3 ربيع الأول 1439 - 23/11/2017
يرى العلماء والفلاسفة أن الزهد يمكن أن يُصبح طريقا نحو نجاح الإنسان، وهذا الرأي ليس حصيلة اليوم، وإنما حدث في مرحلة مبكرة من الوعي البشري، وقد يتساءل أحدهم ما هو الزهد، وما المقصود به تحديدا، فبعضهم يعتقد أن الزهد ربما يظهر في المظهر البسيط للإنسان، فالملابس عندما تكون بسيطة ولا تشي بالتبجح والغلواء، فإنها بحسب رأي البعض ستكون مؤشرا على زهد صاحبها، وهناك من يفسر الزهد بأنه نبذ التملك وترك الشراب ورفض التملك، وعدم الانصياع للملذات التي تهفو لها النفس، وقد تدفع بصاحبها الى السقوط في حبائل النفس الأمارة.
فهل هذا هو بالضبط تفسير الزهد، وهل هذه الشروط هي التي تقود الإنسان الى النجاح (الدنيوي الأخروي)؟ الإجابة ستأتي بالنفي، أي ليس هذا هو كل ما يمثله الزهد، بل هنالك شرط أساس يتكون من شقين أو جانبين، إذا لم يلتزم بهما الإنسان فإن زهده يبقى ناقصا، وهذا يعني التأثير على النتائج النهائية التي ينبغي أن تتكلل بالنجاح، من هنا فإن حجر الزاوية في صحة الزهد ونجاح يكمن في الشقين اللذيْن سيرد ذكرهما فيما يأتي من كلمات.
في كلمة مهمة لسماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، نقرأ تفسيرا لمعنى الزهد، إذ يقول سماحته:
(ليس الزهد أن تمتنع عن الطعام والشراب أو التملك أو النكاح، بل حقيقة الزهد أن لا تأسى ولا تحزن على ما فاتك من ثروات وقدرات مهما كان نوعها، ولا تفرح بما أوتيت مثل ذلك. وهذه منزلة لا يبلغها المرء بسهولة بل لابدّ له أوّلاً من تمرين متواصل وترويض مستمر)ّ.
ومن القضايا والطبائع التي اعتادت عليها النفوس، أي (نفس الإنسان) بحثها الدائب دونما ملل أو كلل عن كل ما يريحها ويحقق لها ملذاتها، فتتجنب كل عمل ينطوي على جهد أو تعب، وتبتعد أو تتهرب من مسؤولياتها كونها تعود عليها بالمشقة، فأداء الواجبات والحقوق المادية والمعنوية تحتاج الى نفس مؤمنة مطمئنة صابرة، ومثل هذه النفس لا نجدها إلا عند الأشخاص الذي هم يقودون نفوسهم ويتحكمون بها وليس العكس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
إن (نفوس الناس ميالة في الغالب للدعة والراحة، ولا رغبة لها في الأعمال التي تتطلّب جهداً مضاعفاً كطلب العلم مثلاً، ولكنّا نرى بعضهم يتغيّر بفعل الضغوط المختلفة سواء من ذاته أو من الآخرين، فيشمّر عن ساعد الجدّ ويصبح عنده شوق إلى الدراسة بحيث يتحمّل سهر الليالي وشظف العيش من أجل الوصول إلى هدفه).
اختلاف الغرائز والطباع عند الإنسان
تبلغ تركيبة الإنسان في الخلق مستوى عاليا من التعقيد، فالغرائز مثلا لا تتساوى في القوة والضعف عند جميع الناس، كذلك الطباع، فهي أيضا تختلف من إنسان الى آخر، بسبب تدخلات البيئة الاجتماعية والتعليمية والعملية وسواها، بالإضافة الى ما تمنحه الوراثة من صفات تشكل الصورة النهائية للشخصية، وطالما أن بيئة الإنسان العائلية وسواها، مختلفة من فرد الى آخر، وطالما أن الوراثة لا تتشابه في نتائجها على الناس إلا ما ندر، لهذا فإن النفوس تبعا لذلك ستكون مختلفة بعضها عن بعض.
وعندما تضعف الغرائز ويتم كبحها بقوة وسيطرة تامة، فإن ذلك مؤشر بالغ الأهمية على زهد الإنسان، فالزاهد حتما له الكلمة الفصل في السيطرة على الغرائز، ولا يمكن أن تتلاعب به، مثلما تتلاعب بغير الزاهدين، فإذا أراد الإنسان أن يسيطر على نفسه ويقودها بدلا من أن تقوده عليه بكبح الغرائز وإضعافها، وهذا هو أحد شروط خريطة طريق النجاح.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(كما تختلف النفوس، فكذلك تختلف الغرائز والطباع في قوّتها وضعفها(.
