9 محرم الحرام 1431 - 26/12/2009
يطلُ على الزائرين بصوته الشجي وكلماته الشفافة، ومعنى الحزن والأسى يضج من أعماقه الأخاذة بحب آل بيت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان لموقع مؤسسة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هذا اللقاء معه.
سابقاً كنا نتحدث مع من هم أكبر منا سناً، عن بساطة المجالس الحسينية وكيفية إقامتها في الشوراع والأزقة والحسينيات، اليوم ونحن نعيش التطور التكنلوجي والعلمي والتعقيدات التي صاحبت الحياة بكل نواحيها، هل أدت هذه الظروف الى إنحسار المنبر الحسيني أم أنها ساعدت على إنتشاره؟
بداية أقول يجب أن يكون المجلس الحسيني عبرة، يجب أن تذرف الدموع، يجب أن يعلو البكاء من اجل الحسين عليه السلام، فلولا الدموع التي تنسكب على الحسين عليه السلام لم يبقَ من نهضته سوى الاثر التأريخي الذي يمكن ان نقرأه بكتاب او مدونة تأريخية، الامام الحسين عليه السلام عِبرة وعَبرة... نعم فالذي يحرك العَبرة هو العِبرة المشحونة بالألم والدموع والحزن والأسى.
ثم لا بد لنا من التعريج على منبر الامام الحسين عليه السلام، فهو بالمعنى الكلي قضية إلهية مدعومة من قبل الباري عز وجل، وكثيراً ما نسأل عن زمن تأسيس المنبر الحسيني، ومن هو أول من أقام أول مأتم على الإمام الحسين (عليه السلام)؟ يقول العلماء من بينهم الشيخ جعفر التستري في كتابه الخصائص الحسينية مانصه: (ثلاثون مأتماً للامام الحسين عليه السلام عقدت قبل إستشهاده)، في إشارة واضحة إلى المجالس التي عقدها الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم على ولده الحسين عليه السلام حينما ولد، فقد بكاه جده صلى الله عليه وآله وسلم وكان يقبله من فمه ونحره المطهر، لأنه كان على علم أن ولده الحسين عليه السلام سيقتل ويُحتز رأسه، وتدوس الخيول على جسده المقدس. وهناك روايات كثيرة تشير إلى أن بعض الأنبياء جاش حزنهم، وذرفوا الدموع عند مرورهم بكربلاء، لا نريد الغوص فيها حتى لا نبتعد عن فحوى السؤال، نعم كان المنبر الحسيني برغم بساطته يمتلك من الطاقات التحشيدية، وجمع الصف المبارك بعفوية تامة خصوصاً إبان الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي الا أن ذلك لا يعني أن المنبر الحسيني بظل التطورات التي تشهدها الحياة انحسر أو قلّ رواده، ومانسمعه ونشاهده يوميا لهو خير دليل على ذلك، كيف لا والامام الصادق عليه السلام يقول: (إن لجدي الحسين عليه السلام حرارة لن تبرد أبدا).
كانت لكم تجربة كبيرة عشتموها وأنتم خارج العراق حافلة بالانجازات التي اطرت للمنبر أبرز سماته التي نلحظها اليوم، باعتقادكم هل تختلف طريقة التعامل مع المنبر الحسيني خارج العراق المنبت الرئيس لنهضة الامام الحسين عليه السلام من ناحية اللهجة ومن ناحية المضامين؟
المنبر الحسيني قضية لا يمكن أن تحد بمكان معين أو حتى زمان، وهذا متأت بالدرجة الأساس من كون نهضة الامام الحسين عليه السلام نهضة شاملة لكل الانسانية أجمع لم تكن يوماً لتكون لأهل العراق فحسب، لذا نحن عندما نتعامل مع المنبر الحسيني نتعامل مع قضية أسمى واسعة وعلى عاتقنا تقع المهمة التوصيلية لفحوى هذه النهضة بشتى الوسائل والطرق المتاحة، فلكل شعب ولكل أمة طريقة واسلوب على الخطيب أن يلم بها حتى تكون المهمة التوصيلية ذات جدوى وذات فائدة في الوقت عينه، مثلاً في مجال اللهجة لكل مجلس له لهجته الخاصة وطريقة أداء معينة تتناسب مع المتلقي ومستوى ثقافته، وهذا من باب ما ورد في الأثر (كلم الناس على قدر عقولهم) حتى أتذكر أني قرأت للبدو وباللهجة البدوية، فكان التأثر واضحا، وتفاعلوا مع المنبر بشكل كبير. لذا على الخطيب أن يختار الاسلوب الادائي والحكائي المناسب من اجل إيصال مضامين النهضة الحسينية بالطريقة التي يفهما المتلقي بيسر وسهولة.
