b4b3b2b1
قناة الأنوار الفضائية خطوة ناجحة ببركة أهل البيت (عليهم السلام) نحو نشر الإعلام الملتزم | الموسوعة الحسينية تتألق في سماء الدوائر المعرفية (تقرير) | أبو محمد الكتبي: الكتاب هو خير مؤرخ للتاريخ | مشفى الكتاب في العتبة العلوية المقدسة احياء لكنوز المعرفة الاسلامية | المقداد ابن الأسود الكندي | البرنامج الوطني للصحة المدرسية | المواقع الإلكترونية.. نافذة للتواصل مع المرجع الشيرازي | خِدَمةُ الإمامُ الحُسين (عليه السلام) شَرفُ في الدُنيا وذُخرُ في الآخِرة | الشيخ عبد الزهرة الكعبي صوت يتكرر عبر اثير الفاجعة الحسينية | الخطوات العملية المطلوبة لتحسين البيئة عالمياً.. من رؤى الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) | الشباب وعوامل النجاح وتحقيق الأهداف .. من رؤى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) | التغيير الذاتي ومعايير النجاح.. من فكر المرجع الشيرازي (دام ظله) |

أروى بنت الحارث

 

26 رجب 1433 - 17/06/2012

من أروى هذه ؟

هي بنت الحارث بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمَناف، ابنة عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله. عرّف بها ابن سعد في ( الطبقات الكبرى 50:8 ) فقال: أمّها غزيّة بنت قيس بن طريق. تزوّجها أبو وداعة بن صبرة فولدت له: المطّلب وأمّ جميل، وأمّ حكيم، والربعة. وهي من ربّات الفصاحة والبلاغة، وكانت أغلظَ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان، حيث أسمعته ومَن حضر عنده كلاماً قارصاً!

ماذا قالت ؟

قال ابن طيفور في ( بلاغات النساء:27 ): روى ابن عائشة عن حمّاد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: دخلت أروى بنت الحارث على معاوية بالموسم وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها قال لها ( وكأنّه يتحاشاها ويتّقيها ): مرحباً بكِ يا عمّة. فأجابته:

ـ كيف أنت يا ابن أخي! لقد كفرتَ بعدي بالنعمة، وأسأتَ لابن عمّك الصُّحبة، وتسمّيتَ بغير اسمك، وأخذتَ غيرَ حقّك ( أي الخلافة )، بغير بلاءٍ كان منك ولا مِن آبائك في الإسلام ( خ ل ـ: مِن غير دِينٍ كان منك ولا مِن آبائك ولا سابقةٍ في الإسلام ـ العقد الفريد لابن عبدربّه ).

ولقد كفرتم بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله، فأتعَسَ اللهُ منكمُ الجدود، وأصعَرَ منكمُ الخدود ( خ ل ـ: وأضرعَ منكمُ الخدود، كناية عن الذلّة ) حتّى ردّ الله الحقَّ إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبيُّنا صلّى الله عليه وآله هو المنصورَ على مَن ناوأه ولو كَرِه المشركون!

ثم قالت رحمها الله: فكُنّا أهلَ البيت أعظمَ الناس في الدين حظّاً ونصيباً وقَدْراً، حتّى قبض الله نبيَّه صلّى الله عليه وآله مغفوراً ذنبُه، مرفوعاً درجتُه، شريفاً عند الله مَرْضيّاً، فصِرْنا أهلَ البيت فيكم بمنزلة قومِ موسى مِن آل فرعون، يُذبّحون أبناءَهم ويَستَحْيون نساءَهم، وصار ابنُ عمّ سيّد المرسلين ( أي عليّ سلام الله عليه ) فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هارونَ من موسى، حيث يقول: يا ابنَ أُمّ، إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني! ولم يجتمع بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله لنا شمل، ولم يسهل لنا وَعْر، وغايتنا الجنّةُ وغايتكمُ النار!

مُداخَله لئيمة

لم يتحمل عمرو بن العاص ـ وكان حاضراً عند معاوية ـ فخاطب هذه المرأة الجليلة بقوله:

ـ أيتها العجوزُ الضالّةُ أقصِري من قولكِ، وغُضّي من طَرْفكِ. فسألته:

ـ ومَن أنت لا أُمَّ لك ؟! قال:

ـ عمرو بن العاص. فأجابته:

ـ يا ابنَ اللَّخْناء النابغة! ( هي أمّه المشهورة بالبغي من ذوات الأعلام

أتكلّمني ؟! أربعْ على ضلعك ( أي افعل بقَدْر ما تطيق لا أكثر ! )، وأعنْ بشأن نَفسك، فَوَاللهِ ما أنت من قريش في اللُّباب من حَسَبِها، ولا كريمِ منصبها، ولقد ادّعاك ستّة من قريش، كلّهم يزعم أنّه أبوك! ( في العقد الفريد: فسألتُ أمَّك عنهم فقالت: كلُّهم أتاني، فانظروا أشبهَهم بعمرو فألحقوه به! فغلب عليك شَبَه العاص بن وائل، فلُحِقْتَ به )، ولقد رأيتُ أمَّك أيّامَ مِنى بمكّة مع كلّ عبدٍ عاهر فأتمّ بهم؛ فإنّك بهم أشبه.

