b4b3b2b1
الشيخ محمد تقي باقر: من يمارس العنف إنسان مريض وعليه مراجعة طبيب نفساني | المقرئ المصري أحمد نعينع: علّمني القرآن كيف أكون إنساناً معطاءً وعملياً | الحاج عبد الأمير الأموي: لا توجد زعامة في القضية الحسينية لأن راية مقابل راية لا يمكن أن ترتفع | الدكتور محمد التيجاني في حوار صريح: النظام البحريني عنجهي وبربري والشيعة ليست ايران ولكنها علي بن ابي طالب | الرادود الحسيني علي يوسف: رحم الله السيد محمد الشيرازي الذي جعل في كل مكان ذكراً للحسين | الرادود حسين الأكرف يشارك في إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين | الشيخ الكوراني : كلما اقتربنا من عصر الظهور كلما ازدادت شراسة العدو | السيد جاسم الطويرجاوي: المنبر الحسيني قضية لا يمكن أن تحد بمكان معين أو حتى زمان | العالم السني الشيخ الملا: إلى متى يبقى الشيعة يُقتلون أمامنا؟ أوقفوا قتلهم !!! | حـــــوار مــع الشـــيخ رضــا أســـتادي | الاديب بهاء البطاح: كتاب الظهور المقدس.. نص مفتوح وسفر شامل | الإمام الراحل أكد على ضرورة طرح مسألة التشيّع والتبليغ بقوة |

في حوار مع دكتور القانون الدولي خالد العرداوي/ الامام الشيرازي.. محطات تاريخية وحضارية

3665

 

29 ربيع الأول 1433 - 22/02/2012

يرى الدكتور خالد عليوي العرداوي استاذ القانون الدولي في جامعة كربلاء ونائب مدير مركز الفرات للدراسات والبحوث، ان المرجع الديني الراحل المجدد الثاني الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس)، قدم نظرية شاملة لم تقتصر على طائفة معينة او دين معين انما كانت تستهدف الانسانية جمعاء، في رؤية اصلاحية متقدمة نابعة من المنظور الاسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء، قادرة حسب ما يؤكد العرداوي على معالجة معظم الاشكاليات الدينية والاجتماعية والسياسية على مستوى العالم والمنطقة.

وقد حصل العراداوي على شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد عام 2009 في اطروحة تناولت الفكر السياسي للإمام الشيرازي.

شبكة النبأ المعلوماتية حاورت الدكتور العرداوي لاستعراض ابرز المحطات التاريخية للامام الشيرازي خلال مسيرته الجاهدية الحافلة، وتسليط الضوء ايضا على ابرز اطروحاته في القضايا الانسانية والاسلامية (قدس).

* ما هو منهج الإمام الشيرازي في اللاعنف؟

نهج اللاعنف لدى الإمام الشيرازي لم يقتصر في التعامل مع الإنسان حصرا، إنما قصد بذلك انتهاج هذا المبدأ بشكل شامل تجاه كل ما يحيط الإنسان في هذا الكوكب، فنراه يحث على اللاعنف تجاه الحيوان والنبات والبيئة.

ويرى الإمام الراحل إن المنظومة العامة للحقوق والحريات مرت بعدة أجيال، حتى ارتقت إلى ما هي عليه، فكانت الأسبقية لمنظومة الحقوق والحريات السياسية، تتبعها منظومة الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية، وصولا إلى الجيل الحالي، حيث تبرز منظومة الحقوق والحريات البيئية.

فنلاحظ أن الإمام الشيرازي أدخل مفهوم اللاعنف تجاه البيئة، وقال أن الإنسان كما له الحق في أن يسافر وتكون له أسرة فهو له الحق أن يتمتع ببيئة نظيفة، باعتبار البيئة النظيفة من حقوق الإنسان أيضا، ولا يجب أن تنتهك، فكان يطالب بلا عنف الدول والجماعات تجاه البيئة.

