b4b3b2b1
عبد الرضا: المحترف يستخدم عينه كبوصلة تدور في كل الاتجاهات بحثاً عن التكوينات المبهرة | نشر الرسالة المحمدية في أوربا مشروع طَموح لكن يبقى السؤال.. كيف؟ ولماذا؟ | المقرئ الحاج مصطفى الصراف: قراءة القرآن بالطريقة العراقية تتسم بالروحانية والخشوع | مستبصرة أندنوسية: مذهب أل البيت (عليهم السلام) مبعثً للطمأنينة والراحة | الملا باسم الكربلائي في حوار صريح: أخرجت نفسي من الإطار المغلق ولجأت للتنوع والتميز والتجديد | حوار مفتوح مع الباحث أحمد النفيس بعد استنكار الأزهر لطقوس الشيعة في عاشوراء | السيد علوي: نستمد الصوت العذب والشجي من أساس المنهل العذب للنهضة الحسينية | حوار الصراحة والحقيقة مع الأستاذ جواد العطار | الباحث زميزم: كربلاء هي مركز الإشعاع الفكري والتأريخي لشاعرية المراسيم الحسينية | مفكرة مصرية: السلفيون هم الخوارج والسعودية تلعب اسوء ادوارها في المنطقة وصمت الجامعة العربية تجاه البحرين بسببها | السيد جاسم الطويرجاوي: المنبر الحسيني قضية لا يمكن أن تحد بمكان معين أو حتى زمان | الحاج رياض السلمان يتحدث عن الاستعدادات الخاصة بزيارة الاربعين لهذا العام |

آية الله السيد مرتضى القزويني: لو لم أهرب من العراق لكنت في مقدمة المقتولين

315

 

29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008

لا تمل حديثه ومجالسته مهما طال بك الوقت، فهو شخصية تختزل كثيرا من المقاطع الزمنية الحساسة والمراحل التاريخية الهامة، كأنه موسوعة متكاملة تضم ما بين صمتها ونطقها مساحة عريضة من مكنون المعرفة ومخزون الوعي بالإسلام تاريخا وعقيدة وحركة ورجالاً..

التقيته في داره العامرة لأستكشف ثم جوانب من عالمه الكبير وأستطلع بضعة أشياء تعود أن لا يطلع عليها أحدا إلا في الوقت المناسب، وكل الوقت عنده مناسب، ما دام محور الحديث هو أهل بيت النبوة والعصمة وما دام للحسين نصيب وافر في مجال الكلام نثرا وشعرا، مدحا وندبا.. ولذلك كان أول السباقين إلى مضمار المجالس الحسينية قبل سبعين سنة، والأن هو أول الملتحقين بركب الخدمة المباركة من داخل الروضة الحسينية المطهرة إثر سقوط الصنم مباشرة... إنه سماحة آية الله السيد مرتضى القزويني فإلى تفاصيل اللقاء:

^1سؤالنا الأول عن المرجعيات التي عايشتموها سواء في كربلاء المقدسة أم في سائر البلدان الإسلامية؟^/1

في أيام الشباب، أتذكر آية الله العظمى السيد أبا الحسن الاصفهاني رضوان الله عليه وإن كان مقره في النجف الاشرف، لكنه كان يأتي إلى كربلاء في الزيارات وخاصة الايام العشرة الأول من أيام المحرم الحرام، وله دار سكنى في كربلاء وكنا نتشرف بزيارته وكان يقيم مجلس عزاء الحسين في منزله، وأنا في نفس الوقت كنت أتشرف بالخدمة الحسينية على المنابر حتى أتذكر أنني قرأت بعض المجالس بحضوره رحمة الله عليه.

^*1لا أحد قبل الإمام الشيرازي ولا بعده كتب للفقهاء كما للاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وللشباب وللاطفال وللنساء^*/1

ومن المرجعيات التي أتذكرها المرحوم الحاج سيد حسين الطباطبائي القمي الذي وصل إلى المرجعية بعد آية الله السيد الأصفهاني، وأتذكر أيضا آية الله العظمى السيد محسن الحكيم رحمه الله وآية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي، وأدركت تماما آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين كذلك كثير من الآيات الذين كانوا في ذلك العهد في النجف الأشرف كانوا يأتون إلى كربلاء وأتشرف بزيارتهم ولقائهم.

^1وممن نهلتم العلم.. سيدنا؟^/1

الذين كنت أدرس عندهم منهم من بلغ درجة المرجعية ومنهم من كانوا على درجة عالية جداً من العلم والاجتهاد ولكن ليس بالمرجعية العامة العظمى منهم أستاذنا آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني قدس الله روحه الذي قضى فترة من عمره الشريف في كربلاء حيث كان في بداية حياته في النجف الأشرف وعلى عهد المرحوم السيد آغا حسين القمي رحمه الله الذي انتقل وسكن في كربلاء أراد أن يقوي الحوزة العلمية في كربلاء فدعا إليها عددا من المجتهدين الكبار منهم السيد الميلاني، فكنت أدرس عنده مع مجموعة من الطلبة وكنت أقرر بحثه الخارج في علم الاصول وأتذكر أني درست عنده مباحث الإجمالي وحجية العلم.. ومنهم أيضا أستاذنا آية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني ومنهم أستاذنا وابن عمنا آية الله السيد محمد حسن القزويني الذي كان يلقب بالطباطبائي، ولكنه من الأسرة القزوينية.. كنا ندرس عنده علم الاصول، أما الشيخ يوسف فقد درسنا عنده الرسائل والمكاسب والكفاية بجلديه وطهارة الشيخ وكذلك البحث الخارج في الفقه والأصول عدة سنوات..