ومن المصاعب التي تواجهها البشرية جمعاء، أن الإنسان الفرد مجبول خلْقاً على حب الجاه، ويعد الجاه والتمتع بالنفوذ من الطبائع القوية التي تولد مع الإنسان، لذلك فإن الوصول الى مستوى دقيقا من الزهد، لا يمكن أن يكون هدفا سهلا، خصوصا أن التأثيرات التي تؤثر في هذا المجال كثيرة، منها الأجواء التي يعيشها الفرد، والظروف التي تحيط به، بالإضافة الى تأثير عوامل الوراثة كما أشرنا سابقا، فكل هذه الأمور تتشابك مع بعضها وتتعاضد لكي تمنع الإنسان من الوصول الى الدرجة المطلوبة من الزهد، ومع كل ذلك يبقى الأخير هدفا ممكن التحقيق للإنسان إذا ما تحلى بالإرادة والإيمان والتصميم النادر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إنّ حب الجاه من الطبائع الأصيلة والقويّة عند الإنسان. وكذلك قد تختلف الأجواء والظروف وعوامل الوراثة والبيئة والتربية وغيرها. إلاّ أنّ الأمر المسلّم أنّ أصل التغيير ممكن(.
كيف نتخلص من الألم النفسي؟
إذاً يبقى الإنسان طموحا على الدوام، وطموحه في هذا الجانب يمكن توصيفه بأنه يبتغي الوصول الى النجاح عبر خارطة طريق يخطّها ويرسمها (الزهد)، والشقيّن اللذيْن أشرنا لهما فيما مضى من سطور هذه المقالة، يتمثلان بأن لا يأسى الإنسان ولا يحزن على ما فاته من ثروات ومزايا مختلفة، هذا أولا، والشق الثاني هو أن لا يفرح بما يأتيه من الأموال والثروات وسواها، لأن هذه الممتلكات كلها في الحقيقة هي ليست من أملاك البشر، وإنما هي أملاك الله تعالى وهي أمانة عند البشر عليه أن يردها الى صاحبها حين يستوجب ذلك.
لذلك لا ينبغي للإنسان أن يأسى أو يفرح بما يذهب منه وما يأتيه، ولا يصح له أن يسمح لنفسه بأن يعاني الألم والحسرة وسوى ذلك بسبب خسارته شيء ما، مادة كانت أو أموال، وحتى صحة الفرد في جسده وروحه أمانة، أمّنها الله تعالى لدى البشر، وهي ليست من أملاكه، لذا عليه أن يعيدها الى مالكها الحقيقي (الله تعالى) عندما يداعيه بها أو حينما يحين وقت التسليم.
من هنا يقول سماحة المرجع (التركيز على الألم النفسي والتحسّر وما أشبه هي الأمور التي تنهض التربية بإزالتها كلّما تذكّر الإنسان أنّ كلّ ما يملكه حتى صحّته وبدنه وروحه أمانة وليس هو مالكها الحقيقي).
ولابد للإنسان أن يفهم تمام الفهم، بأن كل ما لديه بما في ذلك ذاته وتوابعها، هي ليست ملكاً له، لهذا فإن الواجب عليه أن يدرك بأن جميع النعم التي تقع في حوزته هي ليست له، وعندما تزداد ويتم تحديثها بطريقة أو أخرى، فإن هذه أفضال جديدة يجب على الإنسان أن يشكر الله عليها، أما إذا خسرها لأي سبب كان فإن هذا الأمر شيء متوقَّع حدوثه في الدنيا، فلماذا الفرح، ولماذا الحزن، طالما أن هذه الممتلكات لا تعود للإنسان، وبالنتيجة ما على الإنسان لو أراد ابتغاء النجاح، سوى التمسك بالزهد وجعله خريطة طريق تقوده الى النجاح المزدوج (الدنيوي/ الأخروي)، وإن تحقق ذلك، فهذه هي السعادة القصوى للبشر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن:
على الإنسان (أن يتذكّر دائماً أنّ كلّ النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخرى ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً تأخّر أو تقدّم).
منقول عن: شبكة النبأ المعلوماتية