مداخلة خبيثة

تزعّمها هذه المرّة مروانُ بن الحكم، إذ لم يصبر على كلامها ولا عن حقده على بني عبدالمطلب آل هاشم، فخاطَبَها بخبثه:

ـ أيّتها العجوز الضالّة، ساخ بصرُكِ مع ذَهاب عقلِكِ، فلا تجوز شهادتُكِ. فأجابَتْه هو الآخر تُلصق عارَه في جبينه:

ـ أتتكلّم ؟! فَوَاللهِ لأنتَ إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبهُ منك بالحَكَم! وإنّك لشبهه في زرقة عينَيك وحُمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دمامته، ولَقَد رأيتُ الحكم مادَّ القامة ظاهر الأدمة وسبط الشعر، وما بينكما من قرابة إلاّ كقرابة الفَرَس الظامر من الأتان المُقرِب، فاسألْ أمَّك عمّا ذكرتُ لك، فإنّها تُخبرك بشأن أبيك إن صدَقَت!

التفاتة صافعة

حيث التفتت رحمها الله إلى معاوية لتقول له: واللهِ ما عرّضني لهؤلاء غيرُك، وإنّ أمّك هذه هي لَلقائلةُ يومَ أُحُد في قتل حمزة رحمه الله:

نحـن جَزَيناكُـم بيـومِ بـدرِ والحربُ يومَ الحرب ذات سُعْرِ

ما كان عن عُتبةَ لي مِن صبـرِ أبي وعمّي وأخـي وصِهْـري

شفيتَ وحشيُّ غليـلَ صـدري شفيتَ نفسي وقضيتَ نَـذْري!

فشُكرُ وحشيٍّ علَـيّ عمـري حتّى تَغيبَ أعظُمي في قبـري

فأجبتُها:

يا بنتَ رقّاعٍ عظيـمِ الكُفـرِ خُزِيتِ في بدرٍ وغيـرِ بـدرِ

صَبَّحـكِ اللهُ قُبَيـلَ الفجـرِ بالهاشميّينَ الطِّـوالِ الزُّهـرِ

بكلِّ قطّـاعٍ حسـامٍ يَفـري حمزةُ ليثي وعلـيٌّ صَقْـري

إذ رام شيبةٌ أبـوكِ غـدري أعطيتِ وحشيّاً ضميرَ الصدرِ

وهتكُ وحشيٍّ حجابَ السَّتـرِ ما للبغايا بعدها مِـن فخـرِ!

فقال معاوية لمروان بن الحكم وعمرو بن العاص: وَيْلكما! أنتما عرّضتماني لها وأسمعتُماني ما أكره. ثمّ قال لأروى يتّقيها:

ـ عفّا الله عمّا سلف، يا خالة هاتِ حاجتَكِ.

قالت: ما لي إليك مِن حاجة.

وخرَجَت.. فقال معاويى لأصحابه: واللهِ لو كلّمها مَن في المجلس جميعاً، لأجابت كلَّ واحدٍ بغير ما تُجيب به الآخر، وإنّ نساء بني هاشم لأفصحُ من رجال غيرهم.

[ الأبيات: نحن جزيناكم.. لهند زوجة أبي سفيان أمّ معاوية، وفيها تتشفّى بقتل حمزة يوم أحد والمسلمين الشهداء، وتجد ذلك ثأراً لها عن قتلى المشركين: أبيها وأخيها وعمّها وصهرها، وتشكر لوحشيّ لعنه الله قَتْلَه حمزةَ بن عبدالمطّلب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فعيّرتها أروى بما كان منها مع وحشيّ! وأمّا كلمة معاوية: عفا اللهُ عمّا سلف! فهي إقرار بتاريخ آل أبي سفيان في المفاسد ومحاربة الرسول والرسالة وقتل الصحابة المخلصين الأوائل! ].

وفي رواية أخرى لا تُعارِض

أنّ معاوية قال لأروى:

ـ يا عمّة، أقصدي قصدَ حاجتِكِ، ودَعي عنكِ أساطيرَ النساء. قالت:

ـ تأمر لي بألفَي دينار، وألفَي دينار، وألفي دينار.

ـ ما تصنعين ـ يا عمّةُ ـ بألفَي دينار ؟ أجابته:

ـ أشتري بها عيناً خرّارة، في أرضٍ خَوّارة، تكون لوُلد الحارث بن عبدالمطّلب.