ومن المجتهدين والمراجع الكبار الذين صحبتهم وتعلقت بهم واحببتهم آية الله المرحوم السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدس الله روحه والد المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي الذي كان على جانب عظيم من التقوى والإيمان، وما كنت أداوم على حضور دروسه، ولكني كنت أتشرف بلقائه وأتبرك من نصائحه وسيرته وأخلاقه العالية جدا وأيضا من المجتهدين الذين أدركتهم في كربلاء المقدسة آية الله السيد زين العابدين الكاشاني الذي كان آية في الذكاء والنبوغ إضافة إلى تبحره في الفقه والأصول والعلوم وكان أيضا أستاذا في الرياضيات والفيزياء وفي العلوم الحديثة، وإضافة إلى اللغة العربية والفارسية كان يتقن اللغة الانكليزية، وكانت له بعض المحاولات لإيجاد ماكنة أو مصنع لا يعمل بطاقة البنزين أو البترول، إنما بطاقات أخرى حيث كان على اتصال دائم بعلماء بريطانيا وكان يراسلهم ويراسلونه (علماء الطبيعيات).

كان على جانب عظيم من النبوغ في هذه الناحية لكن الأجل لم يمهله من جانب ومن جانب آخر الفقر المدقع حيث كان فقيرا جدا حتى أنه اضطر إلى أن يبيع الطابق الأعلى من داره لكي يعيش بثمن الأبواب والشبابيك وأخيرا اضطر أن يسافر إلى قم وهناك أرسله آية الله المرحوم السيد آغا حسين البروجردي رضوان الله عليه والذي أدركته أنا شخصيا وزرته في قم كما التقينا بعدد من المجتهدين الكبار هناك.

^1يذكر عن الميرزا الشيرازي أنه كان مثالاً للتقوى وسمو الأخلاق حتى لقب بـ(المقدس) وصلى بعض المراجع خلفه.. ترى هل يحضركم شيء عنه؟^/1

أتذكر في ليالي الجمعة كان الميرزا رحمه الله يزور الامام الحسين (عليه السلام) وعندما يخرج من الحرم الشريف بعض الاحيان كان يضع العباءة على رأسه وأنا كنت في خدمته نمشي سوية الى حرم العباس(عليه السلام) يحدثنا بأحاديث لطيفة جدا عن أيام دراسته في سامراء ولقائه بالعلماء.. حقيقة من كان ينظر الى وجه السيد رضوان الله عليه كان يرى كأنما يرى رسول الله أو أحد الائمة من شدة الورع والنورانية التي جعلها الله في وجه هذا السيد.. وكان في غاية الادب والزهد والتقوى.. مثلا كان بنفسه يفتح الباب لكل زائريه يرحب بالصغير والكبير حتى بالصبيان وحتى بأفقر الفقراء وكان إذا جلس يجلس امام ضيوفه وزواره في غاية الادب يحدثهم في غاية الادب يقوم لهم اعظاما واحتراما.. وكان في زهده يضرب به المثل في آدابه يضرب به المثل وعلى ذلك ربى اولاده الاربعة الذين عاصرناهم وعايشناهم اولهم اية الله العظمى السيد محمد الشيرازي ثم المرحوم السيد حسن الشيرازي ثم اية الله السيد صادق الموجود حاليا وله المرجعية وكذلك اخرهم السيد مجتبى هؤلاء حقيقة من ينظر اليهم ويرى سلوكهم يعرف الذي ادبهم وارشدهم..

ومن بعد آية الله السيد ميرزا مهدي كان معاشرتي وصداقتي وزمالتي واتصالي والتصاقي بولده الاكبر الارشد اية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي قدس الله روحه الذي عاشرته 52 عاما وهي عمر طويل كنا زميلين في الدراسة من ايام دراستنا في اصول الفقه والفقه عندما كنا ندرس السطوح الرسائل والمكاسب للشيخ الانصاري ثم الكفاية ثم بقية البحوث في البحث الخارج.. في الحقيقة كنت أرى السيد محمد مهدي الشيرازي رضوان الله عليه طاقة عجيبة اضافة الى تفوقه في العلم في الاخلاق في الزهد في الاداب كان رضوان الله عليه يتميز بانه يبحث احوال العالم فكان مطلعا على الاوضاع الدولية على الاوضاع السياسية وكان يقرا كل ما يقع في يده من كتب السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والعلوم الحية وله مؤلفاته وكتبه واثاره التي يبحث فيها عن كل علم من العلوم.

^1لنقف برهة عند السيد محمد الشيرازي.. جمعتكم معه ظروف معينة وحالات ربما خاصة وذكريات لعلها لا تزال بين الجوانح.^/1

الذكريات كثيرة.. لكن على سبيل المثال أنا اتذكر أيام دراستنا.. عندما كنا ندرس السطوح قبل حوالي خمسين سنة.. كان السيد الامام الشيرازي رضوان الله عليه كل ليلة اربعاء يغيب عن الدرس ولم نكن نعلم السبب.. وأخيرا علمنا أنه يذهب إلى مسجد السهلة.. إذا كانت هناك سيارات الاجرة العادية ذهب بها وإلا كان يستأجر سيارة على نفقته وواضب أربعين أسبوعا على حضور مسجد السهلة ويقال والعلم عند الله ان من اكمل اربعين اسبوعا في زيارة مسجد السهلة مع القيام بالعبادات المقررة والرياضات التي يعرفها اهل الرياضة النفسية، والعبادات فمن واضب على ذلك يتشرف بلقاء الإمام المهدي (سلام الله عليه) طبعا هو لم يحدثنا عن المشاهدة، ثم أن الذين يشاهدونه لا يقولون إطلاقا، ولكن العلامات تظهر على سلوكهم على سيرتهم على اخلاقهم هذا من جانب ومن جانب آخر، الآثار التي خلفها فينا وفي غيرنا السيد الشيرازي من قبيل المواظبة على صلاة الليل إذ كان يشجعنا حتى انني اتذكر بعض ليالي الصيف نذهب الى مرقد الحر الشريف وكان يقع في ذلك اليوم خارج كربلاء اما اليوم فيقع وسط مناطق معمورة.. بعض ليالي الصيف كنا نسهر في ذكر العلم والحديث والقصص حتى اذا كان وقت السحر يقول قوموا إلى صلاة الليل، فكنا جميعاً نقوم ونتوضأ لصلاة الليل وكان مواظبا على كثير من العبادات وتجده دائما على طهارة.

