع.
علي: يا محمد لماذا كنت مسرعاً ألم أُناديك بالإنتظار، فقد خفت عليك.
محمد: اعذرني يا أخي، وقل لي: أهذا يوم الدين؟
وضحك علي من سؤال أخيه وقال: وما هو يوم الدين يا محمد؟
محمد: أليس هو المذكور في سورة الفاتحة، وهو يوم يحشر الناس بكل أصنافهم أُنظر إليهم فهم ما بين قوي البنية وضعيفها، وأنظر لهم فهم نساء ورجال، أُنظر لهذا الرجل فهو يحمل طفلاً، أُنظر إلى ذلك الشاب فهو يدفع عربة أخيه الصغير، أنظر يا علي فهم مختلفون وسائرون كما شرحوا لنا حول يوم الدين، أليسَ هو قل لي؟ أليس هو هيا قل؟
علي: يا أخي وقرة عيني أيها اللطيف المسرع، فقد غفرت لك سرعة المسير، ولا أغفر لك سرعة الإجابة.
محمد: لماذا يا علي.
علي: لأن عليك السؤال فقط لا السؤال والعجلة، إفعل كما فعلت الآن بالضبط، أحسنت. سأُجيبك الآن. لكن دعنا نسير معهم حتى نصل إلى ما يذهبون إليه وتعرف الإجابة بالشرح والتفصيل.
محمد: وهل يقبل أبي، وأُمي؟
علي: نعم فهم قد ذهبوا مع هذه الناس التي تمشي. وأذنوا لنا بذلك.
محمد: تعني أبي وأمي وأنت تعلم بهذا الأمر، ولماذا؟
علي: أبي وأُمي اعتادا على السير مذ كنتُ بعمرك، وأنا أسير معك الآن منذ ذلك الحين إلى هذه المرة إن شاء الله تعالى، وستكون لك المرة الأولى وتستمر إن شاء الله.
محمد: هيا يا علي لنسرع.
علي: ها أنت كما كنت في بادئ الأمر –وقالها ضاحكاً-.
وابتسم محمد لمّا علمَ من أخيه إمكان الإجابة، وفرِح ببقاء بساتين النخيل التي اعتاد على رؤيتها.
علي: هيا لنبدأ بأسئلتك.
محمد: أولاً علمت أن هذا سيل من الناس، وفرحت ببقاء النخيل، وأجبني أولاً: هل هو يوم الدين أم لا؟
علي: يا أخي إن يوم الدين هو يوم القيامة، ولم يحن أوانه بعد، فهو بعد ممات الناس أجمع، وأنت ترى الناس أمامك أحياء، ونحن كذلك، فلا يعني أن هذا اليوم من أيام القيامة، لكن إعلم أنه بينه وبين يوم القيامة وجه من الشبه، وهو أن الناس أفواجاً وأنواعاً كلهم قادمون نحو هدف واحد ويطلبون بفضل الله المغفرة والرضوان، وبين هذا اليوم ويوم القيامة وجه إختلاف، ففي يوم القيامة يحشر كل الناس من يوم أبينا آدم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة الإلهية، وفيهم الصالح والطالح، لكن من يمشي من الناس اليوم هو من المؤمنين حقاً والمعتقدين بأهل البيت عليهم السلام، وباذلاً نفسه لهم، وهذا مما وفقنا الله تعالى به وحرم من لم يؤمن بأهل البيت عليه السلام، وكم هيَ نعمة حبانا الله بها ووفقنا لإبقائها دائمة إن شاء الله تعالى لما لها من تأثير إلهي عظيم علينا.
محمد: إذن ما هو اليوم.
علي: إنه يومٌ وليس بيوم واحد بل جرى هذا السيل من الناس المتوجه بأزمان مختلفة فمنهم من خرج قبل شهر كما هو حال أهل البحرين والأهواز، ولعل الله يوفق باقي الدول المجاورة لذلك خصوصاً الدول التي مر بها ركب الحرم الإلهي.
محمد: شهرٌ بأكمله.
