17 ربيع الأول 1433 - 11/02/2012
منذ عقود وتحديداَ في السنوات الأخيرة تزداد معاناة المرأة العراقية، والى يومنا هذا هي تعاني من الظلم و التمييز والاضطهاد ، وللأسف ما زالت تجري بحقها إجراءات تعسفية وممارسات عنفيه، تعود في معظمها إلى عدم ملائمة التشريعات العراقية لمبدأ المساواة وعدم التمييز بين المرأة والرجل، وكذلك إلى العادات والتقاليد المجحفة والفهم الخاطئ للدين، وبالرغم من ان العراق عضو في معاهدة مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ما تزال هنالك قوانين صارمة تنتزع حق المرأة بالعيش بكرامة وحرية وما يزال هنالك نقص كبير في ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع العراقي، ونرى ان ذلك كسبب أساسي لازدياد ظاهرة العنف ضد المرأة في العراق، عانت المرأة العراقية في ظل الأنظمة الاستبدادية السابقة وجراء الحروب والاحتلال والعنف الطائفي، بل إنها دفعت الثمن مضاعفاً والنتيجة ظهور جيش من الأرامل يقدر بالملايين هذا بالإضافة للبطالة والى انسحاب المرأة من الشارع وانزوائها في المنزل نتيجة الخوف والعدائية التي تقابل بها كلما بحثت عن دورها في بناء وطنها.
حول هذا الموضوع التقينا بالباحث والكاتب حسين القابجي الموسوي وكان لنا معه هذا الحوار
في البدء توجهنا له بالسؤال التالي:
سرا : أولا ما هو تعريف العنف الأسري في علم الاجتماع وبرأيكم هل للعنف ضد المرأة رواسب تاريخية منذ بدأ الخليقة إلى الآن؟
القابچي: هنالك عدة تعريفات جاءت بصدد هذا النوع من العنف وهو (العنف الأسري)، لكن من تلك التعريفات الجامع للمعنى لهذا النوع
ان العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف انتشاراً في المجتمع، والذي عادتاً يكون الضحية فيه هي المرأة والطفل واقصد ضمن الأسرة الزوجة والأولاد، وهذا النوع من العنف الموجه ضد الروح الإنسانية يحمل أسباب ودوافع عديدة...ونتائج سلبية اكثر تُعكس في المجتمع، وكما ان الأسرة هي التي تمثل المدرسة الأولى في المجتمع ففي حال تفكك الأسرة وانهدام البناء الأسري بالمنهج الخاطئ هذا يؤدي إلى انهدام المجتمع بأكمله!
واما بالنسبة للرواسب التاريخية ضد المرأة، قطعاً نعم هناك رواسب يرجع تاريخها الى مجتمعات الجاهلية والبدائه والى آلاف السنين...
علماً ان هناك من المجتمعات التي تجعل من المرأة هي المخلوق الذي بين الرجل والحيوان! وكأنها لا تحمل الروح الإنسانية التي كرمها الله واعزها.
وكل من تلك المجتمعات يحمل فكر معين ضد المرأة ومجحف لها ولحقوقها كانسان، وكونها تحمل روح إنسانية نبيلة وعاطفة ومشاعر وغيرها من الحقائق التي افردها الله عز وجل بها دون باقي المخلوقات...
هنا أود الإشارة إلى شيء آنسه أسراء ... إن المتعارف الآن ان المجتمعات تنقسم إلى قسمين المجتمعات الغربية والمجتمعات الشرقية ولو سلطنا النظر ظاهريا على المجتمعات الغربية والرجوع الى تاريخها القديم اجتماعياً، وما يذكر فيه بخصوص العنف ضد المرأة حقيقة لا يصدق من كيفية الأساليب العنيفة والممارسات المتخذة اتجاه المرأة الغربية في ذاك الزمان...!
لكن لو نظرنا الآن قد جعلوا المرأة هي المرتبة الأولى والحاكمة على الرجل في أغلب المجتمعات الغربية وهذا قد يكون نتيجة التثقيف والتغيرات التي قد تحررت بها المرأة من القيود المفروضة سابقاً، ما جعلتها بعد ذلك تفرض سلطتها وسيطرتها!
ولو نظرنا إلى مجتمعاتنا الشرقية وخصوصاً الإسلامية ومنها بلدنا العزيز العراق، للأسف الشديد إلى الآن هنالك شرائح في المجتمع ترجع الى القبلية المتعصبة الظالمة للمرأة ظلماً لا مثيل له وكأن المرأة من العيب ان تُحسب على الروح الإنسانية، وهنالك من يجعل المرأة أدنى من الحيوان ولا قيمة لها ولا تُعد ضمن الروح الإنسانية، وعندما يرتبط بها في ذهنه انها كالسلعة التي يشتريها للهو وإشباع الغرائز! وعندما يمارس عليها العنف ويتسلى بضربها، ومنهم من يحمل فكر ان بهذا العنف الممارس اتجاه المرأة هو أبراز للرجولة والتسلط والشخصية وغيرها من الأفكار الجاهلية المتوارثة.
