29 ربيع الثاني 1433 - 25/03/2012
تحقيق: علي الجبوري/ كربلاء المقدسة
لدى أحلام 15 عاماً أمنيات كثيرة تريد تحقيقها كبقية الفتيات الأخرى في محافظة كربلاء مثل إكمال التعليم والحصول على المراتب العليا، إلا إنّ القدر لم ينصفها، فعادات أهلها وخاصة الأب فرض على هذه الطفلة الصغيرة الزواج من ابن عمّها الذي يكبرها بعشر سنوات.
ونتيجة لمسألة الزواج المبكر للقاصرات ما دون سن 18 فقد حرمت هذه الفتاة كأخريات مثلها من حق التعليم أولاً وكذلك حقوقها الأخرى التي لم يوفق زوجها الصغير من تحقيقها وانتهى زواجهما بالفشل، فيما هي واجهت الموقف بآخر أصعب منه حيث أنجبت هذه الطفلة الصغيرة مولودها بعد الطلاق وهو ما زاد من معاناتها.
وتقول أحلام زغيّر: "لقد أجبرني أبي على الزواج وترك المدرسة وعشت مع زوجي حياة صعبة جداً فأنا لم أزل طفلة لا أستطيع تدبير شؤون المنزل، إضافة إلى عدم قدرتي على تلبية احتياجاته المختلفة".
وتتابع "أصبح الطلاق هو الحل الوحيد لحياتنا التي استمرت لمدة سنتين وعدت أنا إلى بيتي ولكن مطلقة وأحمل طفلي الصغير الذي جاء إلى الدنيا عبثاً خاصة وإن أباه لم يكترث له وقام أهله بتزويجه من امرأة أخرى بعد انتهاء علاقتنا".
أطفال للبيع
ولا يمكن لنا اليوم أن نصف تفكير بعض العوائل الكربلائية الضيق في تزويج بناتهن القاصرات رغماً عليهن خاصة في القرى والأرياف ذات الطابع العشائري، فالأب يجبر الفتاة على الزواج فيما يبحث الرجال اليوم عن الفتاة الصغيرة خاصة من عمر (15 – 17) ولا يهم إن كانت غير متعلمة أو عاجزة عن الاقتران به وكذلك نسيان قدراتها الصحية والجسدية خاصة مع حمل الزوجة والذي قد يعرضها للخطر أو الموت بسبب صغر سنها.
ويجرى زواج القاصرات في كربلاء من قبل الحاكم الشرعي الذي يجيز ويحلل زواج الفتاة التي بلغت سن 9 سنوات، فيما يحذر القانون والقضاء العراقي من مثل هذا الزواج الذي يقام بعيداً عن أنظار السلطة فالقانون العراقي يؤكد بأن سن الزواج يبدأ من سن الثامنة عشر حيث يتم فيه مراعاة سنها القانوني وعدم قصرها وقابليتها النفسية والجسدية على الزواج.
ويؤكد المحامي خضير الحسناوي بأنّ "زواج القاصرات يعد جرماً يعاقب عليه القانون وهنالك الكثير من حالات الزواج للفتيات ما دون سن الـ 18 وقد انتشرت في محافظة كربلاء خاصة بعد سنوات التغيير، فالحالة الاجتماعية للفرد تساعده على الزواج ولكن ليس بمن هي قريبة من سنه وإنما الكثير من الرجال حتى بأعمار تصل إلى 40 سنة فهم يبحثون عن الفتاة الصغيرة ذات الـ 16 عاماً ويتم هذا الزواج بعيداً عن القانون حيث يصطدم بتحليل مثل هذا الزواج من قبل الحاكم الشرعي".
ويضيف الحسناوي "يقوم الحاكم الشرعي بعقد قران الزوجين وبعد أن تبلغ الفتاة سن الـ 18 يقوم الزوجان بالحصول على عقد زواج من المحكمة".
ويلفت إلى إنّ "الكثير من حالات الطلاق التي تحدث في كربلاء هي نتيجة للزواج المبكر للفتاة فعدم قدرة هذه الطفلة الصغيرة النفسية والجسدية يوصلها إلى طريق الفشل والذي يحبطها أكثر من الرجل، فعاداتنا وتقاليدنا القديمة تمنعها من الزواج مرة أخرى أو تنظر إليها نظرة سلبية بينما يتمتع الزوج بكافة الحقوق والزواج مرة أخرى لأنه رجل! لا أكثر".
من جهته يبين رجل الدين محمد الأسدي بأنّ "الدين الإسلامي يجيز زواج الفتاة التي بلغت سن الـ 9 سنوات، ولكن بشرط أن تكون هي راضية عن هذا الأمر وليس مجبرة عليه، حيث يكون الزواج باطلاً حتى وإن تم العقد الشرعي إذا كانت الفتاة غير راضية أو مغصوبة على الزواج وجميع الأعمال والممارسات التي تتم بين الطرفين هي حرام وتدخل في دائرة الزنا".
