12 ذو الحجة 1432 - 09/11/2011
بعد أن يتطرّق المرحوم الشيخ عباس القمي رحمه الله إلى إحصاء أولاد الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، وينقل اختلاف الأقوال في ذلك، يؤكد في كتابه (منتهى الآمال ج2، ص401 و430) أن أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليهما هي السيدة الجليلة العظيمة فاطمة، أخت الإمام الرضا وعمة الإمام الجواد سلام الله عليه والمعروفة بالمعصومة، ومزارها في البلدة الطيّبة قم.
ولدت السيدة المعصومة في أوّل شهر ذي القعدة سنة (173هـ) في المدينة المنوّرة .
فقدت والدها وهي في سن الطفولة حيث استشهد في سجن هارون العباسي الملعون ببغداد، فأصبحت تحت رعاية أخيها علي بن موسى الرضا سلام الله عليه. وفي سنة 200 هـ اُبعد الامام الرضا من المدينة إلى «مرو» بأمر المأمون العباسي ولم يرافقه أحد من عائلته إلى خراسان..
ومن ألقابها المباركة: المعصومة، كريمة أهل البيت. ومن ألقابها التي ذكرتها كتب التاريخ والزيارة، المرضيّة والرضيّة والنقيّة والتقيّة والطاهرة والصدّيقة والحميدة والسيدة والرشيدة والبرّة وأخت الرضا وسيدة نساء العالمين.
هجرتها سلام الله عليها إلى مدينة قم
بعد مرور سنة على هجرة أخيها الإمام الرضا صلوات الله عليه اشتاقت السيدة المعصومة سلام الله عليها لرؤيته فتوجّهت نحو خراسان بصحبة جمع من إخوتها وأبناء إخوتها، وكان الناس يستقبلونها ويكرمونها أينما حلّت. وكانت في الطريق تبيّن للناس مظلومية أخيها وغربته، ومعارضته للحكم العباسي. وفي أثناء ذلك وحينما وصلت القافلة مدينة «ساوة» توجّه بعض أعداء أهل البيت بصحبة بعض جنود الحكومة، واعترضوا طريق القافلة، وحصلت بينهم معركة استشهد على أثرها جميع رجال القافلة تقريباً كان منهم 23 من إخوتها وأقاربها، وطبقاً لرواية فإن السيدة المعصومة أيضاً سُقيت السم. وعلى كل حال فقد مرضت السيدة فاطمة، إما بسبب حزنها الشديد أو بسببب تناولها السم، ولم يمكنها مواصلة السير، فتوجّهت نحو مدينة قم ـ بعد أن سألت عن المسافة بين «ساوة» وقم ـ وقالت: سمعت أبي (الإمام الكاظم سلام الله عليه) يقول: « قم عشّ آل محمد ومأوى شيعتهم»[1]. فخرج أهل قم لاستقبالها وأخذ «موسى بن خزرج» زعيم الأ شعريين زمام ناقتها ودخلت قم في 23 ربيع الاول سنة 201 هـ .
ثم أناخت الناقة في محل يسمى اليوم «ميدان مير» أمام منزل «موسى بن خزرج». وبقيت السيدة فاطمة في قم 17 يوماً كانت مشغولة فيها بالعبادة والدعاء في محل يسمى «بيت النور» ويقع الآن في مدرسة «ستيه» في شارع (45 عمار ياسر). وأخيراً حانت منيّتها في العاشر من ربيع الثاني «أو الثاني عشر منه على قول» قبل أن تحظى برؤية أخيها، فصار الناس في عزاء لفقدها وحملوها إلى محل يسمى «باغ بابلان» وهو موضع قبرها حالياً.
الإمام يدفن المعصومة سلام الله عليهما
وقبل أن ينزلوها في قبرها ظهر فارسان منقّبان من جهة القبلة واقتربا من الجنازة، وبعد الصلاة عليها حملها أحدهما وأدخلها القبر وتناولها الآخر الذي كان داخل القبر. وبعد اتمام دفنها ركبا فرسيهما وابتعدا من غير أن يتفوّها بكلمة. ولعلّ هذين الفارسين هما الإمام الرضا والإمام الجواد سلام الله عليهما، كما أن الزهراء سلام الله عليها غسّلها أمير المؤمنين سلام الله عليه ومريم العذراء عليها السلام غسّلها النبي عيسى على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام.
وبعد دفنها وضع موسى بن خزرج مظلة من الحصير على قبرها الشريف حتى حلّت سنة 256 فبنت السيدة زينب بنت الإمام الجواد سلام الله عليه أول قبّة على قبر عمّتها، وصار ذلك المكان مقصداً للزائرين ومحبّي أهل البيت سلام الله عليهم. ولمزيد من الاطلاع حول حياتها المباركة يمكن الرجوع إلى كتاب (سيدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله للسيد أبي الحسن هاشم).
أحاديث في فضلها سلام الله عليها
قال الإمام الصادق سلام الله عليه في فضل حفيدته الصديقة: «إنّ الله حرماً وهو مكة، ولرسوله حرماً وهو المدينة، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ولنا حرماً وهو قم، وستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة، ومن زارها وجبت له الجنّة...»[2].
وروى القاضي نور الله عن الصادق سلام الله عليه قال:
«إن لله حرماً وهو مكة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمينن سلام الله عليه حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تُقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى سلام الله عليهما وتُدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم»[3].