كما ربط في السياق ذاته بين شروط قيام الدولة الإسلامية ومبدأ اللاعنف كذلك، فيقول لا يمكن أن تقوم الدولة الإسلامية دون انتهاج مبدأ اللاعنف، ويحث المجتمعات الإسلامية على ذلك، ابتدءا من تعامل الرجل مع المرأة، وتعامل الرجل تجاه الرجل، والأم والأب تجاه الأولاد، والعكس صحيح، فيما يتدرج في نظريته لتشمل المؤسسة، والسلطة، والدولة اتجاه الدولة الأخرى.

ولم يغفل الإمام الشيرازي الإشارة إلى فشل المنظمات والأحزاب والحركات الإسلامية في نجاح مشاريعها الوقت الحاضر، معللا ذلك انتهاجها العنف في التعامل مع الآخرين.

حيث يقول أن استخدام الأحزاب والحركات الإسلامية العنف كنهج جعلهم لا يختلفون عن بقية الأحزاب والحركات السياسية غير الإسلامية، وهو السبب في عزوف الجماهير عن تأييدهم في مشروع بناء الدولة الإسلامية.

* وكيف كانت نظرته للحريات؟

من أبرز ما نظَر إليه الإمام الراحل هو كتاب الحريات، وفقه السلم والسلام في الإسلام، حيث نجد إن منظومة الحريات في فكر الإمام (قدس) تعتبر إن الحرية جزء أساسي من حقوق الإنسان، ولا يمكنه الحياة وهو منزوع منه.

وقد تناول الإمام الشيرازي هذا المنحى بإسهاب، لحيوية وأهمية ما تشكله الحرية بالنسبة إلى الإنسان، وأبرز بدوره طبيعة الحريات في الإسلام، وما تشمله منظومة الحقوق الإسلامية، خصوصا إنها تنطوي على ألف صنف من الحقوق والحريات، لها من السعة ما يستوعب منظومة الحقوق والحريات الغربية وتتفوق عليها.

حيث يرى الإمام الحريات الغربية غير حقيقية وإنما حريات مقيدة، سيما إن حزم القانونين الوضعية للحكومات هناك تستلب الكثير من الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان، سواء في القيود المرفقة مع حرية السفر والتنقل أو القيود الاقتصادية أو الضوابط المتبعة هناك إزاء الحريات السياسية، معتبرا أن منظومة الحقوق والحريات الإسلامية البديل الناجع والحقيقي لها.

* كيف تناول سماحته القضية الكردية في العراق؟

بشكل عام كان السيد الشيرازي دائما ما يركز على الوحدة الإسلامية، ووحدة المسلمين وبناء الأمة، فنجد أن في اغلب كتاباته يشير إلى الأمة الواحدة، والوحدة الإسلامية، والإخوة الإسلامية.

لذا حاولت الأنظمة العراقية استغلال هذا الجانب لفكر الإمام الشيرازي في التعامل تشريع العنف في التعامل مع قضية أكراد العراق، من خلال ربط تركيز السيد الشيرازي على نظرية الوحدة وبناء الدولة الإسلامية الواحدة بالضد من المطالب الكردية في الحصول على حقوقهم، سيما إن تلك المطالب خلقت العديد من مشاكل للأنظمة والحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 1921 ولحد والوقت الحاضر.

فكانت السياسة المتبعة غالباً من أنظمة الحكومة، هي سياسة العنف تجاه الأكراد وتجاه التعامل مع قضيتهم، فبادر بعض المسئولين في الدولة العراقية، واعتقد إن هذا الأمر كان بعهد عبد الكريم قاسم، أو في عهد العارفين، بغية إصدار فتوى تبيح وتشرع لمجابهة مطالب الكرد باستخدام القوة.

