10 ربيع الثاني 1429 - 17/04/2008
اجتمعت في أهل البيت (عليهم السلام) الفضائل والمناقب والكمالات فكانت لهم السيادة على النفوس والمحبة في القلوب، واحتلّوا موقع الصدارة بين الناس من دون فرق بين رجالهم ونسائهم، فرجالهم خير الرجال، ونساؤهم خير النساء، ومن هنا فلا شك أن تكون للسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) منزلتها الخاصّة، ومكانتها العالية، و لها عند الله شأن فضلاً عن شانها عند الناس.
هي فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام ) وأمها نجمة - أم الإمام الرضا (عليه السلام )- وقد لقبت بكريمة اهل البيت , المعصومة, فاطمة الكبرى.
وقد اختلفت الروايات في تحديد سنة مولدها , اإلا ان الاول من شهر ذي القعدة عام 173هجرية هو التاريخ الاكثر شهرة في تحديد ولادتها (عليها السلام )في المدينة المنورة, ثم كان اليوم العاشر او الثاني عشر من شهر ربيع الثاني سنة 201هجرية يوم رحيلها الى جوار الله سبحانه وتعالى وهي في الثمانية والعشرين من عمرها الشريف.
بعد عام من نفي أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) من مدينة جده الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه وآله ) الى خراسان (طوس) لم تستطع السيدة معصومة تحمل فراقه لذلك قررت العزم وشد الرحال مع جمع من اهلها واخوتها الى ديار الغربة , وعند وصولها الى مدينة ساوة والتي كان يسكنها جمع من اعداء أهل البيت (عليهم السلام ) حدث اشتباك عنيف مع مرفقيها مما أدى الى استشهاد عدد منهم , الأمر الذي ترك أثرا واضحا في نفس السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام ) فأمرت ممن كان معها التوجه الى مدينة قم نظرا لوجود محبي اهل البيت فيها.
وما ان وصلت قافلتها اطراف مدينة قم حتى استقبلها أهل المدينة وكبار رجالاتها يتقدمهم موسى بن الخزرج كبير الأشعريين الذي امسك بلجام ناقتها حتى ادخلها داره, وقد كان لقدومها (عليها السلام ) وجمع من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله )الاثر البالغ في نفوسهم إلا ان ذلك الفرح والسرور لم يستمر طويلا فقد فوجيء الجميع بوفاتها على ايدي السلطة العباسية بعد دس السم لها في مدينة ساوة.
وقد كان لها (عليها السلام) بأخيها الإمام الرضا (عليه السلام) صلة خاصّة قلّ نظيرها كما كشفت عنها الروايات والأحداث، وإنّ من أهمّ أسباب بلوغها هذا المقام الشامخ علمها ومعرفتها بمقام الإمامة وإمام زمانها شقيقها الإمام الرضا (عليه السلام) الذي تولّى تربيتها فعلى يديه نشأت، وعنه أخذت، وتحت إشرافه ونظره ترعرعت، وبأخلاقه وآدابه سمعت وتكاملت.
الحرم الشريف
يقول الامام الصادق (عليه السلام ): إن لله حرماً وهو مكّة، وإن لرسول الله حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة.
يقع حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في قلب المدينة المقدسة قم، على مساحة واسعة من الأرض تقدر بثلاثة عشر ألفاً وخمسمائة وسبعة وعشرين متراً مربّعاً كما جاء في بعض التحقيقات، وتحيط به معاهد العلم وأماكن العبادة، فيتصل به من جهة الشمال مسجدان، أحدهما يعرف بمسجد (بالا سر) أي فوق الرأس، والآخر هو مسجد الكبير المعروف بالمسجد الأعظم، الذي تميّز منذ تأسيسه عام 1373هـ بأمر المرجع الديني الكبير زعيم الشيعة الإمامية آية الله العظمى السيد البروجردي (قدس سره) وتحت إشرافه، إلى يومنا هذا ـ إضافة إلى إقامة الجماعات فيه ـ بأنّه معهد للدراسات الدينيّة العليا، وملتقى الآلاف من الطلاب في موسم الدراسة من مختلف أنحاء العالم، حيث يتلقون العلم في الأصول والفقه والتفسير والحديث والرّجال ويعدّ اليوم أكبر مجمع علمي يضمّ أكبر عدد من الطلاب يقصدونه صباحاً ومساءً، حيث تلقى فيه الدروس بانتظام على مدى تسعة أشهر من السنة تقريباً هي موسم الدراسة من كل عام.