علي: نعم يا حبيبي الصغير، ومنهم من بلدنا العزيز ففيهم من خرج قبل عشرين يوماً، ومنهم بأسبوع واحد، ونحن بثلاث أيام، وهنالك أناس بيوم واحد. قل لي: ما هو سؤالك الآخر.
محمد: لماذا كل هذا العناء ألا توجد لدينا السيارات الناقلة فلم لا نستخدمها؟
علي: كما قلت إنه عناء لكن فيه المواسات والإحساس اليسير جداً بما مرّ على أسرى الركب الإلهي، وإعلم أنه عناء ليس بعناء.
محمد: وكيف بالعناء لا يكون عناءاً فهل يمكن ذلك، فها نحن عندما يقطع الطريق ببعض الأيام نذهب لمدارسنا البعيدة نصل إليها مرهقين متعبين، حتى إنني أذكر ذات يومٍ عدت معك من المدرسة إلى البيت مرهقاً متعباً وهويت إلى الفراش غارقاً بالنوم والراحة ألا تذكر ذلك؟!.
علي: نعم كما قلت يا قرة عيني إن سير المسافات اليسرة البعيد، تتعب الشخص وترهقه، لكن سترى أن هذا المسير فيه شعور مخالف لغيره من السير، وهو سر إلهي كما سنراه معاً.
محمد: إذن فلنرى ذلك، لكن أخبرني هل الطرق اليوم مغلقة أمام الناقلات، وهل يتوجب علينا المسير، فلا يوجد اليوم مدرسة فقد أخبرونا بأن هنالك تعطيل لمدة إسبوع لأن هنالك زيارة للإمام الحسين عليه السلام؟
علي: ها أنت قد وصلت فنحن ذاهبون لزيارة الإمام الحسين عليه السلام.
محمد: أتقصد إننا سنذهب سيراً على الأقدام إلى كربلاء، فنحن نذهب لها بالناقلة ونتأخر فيها حتى نصل؟
علي: نعم يا أخي الصغير لكن سبحان الله ففي هذا اليوم أسرار عجيبة فهو يوم لا كالأيام وسير لا كالمسير كما سأُخبرك وتدرك ذلك من خلال سيرنا على الأقدام.
محمد: تكرر عليَ أنه (لا كالأيام) و(لا كالمسير) قل لي ما هيَ هذه الزيارة؟
علي: لأنه فعلاً كذلك، وإنها زيارة الأربعين.
محمد: لنواصل فلماذا اسمها (زيارة الأربعين) فأنا أعرف زيارة النصف من شعبان لأنها تقع في منتصف الشهر وزيارة عاشوراء لأنها في يوم العاشر من محرم يوم مقتل الإمام الحسين عليه السلام مع شهداء الطف فلماذا هذه الزيارة تسمى بزيارة الأربعين فلا يوجد لدينا شهر بأربعين يوماً؟
علي: أنت تعلم بأن الإمام الحسين عليه السلام قد قُتل بأبشع قتلة شهدها التأريخ، فقد قتل في يوم العاشر من شهر محرم الحرام مع العلم ان في هذا الشهر لا يجوز القتال حتى قتل الكافر الذي لا يستحق العيش فكيف بالإمام الحسين عليه السلام المصلح الأعظم حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه ومصباح دينه فقد قال صلى الله عليه وآله: ((إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)) وسبطه فهو ابن بنته سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة ابنته عليها السلام: ((رضا الله رضاكي))، وهو عليه السلام ابن علي المرتضى الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله بحقه عليه السلام: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه واعاد من عاداه)) مع كون الحسين عليه السلام من أولي الأمر الذين أوجب الله تعالى طاعتهم فقد قال تعالى: (( أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر)) مع كل هذه الخصائص قتله المنافقين من المسلمين الذين زهت الدنيا بأعينهم واتبعوا الباطل والشيطان لعنة الله عليهم، ولم يكتفوا بذلك بل بعد قتله صلوات الله عليه وجماعته الأنصار رضوان الله عليهم بعد كل ذلك قاموا بأسر حرمه المصون الحرم الإلهي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يجب ستره وإطاعته. قاموا بأسره إلى الشام حيث وجود اللعين ابن اللعين الذي أمر بقتل الحسين عليه السلام، وهو يزيد ابن معاوية لعائن الله عليهم، فقد أسروا من بقي من حرم الحسين عليهم السلام سيراً من كربلاء إلى الشام حاملين رأس الحسين الشريف على الرماح مع رؤوس الشهداء الذين أعلى الله منزلتهم. وقد استمر ذهابهم من كربلاء في يوم عاشوراء إلى الشام وعودتهم إلى كربلاء منها أربعين يوماً من الأسى والحزن وكثرة الفجائع عليهم صلوات الله عليهم.