إلا إن رد الإمام الراحل كان مغايرا لتوقعات أولئك المسئولين، حيث كان يقول أن استخدام العنف اتجاه الأكراد شيء خاطئ، سيما إن الحكومة المركزية في بغداد تدعوا إلى دولة قومية عربية، وهو ما يدفع بالأكراد إلى تبني فكرة تأسيس دولة على أساس القومية الكردية. فممارسات الأنظمة العراقية كانت تصادر هوية الكرد وقوميتهم، وتفرض عليهم الدخول دولة لا تمثلهم، ولا تتبنى قوميتهم الأصلية.

لقد عارض السيد الشيرازي فكرة العنف باستمرار اتجاه الكرد وقضيتهم، وكان يقول إن ذلك سيؤدي إلى تمزيق العراق، ويرى إن الحل لتلك الإشكالات يكمن في تبني الحل الإسلامي، عبر بناء دولة ذات هوية إسلامية تضم كافة القوميات، والأقليات الدينية الأخرى.

* كيف ناصر الإمام الشيرازي الراحل الشعب الفلسطيني؟

دون شك إن الهم الإسلامي كان يلمس في شخصية الإمام الراحل وأفكاره، شاملا بذلك جميع قضايا الأمة الإسلامية وليس الشعب الفلسطيني منفردا، فنرى ذلك جليا في مختلف أطروحاته الفكرية والعقائدية، حيث كان يطالب بحل مشاكل المسلمين جميعاً، كسبيل لإنهاض الأمة.

فكانت القضية الفلسطينية وأن كانت محورية في هذا الأمر، لكن هي تعتبر جزء من الرؤية الشاملة للأمام الشيرازي في معالجة مشاكل المسلمين.

فالإمام الشيرازي ناصر القضية الفلسطينية من عدة جوانب، الجانب الأول من خلال الدعوة إلى كشف وفضح الحركة الصهيونية، وإبراز طبيعتها الشريرة وطبيعتها التخريبية ليس على العالم الإسلامي فقط، وإنما على العالم أجمع، لأنها حركة عنصرية فاسدة تعمل على ترسيخ نفسها والتوسع على حساب الآخرين، ومن جانب آخر حاول أن يعالج القضية ويتعامل معها من ناحية طبيعة القيادة التي تتولى أدارة ملف القضية الفلسطينية، لذلك نجد انه كان هناك رسائل مفصلة من الإمام الشيرازي إلى ياسر عرفات، وهذه الرسائل تحاول أن تبصر هذه القيادة بعناصر ضعفها وعناصر قوتها.

حيث اعتبر الإمام الشيرازي إن أهم عناصر القوة في قضية فلسطين تبرز من خلال إضفاء صفة الإسلامية عليها بدلا من الصفة العربية.

ففي أحدى رسائله (قدس) يقول: (ما ضاعت فلسطين سابقاَ ألا وأرجعها المسلمون)، بعنوان أنهم مسلمون وليس بعنوان إنهم عرب، فينبغي أسلمت القضية وليس حصرها في النطاق القومي العربي.

لقد حاول الإمام الشيرازي لفت نظر القيادة الفلسطينية إلى أهمية أسلمت القضية الفلسطينية أذا أردنا أن نحرر فلسطين ونجابه الحركة الصهيونية.

فيما نظر في الوقت نفسه للآليات المناسبة لاستعادة الحق العربي والحق الإسلامي في فلسطين وهذه الآليات ركزت على نظرية اللاعنف، انطلاقا من داخل الحركة الإسلامية والحركة والتحريرية، فالسيد الشيرازي كان يرى في الكيان الصهيوني الغاصب كيان يتمنى أن ترميه بحجارة حتى يرميك بمدفع، فضلا عن عدم وجود تناسب بين القوتين.

فكان يدعوا باللاعنف في ممارسة التحرير واللاعنف في المطالبة، واللاعنف في ترسيخ الحق الإسلامي في فلسطين.

وإلى جانب ذلك كان سماحته دائما يبرز أهمية فلسطين في العالم الإسلامي، وأهمية فلسطين في العالم العربي، من خلال الكثير من الفتاوى، التي تدعو إلى ضرورة دعم الفلسطينيين، ودعم المجاهدين في فلسطين وجنوب لبنان.

