2 جمادى الآخرة 1429 - 06/06/2008
سامراء مدينة تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة تبعد نحو 118 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد، بنيت لتكون عاصمة لطغاة بني العباس، وكان المكان الذي شيدت عليه المدينة مستوطنا منذ أقدم العصور، ولسكانه نصيب من الحضارة تمتد إلى عصور سحيقة.
لما انتقل المعتصم العباسي من بغداد إلى سامراء، راح يفتش عن موضع لبناء عاصمته الجديدة، حتى وصل إلى موضع يبعد عن بغداد 118 كم، فوجد فيه ديرا للمسيحيين، فأقام فيه ثلاثة أيام ليتأكد له ملاءمة المحل، فاستحسنه واستطاب هواءه، واشترى أرض الدير بأربعة آلاف دينار، وأخذ في سنة (221 هـ) بتخطيط مدينته التي سميت (سر من رأى)، وعندما تم بناؤها انتقل مع قادته وعسكره اليها، ولم يمض إلا زمن قليل حتى قصدها الناس وشيدوا فيها الدور والمباني، وسميت بالعسكر والنسبة اليه عسكري، واشتهرت بسامراء، وهي كلمة مشتقة من (سر من رأى) يوم كانت المدينة عامرة ومزدهرة، ثم اصبحت (ساء من رأى) لما تهدمت وتقوضت عمارتها.
وقد اخذت مدينة سامراء قدسيتها منذ ان ضمت تربتها الجسدين الطاهرين للامام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) وابنه الامام الحسن العسكري (عليه السلام).
والحضرة الشريفة، هي دار كان قد اشتراها الامام علي الهادي من دليل بن يعقوب فاصبحت قبرا له ولولده (عليهما السلام) ويضم المرقد المقدس اضافة اليهما (عليهما السلام) الجسد الطاهر للسيدة نرجس زوجة الامام العسكري وام الامام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والجسد الطاهر للسيدة حكيمة بنت الامام محمد الجواد اخت الامام علي الهادي وعمة الامام العسكري.
ويعتبر هذا المرقد المقدس ابرز واهم واقدس المعالم في مدينة سامراء. وكان قدوم الامام علي الهادي (عليه السلام) الى سامراء عام 234 هـ عندما ارسل المتوكل العباسي يحيى بن هرثمة ـ احد قواده ـ لاستدعاء الإمام من المدينة المنورة فصحب الامام الهادي معه ابنه الامام الحسن العسكري الذي كان له من العمر سنتان.
ولما توفي الامام الهادي مسموما من قبل المعتز العباسي عام 254 هـ 868 م دُفن في داره ثم دفن بجواره ابنه الامام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي مات مسموما ايضا من قبل المعتمد العباسي عام 260 هـ 874 م ومنذ ذلك اليوم اصبحت سامراء قبلة للزائرين بعد ان ضمت نورين من انوار اهل البيت وغصنين من اغصان الشجرة النبوية كما دفنت بجوارهما السيدة نرجس عام 260 هـ والسيدة حكيمة عام 274 م.
^1المرقد المقدس عبر التاريخ^/1
تشير المصادر التاريخية الى ان المرقد المقدس مرت عليه مراحل بناء وتطوير في عصور مختلفة وهذه المراحل هي:
في عام 333 هـ،944 م شيد ناصر الدولة الحمداني الدار والمرقد وبنى قبة على الضريحين الشريفين وسورهما بسور متين وكلل الضريح بالستور.
وفي عام 337 هـ ـ 948 قام معز الدولة البويهي ثالث ملوك الدولة البويهية بتأسيس دعائم القبر وعمّر القبة ورتب القوام والحجاب واجرى لهم الارزاق وجعل للضريح صندوقا من الخشب وجدد الصحن وسوره وطرز البناء واكمل عمارة الحمداني.
وفي عام 368 هـ ـ 978 م قام عضد الدولة البويهي ابن اخ معز الدولة بعمارة الروضة والاروقة ووسع الصحن وشيد سورا للبلد الذي اخذ بالاتساع وسيج الروضة بالساج وستر الضريح بالديباج.
وفي عام 444 هـ ـ 1052 م امر الامير ارسلان البساسيري ببناء عمارة عالية على القبرين الشريفين وعمل الصندوق من الساج وجعل الرمان من الذهب.
^*1أخذت مدينة سامراء قدسيتها منذ أن ضمت تربتها الجسدين الطاهرين للإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) وابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). ^*/1
وفي عام 495 هـ جدد بركيا روق السلجوقي الابواب وسيج الروضة ورمم القبة والرواق والصحن والدار على يد الوزير مجد الدولة.
