8 صفر 1430 - 04/02/2009
لعل نظرة فاحصة من عين ستة على ستة في أفق الاستعدادات الحالية لانتخابات مجالس المحافظات سوف تمكنا من رؤية خمس لافتات بخمسة تاءات مهمة على الرغم من ازدحام الشوارع والأزقة وواجهات المؤسسات الحكومية وأبواب دور المواطنين والحمامات والمرافق الصحية باللافتات والملصقات الجدارية الدعائية للمرشحين المزكومين بأنفلونزا حب الوطن وخدمة المصلحة العليا، والاتوبوس الوطني، والدفاع عن حقوق المحرومين المنحورين بسكين وعود أعضاء مجالس المحافظات الحاليين، والمختنقين بعبرات حقوق الإنسان العراقي، والذين تفوق اعدادهم قبيلتا مضر وربيعة أيام عزها.
وكانت اللافتة الأولى تحت عنوان: (تاء التسقيط والترافس أقوى شكيمة من شرف التنافس).
فيما كانت اللافتة الثانية بعنوان: (تاء التزوير وذبح الضمير طريقنا إلى النزاهة والتغيير).
أما اللافتة الثالثة فقد كانت تحت عنوان: (تاء التسعير ودفع الدنانير تجعل التيس حاكماً والعتوي أمير).
وكانت اللافتة الرابعة: (تاء التبطين وأداء اليمين وباكيت أبو الخمسين خير المرشحين).
فيما كانت اللافتة الخامسة بعنوان: (تاء التمزيق أقوى لغات الرفض.. بدون تعليق).
وقد يكون بعض الذين لا يرون تلك اللافتات الخمس وما بها من حقائق من أصحاب لافتة تاء التسعير ودفع الدنانير، والجميع يعرف كيف تفتق دهاء بعض المرشحين المتخمين بأموال الشعب العراقي الذين افردوا لأنفسهم حصصاً من المشاريع والملفوفات الوطنية التي أقيمت خلال السنوات الأخيرة.. بمعنى ان الجماعة ما أخذوا حرام فالبعض أخذها بنية الزكاة، والآخر شفطها بنية الخمس، والبعض بعنوان هدية من أموال الشعب العراقي، ومن طبيعة المواطن العراقي الكرم.. وبالتالي فلا يمكن أن يبخسوا عليه بشوية ملايين تكريماً له.. يعني أخذها بالفحوى. ولما كانت ملايين الدنانير موفورة فقد وضعت تسعيرة لكل مواطن مستفلس وداكه الجوع أسوة بما فعله الآخرون، فمنهم من دفع عشرين ألفاً والآخر خمسين.. وماكو أحد أحسن من أحد، وخلي المفوضية اتدك راسها بالحايط، ومن يدفع أكثر يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين، ولا شأن له إذا ما كان الدافع تيس أحمق أم حمار أثول... والي ياخذ أمي يصير عمي.
وربما كان ممن ينتمي إلى قائمة التبطين أو المستفيدين منها، والتبطين كما في شحيح البخاري هو توزيع البطانيات، فبعض القوائم الشريفة حتى النخاع تستغل حاجة الفقراء والمحتاجين لنص متر قماش صوف يقيه شر البرد في هذه الأيام، كما عمد بعض المشهورين إلى جمع الناس من أماكن متعددة من الجنوب العراقي وفي سيارات كبيرة وإنزالهم في أحد الملاعب الرياضية، ثم عملوا لهم لقاءً ودياً انتهى بأداء القسم بأنهم لن ينتخبوا غيرهم، ثم بتوزيع البطانيات وباكيت أبو الخمسين ألف دينار وبوسة على الخدين تبركاً، وإلى اللقاء في دورة انتخابية أخرى وبطانية أبو النفرين، وكان التجمع تحت عنوان المواكب الحسينية وهوسات وبطانية.
وهناك الكثير ممن لا يرون تلك اللافتات لانشغالهم بها من خلال المشاركة مع إحدى القوائم الكبرى، فقد تراه لاعباً مهماً في عملية التسقيط والترافس، وبالتالي فهو لا يؤمن ولا يعترف بوجود تلك اللافتات وإن كتبت بحروف من نار بركانية وعلى حد قول المثل الشعبي (محد يكول لبني حامض). كما لا يؤمن اطلاقاً بضرورة التنافس الشريف في العملية الانتخابية ويرى ان ممارسة التسقيط والترافس حق أوصى به من يتولون قيادة القائمة التي ينتمي إليها فتراه يرفس كا... هذه القائمة وذلك المرشح بصورة ملفتة للنظر بدون أية اعتبارات أخلاقية وإنسانية ودينية، فما دفع له مسبقاً ورصد له فيما لو تم الفوز، ووعود يمكن أن تدفن له الضمير في إحدى المزابل أو المقابر.