* وما هي رؤيته في مكافحة الحركة الصهيونية الدولية، وإسرائيل؟

هنا تجدر الإشارة إلى إن الإمام الشيرازي ألف عدة كتب في هذا الشأن الخطير، ككتاب أحذروا اليهود، أو هؤلاء اليهود على سبيل المثال، فنجده حاول من خلال هذه الكتب إبراز الطبيعة الشريرة للحركة الصهيونية، والكيان الإسرائيلي الغاصب.

موضحا حجم الخطر الناجم عن نشاط تلك الحركة ليس على فلسطين فقط أو على العرب أو حتى العالم الإسلامي، إنما شررها على العالم أجمع، سيما إن الإمام الراحل يرى في هذه الحركة النشاط المشبوه في نشر الفساد بكافة أنواعه في العالم، وتسعى إلى تخريب الاقتصاديات من خلال الهيمنة على مفاصلها، فضلا عن تبنيها مبدأ إفشاء العنف ولا تتردد في استخدامه في سبيل ترسيخ مطامعها التوسعية، وبناء وجودها على حساب الآخرين.

ويذهب الإمام الشيرازي إلى حتمية معالجة ومجابهة هذا التهديدات الكامنة في تلك الحركة، سيما فيما يتعلق بمصلحة للمسلمين على وجه الخصوص، ومصلحة المجتمع الدولي بصورة عامة.

* ما هي نظرته إلى الأحزاب الوطنية والعلمانية؟

أشير إلى إن الإمام الشيرازي أشكل على الأحزاب العلمانية، وأن كان هناك من لا يشاطرني هذا الرأي، ولكن أستند برأي على نظرية الإمام الشيرازي في طرحه لنظام الدولة والتي ترتكز على مبدأ شورى الفقهاء المراجع كسلطة العليا في بناء الدولة.

حيث ينظر قدس سره في هذا الشأن إن هناك أحزاب تنبثق عن إجازة أي فقيه ضمن مجلس الشورى الفقهاء، وهو أمر لا غبار عليه كون تلك الأحزاب تعمل ضمن إطار الدولة التي يحكمها مجلس الشورى.

ثانيا تحدث عن نوعين آخرين من الأحزاب، أطلق على الأولى تسمية الأحزاب الوطنية وقصد بذلك الأحزاب التي لا تنتسب إلى فقيه معين، ولكنها تعمل وفق الدولة الإسلامية وتؤمن بها.

أما الثانية أطلق عليها تسمية أحزاب الأقليات، التي قصد بها أحزاب الأقليات الدينية في الدولة الإسلامية، كالأحزاب المسيحية أو اليهودية أو الصائبة...الخ.

أما الأحزاب الملحدة التي لا تعمل ضمن إطار دستور الدولة الإسلامية، وتعمل على إسقاطها فقد أخرجها الإمام الشيرازي من نطاق الأحزاب الوطنية، وأدانها في أكثر من موقع، وغير مرحب بها في مختلف نظرياته.

* ماذا كان موقفه تجاه حكومة عبد الكريم قاسم... والشيوعيين؟

هذا الموضوع له أكثر من جانب، بدءا يجب إن نشير إلى نظرية الإمام الراحل حول بناء دولة الإسلامية التي تنطلق من منهج اللاعنف، وكما انه (قدس) يتبنى فكرا دينيا ينبع من رحم الأمة الإسلامية والعربية كون معظم شعوب تلك الأمة من المسلمين.

في حين معارضوه من الشيوعيين، باعتبار إن الفكرة الشيوعية هي الفكرة غير إسلامية مستوردة من حضارة أخرى، ومن شعوب أخرى لا يمكن أن تتناسب مع المجتمعات الإسلامية.

من جانب آخر الإمام الراحل عارض انقلاب عام 1958، الذي جاء بحكومة عبد الكريم قاسم، كونه انقلاب دموي غير شرعي، بعد أن تم استخدام القوة من قبل العسكر في الوصول إلى السلطة.