سرا : برأيكم هل التثقيف الديني في المجتمع يمكن ان يقضي على ظاهرة العنف ضد المرأة وهل برأيكم ان المجتمع العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص يعاني من الجهل الديني الذي يدفعه لاضطهاد المرأة واستغلالها.
القابچي: ان الجهل الديني هذا حقيقة واضحة وبالخصوص في مجتمعنا وفي المجتمعات العربية عامة وهذا له أسباب عديدة أبرزها وجود القاصر والمقصر!
ان التثقيف الديني أولاً وبالذات يقع على عاتق المؤسسة الدينية وبعدها على عاتق الفرد، باعتبار من واجب المؤسسة شرعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ أحكام الرسالة الإسلامية وتعليم تعاليم الدين الإسلامي.
نأتي أولاً لواقع المؤسسة الدينية الآن للأسف الشديد هي غير متصدية للواقع ولم ترى مسؤوليتها غير انها تطبع النشرات وإيضاح الأحكام كتابتاً ليس إلا ولا تنظر إلى المجتمع الأمي الذي لا يفقه ولا يعرف القراءة والكتابة، وأما التبليغ الأعم الأغلب من المتصدين للتبليغ وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة يتخذوا الجوانب السلبية ونقدها في المجتمع وعدم وضع الحلول والغالب طرح العلاج لها ويكون للحالة وليس للسبب وهذا خطأ كبير، ولا جدوى في هذا الأسلوب ألتبليغي ومنهم من اتخذ التبليغ لغايات لا سبيل لطرحها في موضوع حوارنا.
والفت النظر الى القسم الثاني وهو الأمي الذي لا يقرأ ويكتب وهو القاصر وهو واقعاً لا ذنب له لأنه قد تربى في بيئة وأجواء منغلقة وتوارث الأفكار من الجاهلية ليس إلا وهذا يحتاج إلى إيصال الفكر الصحيح بأساليب معينة.
وانا على يقين تام لو تكون هنالك توعية وتثقيف ديني المراد منه وجه الله عز وجل وتثقيف المجتمع بإخلاص لردع السلبيات بصورة صحيحة لكان يحصل تغيير بنسبة جدا عالية، وأكرر يشترط الإيصال للدين الإسلامي بصورة صحيحة يقبلها العقل والمنطق.
سرا: ما هي برأيكم النتائج التي تترتب على استخدام العنف ضد المرأة بمعنى أخر هل لهذا الأمر تأثير سلبي على حياتها في المستقبل ونظرتها للمجتمع وتربيتها لأبنائها.
القابچي: قطعاً من المتعارف عليه هنالك لكل فعل رد فعل والأعم الأغلب ردود الأفعال تتبع الأفعال بنفس الاتجاه ومن المؤكد تترتب على العنف ضد المرأة أمور نفسيه منها الاشمئزاز من الحياة وتولد فكرة الانتقام ضد الممارس اتجاهها وتغيير السلوك وعدم تربية الأبناء بصورة سليمة وغيرها العديد من التأثيرات والنتائج السلبية.
سرا: برأيكم أستاذ حسين هل عدم تربية الأبناء على اتخاذ قدوة لهم مثلا رسولنا الكريم صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام في معاملتهم للنساء ووصية الرسول بقوله صلى الله عليه واله وسلم (رفقا بالقوارير). هو ما يؤدي بالأبناء من الذكور بشكل خاص لمعاملة النساء بهذا الشكل العنيف والحط من قدر المرأة وكرامتها.
القابچي: آنسه أسراء من الأكيد والمؤكد الاقتداء بشخصية معينة له تأثير كبير جداً ودور مهم في السلوك وكما ذكرت في السؤال حول التثقيف الديني، قطعاً هنا لو كانت الأسرة تحمل التثقيف الديني والتربية الإسلامية والتقيد بالضوابط والتعاليم الدينية، من الثابت ان يكون الاقتداء بالقدوة الأكبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)
ومن المدروس في علم النفس ان الأولاد على تربية آباءهم في حال رؤية الأب وتعامله مع المرأة فهذا له انعكاسات على شخصية الأبناء بشكل كبير جدا، ففي حال كون الاب له قدوة سليمة قطعا تكون التربية لها نسبة عالية في جانب الاقتداء والفرد المسلم خير قدوة له هو الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام).