محمد: قل لي يا أخي من كان بعد إمامنا الحسين عليه السلام ومن هم الذين أُسروا لماذا تلعن قاتل أهل البيت عليهم السلام؟
علي: أمّا لعني لقتلة الحسين عليه السلام فلقول الله تعلى: (( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا))، فلماذا لا نلعنهم وهم قد آذوا الله تعالى بقتلهم من يتوجب عليه طاعته وأمروا بإتباعه ألم يقل الله تعالى: ((أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر)) والحسين من أولي الأمر الذين وجبت طاعتهم، وكذلك قد آذوا الرسول صلى الله عليه وآله فقد علمت بأنه صلى الله عليه وآله يحب الحسين وقال بحقه بأنه عليه السلام: ((مصباح الهدى)) وقد أخزاهم الله ولعنهم وقال عز وجل ((ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً)) ولم يجعل لهم ناصرا؟ فها أنت ترى نصرتنا له وخزي من قتل الحسين عليه السلام، فأين هم من الحسين عليه السلام وأين ما وعدوا به أنفسهم. فلا تجد لم ذكراً إلا الخزي المذكور في صفحات التأريخ.
أما الذي ظُلموا مع الحسين عليه السلام وأسروا فهم أهله وأحبته ومنهم الإمام العليل الإمام زين العابدين عليه السلام فلم يحترموا المريض، ومعه عمته السيدة الطاهرة العالمة الغير معلمه السيدة زينب عليها السلام أُخت الشهيد وبنت الشهيدة الزهراء التي ماتت بسبب حرق دارها وكسر ضلعها الشريف وسقوط جنينها المحسن عليه السلام، وبنت الشهيد الإمام علي عليه السلام الذي قتل وهو يَعبُد ربه تعالى في المحراب مصلياً، وأُخت الشهيد المسموم المظلوم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والذي رموه بالسهم بعد مماته صلوات الله عليهم. أعلمت من هم الذين نواسهم اليوم ونسير معهم بقلوبنا. ونقول ليتا كنا معهم.
محمد: أربعين يوماً أسروههم!! وكل ذلك سيراً على الأقدام ساعدهم الله ولم كل هذا التكلف ولمَ كل هذه القساوة. أهنالك أُناس ترهِق إخوتها هكذا؟
علي: ها أنت كما قلت لك سابقا ستعرف وترى لذة السير مع محبين أهل البيت الذين يتجشمون عناء السفر في سبيل من أحبوهم فعلاً، وستعرف الأسرارِ تلو الأسرار. فعلاً يا أخي هنالك والعياذ بالله من هم فعلوا ذلك بإخوتهم كل سوء، ليسوا بإخوتهم فقط بل أسيادهم الذين تمنوا لهم كل الخير والذين هم أعرف بمصالح أتباعهم، لكن هنالك سوء العاقبة والجهل وإغرارر النفس ببقاء الدنيا ومناصبها أعاذنا الله من كل ذلك ووفقنا للبقاء أبداً موالين محبين لأهل البيت وستعلم يا أخي الصغير الكثير والكثير من الأسرار في مسيرتنا مع من أحب أهل البيت عليه السلام وتدرك أكثر فأكثر بأنه سير ولا كباقي المسيرات ويوم لا كباقي الأيام.
محمد: شكراً لك يا أخي الأكبر.