ونحن نعيش في ظل التطور الاعلامي، ومع وجود الفضائيات التي تأخذ الهم الحسيني منطلقاً أساسياً لبث رؤاها الاسلامية، هل تعتقدون أن المنبر الحسيني استطاع أن يحقق أهدافه وغاياته؟
النقلة النوعية التي أحدثها التطور الاعلامي في كل مجالاته، أثرت وبشكل مباشر على تطوير المنبر الحسيني، فعن طريقها إستطاع المنبر الحسيني أن يصل بصوته إلى أبعد مناطق المعمورة الواسعة، كذلك هي القضية الحسينية بفضل التقدم الاعلامي إستطاعت أن تكسب صدى خاصاً في إيصال صوت الحق الحسيني إلى كل الاجناس والألوان، أذكر أن رجلاً - من محبي اهل البيت عليهم السلام- من دولة (السينغال) سلم عليَّ يوماً وقال لي: هل أنت السيد جاسم الطويرجاوي؟ تعجبت من الأمر وقلت له: وهل تعرفني؟ قال: نعم عن طريق الفضائيات، نحن نرى ونسمع كل المحاضرات الحسينية فهي تصل إلينا محملة بالفكر الحسيني المعطاء، عندها أيقنت ما لهذه الفضائيات من أثر في حمل العطاء الحسيني. نعم هي أضافت الى الفكر الحسيني مسحة العالمية التي كنا نصبو إليها من خلال المنبر الحسيني. فلذا أنا أشد على أيدي قنواتنا الفضائية التي ساهمت وما زالت تساهم في نشر الفكر الحسيني عن طريق البث المباشر للمجالس الحسينية سواء التي تقام منها داخل العراق أو خارجه فهي إضافة إلى أنها تساعد في نشر كلمة الحسين عليه السلام ونهضته السامية يقع عليها إيصال الحقيقة إلى كل الذين يحاولون أن يتصيدوا بالماء العكر ليبثوا سمومهم الهوجاء حول إنعدام الامان وتردي الأوضاع الأمنية بالعراق، فالنقل المباشر لهذه الحشود المؤلفة التواقة لسماع المحاضرات الحسينية، ما هو إلا دليل على إستتباب الامن والامان، فما أجملها من نعمة اخرى حبا الله بها هذا المنبر التوجيهي المعطاء.
ماذا تقولون لمن يحاول أن يوظف المنبر الحسيني لتحقيق اغراضه الشخصية؟
المنبر الحسيني ملاذ يشدو بالحق ومن اجل الحق ولا شيء سواه يعنى بنشر القضية الحسينية وما يدور في رحاها من إصلاح لواقع وتغيير للمناهج التي تعمل على الابتعاد عن النهج الحسيني الذي خطه أبو عبد الله الحسين عليه السلام، ونحن ندعو كل الخطباء وكل الوعاظ إلى أن يكون الهم الشاغل لهم الفكر الحسيني والنهضة الحسينية، وكل ما يتعلق بالحسين وأهل بيته الكرام عليهم السلام، والابتعاد عن المصالح الشخصية؛ فالمنبر الحسيني هم عام ما وجد لان يكون هماً شخصياً يتربص من خلاله المنتفعون من اجل تحقيق مصالهم هو وسيلة وغاية بحد ذاتها وسيلة للإصلاح وغاية للإصلاح أيضاً..