وقد شيّد المسجد الأعظم على مساحة من الأرض تقدر بأحد عشر ألف متر مربع، تقوم فوقه قبّة عظيمة مزيّنة بالكاشي من الداخل والخارج، ولعلّها أعظم قبّة في إيران، وله مئذنتان عظيمتان هما أعلى مئذنتين في قم، ومئذنتان صغيرتان وبناء لساعة كبيرة، وقد أنفق على بنائه وبناء سائر مرافقه أكثر من سبعة ملايين توماناً.
وينفتح الحرم الشريف من جهته الجنوبيّة على فناء واسع يعرف بالصحن الكبير يحوطه سور له أربعة أبواب، ويحوي في أطرافه الثلاث عدداً كبيراً من الحجرات هي أشبه شيء بالفصول الدراسية، حيث تلقى فيها الدروس المختلفة، كما أنّها تضمّ عدداً كبيراً من قبور العلماء والمؤمنين.
وأمّا من جهة الغرب فيتصل به مسجدان أو ثلاثة تمتلئ بحلقات الدروس أيضاً، والتي لا تنقطع صباحاً ومساء إلا في أوقات الصلاة، حيث تقام فيها الجماعات.
أمّا من جهة الشرق فتتصل به مدرستان كبيرتان ـ الفيضية ودار الشفاء ـ تشتملان على عدد كبير من الغرف يسكن الطلاب ببعضها، ويدرسون في بعضها الآخر.
ويتوسط بين الحرم وبينهما فناء يعرف بالصحن الصغير، له ـ من جهة الجنوب ـ مدخلان ينفتحان على الصحن الكبير، ومدخلان ـ من جهة الشمالية ـ ينفتحان على ساحة المسجد الأعظم، وفي زواياه وجهته الشرقيّة عدد من الغرف.
وأما جهته الغربية ففيها الإيوان الذهبي الذي يتصل بالرّواق المتصل بالضريح المقدس وإنّك لتجد هذا الحرم المقدس كلّ يوم من قبل طلوع الفجر وإلى ما بعد منتصف الليل في حركة دائبة مستمرة، والناس يغدون ويروحون بين متعبّد، وزائر، ومصلٍّ، وقارئ للقرآن، وطالب علم.
ولذلك كله كان الحرم الشريف قلب هذه المدينة النابض، ومعلمها البارز، ومهوى الأفئدة ويضمّ الحرم الشريف عدداً كبيراً من قبور العلماء والأولياء والصالحين، دفن أصحابها بجوار السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، كما دفن في داخل الحرم عدد من العلويات وغيرهن، وكانت قبورهنّ متميّزة تحت قبّتين، وأمّا اليوم فيضمهنّ ضريح واحد تحت قبّة واحدة، ولا يتميز من تلك القبور إلا مرقد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) وقد وضع عليه صندوق خشبي.
وذكر صاحب تاريخ قم أنّ القبّة الأولى تضمّ قبر السيدة المعصومة (عليها السلام)، وقبر أم محمد بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام)، وقبر أم إسحاق جارية محمد بن موسى، وتضمّ القبّة الثانية قبر أم حبيب جارية أبي علي محمد بن أحمد بن الرضا (عليه السلام)، وكانت هذه الجارية هي والدة أم كلثوم بنت محمد، وقبر أم موسى بنت علي الكوكبين وقبر ميمونة بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام).
وقال المحدّث القمي في منتهى الآمال: واعلم أنّ دفن جمع من البنات الفاطميّات والسادات الرضويّة في بقعة فاطمة (عليها السلام)، كزينب، وأم محمد، وميمونة بنات الإمام الجواد (عليه السلام)، ورأيت في نسخة من أنساب المجدي أنّ ميمونة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام) دفنت مع فاطمة المعصومة (عليها السلام)، ومن المدفونين أيضاً بريهة بنت موسى المبرقع، وأم إسحاق جارية محمد بن موسى، وأم حبيب جارية محمد بن أحمد بن موسى رضوان الله تعالى عليهنّ، وكانت هذه الجارية والدة أمّ كلثوم بنت محمد.