وفي عام 606 هـ عمّر الناصر العباسي القبة والمآ ذن وزين الروضة وكتب اسماء الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) على يد الشريف معد بن محمد بن معد.
وفي عام 640 هـ ـ 1242 م ابدل المستنصر الصندوق وجعله من الساج وعمّر الروضة والسياج على يد السيد جمال الدين احمد بن طاووس.
وفي سنة 750 هـ زيّن ابو اويس الجلائري الضريح وشيد القبة وعمل البهو وشاد الدار ونقل المقابر التي في الصحن الى الصحراء.
وفي عام 1106 هـ زيّن الشاه حسين الصفوي الروضة بالساج ودعم البناء وعمل الشباك من الفولاذ ورخّم الارض والدور.
وفي عام 1200 هـ ـ 1785 م عمّر احمد خان الدنبلي البرمكي ـ من حكام آذربيجان ـ الروضة والسرداب وبدل بابه واخشابه بالحجر الصوان والرخام على يد وكيله الميرزا محمد السلماسي، وتوفي الخان الدنبلي ولما يكمل البناء.
وفي عام 1225 هـ ـ 1810 م اكمل البناء ولده حسين قلي خان الدنبلي فزيّن جامع السرداب، وكتب آيات من الذكر الحكيم في اعلى الجدران وزيّن القبة بالقاشاني، وحفر قبرا له ولابيه في الرواق.
وفي عام 1285 هـ ـ 1810 م جدد ناصر الدين شاه القاجاري الشباك وغشى القبة بالذهب، والمآذن بالقاشاني، وعمر الضريح والرواق، والقبة والصحن والمآذن والدار، ورخم الروضة والرواق والبهو والصحن، وشرع الابواب، ورمم السوروذلك على يد الشيخ عبد الحسين الرازي
وفي عام 1343 هـ عملت اسالة الماء في الحضرة
وفي عام 1349 هـ أضيئت الحضرة بالكهرباء
الحوادث التي تعرض لها المرقد المقدس
تعرض المرقد المقدس الى حوادث في عصور مختلفة وكانت هذه الحوادث:
في عام 640 هـ احترق المشهد المقدس بسبب الشمع.
وفي عام 1106 هـ احترق المشهد ايضا.
وفي عام 1356 هـ سرقت من المشهد لوحتين من الذهب وقطع من الفضة.
وفي عام 1426 هـ 2006 م قامت اليد الوهابية الآثمة المجرمة بالتعاون مع بقايا النظام الديكتاتوري البائد بتفجير القبة الشريفة.
وبعد فترة قصيرة عادت هذه الايادي القذرة مرة اخرى لتنتهك حرمة الروضة المطهرة، وتستهدف ماتبقى من معالمها المقدسة، ففجرت المئذنتين الشريفتين في جريمة بشعة عبرت عن حقد مرتكبيها وبغضهم لاهل بيت النبوة (عليهم السلام).
^1المرقد المشرف في الموسوعات والمراجع العامة^/1
1 ـ وفيات الاعيان ج 2 ص 435 و ج 1 ص 373
2 ـ تاريخ الشيعة ـ محمد حسين المظفري ص 101 ـ 103
3ـ العراق قديما وحديثا ـ عبد الرزاق الحسني ص 109
4ـ الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936 ص 663 ـ 664
5 ـ الدليل الجغرافي العراقي ص 54
6 ـ الاماكن المقدسة في العراق ص 28 ـ 30
7 ـ جغرافية العراق ـ طه الهاشمي ص 123
8 ـ الاشارات الى معرفة الزيارات ص 72 ـ 73
9 ـ رحلة ابن بطوطة ـ ص 232
10 ـ نزهة الجليس ومنية الاديب والانيس ج 1 ص 119
11 ـ رحلة المنشئ البغدادي ص 88
12ـ رحلات عبد الوهاب عزام ص 77 ـ82
^1المرقد المقدس في كتابات المستشرقين^/1
1 ـ الدكتور دوايت دونالدسون الانكليزي الذي عاش في ايران سنين عديدة كتب اربعة فصول غير قصيرة في كتابه عقائد الشيعة (التاسع عشر والعشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون) عن سامراء والائمة الاطهار الثلاثة (ع) علي الهادي والحسن العسكري والامام الحجة المنتظر.
^*1عالم الآثار البريطاني والس بج سنة 1888: ان القبتين القائمتين فوق الضريحين كانتا من اروع مايمكن ان يشاهده المرء من بعيد. ^*/1
2 ـ المستر سيتون لويد في كتابه مدن العراق الاثرية ص 42.
3 ـ المستشرق لسترنج في كتابه بلدان الخلافة الشرقية ص 80 .
4 ـ المستشرق هوليستر في كتابه شيعة الهند الفصل 21 ص 226 ـ 241
^1العتبة المشرفة في كتابات الرحالة المسلمين^/1
جاء في رحلة المنشئ البغدادي (السيد محمد بن السيد احمد الحسيني) ص 88 ومن المزارات فيها ـ أي سامراء ـ مزار الامام علي النقي والامام الحسن العسكري ومحل غيبة الامام المهدي وفي كل سنة يبلغ زوار الشيعة من العرب والعجم ـ نحو ثلاثين الفا ياتون الى هذه المشاهد للزيارة
اما في رحلات عبد الوهاب عزام ص 77 ـ 82 فقد تحدث مفصلا عن رحلته الى سامراء واشار الى زيارته للمرقد المقدس.
^1المرقد الطاهر في كتابات الرحالة الغربيين^/1
ان اقدم من وصف المرقد المقدس للامامين العسكريين من الرحالة الغربيين الذين اخذ يزداد عددهم في القرن التاسع عشر الكابتن جون ماكدونالد كينير الانكليزي الذي وصل الى سامراء عام 1813 فكتب مذكراته عن سامراء وبعد ان وصف آثارها واطلال قصورها العباسية قال: واهمها قبر ومشهد الامامين الذين دفنا في سامراء، وهو بناء جميل من الطابوق تعلوه قبتان ومنارتان مزينتان بالكاشي الملون الذي يتباهى به العرب، ويبدو بمنظر جذاب حينما تتساقط اشعة الشمس عليه، وهناك على مسافة غير بعيدة عنه برج مخروطي الشكل يعلو علوا عظيما ويبدو بمنظر مناسب وتلف حول هذا البرج مرقاة حلزونية شيدت بمهارة..
وكتب بعد كينير من الرحالة الغرب في القرن التاسع عشر المستر كلوديوس ريج الذي بقي في العراق مابين الاعوام 1808 ـ 1821 فقال: ان سامراء لها اهمية، ويقدسها الشيعة تقديسا كبيرا، واشار الى دفن الامامين العسكريين فيها ثم قال: وكان قد بني جامع جديد وبقربه حمام وخان لايواء الزوار على نفقة أحد محبي أهل البيت من إيران.
^*1أصبحت سامراء قبلة للزائرين بعد أن ضمت نورين من أنوار أهل البيت وغصنين من أغصان الشجرة النبوية.^*/1
كما كتب الرحالة فيليكس جونر عن المرقد الشريف فقال: لكن اهميتها ـ أي سامراء ـ تعزى في الدرجة الاولى الى الضريحين الجميلين الموجودين فيها، وتعلو الضريحين قبتان شيدت كبراهما فوق قبر الامام الحسن العسكري، وقد اجريت بعض الترميمات فيها مؤخرا، واعتقد انها كانت قد كسيت من قبل بالذهب على غرار القباب المقامة في الكاظمية وكربلاء والنجف.
ثم يقول: اما القبة الصغيرة فهي قبة نظيفة جديدة قد زينت بالكاشي الجميل الموشى باوراد صفراء وبيضاء فوق ارضية خضراء تميل الى الزرقة، ثم يشير الى زوار القبرين الشريفين فيقول: ويقصد هذا المكان كل سنة من الزوار من انحاء ايران كلها فقد قيل لي ان معدل زوار هذه البقعة المقدسة يبلغ حوالي عشرة الآف كل سنة لكنني ميال الى الاعتقاد بان هذا العدد يعتبر اقل من الواقع بكثير
وفي عام 1864 وصل المستر جون اشر الى سامراء واشار المرقد الشريف وتقديس المسلمين له
وفي عام 1867 زار سامراء الرحالة الهولندي نيجهولت وبعد ان وصف الاماكن الاثرية فيها قال اثناء حديثه عن الروضة العسكرية المطهرة: ان شاه ايران قد اعلن قبل عدة اشهر عزمه على اهداء صفائح ذهب لتزيين القبة فكان الناس ينتظرون وصول هذه الهدية الثمينة خلال ايام معدودة.
وفي عام 1888م زار سامراء عالم الاثار البريطاني السير والس بج قادما من مصر فقال: ان البلدة تشتهر بوجود مشهدي الامامين العاشر والحادي عشر فيها واسمهما علي الهادي والحسن العسكري ثم يقول: ان القبتين القائمتين فوق الضريحين كانتا من اروع ما يمكن ان يشاهده المرء من بعيد.