^*1من أبرز مزايا المرجعية الشيعية أنها ذات استقلال سياسي ومالي فلم يدخل العلماء في الوظائف ولم يكونوا جزءا من الحكومات^*/1

وكان في جانب كبير من الاخلاق والصبر والحلم.. أتذكر على سبيل المثال أني في زمن صداقتي مع الإمام الشيرازي التقيت باحد علماء كربلاء رحمه الله وكان هذا العالم في فصل الصيف يعاني من الضعف والمرض قلت له سيدنا لا بأس أن تسافروا سفرة إلى إيران للاستجمام والراحة.. هذا العالم كان عصبي المزاج، قال أنا لست من أهل السفر إلى إيران.. السفر إلى إيران لأولئك الذين أنت من أنصارهم.. يقصد السيد الشيرازي.. قلت له مولانا، الذين تقصدهم هؤلاء لم يخرجوا من حدود كربلاء لا شتاء ولا صيفا ولا يعرفون العطلة ولا الراحة ولا الاستجمام.. بعد هذا الحادث بيوم أو يومين التقينا بالسيد الشيرازي في مدرسة الهندية التي عايشناها وقضينا فيها ثلاثين سنة فأخبرته بالخبر ولكني لم أذكر اسم الشخص حتى لا تكون غيبة أو نميمة، فقال لي ما اسم هذا الشخص؟ قلت مولانا هذا شبه نميمة، قال ما قصدت النميمة إنما أردت أن أعرف سبب غضبه أو استيائه مني، فذكرت له اسم ذلك العالم ومضت القضية.. بعد يومين أو ثلاثة سألته أو هو بادرني وأظن أني سألته قلت له: سيدنا هل حدث شيء بينكم وبين السيد؟ قال: نعم فهذا السيد محق فيما قاله لأني كنت قطعت لشهرين أو ثلاثة عنه الراتب الذي يأتيه مني، فذهبت إلى داره ووصلت له مبلغا من المال وانتهت المشكلة.. هكذا كان يذهب في كرمه وأخلاقه بحيث يداري الكثير من المعممين حتى من كانوا يسبونه في وجهه ويسبونني لصداقتي.. كان لنا صديق إذا رآنا أو رأى مجموعتنا كان يقول الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومع ذلك ما كان الإمام الشيرازي يقطع صلته به.. لنا ذكريات كثيرة كثيرة..

^1سمي الإمام الشيرازي بالمجدد الثاني.. فما دلالة هذه التسمية؟^/1

في الحقيقة لا يبعد أن يسمى بهذا الاسم فإنه جدد في كربلاء والكويت.. في الكويت عاش سنوات وجدد فيها نهضة علمية عظيمة، وفي كثير من المناطق التي كانت لها اتصال بالسيد الشيرازي.. وفي كربلاء أوجد نهضة عند الشباب.. عند الرجال.. عند النساء.. حتى عند الفلاحين في البساتين في أطراف كربلاء.. كان يرسل اليهم الدعاة والمبلغين.

^*1بلغ السيد صادق الغاية في التواضع والفناء في ذات الله، فلا يبحث عن الشهرة ولا هو من محبي الجاه^*/1

ولكل طبقة لكل صنف من الأصناف الاجتماعية وضع منهجا للدعوة.. دعوة الى الاسلام وكان يلتقي بهم أو يرسل إليهم من الدعاة والمبلغين.. كان له هيئة التبليغ السيار.. يختار عددا من الدعاة والمبلغين يخصص لهم سيارة وجهاز سماعة يدورون على البساتين.. وكان يوصيهم بأن لا يأخذوا شيئا هدية من المساعدات المالية حتى يكون عملهم خالصا لوجه الله.. كان يجمعنا نحن الخطباء والمبلغين والدعاة في الأسبوع مرة في كل يوم خميس صباحا يلقي علينا المحاضرات.. وكان يجمع الكسبة أهل الدكاكين ويجمع الشباب يعني في كل صنف من الاصناف لذلك أوجد صحوة مضافا إلى مؤلفاته التي تجاوزت 1160 كتابا.. ولم يوجد أحد قبله ولا بعده كتب على مستوى الفقهاء وكتب على مستوى الأطباء وكتب للشباب، للاقتصاديين للاجتماعيين، للمثقفين، للسياسيين، للاطفال، لطلاب المدارس.. وأسس عددا من المدارس مثل مدرسة الامام الصادق(عليه السلام) والتي كنت مديرها ومنها ستة مدارس ثلاث للصبيان ثلاث للفتيات لحفاظ وحافظات القرآن الكريم مضافا إلى المدارس العلمية الحوزوية التي أسسها أو قواها.. وكل المدارس كان يقويها ويحضر فيها ماليا وفكريا وكان بين الحين والاخر كان يرسلنا إلى وزير التربية، رئيس الوزراء، رئيس الجمهورية، كان هو بنفسه التقى بعبد الكريم قاسم وأنا بنفسي كان لي لقاء مع عبد الكريم قاسم والى عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وحتى احمد حسن البكر هو جاء بنفسه إلى زيارته.

^1وما هي الأغراض التي كان ـ رحمه الله ـ يسعى إلى تحقيقها من هذه اللقاءات بالمسؤولين الحكوميين؟^/1

أكبر الأغراض أو أعظمها هو الدعوة إلى الإسلام.. كان يدعو الحكام الى العمل بنظام الاسلام وإلى تقوى الله سبحانه وتعالى.. ويدعوهم الى منح الحرية الدينية للمسلمين ورفع الظلم والحيف والإجحاف والى العدل والتواضع.. فيحدثهم عن قيادة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعن حكومة أمير المؤمنين وحكومة الإسلام لأن لديه كتابات في السياسة كثيرة كان يذكر الحكام بها وكان ينصحهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.. إذا اتصل مثلا بالمحافظ أو المتصرف كما كانوا يسمونه، أو مدير الشرطة، الوزير، هؤلاء يلتقي بهم ينصحهم دائما يغذيهم بالنصيحة والإرشاد والتوجيه.

