3 صفر 1433 - 28/12/2011
بقلم: علي الجبوري
الكثيرُ من المفكرين والمثقفين والفنانين في العراق، حملوا أشيائهم القديمة في حقائب السفر ليهربوا بها وما تبقى من إبداعهم نحو من يتذوقها ويحسّ بها ويضع لها مكاناً يليق بما تعكسه من صور إنسانية جميلة، فهم اليوم محبطون للغاية ولا يجدون في موطنهم الأم ذلك الاعتزاز بهذه الشرائح التي تصهر نفسها لتقدّم إبداعاً يحمل بالعراق إلى الأعلى.. ليس إلى السماوات العلا وإنما إلى مصافي الدول المتقدمة، فهذا البلد الذي يطوي في داخله حضارة تعود إلى آلاف السنين لا يزال يملك مبدعين يحاولون إيجاد الفرصة المناسبة والاهتمام الحكومي لينهضوا بالبلاد من جديد.
هنالك صورة غير جميلة رسمها الغرب عنّا بأنّ "الشرقيين لا يكرّمون مبدعيهم إلا بعد موتهم"، وأنا أقول لهم بأنهم حقاً ميتون من البداية بعدما أُجهضت تجاربهم وأحلامهم الجميلة وهنالك من لم يُذكر حتى في الهامش، ولذلك ننظر إلى إن مفكرينا ومثقفينا يعملون على الهروب من هذا الواقع البائس الذي لا يكرّم المبدعين ولا حتى يسأل عنهم، ويأخذون بتجاربهم إلى دول أخرى تحترم الإنسان أولاً وتحتضن المبدعَ ثانياً وثالثاً..، نحن فهمنا بأن النظام البائد كان يكره بشدة أولئك الذين لا يتملقون له ويحاولون رفع مستوى الفرد العراقيّ، والآن فهذه تسع سنوات تنقضي ولا يزال المبدع مهمشاً حتى من مجتمعه الذي بدأ يهتمّ بمظهره الخارجي ولا يهتم أن يكون داخله فارغاً من معاني الحياة.
كم كنت أتمنى أن أتربى داخل مجتمع ودولة قوية يقال عنها بأنها أنجبت العالِم الفلاني والأديب والمخترع والمفكّر والفنان المشهور.. أم أنها أصبحت أضغاث أحلامٍ ذهبت مع الماضي المتوهّج ولم يعد سوى المستقبل الذي ستكون نهايته الفشل في ظلّ هروب المبدع العراقيّ أو موتهِ... أنها حقاً كارثة إنسانية تحتاج إلى وقفة شجاعة.