18 شوال 1432 - 17/09/2011
تقرير: علي الجبوري
على تلةٍ عالية يلتف من حولها خضار الأشجار المثمرة؛ وفي ناحية برزنجة في محافظة السليمانية بإقليم كردستان (شمال العراق)؛ ارتسم مرقد السيد عيسى البرزنجي الذي يعود بنسبه إلى الإمام الكاظم سادس الأئمة لدى المسلمين الشيعة، وهو اليوم محط أنظار المحبين والموالين لبيت النبي الذين يقصدون لزيارته من كل حدب وصوب للتبرك بكراماته التي شاعت بين أهالي المنطقة.
وقد سكنَ السيد عيسى البرزنجي في هذه الناحية وأخذ لقبه منها، وهي منطقة صخرية ريفية تحيط بها الجبال العالية من كل جهاتها، ويقع المرقد على تلة كبيرة وشامخة وبمساحة تصل إلى (1000 م2)، وتمّ تشييد المرقد بأمر من رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني، وهو مبني من أحجار الرخام القوية وتعلوه قبة خضراء كبيرة ويوجد في داخل المرقد القبر الشريف الموضوع في شباك كبير مصنوع من الذهب الأبيض والأصفر إضافة إلى قبر أخيه السيد الفاضل موسى البرزنجي، كما وتحيط بالمرقد حديقة ومقبرة لأهالي القرية، وكذلك تحتوي على شجرة توت تعود إلى مئات السنين ولا تزال ترفرف بجنب المرقد الشريف ويتبارك بها الزائرون.
وعند دخولك إلى المرقد الشريف تحس بعظمة هذا الرجل الصالح وما حفه الله من كرامات وهيبة عالية، وترى عند القبر يافطة كتب عليها الشجرة النسبية للسيد البرزنجي، فهو (السيد عيسى البرزنجي ابن السيد علي بابا الهمداني ابن السيد أبي يوسف الهمداني ابن السيد محمد منصور ابن السيد عبد العزيز ابن السيد عبد الله ابن السيد إسماعيل المحدّث ابن الإمام موسى الكاظم).
ويُعد (البرزنجي) عالم فاضل ورجل شاع صيته وكراماته على مدى سنين عديدة، وقد عاش هذا السيد الكريم في سنة 726 للهجرة حسبما تذكر الوثائق التاريخية، وكما يذكر سادن المرقد السيد احمد البرزنجي والذي تحدث عن قصة هذا المزار قائلاً: "عاش السيد عيسى البرزنجي فترة شبابه في مدينة همدان في إيران وجاء بعدها إلى العراق مروراً بمحافظة السليمانية وكان وصوله ليلاً وبات فيها وحلم بأن النبي الكريم زاره في المنام وأمره بأن يبني مسجداً في مكان مبيته".
وتابع، "كما تنقل الروايات ويؤكد عليه أهل المدينة بأنّ حجارة سوداء مشابهة لحجر الكعبة أنزلت عليه من السماء إلى هذا السيد العظيم وقد أمره النبي أن يبني مسجداً مكان الحجارة وهذا المسجد لا يزال شامخاً ويصلي به أهالي برزنجة وكذلك الحجر الأسود لا يزال يحتفظ به داخل المسجد للتبرك به ونيل الكرامات".
وأضاف، "تزوّج السيد البرزنجي من فتاة أسمها فاطمة وأنجبت له أثنى عشر ولداً، وقد عاشوا في نفس القرية وتوفوا فيها، وقد أخذ السيد عيسى لقب البرزنجي من أسم القرية والتي تعنى (المكان العالي)".
وبيّن سادن المرقد بأنّ "السيد البرزنجي عاش بقية عمره في القرية وتوفي فيها، وبنا أهالي برزنجة لقبره الشريف مرقد صغير يشبه الكوخ وبقي على حاله إلى إن قام رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني بإعادة بناء مرقده من جديد وأصبح على ما عليه الآن بشموخه وجمالية تصميمه".
أما المسجد الذي بناه السيد البرزنجي فيوجد قريباً من المرقد وهو لا يزال قائماً إلى الآن حيث يؤدي أهالي برزنجة فيه صلواتهم وعباداتهم، ولا يزال المسجد يحوي على الحجارة السوداء حيث تم بنائها بجدار المسجد للحفاظ عليها.
ويوضح قائم مقام ناحية برزنجة هوشيار مصطفى؛ بأن "صدام حسين قد أمر في ثمانينات القرن الماضي بهدم المرقد والمسجد والاستيلاء على الحجر الأسود وأرسل حينها جيشاً مؤلفاً من (70) جندي بكامل عتاده إلا إن عاصفة ثلجية أبادت الجيش في مكانه قبل أن ينفذ الأوامر كرامة للسيد البرزنجي"، بحسب قوله.
ويضيف بأن "أهالي القرية متعايشون فيما بينهم منذ آلاف السنين ويتكلمون اللغتين العربية والكردية، ويعيشون على عملهم في الزراعة وتربية الحيوانات والنحل".
أما عن طقوسهم الدينية يذكر مصطفى بأنّ "أهالي القرية يقيمون عزاء الإمام الحسين خلال شهري محرم وصفر في كل عام، ويقيمون الشعائر الحسينية حيث يجتمعون عند مرقد السيد عيسى البرزنجي وينطلقون منه في موكب حافل خلال يوم العاشر من محرم ليتذكروا فيه مصاب سيد الشهداء وأهله بيته".
من جانبه يشير مستشار رئيس الجمهورية العراقية للشؤون الدينية أحمد البرزنجي؛ إلى إنه "بعد سقوط النظام السابق قمنا ببناء العديد من المساجد والحسينيات وكذلك اعمار مراقد الأئمة العادين إلى الإمام موسى الكاظم ومنهم مرقد عيسى البرزنجي وقد مد رئيس حكومة الإقليم ورئيس الجمهورية يد العون في التمويل المادي وإعادة اعمارها بصورة مستمرة، أما بالنسبة للمساجد الأخرى فهي تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الإقليم ولها الميزانية الكافية التي تسد الحاجة".
وتابع، "بالنسبة للحسينيات التابعة للمسلمين الشيعة في السليمانية، فهي غير مسجلة لدى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أو ديوان الوقف الشيعي في الحكومة المركزية العراقية، ونعمل في الوقت الحاضر بالتعاون مع وزارة الأوقاف على استحداث شعبة خاصة على شاكلة ديوان الوقف الشيعي لتهتم بتمويل وتسيير أعمال الحسينيات والمراقد التابعة لآل بيت النبي".