^1وهل كان المسؤولون يسمعون له وينفذون مطالبه؟^/1

منهم من كان يسمع جزئيا ومنهم من كان يغضب ومنهم من لا ينتبه للكلام ومنهم من يترصد للسيد وحتى كان البعض منهم يعادونه.. فمثلا كان هناك متصرف في كربلاء يدعى سلطان أمين والذي بسببه تم إبعادي عن كربلاء إلى زاخوا وإلى تكريت.. كان هذا المتصرف شديد العداء للسيد الشيرازي وأصحابه وانا منهم.. لكن بعض المتصرفين كانوا يحترمونه ولكنهم مع ذلك كانوا ملزمين لأوامر بغداد وليس لأوامر السيد.

^1هل الدور السياسي من مقومات المرجعية وبماذا يتمثل هذا الدور؟^/1

مراجع التقليد منهم من كانوا تقريبا مراجع محليين محدودين يعيشون في وسط محدود ومنهم من كانت مرجعيته بعبارة أخرى دولية.. هؤلاء كانوا ينظرون على مستوى القيادات العامة مثلا الذين أتذكرهم ولم أدركهم ولكن يذكر عنهم الميرزا الشيرازي الكبير صاحب ثورة التنباك رحمه الله ومنهم من أدركتهم السيد آغا حسين البروجردي أيضا كان على هذا المستوى والسيد الشيرازي كان من هذا القبيل فقد كان مستواه الفكري أعم وأشمل..

وعلى سبيل المثال.. أن السيد البروجردي قدس الله روحه قبل وصوله أو أول وصوله إلى المرجعية قال له بعض العلماء كنصيحة أن المرجع الأعلى يجب أن تتوفر فيه مضافا إلى العلم والاجتهاد والعدالة مضافا الى ذلك يجب أن تتوفر فيه 98 بإضافة هذين الشرطين يكون 100 شرط.. هذه الأمور عليكم أن تتقنوها.. الامام أجاب جوابا موجزا فقال: إذا كان نظر الامام المهدي(عليه السلام) على أحد من نوابه يكمل له بقية الـ98 شرطا.. هكذا كان المرجع.. في زماننا ينبغي أن يكون على وعي كامل وإحاطة وعلم بالعلاقات الدولية.. علاقات الشعوب والاديان مثلا عن اليهود في العالم تشكيلاتهم السياسية.. وعن المسيحيين يطلع على ما يحصل في الفاتيكان والكنائس وبقية الأديان مثل الهندوس والبوذيين ومضافا الى الاحزاب السياسية، النظم الاقتصادية كالاشتراكية والشيوعية وغيرها يجب ان يكون مرجع التقليد على هذا المستوى، يعرف كل ما يتصل بالاسلام لأن دين الاسلام دين الحياة والمرجع يجب ان يكون متعمقا في دين الاسلام في كل جوانبه.. دين الاسلام ليس مقتصرا على مسائل الطهارة والصوم والصلاة وليس حكرا على المسلمين.. من الذكريات التي كنت حاضرا فيها في بدايات مرجعية السيد الشيرازي.. جاء صديق اسمه دكتور عبد الكريم جعفر وكان ذلك اليوم طالبا في كلية الطب ببغداد جاء في يوم الجمعة ومعه أستاذ أمريكي يدرس في كلية الطب ببغداد.. ^*1لا بد أن تكون ثقافة الخطيب الحسيني الإسلامية والشيعية والقرآنية عميقة جدا^*/1

جاء به الى كربلاء لزيارة السيد.. جلس الأمريكي على الأرض ولم يكن معتادا على الجلوس بهذا الوضع.. بادره السيد بعدة اسئلة سؤال أول.. ثاني.. ثالث.. أخيراً انتهى إلى أن أسلم الأستاذ الأمريكي وتشهد الشهادتين ونحن قمنا وصافحناه وهنأناه، ثم لم يتركه السيد عندما عاد الأستاذ الأمريكي إلى بغداد أرسل اليه من يحسن اللغة الانكليزية ويعرف الإسلام وهو أخي الأكبر السيد هاشم القزويني الموجود حاليا في سوريا.. كان يتقن اللغة الانكليزية ويعرف الإسلام فهو دارس في الحوزة وغير الحوزة.. أرسله اليه لكي يجتمع به ولو في الأسبوع مرة أو مرتين حتى يغذيه بمعلومات أكثر عن الاسلام.. ونشاط السيد في الكويت معروف مع إخواننا السنة مع المسيحيين حتى الهنود.. ومع الشباب الذين يحملون أفكارا غير اسلامية.. كان رحمه الله له إحاطة تامة بكل هذه الاراء والافكار فكان يناقشها مناقشة علمية.

^1ما الذي يميز المرجعيات الشيعية عن غيرها من المرجعيات الدينية؟^/1

من أبرز المزايا بين المرجعية الشيعية وغيرها ان المرجعية الشيعية لها استقلال سياسي ومالي فلم يدخل العلماء في الوظائف ولم يكونوا جزءا من الحكومات، فيتسنى للحاكم أن ينصب ويعزل ويتحكم بالرواتب والقرارات والفتاوى وغير ذلك.. وهذه الحالة ورثوها من أئمتنا الاطهار من الامام الباقر وابنه الامام الصادق مؤسسي الحوزة العلمية، بينما الحوزات الأخرى فتجد أن أعلى مرجع ديني فيها هو موظف عند الدولة.. ولذا فمراجع الشيعة دفعوا ضريبة ثقيلة من حريتهم، من دمائهم، من كرامتهم، مقابل هذا الاستقلال، ولذلك الشهداء الذين قدمهم مراجعنا في طول التاريخ يضرب بهم المثل لأنهم لم يرضخوا للحكام، ورأينا في الزمن الأخير زمن صدام كم من مراجعنا العظام قتلوا وعذبوا وشردوا وماتوا تحت التعذيب بسبب أنهم رفضوا أن يكونوا جزءا من لعبة سياسية أو يركعون للحكام وهذا أبرز ما يميز المرجعية الشيعية، من مزاياها أيضا أن علماء المذاهب الأربعة حتى مع الاعتراف بعلمهم وفقههم قد حصلوا دروسهم وعلومهم في المدارس والاساتذة والكتب، بينما مراجعنا يعودون إلى الائمة الاثني عشر والائمة الاثني عشر علومهم من الله، فلم يدرسوا في الحوزات او المدارس.. هؤلاء لهم علاقة بالله لهم نورانية وكلما كانت صلتهم بالله وبالورع والتقوى أقوى اصطفاهم الله لعلومه فعلومهم نور بينما غيرهم ليس عندهم هذه النورانية الموجودة عند علمائنا، وهذا بحث عميق يحتاج إلى تفصيل دقيق.