وهكذا هو شأن المرتزقة الذين يقحمون أنفسهم في أتون الأخطار، وينفذون الأوامر المعطاة لهم بدقة عالية. وقد قيل إن لم تستحي فافعل ما شئت.. والغاية تبرر الوسيلة والي مو عاجبو ينتف شواربو.
وأما عن التزوير فهو ملح الانتخابات وبهاراتها التي لا غنى عنها في كل طبخة انتخابية، فبعض القوائم الكبرى التي تجاوزت سن اليأس وانقطعت دورة حيضها قد لا يعجبها وجود الرؤوس الباذنجانية أو الملة أحمد (اليقطين). في القدر الانتخابي، فتلجأ إلى التزوير من خلال الاتفاق مع عدد من رؤوساء المراكز الانتخابية سراً فما ان يتم انتهاء وقت التصويت تغلق الأبواب، وتسدل الستائر حتى يستبدل كل رأس باذنجاني أو ملة أحمدي في القدر الانتخابي بما يوافق مزاجها وشهيتها ثم تكون النتيجة في اليوم التالي الإعلان عن فوز القيمة النجفية 99.99 %، ومحد يفك حلكه ما دام الدفع بالدولار وتضيع القضية كما الأبتر بين البتران. فالتغيير بحاجة إلى التزوير، وذبح الضمير، والإيحاء إلى الناس بإمكانية ان يكون التيس حاكماً والعتوي أمين الشحم واللحم، والطرطور وزير وتلك ضرورة ملحة ومن أسرار الديمقراطية الحديثة التي لا يعلم بها إلا الله والراسخون في العلم.
وكانت حصة الملصقات الدعائية للمرشحين سواء على مستوى مرشح القوائم والأشخاص من التمزيق كبيرة جداً، حتى لم تنج صورة لمرشح من حالات التمزيق أو فقأ العيون او التشويه والتلطيخ بالنفط الأسود، والتعليق الساخر وهو مما لم يحصل في الدورات الانتخابية السابقة، وما كان ليحصل لولا انعدام الثقة بين المسؤول الحكومي والمواطن الذي أنهكته خمس سنوات من رفع الشعارات العريضة الطويلة والوعود الكاذبة بالرفاهية والتطور والتقدم وسلسلة سودة مصخمة لا تقف عند حدٍ من الخدمات التي لم تلد تياراً كهربائياً وطنياً متواصلاً ليوم واحد والذي بات حلماً يراود أبناء الوطن.
وما حالة التمزيق واسمال عيون صور المرشحين إلا تعبير عن حالة الرفض الذي تجاوز التعبير الديمقراطي الشفاف، وهو رفض لكل دعاة الحب للعراق، والعمل من أجل المصلحة العليا للوطن والمواطن، فكل يدعي الوصل بليلى، وآه يا ليلى المذبوحة من الوريد إلى الوريد بسكاكين المنافقين ودعاة الحرية والديمقراطية والشفافية وكأن الحب والهيام والوفاء لليلى لا يتم إلا بانتهاك عرضها تحت كرسي المجلس النيابي وبإمضاء جميع أعضاء مجلس المحافظة المهذبين.
لاشك ان المعركة الانتخابية معركة حامية الوطيس من فاز بها فقد نفش ريشه كالطاووس، واتهندس ولمع وحف كالمحافظ العروس، وتحقق حلمه فهو قاب قوسين أو أدنى من النعيم، ومن خسرها فقد أصيب بالإحباط واضرب من الطعام ولف رأسه ونام تفادياً لتعليق الناس والوسواس الخناس، وكثرة السؤال والقيل والقال، ولن تخفف عنه كلمات المواساة، وهارد لك يا أبو جاسم، وتعيش وتأكل غيرها.
وهكذا هو عالم السياسة في هذا الزمن مَنْ دخله ولم يستعن بالشيطان خذله الناس وأصيب بالخيبة والخسران.. ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه.