11 جمادى الأولى 1431 - 27/04/2010
بقلم : احمد صادق
النموذج الامثل هو ذلك الواعز و المحرك الذي يسعى الانسان خلفه في كل تمفصلات الحياة مستلهماً منه الوعي الحسي والإدراك العقلي، لتشخيص المثل الأعلى أو القدوة التي يتخذ منها منهجاً وخط سير خلال حياته، جاعلاً منها الفكرة الاساسية لكل تحرك يقدم عليه، لذلك يبحث عن تجسيد الفكرة في الواقع، من خلال أنسنة الفكرة داخل المجتمع ، لأن النموذج الامثل موجود داخل العقل ، فإن وجد في الواقع صار إنساناً يتحرّك.
والّذين يمثّلون حركيّة الفكرة في الواقع هم قلّة على مرِّ التاريخ، وعلى رأسهم بيت اهل النبوّة، وبالأخص المظلومة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد قدمت نموذجاً حول أهمية دور الإنسان في مجال الإصلاح والمطالبة ومقاومة المعتدين، وحول قدرة المرأة على هزِّ عروش الظالمين، وصناعة جيل يتصف بالوعي ويعشق الحرية، ويؤمن بالتغيير ومقاومة التحديات والظالمين، ويرفض الذل والهوان والتخلف والاستسلام،.. فبعد وفاة الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه واله وسلم) طالبت ابنته السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) بحقوقها وحقوق زوجها وحقوق أبناء الأمة، وعندما رأت الشدّة والممانعة رفعت راية الحق عالياً ؛ فكانت أول امرأة في الإسلام ترفع راية الحق والاعتراض بوجه الحاكم المغتصب...، وبقيت على موقفها، وتوفيت وهي غاضبة ممّن غصبوها حقها.
وحتما برحيلها السريع (عليها السلام)، وبتلك الطريقة المؤثّرة والحزينة والمؤلمة فقدت الأمة والعالم دور أعظم شخصيةٍ نسائية في التاريخ، وبغياب وتغييب وتهميش شخصيتها، ودورها عن عالم المسلمين والإنسانية في التاريخ الحديث من المناهج المدرسية، ومن وسائل الإعلام والكتب بالصورة المطلوبة، تخسر البشرية الكثير.
فقد كان للزهراء (عليها السلام) الدور الكبير في الوقائع التي حدثت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم). فهي تعطينا من خلال ذلك الفكرة الإسلامية التي تقول إن المرأة عندما تحتاجها الأمة، وتحتاجها المرحلة من أجل أن تقف وتواجه كل حالات الإنحراف، التي تستطيع من خلالها أن تعطي رأياً، أو تشارك في إسقاط واقع خاطئ، أو في بناء واقع صحيح، فيجب أن تعتبر ذلك من مسؤولياتها الإسلامية، ولهذا كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعيش دورها كأعظم ما يكون الدور، لذلك نجدها (عليها السلام)عندما وجدت أن الموقف العام لا يتحمّل أكثر مما صنعت، ومما صنع علي (ع) من خلال الإعلان عن حقهما الإسلامي أمام المسلمين، قررت (عليها السلام) السكوت، لكنّه ليس السكوت السلبي المهزوم، إنما سكتت لتعبّر عن موقفها الرافض، ولقد أدركت الأمة المعنى الكبير لسكوت الزهراء (عليها السلام ) من خلال خطبتها قائلة(أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، أفلا تعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها المسلمون، أأغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فرياً، أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول ((وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ....)) بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنِعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذابٌ مقيم) وبذلك بدأت الزهراء (عليها السلام) اول حملة ضد الظلم والإضطهاد والمطالبة بالحقوق، وقد وضعت منهجاً للاجيال القادمة للوقوف بوجه الطغاة، فلا يكفي أن يكون لك حق لتحارب من أجله، بل لا بُدّ لك من أن تختار الوقت الذي تطالب فيه بحقك، والكيفية والمكان هي دروس ما زلنا نستلهمها من منابع الرسالة المحمدية وشجرتها العلوية.