وهو أمر كان يرى الإمام في حينه خطرا فادحا سوف يقود إلى خراب الدولة، وهو حافزا في الوقت ذاته يشجع الآخرين على استخدام ذات الأسلوب والقوة من اجل الوصول إلى السلطة أيضا.

والإمام الشيرازي أيضا كان يعارض وجود العسكر على قمة الهرم، لأنه يعتبر انه العسكر مكانه الطبيعي هو حماية الأمن الوطني، وليس الحصول على السلطة واستخدام قوة الدولة من اجل إسقاط الحكومة، أو الاستحواذ على السلطة.

فكان يعارض الإمام الشيرازي حكومة عبد الكريم قاسم لمنهجها الدموي، وأعتبرها في بعض كتاباته اعتبرها حكومة غربية أكثر من كونها حكومة عراقية.

فيما عارض الشيوعيين واعتبرهم مخربين في داخل الجسد العراقي كونهم لا يحترمون أصالة المجتمع وهوية الإسلامية وقيمة العراقية، ومن يطلع على تجارب الشيوعيين وممارساتهم سوف يجد إن كلام الإمام الشيرازي يحمل الكثير من التبرير والكثير من المصداقية.

فالشيوعيون كانوا يعيثون في الأرض فساداً، وكانوا ينتهجون القوة في التعامل مع معارضيهم، ولا زالت حتى وقتنا الحاضر تشيع ثقافة سحب الأشخاص بالحبال وتعليقهم على أعمدة الكهرباء، وهي من الممارسات السلبية البارزة والمؤشرة على الشيوعيين.

فيما كانت مسألة التظاهرات التي تشارك بها النساء الشيوعيات وهن متبرجات في داخل الشوارع العراقية من القضايا المؤشرة آنذاك أيضا، وهي قضية تعتبر من القضايا التي تستفز الهوية الإسلامية للمجتمع، وتستفز القيم العراقية.

بالإضافة إلى ذلك كانت معارضة الإمام الشيرازي لهم معارضة منهجية، معارضة منطلقة من نظرية الدولة الإسلامية والفكر الإسلامي الذي كان يدعو له، باعتباره مجتهد وفقيه ومفكر، يعمل لبناء دولة إسلامية تراعي حقوق أفرادها، تراعي هوية شعبها وأمتها، وتلتزم منهج اللاعنف تجاه المعارضة والخصوم، مهما كانت تعددت أشكالهم وأنواعهم، وتتبنى آلية التداول السلمي إلى السلطة، لا بالانقلابات وارتهان إرادة الشعوب.

* ما هو موقف الإمام المجدد من حكومة الحرس القومي البعثي؟

انسحب موقف الإمام الراحل المعارض على حكومة الحرس القومي و البعثي أيضا، ومعارضته كانت في سياق بسبب موقفه السابق من أجندة الشيوعيين وحكومة عبد الكريم قاسم، بالإضافة إلى كون الحرس القومي كان يتبنى الفكر القومي وأسس دولته على الهوية العراقية والقومية العربية، التي كانت بدورها تتقاطع مع فكر الإمام الشيرازي، وتصوراته في بناء الدولة الإسلامية التي كان ينشدها.

* ما هي نظرته إلى نظام الجمهورية الإسلامية؟ وماذا كانت مواقفه تجاه هذا النظام؟

أتخذ الإمام الشيرازي موقفه من الجمهورية الإسلامية في إيران منحيين. المنحى الأول كان منحى ايجابي مؤيد للدولة الإسلامية حتى قبل نجاحها.

فقد كان (قدس) شديد المعارضة لنظام البهلوي ونظام المملكة الإيرانية، ولعب دورا مهما في إسقاط حكومته الديكتاتورية، حتى قال وزير الخارجية الإيراني في عهد البهلوي "إن الخميني هو من فجر الثورة في إيران، والشيرازي من أوصل صوتها إلى العالم".