^1ما هو دور المرجعية في حفظ العقيدة الغراء وإحياء الشعائر الدينية المعظمة؟^/1

من أبرز وظائف المرجع الديني هو ما ورد في حديث الامام الصادق(عليه السلام): (واما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه...) فأهم وظائف المرجع هي أن يكون حافظا لدينه وهو الاسلام فالمراجع هم الذين يحفظون الدين من تحريف المحرفين ومن مغالاة المغالين وألاعيب الحكام والمبتدعين الذين يكتبون الكتابات ضد الاسلام وضد القرآن فعلماؤنا هم الذين يتصدون إلى إصلاح ذلك ولرفع الشبهات..

^1وقفتم في مواجهة الفكر الشيوعي وتصديتم للأفكار الهدامة والمستوردة التي حاولت التغلغل في المجتمع العراقي وإبعاده عن العقيدة الاسلامية الحقة؟^/1

حقيقة.. ذكرتمونا بموضوع كنت غافلا عنه.. على عهد عبد الكريم قاسم ولأسباب سياسية أعطى مجالا للشيوعيين فتغلغلوا في مجتمعنا ونشروا إلحادهم وأفكارهم الفاسدة والمغرضة بين الشباب واستولوا على الوزارات وعلى المدارس وكل مظاهر الاجتماع، وتصدى في ذلك الوقت كل علمائنا ومنهم السيد الشيرازي ومنهم السيد محسن الحكيم صاحب الفتوى المشهورة: (الشيوعية كفر وإلحاد).

^*1بدات بصعود المنابر وانا في سن 12 والآن بلغت 77 يعني 65 سنة في نعمة الله^*/1

مقابل هؤلاء شجع المراجع في العراق منهم السيد الحكيم والسيد الشيرازي وآخرون من علماء النجف والخطباء ومنهم الفقير العاجز، قمت بدوري ايضا ودخلت السجون عدة مرات واعتقلوني عدة مرات وفي الصحن الحسيني لدينا ذكريات لمواجهة الشيوعيين والرد عليهم وفضح معتقداتهم الإباحية والالحادية وكفرهم وطغيانهم إضافة إلى اقتحامهم علي الدار واعتقالي وعدة مرات دعيت الى بغداد واللقاء بعبد الكريم قاسم نفسه وبأحمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام وبمحسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية حقيقة جهود العلماء كانت جهود مشكورة في ذلك الوقت تصدى العلماء لنشر الكتب من ابرز من نشر الكتب الامام الشيرازي رحمه الله كان هو يكتب وكان يشجع كل من كانت عنده موهبة الكتابة لذلك المئات بل الالوف من الكتب كتبت للشباب ولغير الشباب وكل الاصناف.. أخوه السيد حسن الشيرازي، ولعل كتاب الاقتصاد الذي كتبه السيد حسن الشيرازي كان سيفا قاطعا.

^1ماهي ذكرياتكم في تلك الفترة مع السيد الشهيد؟^/1

أتذكر أنه في الوقت أحس بخطر الشيوعية ثم بخطر البعثيين كان يجمع الشباب هنالك مسجد كان في منطقة العباسية كان يسمى في وقته مسجد الترك كان يجمع الشباب فيه ليلة الجمعة وكان يلقي عليهم دروسا اقتصادية اجتماعية سياسية دينية وكانت دروسه من الجذابية إلى درجة أنه في ليالي الجمعة عدد من طلاب الجامعة من بغداد كان يأتون إلى كربلاء للاستماع إلى محاضراته ثم يزورون ثم يرجعون فانتشر هذا الخبر والحكومة قاومته مقاومة عنيفة المجالس الحسينية تحولت الى تقريبا ميادين كفاح ضد الشيوعية ولا ننسى موقف زميلنا المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي أيضا كان له وأنا هذا العبد الفقير كان لي دور في المجالس في المحاضرات في كل مكان في الساحات في المساجد في البيوت هذا كان له تأثير لذلك الشيوعية في كل مكان تغلغلت لكن في كربلاء لم تتغلغل.

^1كان للشهيد الشيرازي إسهامة رائدة في مهرجان الإمام علي (عليه السلام) الذي يقام في كربلاء.. ترى ماهي دوافعه وأهدافه التي حققها من خلاله وكيف واجهته الشيوعية آنذاك؟^/1

الشيوعية كانوا يريدون أن يستولوا كعادتهم وشأنهم، لكن هذا المهرجان ونشاط العلماء ونشاط الإمام الشيرازي وأصحابه وقف سداً منيعاً في وجههم.. هذا المهرجان كان بمناسبة ولادة أمير المؤمنين والفترة صادف أيام قوة الشيوعيين ومحاولاتهم للاستيلاء على كل المظاهر في فترة عبد الكريم قاسم، فالسيد كان يريد ان يكون هذا المهرجان على مستوى العراق بل مستوى العالم فدعوا من الوزراء في مرة من المرات على 13 او 14 وزير وسفير هؤلاء دعوا وحضروا بالفعل حتى ان في زمن عبد الكريم قاسم ارسل عضوا من مجلس السيادة الذي كان هو القمة في القيادة عضوا في مجلس القيادة واشترك في هذا المهرجان وحتى تلفزيون بغداد كان ياتي مندوب من تلفزيون بغداد والعالم يشاهدون ذلك حتى اتذكر كان نعمان الأعظمي هو المذيع في تلفزيون بغداد كان يحضر مع مجموعة الكادر الفني.