وقد دفن أربعة من سلاطين إيران من السادة الصفوية الموسويّة في حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، فإنّ المحدث القمّي ـ في منتهى الآمال ـ بعد أن ذكر الشاه عباس الأول وأنّ وفاته في ليلة 24 من شهر جمادي الأولى سنة 1038هـ، قال: وجاء بعده حفيده الشاه صفي الأول ابن ابنه صفي ميرزا الشهيد، وحكم أربع عشرة سنة، وتوفي في الثاني عشر من شهر صفر سنة 1053هـ، ودفن بقم، وقبره في جهة القبلة من الروضة المشرّفة لفاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام) وأصبح اليوم داخل الروضة في المكان المخصّص لدخول النساء لزيارة السيدة المعصومة (عليها السلام).. وجاء بعده ابنه الشاه عباس الثاني وهو في التاسعة من عمره وحكم 26 سنة، وتوفي بدامغان عند رجوعه من مازندران إلى أصفهان في سنة 1078هـ، ونقل جثمانه إلى قم، ودفن إلى جوار الروضة المقدسة لفاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهما السلام) في مساحة واسعة قرب أبيه.
وجاء بعد الشاه صفي الثاني في السادس من شهر شعبان سنة 1078هـ وألقى المحقّق الخونساري في مسجد جامع شاهي خطبة في تأييده، ولقب بشاه سليمان، وكان عادلاً، وهو الذي عمّر قبة الإمام الرضا (عليه السلام) في سنة 1086هـ وزاد في تذهيبها، وتوفي سنة 1105هـ، ودفن في مكان يقرب من قبر الشاه عباس، وانتقال الملك إلى ابنه الشاه سلطان حسين وهو آخر سلاطين الصفوية.. وذكر قصة مقتله في أصفهان ثم قال: ولكن الناس حملوا جثمان السطلان حسين بعد مدّة من الزمان وجاءوا به إلى قم، ودفن في جوار عمّته فاطمة المعصومة (عليها السلام) جنب قبر أبيه.
وقد ذكر أن السطلان فتح علي شاه القاجاري الذي هيأ تراب قبره من تراب أرض كربلاء، مدفون في إحدى غرف الصحن الصغير، ومن آثاره تذهيب قبّة حرم السيدة المعصومة.
ودفن أيضاً محمد شاه قاجار، وهو أحد سلاطين إيران.
وممّن دفن من الوزراء والأعيان: علي أصغر أتابك، الذي كان الصّدر الأعظم لإيران في زمان ناصر الدين شاه، ومظفر الدين شاه، وهو الذي بنى الصحن المعروف بالصحن الأتابكي.
ومنهم: كامران ميرزا بن ناصر الدين شاه، الذي كان نائب السّلطنة وحاكم طهران.
ومنهم: عين الملك، صهر محمد شاه قاجار الذي يقال أنّه تقلّد الوزارة.
ومنهم: فرخ أمين الدولة، وزير ناصر الدين شاه.
ومنهم: عبد الصّمد عزّ الدولة ابن محمد شاه الثاني.
ومنهم: الملك المنصور شعاع السلطنة ابن مظفر الدين شاه قاجار حاكم شيراز وغيرهم ممن حظي بالدفن في جوار الحرم المقدس وهم كثيرمما يكشف أن سلاطين الدنيا وملوكها وأمراءها وإن خضعت لهم البلاد أو أخضعوها ـ بحقّ أو بغيره ـ إلا أن سلطان الآخرة وملكها بيد غيرهم، ومثلهم في ذلك مثل سائر الناس، ولذا فإنّ بعضهم يتوسل إلى لطف الله ورحمته بجعل مدفنه في جوار الأبرار والصالحين.
ولا زال الدفن في هذه البقعة الطاهرة أمنية تراود كثيراً من العلماء والمؤمنين للحظوة بهذا الجوار المقدس، ولا شكّ أن لذلك آثاراً عظيمة كما أشارت إليه النصوص الواردة في شأن القبور والدفن في جوار الأولياء.