وهو من بادر ودعا أهالي كربلاء لاستقبال الخميني في حشد مهيب، وأول من أطلق عليه لقب أمام عندما جاء إلى العراق، وقدمه في إمامة الصلاة بجموع المسلمين.

كان الإمام تأييده مطلق للثورة الإسلامية، و ينصب سرادق التعزية على ضحاياها، ودعا إلى الاحتفال عندما قامت الثورة الإسلامية ونجحت في عام 1979، واعتبرها من الأعياد المهمة وتحول كبير في تاريخ المسلمين.

لكن هذا المنحى لم يستمر طويلا، وأشكل كثيرا على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد ما اعتبره ابتعد عن أصالته الإسلامية ولا يختلف في بناء هياكل سلطته عن هياكل السلطة في أي دولة من دول العالم الأخرى، غير الإسلامية.

وواحدة من هذه المؤاخذات التي أخذها على نظام الدولة الإسلامية هو أن نص الدستور الإيراني على أن يكون رئيس الدولة ايراني الجنسية، وهو أمر اعترض الإمام الشيرازي وأشكل عليه، حيث كان رأيه إن الدولة دولة اسلامية لماذا يشترط أن يكون من يتولى السلطة ايراني الجنسية، والمفترض يكون أسلامي الجنسية فحسب، وتكون قاعدة من كان الأفضل هو الذي يقود، والاعتبار بالآية الكريمة (أنما خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم).

بالتالي يرى الإمام الراحل إن الدولة الإسلامية باتت بالتسمية فقط، بعد أن أفرغت من المحتوى الحقيقي لعنوانها الإسلامي.

وكذلك اختلف الإمام الشيرازي مع القيادة الإيرانية في منحى آخر، سيما بعد أن اخل النظام الإيراني بحسب الكثير من المقربين إلى الإمام الشيرازي بالشروط المتفق عليها بين الإمام الشيرازي وبين قيادة الثورة قبل انطلاق الثورة، ومن هذه الشروط هو عدم استخدام العنف ضد المعارضة، وإصدار العفو العام عن أقطاب ورجال نظام الشاه، باعتبارهم موظفين في الدولة، لا يتوجب إصدار أحكام عنيفة ضدهم، سيما أنهم أفراد لا ناقة لهم ولا جمل الا كونهم كانوا جزء من نظام دولة لا أكثر، إلا إن قيادة الثورة انتهجت العنف المطلق في التصدي للمعارضين، وموظفي الدولة في النظام السابق، حتى باتت السجون في عهد الثورة الإسلامية أكثر من ما كانت في عهد نظام بهلوي.

من جانب آخر اختلف الإمام الراحل أيضا مع القيادة الإيرانية في قضية مهمة، تمثلت في تبنيها نظام ولاية الفقيه، فالسيد الخميني انتهج الولاية المطلقة للفقيه واعتبرها كولاية الإمام، أو حسب قوله كل ما كان للأمام الأصيل هو للوكيل، وهذا اعتبره الإمام الشيرازي شيء غير صحيح، ودعا إلى اعتماد مبدأ ولاية الفقهاء المحدودة في أطار شورى الفقهاء المراجع لإدارة الشؤون العليا للبلاد، ويعتبر هذا الخلاف من التقاطعات الجوهرية في علاقة الإمام الشيرازي مع نظام الثورة الإسلامية في إيران.

وتبرز قضية الحرب العراقية الإيرانية، واعتراض الإمام الراحل على إصرار القيادة الإيرانية على استمرار الحرب، كخلاف آخر ينضم إلى جملة الأسباب التي دفعت به إلى سحب دعمه للقيادة الإيرانية.

فكان بخلاف موقف القيادة الإيرانية، يدعو بقوة إلى الركون للسلم، وتغليب نداء العقل، من اجل بناء علاقات سلمية بين الجانبين، ووقف الحرب التي كان يعتبرها خسائر جسيمة تقع على عاتق الشعبين المسلمين العراقي والإيراني.