سرا: هل العنف الأسري غالبا مؤدي إلى الطلاق؟ أم هناك أسباب أخرى تؤدي إلى الطلاق والتفكك الأسري.
القابچي: ليس دائما يكون العنف مؤدي الى الانفكاك والطلاق ولكن الأعم الأغلب نعم وهناك أسباب أخرى كذلك تؤدي إلى الطلاق منها عدم الثقة والانحراف الاجتماعية وخصوصاً في مجتمعنا الان قد انبثقت حالة جديدة وهي دخول الثقافات الأخرى ودخول التكنولوجيا الحديثة التي نشعرها نعمة ولكن نقمة في نتائجها، ومن تلك الثقافات الآن الثقافة التركية التي انتشرت من خلال وسائل الإعلام وقد سببت العديد من المشاكل وهذا قد اثبت في الآونة الأخيرة من خلال دراسات حول نسب الطلاق وأسبابها والارتكابات التي تظهر من خلال التأثير بثقافات الغير.
وبالنسبة للتكنولوجيا ابسطها جهاز النقال الذي يتصور البعض انه من اجل الفائدة والنتائج الايجابية لكن واقعاً قد سبب العديد من المشاكل منها هتك الأعراض وكذلك التفكك الأسري والطلاق وغيرها من النتائج الملموسة.
لكن مما يؤسف له، مجتمعنا لا يشعر انه هناك حملات تشن من قبل جهات وحروب فكرية مريدة لتهديم أساس المجتمع وإيقاع الضرر فيه وتحجيم الطاقات.
سرا: هل باعتقادكم ان هناك حلول لظاهرة الطلاق والتفكك الأسري.
القابچي: نعم، توجد الكثير من الحلول لكن تتوقف على فهمها بالصورة الصحيحة، أهمها دراسة الأسباب الرئيسية المؤدية للتفكك الأسري المؤدي إلى الطلاق وفي حال معالجة السبب فينحل المسبب كما يجب أولاً وبالذات ان يكون البناء الأسري رصين وقائم على أسس سليمة وهذا يتوقف على حسن الاختيار ودراسة الشخصية لكل منهما البعض.
سرا: هل أحيانا تكون أم زوجة سببا في طلاق ابنتها وبالتالي خراب بيت الزوجية وتفكك أسرة بكاملها بسبب تدخل الأم في حياة ابنتها.
القابچي: ان التدخل من جانب أهل الزوجة بصورة عامة هو سبب رئيسي في استقرار الحياة الزوجية او تفكيكها وبالخصوص التدخل من قبل ام الزوجة باعتبارها العنصر المؤثر في حياة بنتها والأم اما تكون نعمة عظمى او نقمة في نفس الوقت على الحياة الزوجية لبنتها إما ان تكون سبب للراحة والسعادة او التعاسة خصوصا مع كونابنتها غير واعية ومتعلمة او تكون تجعل أهمية الزوج من بعد أهمية أهلها وتحمل كلام الأهل وترجحه على زوجها بالتالي تؤدي بالحياة إلى الفشل.
ولتجنب هذا التأثير ينبغي على الزوجة ان تجعل زوجها هو الأب وجميع أفراد عائلتها وان تجعله الشخص الوحيد القريب المتجسد على أكثر من عنوان يكون الأب لها والأم والإخوان والصديق إلى أخره...
سرا: كلمة أخيرة تحب ان توجهها للقراء حول هذا الموضوع.
القابچي: في الختام ادعوا الله ان يمكن المصلحين على الإصلاح في المجتمع، وارجوا ان تلتفت المؤسسة الدينية إلى المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المجتمع العراقي ووضع الحلول لها.
وأوجه كلامي إلى كل من يمارس العنف اتجاه المرأة بصورة خاصة عليه أن يفهم إن المرأة نوع مُباين له ولا يوجد تفاضل ولا الرجل أحسن من المرأة ولا العكس وإنما هي وظائف محددة لكل من المرأة والرجل ولكل منهما وظيفة في الحياة يمتاز بها.
وارجوا التفقه بالدين الإسلامي الصحيح والتخلق بأخلاق الرسول الأكرم(ص) وحسن المعاملة مع الغير، حتى نظفر بمجتمع تسوده المودة والرحمة والتآلف.
وأتوجه بالشكر الجزيل لكم على إتاحة الفرصة للتعرض لهذا الموضوع المهم اجتماعياً واسأل من العلي القدير التوفيق لكم بالخصوص وللجميع والحمد لله في البدء والختام ولكم أجمل التحية والسلام.