^1ومَن مِن الشخصيات البارزة التي كانت تشترك بهذا المهرجان أيضا؟^/1

أستطيع أن أقول كل الشخصيات.. يعني في السنة الأولى اشترك السيد محسن الحكيم بنفسه حيث كان في تلك الفترة مع شدة حبي واحترامي وتعظيمي له، كان لاجئا في كربلاء، لأن الشيوعية في النجف حاصروه وهددوه ووضعوه في زاوية، والسيد الشيرازي (رحمه الله) اخذ مجموعة من أعيان كربلاء من شيوخ العشائر ومن خدمة الروضتين وذهبوا إلى النجف دعوا السيد الحكيم إلى كربلاء والسيد استجاب للدعوة وحضر في موكب عظيم وهذا الموكب له قصة طويلة.

^1لا بأس بإيجازها؟^/1

حقيقة.. هذا الموكب كان يراد به أن يمر ببعض المدن القريبة كالحلة والديوانية والسدة وطويريج حتى يصل الى كربلاء فيحشد أكبر قوة إسلامية بالمقابل الشيوعية ايضا جمعوا قواهم وهم يرفعون صور عبد الكريم قاسم.. طبعا هم اتخذوا عبد الكريم قاسم ستارا لهم.. عند وصول موكب السيد الحكيم على مدخل كربلاء في باب بغداد جمع الشيوعيون كل كوادرهم وهجموا على سيارة السيد والسيد كان واضعا يده على شباك السيارة.. ضربوه حتى أن يده أصيبت وكان من المقرر ان يصل السيد إلى الصحن الحسيني واكون انا خطيب القوم، ولكن بعد حدوث هذا الحادث أمر السيد وسيد سعيد زيني مضيف السيد في داره وتغير المجرى وذهبوا بالسيد الى المنزل حتى يرتاح واتوا له بالطبيب.. بعد ذلك حدث ما حدث في صحن الحسين(عليه السلام) واصطدمنا بالشيوعيين وسحبوا علينا المسدسات وأرادوا ان يقتلوني... في هذه الفترة قضى السيد حوالي ثلاثة أشهر في كربلاء حتى قوي مركزه في النجف وحضر المهرجان وحضر ايضا مندوب عبد الكريم قاسم وحضر الوزراء والسفراء والعلماء سنة وشيعة.. هذا الموضوع صار في 13 رجب فاستغل علماء السنة في الاعظمية هذه المناسبة هم أيضا في جامع ابي حنيفة وأقاموا مهرجانا كبيرا ودعونا ودعوا غيرنا بمناسبة 27 رجب والتي هي عندهم ليلة الاسراء والمعراج.. حضرنا في وفد كبير من المجتهدين من السادة ومن شيوخ العشائر ومن الوجهاء والكسبة والتجار.. بعد ذلك أهل النجف اتخذوا 3 شعبان يوم مولد الحسين ومشت المهرجانات من بلدة الى بلدة بدايتها كانت من كربلاء والنواة وضعها السيد الشيرازي.. وانتقلت المهرجانات من كربلاء الى الاعظمية الى النجف الى الكاظمية الى سامراء ولنا ذكريات عجيبة في سامراء وتكريت..

^1في تكريت.. ماذا حدث؟^/1

أهالي تكريت حضروا في صحن الإمام العسكري(عليه السلام) حيث أقيم مهرجان كبير.. منهم من اشترك بمناسبة النصف من شعبان مولد الامام المهدي(عليه السلام)، فألقوا كلمات وأنا أيضا كان لي قصيدة أخذت دورا عجيبا وفي وقتها كنا في مواجهة عنيفة مع الشيوعيين.. قلت فيها:

يا قوم سيروا إلى الإسلام واتبعوا *** في الرأي قادته الغر الميامينا

لا تذهبن بكم للكفر انظمة *** من ههنا تارة أوههنا حينا

إنا أناس لنا دين وفلسفة *** ومبدأ ليس باللإحاد مقرونا

ولينا الله والاسلام مبدأنا*** محمد سيد الكونين هادينا

لقد حكمنا قرونا تحت رايته*** بالعدل وانقادت الدنيا لماضينا

قدنا الشعوب ولا شطت قيادتنا*** عن الصواب ولا خابت مساعينا

إلى تسعين بيت.. لما وصلت في بيت قبل ظهور الإمام الخميني وقبل ظهور الدولة الإسلامية بثلاث أو أربع سنوات وكان على الطاولة مصحف كريم حملته بيدي وقلت:

