10 ربيع الثاني 1429 - 17/04/2008
تتعرض أيّ دولة من دول العالم لحوادث مفجعة؛ قد تكون من صنع البشر أو بسبب ظواهر طبيعية، الأمر الذي يحتم على الجهات الحكومية المعنية في الدول المنكوبة تشكيل لجان تحقيق تتناسب مع مستوى الأحداث وحجمها وذلك للوقوف على ملابسات وأسباب الكارثة.
وفي العادة تكشف تلك اللجان المعلومات التي تحصل عليها والنتائج التي تتوصل إليها أمام الجهات الرسمية المعنية، كما يُصار إلى كشفها إلى وسائل الإعلام والرأي العام لتوضيح الحقائق وملابساتها إلى أكبر شريحة اجتماعية تهمها نتائج تلك التحقيقات، وكلما كبر الحدث كلما دعت الحاجة إلى كشف ملابساته أمام الرأي العام.
وإذا كان الله عز وجل من على بلدنا بان حفظه من الكوارث الطبيعية فان الحوادث التي يتسبب بها البشر كثيرة، لذا كثرت في الآونة الأخيرة في العراق اللجان التحقيقية إلى درجة لا يكاد يمر يوم إلا وسمعنا بقافلة تتوجه الى منطقة ما لتحقق في حدث أو تتابع معوق ما، لكن النتيجة الطبيعة لها أن يلفها النسيان أو التعتيم الكامل بدون أي نتيجة معروفة عما توصلت اليه أو توصياتها، لاسيما عندما تزهق فيه الأرواح وتغتصب فيه الحقوق.
ولا نريد أن نذهب كثيرا، فلنعد الى الوراء قليلا لنستجلب من الذاكرة الحادثة الأليمة التي وقعت في جسر الأئمة والأعداد الهائلة التي راحت فيها، وما تلتها من قتل الأرواح وتدمير الممتلكات في حديثة وكربلاء والموصل، والى غير ذلك.
فما هي النتيجة، ومن هو المسؤول ؟ هل كانت القاعدة وراء كل ذلك؟ ولتكن كذلك وهذه قناعة الكثيرين ولكن بتساهل ممن؟ ومن هو المستفيد؟ لقد كانت النتيجة في أكثر اللجان التي شكلت واحدة تقريبا وهي وجود أجندة خارجية وامتدادات داخلية بدون أن نفهم من هو الخارج ومن الداخل؟ هذا فيما لو تكلمت اللجان أصلا!.
أما الأسباب التي أودعت أكثر نتائج التحقيق في دهاليز مظلمة، تمثلت بأشكال مختلفة كان من أهمها فقدان سلطة القانون وطبيعة تشكيل تلك اللجان والتي كان معظمها من الفرقاء السياسيين أو غير المهنيين وخضوعهم الى آراء كتلهم أو الضغوط السياسية المتقابلة. وقد تنساق أسباب أخرى من قلة الخبرة أو عدم الكفاءة في قيادة اللجان والتلكؤ في الحصول على النتائج الدقيقة أو عدم الكشف عنها.
ويرى البعض بان قضية تشكيل اللجان لا تتعدى متطلبات المرحلة المبنية على التوافق أو التراضي بقاعدة (المقايضة) ولعلها وردت ضمن المفاهيم الجديدة التي صُدرت للبلاد مع الكثير من المفاهيم الأخرى، التي اقتبست دون العمل بمضمونها الحقيقي.
وعلى ذلك يمكن القول بان هذه اللجان بصيغها الحالية هي زيادة في المظلومية لأكثر من طرف: الأول هو الجهة المتضررة من الحادث الأصلي والذي سيفقد الأمل بالحصول على حقوقه، والآخر هو الطرف الباذل للجهد في التحقيق والبحث عن الحقيقة حيث تذهب جهوده بعد ذلك أدراج الرياح نتيجة المصالح السياسية التي ما تركت واد إلا سلكته، وهي في حقيقة الأمر ثقافة خطيرة وسلوك بشع فيما لو استمرت على هذا الديدن في التعامل مع باقي الأحداث المستقبلية.
ومن هنا نرى بان موضوع تشكيل اللجان التحقيقية ومتابعة أعمالها وإعلان نتائجها هي من الموضوعات التي يمكن أن تثبت دولة القانون وترسيخ مفهوم العدالة على الجميع.
ولمعالجة هذه المشكلة يمكن التوقف عند هذه الملاحظات:
1- إيجاد أساس قانوني لتلك اللجان يكون ارتباطها بالجهات القضائية وبالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية، وتتحرك وفق ضوابط قانونية وبرئاسة محققين أكفاء وحسب الاختصاص.
2- وضع نظام داخلي خاص لكل لجنة وكيفية رئاستها ووضع فترات زمنية لكل عمل والية إعلان النتائج.
3- إشراك أعضاء ومندوبين عن وزارة حقوق الإنسان والجمعيات الإنسانية الدولية في الحوادث المهمة والتي تكون فيها حساسية عالية في الوضع السياسي والأمني.
4- إعلان نتائج التحقيق في مساحات إعلامية خاصة وعلى جميع الأصعدة الإعلامية المرئية والمسموعة، وبيان المقصر في أي جهة كان.
5- التناوب في رئاسة اللجان في كل حادثة ورفع التقارير النهائية الى ثلاثة محاور القضائية والتشريعية والتنفيذية.
6- ابعاد أعضاء اللجان بصورة كاملة عن أي جهة حزبية أو سياسية واستخدام العنصر المهني المستقل استقلال كلي.
7- وضع حصانة خاصة لأعضاء اللجان وفق القانون خلال فترة عملهم لضمان حمايتهم وإعطاءهم مساحة أوسع للتحرك.