هذا، وقد مرّ حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في عمارته بمراحل عديدة حتى بلغ ما هو عليه اليوم من الجلالة والقدسية والعظمة.
وقد رد في بعض الروايات أنّه لما توفيت السيدة فاطمة (عليها السلام) ودفنت في روضتها، قام موسى بن خزرج ببناء سقيفة من البواري على قبرها، إلى أن بنت زينب بنت محمد بن علي الجواد (عليه السلام) قبّة عليها.
وذكر الباحث الشيخ علي أكبر مهدي پور مختصراً عن مراحل تطوّر عمران هذا الحرم الشريف فقال ما ترجمته:
بعد دفن كريمة أهل البيت بنى موسى بن الخزرج المظلّة ـ سقيفة ـ من القصب فوق القبر الشريف.
بعد ذلك بنت زينب بنت الإمام الجواد (عليه السلام) قبّة من الآجر فوق القبر.
في سنة 413هـ زين الحرم المطهّر بالآجر الملوّن النفيس.
في سنة 529هـ أسّست قبّة جديدة.
في سنة 592هـ جدّد بناء القبّة المطهّرة.
في سنة 1218هـ تمّ تذهيب القبّة المطهّرة.
في ذلك التاريخ زين سطح القبّة بـ12000 قطعة من الآجر المذهب.
في سنة 1275هـ صنع الضريح الفضّي.
في سنة 1285هـ أسّست مآذن الإيوان (الشرفة) الذهبي.
في سنة 1301هـ ذهّبت هذه المآذن.
في سنة 1292 هـ صنع الباب المنقوش للرّوضة المطهّرة.
في سنة 1303هـ أسّس الصّحن الجديد.
في سنة 1306هـ صنع الباب الفضّي للحرم المطهّر.
وجاء في بعض التحقيقات: وأقام أبناء سعد الأشعري على قبرها خيمة من الحصير المصنوعة من القصب، إلى أن جاءت زينب الإمام الجواد (عليه السلام) وبنت على القبر قبّة هي أول قبّة تقام على ذلك القبر، وكان للبناء باب صغير إلى جهة النّهر الذي يفصل بين شطري قم الآن.
واستمرّ الحال على هذا إلى سنة 350هـ حيث جاء زيد بن أحمد بن بحر الأصفهاني وبدّل ذلك الباب الصغير بباب أكبر منه.
وفي عهد طغرل السلجوقي (429-465هـ) هدمت القبّة الصغيرة، وبني بدلاً عنها قبّة أخرى أعلى وأفخم منها ، وكان الذي قام بهذا العمل الأمير أبو الفضل العراقي من أمراء طغرل، واستمرّ الحال على هذا فكان يتجدّد بناء المرافق والملاحق للمزار من دون أن يتجدّد بناء القبّة إلى زمان الصفويّة حيث بدأت التغييرات والتجديدات في عهدهم بصورة أوسع، فهدمت القبّة السلجوقيّة في سنة 925هـ وبني مكانها قبّة أعلى وأفخم وأحسن منها، تقوم على ثمانية أضلاع، وكانت مزيّنة من الخارج بالكاشي، وأمّا من الداخل فقد كانت منقوشة بالذهب واللاّزورد، وكان الذي قام بهذا العمل امرأة اسمها (شاه بيگم بنت عماد بيك) وكانت هي امرأة الشاه إسماعيل الصفويّ أول الملوك الصفويّة، وهذه القبّة باقية حتى الآن على المرقد الشريف بتغييرات في داخل القبة وخارجها، ولم يكن هناك إيوان ولا صحن ولا وضع ضريح من الداخل.
واستمرّ الحال على هذا إلى زمان الصفويّة حيث بدأت التغييرات والتجديدات من عهدهم وبالتحديد من سنة 906هـ.