ويضيف الأسدي أنّ "على العائلة أن تأخذ رأي ابنتها قبل اقترانها فالكثير من الفتيات قد يكن غير قادرات نفسياً وجسدياً على إقامة مثل هذا المشروع الحياتي الكبير"، إلا إنه في نفس الوقت يشير إلى إن "ٍبعض الفتيات في عمر الخامسة عشر وأصغر أيضاً تساعدهم التربية الصحيحة والبيئة المناسبة على الاقتران وتكوين العائلة الجديدة وهذا هو ما يشير إليه الإسلام وما عدا ذلك فهو حرام".
أمراض نفسية وجسدية تتعرض لها الزوجة القاصر
وعلى الصعيد النفسي والاجتماعي لزواج القاصرات في كربلاء يوضح الباحث الاجتماعي حيدر الموسوي بأنّ "الفتاة المتزوجة التي لم تبلغ السن القانوني تصطدم بالكثير من المعوقات التي تواجهها في حياتها الزوجية فهي أولاً مغصوبة على الزواج ولديها أحلام طفولية تريد تحقيقها إضافة إلى عدم نضج تفكيرها واستيعاب مسؤوليات الزواج الكبيرة بشكل كامل وبالتالي الانتهاء بالفشل والذي يحبط من معنويات الفتاة الصغيرة ويؤدي بها إلى أمراض نفسية".
ويبين الموسوي أنّ "مشروع الزواج والاقتران بين الجنسين ضخم جداً ويجب أن يكون الطرفان متوافقين عقلياً وفكرياً وجسدياً لكي نقول بأن هذا الزواج سينجب ثمرة طيبة في المجتمع".
فيما تؤكّد الدكتورة وداد محمد أخصائية الأمراض النسائية؛ بأنّ "حمل القاصرة المتزوجة يعرّضها إلى المرض أو الموت خاصة في سن الـ 15 عاماً، حيث لا يستوعب جسدهاً عملية الممارسة الجنسية وكذلك الحمل وعادة ما تتعرض إلى نزيف حاد قد يودي بحياتها"، مبينة بأنها اطلعت على الكثير من حالات القاصرات المتزوّجات وكن بحالة مزرية".
من جهته يشير الإعلامي علي الشمري إلى إنّه "بسبب ظروف العراق المريرة أصبحت مشاكل الطلاق في تزايد خصوصا عند الذين لم يبلغوا السن القانوني (القاصرين) وإذا ما بحثنا في هذه القضايا نجد إن نسبة كبيرة من العوائل التي تعتبر تحت خط الفقر هي التي اضطرت بطريق أو آخر لتزويج بناتها وهن لم يبلغن السن القانوني والسبب الرئيس لهذا التصرف هو العوز المادي".
ويضيف الشمري، "لو أدخلنا هذه الزيجات (القاصرين) في مختبر التحليل لوجدنا إن هناك جهلا بماهية الحقوق الزوجية ومن كلا الطرفين، خاصة ونحن نفتقد من يعلم أفراد المجتمع أصول الزواج وعلى وجه الخصوص الواجبات الزوجية".
ويتابع حديثه بالقول، "بالرغم من تغير الأوضاع وسيرها نحو مجتمع مؤسساتي إلا إننا لا نرى أي مؤسسة آخذة على عاتقها تفهيم الشباب واجباتهم تجاه بعضهم".
إغلاق المكاتب الشرعية لإنهاء الزواج المبكر
بدورها تؤكّد مسؤول لجنة المرأة والطفل في مجلس محافظة كربلاء، مائدة عباس بأنّ "زواج القاصرات تشكل مشكلة شائكة في محافظة كربلاء، حيث يتم مثل هذا الزواج بعيداً عن أعين القانون ويجد من يبرر له وهو الحاكم الشرعي عبر إجراء عقد الزواج في المكاتب الشرعية الموجودة في المحافظة".
وتضيف، "أجرينا مع محكمة استئناف كربلاء دراسة حول تزايد أعداد المطلقات في المحافظة حيث وصلت أعدادهن إلى (70) مطلقة في الشهر الواحد وجمعيهن من القاصرات وما دون السن القانوني وغير متفهمات لمسألة الزواج أو مجبرات من قبل الأهل على الزواج بهذا العمر"، مبينةً بأنّ "معظم هؤلاء القاصرات المطلقات لسنَ من محافظة كربلاء وإنما من العوائل التي زحفت نحو المحافظة".
وتلفت عباس إلى إنّ "لزواج القاصرات عواقب وخيمة في المستقبل، ولابدّ من وضع الحلول الناجحة لهذه المشكلة، وهنالك مطالبات بإغلاق المكاتب الشرعية التي تتخذ من عملها في التزويج مجرد تجارة مربحة على حساب العقل والدين، ونعتقد بأن هذه الخطوة ستكون رادع لإنهاء هذه المشكلة المستفحلة، مع العمل على تثقيف العوائل بخطورة هذا الزواج".