ـ نِعمَ الموضعُ وضعتيها، فما تصنعين بألفَي دينار ؟

ـ أُزوّج بها فتيانَ عبدالمطّلب من أكفائهم.

ـ نِعمَ الموضع وضعتيها، فما تصنعين بألفَي دينار ؟

ـ أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام.

ـ نِعمَ الموضع وضعتيها، هيَ لكِ نَعَم وكرامة ثمّ قال يريد قَدْحاً:

ـ أمَا واللهِ لو كان عليٌّ ما أمر لكِ بها. فأجابته:

ـ صَدَقْت، إنّ عليّاً أدّى الأمانة، وعَمِل بأمر الله وأخَذَ به، وأنت ضيّعتَ أمانتَك وخُنتَ اللهَ في ماله، فأعطيتَ مالَ الله مَن لا يستحقّه، وقد فرض الله في كتابه الحقوقَ لأهلها، وبيّنها فلم تأخُذْ بها! ودعانا إلى أخذ حقّنا الذي فرَضَ اللهُ لنا، فشُغِل بحربك عن وضع الأمور مواضعَها. وما سألتك من مالك شيئاً فتَمُنَّ به، إنّما سألتُك مِن حقّنا، ولا نرى أخذَ شيءٍ غير حقّنا، أتذكر عليّاً فَضَّ اللهُ فاك، وأجهَدَ بلاءَك ؟!

ثمّ علا بكاؤها وقالت ترثي عليّاً عليه السلام:

ألا يا عينُ ـ وَيْحَكِ ـ أسعِدينا ألا فابكـي أميـرَ المؤمنينـا

رُزِينا خيرَ مَن ركب المطايـا وفارسَها ومَن ركب السَّفينـا

ومَن لَبِس النعال أوِ احتذاهـا ومَن قـرأ المثانـي والمِئينـا

إذا استقبلتَ وجهَ أبي حسيـنٍ رأيتَ البـدرَ راعَ الناظرينـا

ولا واللهِ لا أنـسـى علـيّـاً وحُسنَ صلاتِه في الراكعينـا

أفي شهر الصيـامِ فَجَعتُمونـا بخيرِ الناسِ طُـرّاً أجمعينـا!

ومِن شِعرها

ترثي أباها شيبة الحمد عبدَالمطلب عليه السلام تقول:

عيني جُودي بدمـعٍ غيـرِ ممنـونِ إنّ انهمالاً بدمـعِ العيـنِ يَشفينـي

ما زال أبيـضَ مِكْرامـاً لأُسرتِـهِ رَحْبَ المحاسن في خِصْبٍ وفي لِينِ

مِـن آلِ عبدِمَـنـافٍ إنّ مهلـكَـهُ ولو لقيتُ رغوبَ الدهرِ يعصينـي

مِن الذين متى مـا تَغْـشَ ناديَهُـم تَلقَ الخضارمـةَ الشُّـمَّ العرانيـنِ

قال الزَّرَكْلي في ( الأعلام 290:1 ): تُوفّيت أروى بنت الحارث حدودَ سنة 50 هـ. [ روى ما مرّ علينا: ابن عبدربّه في ( العقد الفريد 357:1 ) في ضمن الوافدات على معاوية. ويُنظَر: الأربعون حديثاً لمنتجب الدين / الحكاية العاشرة:89 ـ عنه: إحقاق الحقّ ( الملحقات ) للسيّد شهاب الدين المرعشيّ 81:8، بحار الأنوار للشيخ المجلسي 118:42، الطبقات الكبرى لابن سعد 50:8، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني الشافعي 227:4، بلاغات النساء لابن طيفور:27، رياحين الشريعة لذبيح الله المحلاّتي 333:3، أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين 245:3، أعلام النساء لرضا كحالة 29:1، وغيرها ].

إشارتان

الأولى ـ أنّ أروى رضوان الله عليها ما طَلَبت تلك الدنانير إلاّ استنقاذاً لبعض حقوق بني هاشم التي اغتصبها معاوية باستيلائه على الحكم وغصب الخلافة الإلهيّة.

والثانية ـ أنّها رحمها الله كانت من نساء العقيدة اللواتي تحلَّين بالشجاعة والثبات والولاية للنبيّ وآل النبيّ صلوات الله عليه وعليهم، فوقفت معاضدةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله في دعوته وجهاده، ثمّ وقفت مؤيّدةً لوصيّه أمير المؤمنين عليه السلام مِن بعده، وقد حضرت في بعض حروبه كوقعة صفّين تحرّض على قتال معاوية ونصرة الإمام عليّ عليه السلام.

أمّا معاوية، فبعَد غصبه للخلافة نَجِده يتظاهر بالعفو وهو يريد إذلال مُناصري أمير المؤمنين عليه السلام، كما كان ذلك منه مع عُمارة وضِرار وأروى هذه، إلاّ أنّه خاب مسعاه، وأُسمِع منهم ما أذلّه وأخزاه.