وفي سنة 925هـ بنى شاه إسماعيل أو امرأته الإيوان الشمالي المتصل بالصّحن القديم، وزيّنه بالكاشي (المعرّق) وجعله المدخل الوحيد للحرم، كما أنّه ـ أي شاه إسماعيل ـ قد وضع الأساس للصحن القديم، وفي سنة 950هـ بنى الشاه طهماسب ضريحاً على المرقد المطهّر وكان من الكاشي، وفي سنة 1077هـ بنى شاه سليمان الصفوي صحن النساء في الجهة الجنوبية من الحرم، وأصبح هذا الصحّن طريقاً خاصّاً لمقبرة الشاه سليمان، والشاه عباس، والشاه سلطان حسين، إذ من المعلوم أنّ مدخل هذه المقبرة كان من هذا الصّحن فقط.
هذا، وقد وضع الشاه عباس على ذلك المرقد المطهّر الذي كان قد زيّن بالكاشي قفصاً من الفولاذ الأبيض، وكان لإتقان صنعه بحيث أوجب أن يظن الرّحالة المشهورة (تاورينه) أنّه من الفضّة.
كما أنّ مرتضى قليخان أحد رجال الدولة الصفويّة قد جدّد بناء إيوان الحرم، وبعد عهد الصفويّة وبالتحديد في سنة 1218هـ رفع الكاشي عن القبّة ووضع بدلاً عنه لبنات من الذهب، وفي سنة 1236هـ بنى مسجد فوق الرأس، وفي سنة 2166هـ جدّد بناء إيوان الشاه إسماعيل، وفي ذلك الوقت أيضاً وسّع الصحن العتيق، وبنى من الجهة الشمالية منه مئذنة.
وفي سنة 1221هـ فرشت أرض الحرم وجدرانه بالرّخام كما زيّن الضّريح بالذّهب، ووضع أول باب ذهبي في الضلع الشمالي للرواق المتصل بإيوان الذهب الشمالي.
وفي سنة 1215هـ زين داخل القبّة بالنقوش البارزة والمرايا والكتابات الجميلة، وفي سنة 1276هـ زيّن إيوان الشاه إسماعيل بلبنات الذّهب، وفي سنة 1275هـ ألبس الضريح الفولاذي بالفضّة وزيّن بالنقوش والكتابة.
وبنى شهاب الملك مآذن الإيوان الشمالي وزيّنها بالكاشي، ووضع (كامران ميرزا) قضبان الذّهب في أعلاهما، وشرع أمين السلطان ببناء الصّحن الجديد المعروف بالصحن الأتابكي ووضع أسسه، لكن الأجل عاجله فأكمل العمل بعده ولده أمين السلطان والوزير الأعظم أتابك، وجعل في الجهة الغربية من الصحن إيواناً زيّنه بالمرايا من الداخل والكاشي من الخارج، وبنى حول الصّحن غرفاً متعدّدة أصبحت فيما بعد مقابر للأعيان والأشراف، كلّ ذلك مزيّن بالكتابة والنقوش الجميلة وقد انتهي من ذلك كلّه سنة 1303هـ.
وفي سنة 1346هـ جرت بعض التعميرات في صحن النساء وبني إيوان فيه، وفي سنة 1210ـــ 1214هـ وضع (نظام السلطنة) بابين من الفضّة في الضلع الغربي من الحرم..
هذا، وقد تعاقبت الأيدي ـ ولا زالت ـ على عمارة الحرم الشريف وصيانته ونظافته وتجديد بنائه.
وتشرف على الحرم منذ عهد قديم هيئة خاصّة تعنى به وبمرافقه وتدير شؤون الأوقاف التابعة له، وترعى أمور الزائرين والوافدين.
وكانت الخدمة في الحرم الشريف ـ ولا زالت ـ تعتبر شرفاً لا يحظى به إلا القليل، حتى أن بعض المؤمنين يتبرّع بالخدمة تقرّباً إلى الله تعالى، وتشرفاً بخدمة حرم وليّ من أوليائه، وإظهاراً لمودّة أهل بيت نبيه (عليهم السلام).
وأصبح هذا الحرم الشريف مصدر خير وبركة، وموطن عبادة ودعاء وأماناً للمؤمنين عامة، ولأهل قم خاصّة، فقد كان هذا الحرم ملجأً وملاذاً للناس عند الشدائد والأزمات، حيث يلوذون بقربها ويتوسّلون بها إلى الله، وهي كريمة أهل البيت، ولها عند الله شأن من الشأن، فلا يصدرون إلا بالفرج والخير والإجابة.