سنبتني دولة الإسلام خافقة *** الأعلام تتخذ القرآن قانونا

وبرفعي القرآن قام المجلس احتراما للقرآن.. وهذه الصورة تركت ذكريات في نفوس السامعين.. انتهى المهرجان ورجعنا إلى كربلاء وبعدها بسنتين ونصف كان إبعادي إلى تكريت بقرار من عبد السلام عارف والحاكم العسكري العام احمد محمد يحيى.. أبعدوني إلى زاخو حيث أمضيت أربعة اشهر في زاخو شمال العراق بعد ذلك وبأثر الضغوط الكبيرة من قبل السيد مهدي الحكيم والسيد الحكيم نفسه والسيد مرتضى العسكري هؤلاء جميعا قالوا انقلوه إلى بغداد وفي ذلك الوقت كانت تكريت تابعة إلى بغداد فأتوا بي الى تكريت وكان ذلك في اول يوم من شهر رمضان.... وصلنا قبيل المغرب وكانت معي عائلتي، سألت هل يوجد فندق؟ قالوا: لا، ثم قال أحدهم: من أنت؟ قلت له أنا مبعد سياسي، فتعجب وقال: المبعد سياسياً يفترض أن تكون معه شرطة، قلت: احتراما لي باعتبار رجل دين ومعمم لم يبعثوا معي شرطة، ثم قلت له أين محل القائمقام؟ أشار لي هذا محله ولكن الآن وقت غروب وهو مغلق، وسألني ما اسمك؟ قلت له: مرتضى القزويني، قال: عبد الرضا، ثلاث مرات، انا اقول مرتضى وهو يقول عبد الرضا، أخيرا سألته: ألا يوجد منزل للأيجار؟ قال: نعم، وأخذني إلى المنزل ثم أتوا لنا بالإفطار ثم دعينا للإفطار في اليوم الثاني وبعد الافطار أتى نفس الشخص(الله يذكره بالخير) واسمه سليمان الموسى.. رجل طيب من أهالي تكريت.. طرق الباب وكان الجو في ذلك اليوم باردا، سألني مرة ثانية: من فضلك ما اسمك؟ قلت له: مرتضى القزويني، قال: أنت الذي ألقيت في سامراء قبل سنتين قصيدة؟ قلت له: نعم، قال: بعض الأساتذة هنا يريدون أن يزوروك هل هناك مانع؟ قلت له: لا يوجد مانع، ولكن ليس لدينا فراش قال لي: أنا آتي لك بفراش وبالفعل، جاء الأساتذة وسرعان ما امتلأت الحجرة بهم.. ثم سألوني: شيخنا تحفظ القصيدة؟ قلت: نعم وقرأت بعضها وسبحان الله صارت سببا أن تعلقوا بي تعلقا شديدا، ومن تلك الليلة بدأت الضيافات، كل ليلة يدعونني إلى بيت أحدهم.. يذبحون الذبائح ويعزمون الناس وهم الذين توسطوا عند رئيس الوزراء طاهر يحيى آنذاك حتى أنه بعث أخاه إلي معتذرا وقال: سيد أنت ضيف عندنا ولا تعتبر نفسك مبعدا وسيارتي عندك أينما تريد ان تذهب؟ قلت له: يعجبني أن ازور سامراء وبالفعل ذهب بنا إلى سامراء مرتين وزرنا الإمامين العسكريين سلام الله عليهما.. وبعد ذلك جاء فرج الله عني..

^1كيف للشعائر الحسينية أن تحفظ العقيدة الإسلامية على مرّ التاريخ رغم التحدي الكبير الذي تواجهه وهذا القتل والتشريد والملاحقة المستمرة للشيعة؟^/1

إن الحسين(عليه السلام) استشهد في سبيل الله وفي سبيل حفظ الاسلام وحماية الاسلام، كما نعتقد ونقول في الزيارة (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر) والإمام هو بنفسه كتب إلى أخيه محمد بن الحنفية (إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما بل خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي..) والشعائر الحسينية من المجالس والمواكب الحسينية وغيرها كلها تجري في نفس المجرى وفي الهدف الاكبر لإقامة ذكر أبي عبد الله الحسين حتى مواكب اللطم والعزاء وإقامة المجالس المستمرة والحمد لله والمنتشرة في العالم في شرق الارض وغربها كلها تصب في نفس المجرى، وبحمد الله اينما وجدت هذه المجالس انتشر الإسلام..

هذه طبعا بلاد إسلامية، لكننا قضينا 18 سنة في لوس أنجلس في أمريكا، أقمنا بحمد الله مجالس الحسين هناك وكثير من السنة كثير من المسيحيين كثير من المسلمين المنقطعين عن الإسلام دخلوا في الإسلام، كثير من تاركي الصلاة صاروا من المصلين بل من افضل المصلين، كثير من الملاحدة الجهال هؤلاء اعتنقوا الاسلام ببركات المجالس الحسينية، كثير من النساء غير المحجبات أصبحن محجبات ببركة التربية الحسينية، يعني الشعائر الحسينية لها دور فعال حتى أتذكر ان المرحوم السيد حسن الشيرازي كان عنده عناية ان يخرج ضمن المواكب.

والآن في زماننا أدركنا بعدما المجرم صدام أخرج الشيعة العراقيين من بلادهم، ماذا حصل؟ المواكب الحسينية قد انتشرت في استراليا وافريقيا والهند والباكستان وحتى في موسكو وفي لندن وعندنا صور مواكب الحسين في شوارع لندن والشرطة البريطانيون على خيولهم يحامون ويحرسون المواكب وفي المانيا كانت تخرج المواكب الحسينية، في الدنمارك وفي الصين وفي البلاد التي لم اذهب اليها ولكن نقل إلي مثل اذربيجان تلك البلاد التي كانت تابعة الى الاتحاد السوفيتي، المواكب التي كانت تخرج منها بشكل عجيب وبشكل غريب وفي نيويورك وفي قلب العاصمة واشنطن وهي عاصمة العالم مواكب العزاء كانت تخرج، حتى أحيانا يصير الظهر يصلون صلاة الجماعة في وسط الشارع والحكومة ترسل الشرطة لحمايتهم حتى لا يعتدي عليهم أحد، فالمواكب الحسينية أصبح لها دور عالمي لا في العراق او ايران او بلاد الشيعة فحسب بل في كل مكان وهذه من بركات الحسين(عليه السلام) وهذا دليل على ان الحسين قد تحققت أهدافه التي استشهد من أجلها.

^1هل من سبل جديدة تواكب روح العصر لإذكاء روح الشعائر الحسينية وبعثها متجددة في أنحاء العالم أم أنكم ترون الكفاية في الطرق التقليدية السائدة؟^/1