كل تلك الأمور أفضت بالإمام الشيرازي إلى التنبؤ بتقسيم إيران، حيث قال (قدس) حسب الكثير من الروايات، إيران سوف تقسم إلى أربعة مناطق وأنا ليس فيكم.

* كيف كان يتعامل الإمام الشيرازي الراحل مع العلماء السنة وجمهورهم؟

لقد تميزت شخصية الإمام الشيرازي بالانفتاح، لم تكن شخصية منغلقة على ذاتها أو منغلقة على أبناء طائفتها، وإنما كانت شخصية منفتحة على كل الديانات وعلى كل الطوائف لذلك نجد أن هذه الشخصية كانت تؤمن بالتعاون مع الآخر، سواءً كان هذا الآخر من دين مختلف، أو من طائفة أخرى.

وأولى الإمام الشيرازي علماء السنة وجمهورهم اهتماماً كبيراً في أفكارهم، لا سيما من خلال أفكاره المطروحة حول شورى الفقهاء المراجع، حيث اعتبر (قدس سره) إن شورى الفقهاء المراجع ليست مختصرة على فقهاء للشيعة فقط في دولة يكون هنالك تنوع طائفي فيها، وإنما شورى الفقهاء المراجع تشمل إلى جانب الفقهاء الشيعة فقهاء السنة، باعتبارهم الممثلين الوحيدين لطوائفهم ويمثلون أبناء جلدتهم، ودعاة حقوقهم وحرياتهم.

لقد طرح الإمام الشيرازي في نظريته الهادفة إلى تأسيس دولة إسلامية، شروط الدولة المقبولة التي تتمتع بالتنوع الطائفي، وليس دولة السنة أو دولة الشيعة أو حتى دولة أقليات، كان يدعو إلى دولة مستوعبة لكل الطوائف ولكل الأديان ولكل الأقليات.

* وهل تجده قد أنفرد في ذلك عن بقية العلماء؟

باعتقادي أن الإمام الشيرازي في هذا الجانب كان متميز لأنه كثير من علمائنا طرحوا قضية التعاون مع أبناء الطوائف الأخرى سيما من الرؤية الإستراتيجية، فالإمام الشيرازي لم يكن يتبنى هذا التعاون كشيء مرحلي، إنما هذا أراد من خلال ذلك جهد يصب في صالح بناء الدولة الإسلامية، وهنا يكون الانفراد.

عندما ننظر إلى بقية الفقهاء ونطرح ولاية الفقيه سواء إن كانت ولاية فقيه محدودة أو ولاية فقيه مطلقة أو بناء دولة إسلامية نجدهم في الغالب ينطلقون في مشاريعهم أو نظرياتهم حول التأسيس للدولة الإسلامية من خلال الإطار المذهبي، وهذا ما جهد الإمام الشيرازي انه يخرج منه في جميع أطروحاته (قدس سره).

* كيف تمكن من تأليف هذا الكم الهائل من الكتب؟ وما هو أول كتاب وأخر كتاب ألفهما سماحته؟

أرى في هذا الموضوع نوع من التعقيد من ناحية تحديد أول كتاب وآخر كتاب، سيما أن المتتبعين لكتاباته الأولى وان استطاعوا أن يحصلون على أول كتاب، فإنهم سوف يعجزون عن الوصول إلى آخر كتاب.

فعلى وجه الخصوص لا تزال الكثير عن كتابات الإمام الشيرازي عبارة عن مخطوطات وهذه المخطوطات التي لم تطبع حتى الآن، حيث نلحظ إن بين الفينة والأخرى تظهر مؤلفات جديدة للإمام الراحل في الوقت الحاضر، بعد انقضاء سنوات على رحيله.

لذا نخلص إلى إن هذا المبحث لم يكتمل بعد، فالكم الهائل من الكتب والدراسات جعلت منه يوصف بسلطان المؤلفين، ونابغة الدهر، والمجدد الثاني، بالتالي هناك كتابات كثيرة ممن لم يتم نشرها أو طبعها حتى الآن.