عن سعد عن الرضا سلام الله عليه قال: «يا سعد ! من زارها فله الجنة»[4].
في (ثواب الأعمال) و(عيون أخبار الرضا) سلام الله عليه: عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا سلام الله عليه عن فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليهم فقال: «من زارها فله الجنة»[5].
في كامل الزيارة: عن ابن الرضا سلام الله عليهما قال: «من زار قبر عمتي بقم فله الجنة»[6].
وعن الإمام الصادق سلام الله عليه: «من زارها عارفاً بحقّها فله الجنة»[7].
وفضلاً عن أن مدفنها أصبح مزاراً ومهوى للأفئدة، فإنّه أصبح كذلك موضع دفن العديد من الأولياء وذريّة النبي صلى الله عليه وآله، ومنهم: أم محمد بنت موسى المبرقع ابن الإمام الجواد سلام الله عليه، وأمّ القاسم بنت علي الكوكبي، وميمونة بنت موسى المبرقع ابن الإمام الجواد سلام الله عليه، وأم إسحاق جارية محمد بن موسى المبرقع ابن الإمام الجواد سلام الله عليه، وأم حبيب: جارية أبو علي حفيد الإمام الرضا سلام الله عليه وغيرهم الكثير من الذريّة الطاهرة.
أحاديث نقلتها السيدة المعصومة سلام الله عليها
روى العلامة المجلسي رضوان الله عليه عن كتاب المسلسلات الرواية التالية:
حدثنا محمد بن علي بن الحسين قال ... حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا سلام الله عليهم قالت: حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر سلام الله عليهم ... عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درّة بيضاء مجوّفة وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي وليّ القوم، وإذا مكتوب على الستر: بخ بخ من مثل شيعة علي، فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضة مكلّل بالزبرجد الأخضر وإذا على الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: محمد رسول الله، عليّ وصيّ المصطفى، وإذا على الستر مكتوب: بشّر شيعة علي بطيب المولد، فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤ وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر: شيعة علي هم الفائزون، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا ؟ فقال: يا محمد لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب سلام الله عليه، يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي، ويُدعى الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا شيعة علي سلام الله عليه فإنهم يدعون بأسماء آبائهم. فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك ؟ قال: لأنهم أحبّوا عليّاً فطاب مولدهم»[8].
حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر سلام الله عليهم، قُلن... عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت:
«أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟!»[9].
عن فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليهما ... عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ألا من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً»[10].
المرقد الطاهر
دفنت السيدة المعصومة سلام الله عليها في بستان موسى بن خزرج وكان يدعى (بستان بابلان)، ثمّ جددت السيدة زينب بنت الإمام الجواد المرقد بعد خمسين عاماً وبنت عليه قبّة من الآجر والجص، ثم توالت التحديثات على المرقد، حتى جُدّد بأمر والي قم أبو الحسن زيد بن أحمد بن بحر الأصفهاني عام (378هـ) وكذلك في عام (529هـ) على يد إحدى النساء الصالحات، ثمّ في عام (605هـ) من قبل الأمير المظفر أحمد بن إسماعيل كبير آل المظفر، حيث زيّن المرقد الشريف بالكاشي والألوان الزاهية حتى تمّ العمل فيه عام (613هـ)، ثم أجريت عليه أعمال البناء الكبير عام (906هـ) في العهد الصفوي، ثم خرب الملك إسماعيل الصفوي عام (925هـ) القبّة القديمة ليبني القبة بهيئتها الفعلية، وفي عام (1053هـ) في عهد الملك عباس الثاني الصفوي شُيّد صحن خاص بالنساء في القسم الجنوبي للمرقد، وفي هذه الحقبة توالى تأسيس المدارس الدينية حول المرقد. وفي عام (1218هـ) أُعيد وضع الكاشي الخاص بالقبة، وبنيت مآذن ذهبية شاهقة، ونصبت في عام (1221هـ) أبواب ذهبية للضريح الطاهر، كما فرشت أرضيّة الحرم بالمرمر.
قبّة الحرم الطاهر بيضويّة الشكل، وقاعدتها مثمّنة الأضلاع ويفصل بين كل ضلع حوالي متران وسبعين سانتمتراً وطول كل منها ثلاثة أمتار وثمانون سانتمتراً، وهناك باب ذهبي في جميع الأضلاع، أما ارتفاع القبّة عن سطح الحرم ستة عشر متراً، وجميع القبة مغطّى بالذهب، وقد تمّ تصميم ذلك في عهد الملك القاجاري فتح علي شاه، وذلك عام (1218هـ).
ثمّ إنّ المرجع الديني الكبير المرحوم السيد البروجردي أمر ببناء ما يسمى اليوم بالمسجد الأعظم، وذلك في عام (1373هـ) في محاذاة المرقد الشريف، وهو يمتاز بالشموخ والجلالة.
وقد شهد الحرم الطاهر للسيدة المعصومة سلام الله عليها اهتماماً بالغاً من قبل المسؤولين والمؤمنين الصالحين لإجراء عمليات الصيانة والتعمير والتوسعة، حتى كان آخرها تغيير طلاء القبّة المباركة، وذلك في عام (1426هـ).