السبل التقليدية لا بأس بالإبقاء عليها كإطار ولكنني أعتقد أن المنابر الحسينية والخطيب الحسيني لابد ان يتثقف وأن تكون ثقافته الاسلامية والشيعية والقرآنية عميقة جدا وفي المجالس يكون عنده إلمام بالقرآن وتفسيره وبعلم اهل البيت وسيرتهم ويكون في نفس الوقت على اطلاع تام بالفكر الغربي والفكر العالمي حتى يوجد مقارنة بأسلوب الشباب الدارسين في الجامعات ويعرف كيف يواجه هؤلاء ويشرح لهم الاسلام كما عرفه هؤلاء.. ولا ينبغي الاكتفاء بقراءة العزاء والبكاء فقط، نعم العزاء والبكاء واللطم والنياحة يجب أن لا تنقطع لأنها روح العمل، إذا راحت النياحة والبكاء يعني ماتت المجالس، ولكن في نفس الوقت يجب الاعتناء بنشر علوم المعصومين عليهم السلام... خلال 1400 سنة بعد رسول الله والشيعة لم يكن لديها وزارة إعلام أو سلطة حكومية.. وهذه المجالس الحسينية هي وزارة الإعلام هي الإذاعة هي التلفزيون هي الكتب، لذا فدورها حساس ومهم ويجب ان تؤدي المجالس المسؤولية التي تؤديها الجامعات في العالم ووسائل الاعلام الحية كذلك المواكب الحسينية يجب الردات التي ترد او اللطميات او الاذكار التي يقرأونها يجب ان تكون مدروسه يضعها اناس يفكرون اساتذة متخصصون، حتى تدخل في أعماق الشباب حتى الزوار التي ياتون لزيارة الحسين(عليه السلام) يجب ان تستغل مثل زيارة عاشوراء وزيارة الاربعين وزيارة النصف من شعبان زيارات شهر رمضان زيارة ليلة الجمعة يجب ان تكون هناك برامج يضعها مراجع التقليد العلماء للزوار لإيجاد الوعي فيهم لأن المدارس حتى يومنا هذا لا تؤدي الثقافة الاسلامية الشيعية التي نحن نريدها فما لنا لا نستغل هذه الطرق؟

ويجب ان نحمل كل من ياتي الى الزيارة ان نجعله داعية ومبلغا لنشر مذهب اهل البيت.. نشجعهم ان يكونوا دعاة في العالم كله لا في العراق وحده.. أنا هذه عقيدتي.

^1حبذا لو تحدثوننا عن مجالس أيام زمان والتي كنتم تشتركون فيها؟^/1

نعم.. أنا إنما أحدث بنعمة الله تعالى، قد بدات بصعود المنابر وانا في سن 12 والآن بلغت 77 يعني 65 سنة في نعمة الله والمجالس كانت تعقد في البيوت والحسينيات والمساجد والساحات والشوارع والبساتين في كل مناسبة، في صحن الحسين، في أروقة الحسين، في حرم الحسين، وما في بيت في كربلاء إلا وبحمد الله شرفني الله أني اشتركت فيه بعزاء الحسين.. معظم البيوت والحمد لله رب العالمين وهذه المجالس هي التي رفعت مستوى الثقافة الشيعية، تجد الرجل والمرأة.. بعضهم أميين لكن ثقافته الشيعية ومعرفته بالامام بالحسين بنهج البلاغة بولاية امير المؤمنين عالية جدا، وقد نجد من يحمل درجات علمية عالية شهادة دكتوراه مثلا لا نجد فيهم هذه الثقافة التي يكتسبها الناس من مجالس الحسين(عليه السلام).. هذه لها دور كبير والحمد لله هذا الدور بقي وصدام وحتى غيره حتى عبد الكريم قاسم كانوا يمنعون بشدة ويعاقبون وكم قتلوا من الخطباء انا اعتقد أن شيخ عبد الزهرة وغيره من الخطباء هؤلاء استشهدوا لانهم خطباء وكثير من الخطباء وانا لو لم أهرب من العراق لكنت في مقدمة المقتولين لكن قسم لنا أن هربنا من العراق ثم رجعنا بعد سقوط صدام والحمد لله عندما سقط صدام عادت المجالس مرة اخرى تؤدي دورها ونسأل الله الدوام والانتشار.

^1أبرز ما يميز شخصية السيد محمد ووالده الميرزا الشيرازي، ما هو؟^/1

السيد الميرزا كان في غاية الورع والزهد وكذلك نجله السيد محمد، عاش زاهدا ومات ولم يضع حجرا على حجر.. وبهذا الصدد أتذكر أننا كنا مدعوين معه على مائدة حفلت بألوان من الأطعمة الطيبة، لكن السيد كان يأخذ رغيف الخبز مع الطرشي.. يأكل الخبز والطرشي ولا يمد يده إلى شيء آخر، لا على الرز ولا على الحلوى ولا على اللحم.. وفي سنين طويلة في الكويت والكويت بلد الثروة كان يعيش على الماش.. يسلقونه ويأكل الخبز مع الماش، أما في لبسه فكان يلبس هو وإخوانه أرخص الملابس وإلى الآن السيد الشيرازي.. مع احترامي للعلماء، لا أريد الإساءة إلى أحد المراجع الكبار ولكن عادة أبناؤهم وأصهارهم المتعلقون بهم يعمرون بيوتا فخمة أما السيد الشيرازي هو إلى أن مات كان بيته من أوضع البيوت وأولاده إلى الآن لا يملكون دارا ولبسهم زهيد وأكلهم زهيد..

^1سيدنا.. حدثني عن السيد صادق الشيرازي كأحد المراجع الذين عايشتهم منذ الصغر؟^/1

حقيقة سماحة السيد صادق الشيرازي أدام الله ظله.. حسب معرفتي واتصالي به وإن كنت أكبر منه سناً، أجده على جانب كبير من العلم ومن التواضع ومن الأخلاق ومن الفناء في ذات الله وهناك حالة عنده لم أجدها في الكثيرين..فلربما الإنسان منا يحب الشهرة، لكن سيد صادق ليس فيه ذرة من هذه الأمر وقد بلغ إلى غاية التواضع والفناء في ذات الله لا يبحث عن الشهرة ولا هو من محبي الجاه وآثاره ومواعظه المسجلة على الكاسيت.. كتاباته، سلوكه.. إذهب إلى منزله وشاهد وضعه.. يكفي أن زوجته العلوية توفيت ـ رحمها الله ـ منذ سنوات ولم يجدد الزواج كل ذلك زهدا في الدنيا وانصرافا إلى العمل الإسلامي، وإلا كل رجل في مثل هذا السن وهو مريض أجرى عملية جراحية ولعله يحتاج إلى زوجة تخدمه على الأقل، ولكنه ترك كل شيء.. يعني حتى داره وغرفة نومه في غاية البساطة مع ما تأتيه من أموال الحقوق يوزعها على المستحقين وعلى الطلبة وانظر إلى دروسه ومحاضراته تجده قمة في العلم والأخلاق والشروط التي تتوفر في المرجع.. أسال الله له ولبقية المراجع دوام العز والتوفيق.