واذكر إنني عندما قدمت أطروحة الدكتوراه حول الفكر السياسي للسيد الشيرازي، عجزت عن تحديد مقدار مؤلفاته، فمرة أجد انه يقال انه هناك ألف مؤلف، ومرة أخرى أجد في بعض الإحصائيات إن عدد مؤلفاته وصل إلى 1250 مؤلف، وفي مواضع أخرى وجدتها 1525 مؤلف.

واشير ان هذا التباين في رقم ما ألَفه الإمام الراحل من كتب يدل على ضخامة النتاج الفكري الذي أورثه للأمة.

* لماذا كان الإمام الراحل كثير يداوم على الاجتماع بالشخصيات السياسية والعلمية والأدبية؟

لقد درج الإمام الشيرازي على إجراء اللقاءات مع العديد من الشخصيات الفكرية والدينية والرسمية خصوصا العراقيين منهم، سواء وزراء أو المحافظين، والشخصيات العامة، ولكن ما هي فلسفة الإمام الشيرازي في هذه اللقاءات؟.. وما هي الأبعاد المستوحاة من خلالها؟.. الإجابة هي إن سماحته كان يوظف شخصيته المتعددة الأبعاد والآليات في سبيل إدراك غايته العظمى، وتحقيق هدفه الأسمى الطامح إلى بناء الدولة الإسلامية، والتبشير بالحل الإسلامي للكثير من مشاكل العالم ومشاكل المسلمين.

خصوصا إن سماحته أثناء وجوده في العراق كان مدركا إن هناك محاولات لطمس الهوية الإسلامية، وطمس الحل الإسلامي لبناء الدولة العصرية، فضلا عن تفشي الثقافة الغربية، أي استغراب المجتمع والاستسلام الثقافي الإسلامي لصالح ثقافات أخرى.

فكانت إحدى الآليات التي حاول من خلالها الإمام (قدس) لفت الأنظار إلى النظرية الإسلامية، وإمكانات المتوافرة فيها لبناء الدولة العصرية، هو الالتقاء بالمسئولين والشخصيات والوجهاء في المجتمع العراقي.

ففي الوقت الذي كان مجرد الحديث عن الإسلام مقرونا بالحديث عن الرجعية، كان يدعو أثناء تلك اللقاءات إلى معالجة مشاكل المسلمين من خلال قواعد وأحكام إسلامية.

فضلا عن سعيه إلى ابراز الطابع الحضاري والتقدمي في الإسلام، في وقت كان الإسلام فيه يواجه تحديات خطيرة من الأفكار والحضارات الغربية الأخرى.

كان يحث على ضرورة التعامل مع مشاكل الأمة المتراكمة من خلال منظور إسلامي، فتراه يتناول القضايا السياسية و القضايا الاقتصادية والاجتماعية في الدولة العراقية، من خلال التركيز على الاقتصاد الإسلامي، الاقتصاد الذي يشرع على إن الأرض لله ومن يعمرها، ومن سبق إلى من لم يسبق إليه غيره فهو أحق به، البنك اللاربوي الذي لا يبيح الربا في التعامل الاقتصادي.

كما كان يدعو إلى ضرورة إدخال الأحكام الإسلامية وقواعد الإسلام ضمن مناهج التدريس والتعليم في داخل الجامعات العراقية والمدارس العراقية، لأنه هذه المناهج هي مناهج مهمة ينبغي للناشئين أن يطلعوا عليها ويدرسوها ويعرفوها.

* ما هي نظرته إلى كيفية التعامل مع الغرب؟

باختصار شديد جداً يقول الإمام الشيرازي إن الغرب لا يفهم الإسلام، وان من لا يفهم شيء لا يستطيع أن يدرك محتواه، أو عناصر ثورته وعناصر الجزم فيه.

لذا يحثنا الإمام الراحل على ضرورة العمل بجد من اجل إيصال رسالة الإسلام بشكل غير ملتبس إلى الغرب، وإبراز منهج اللاعنف والتشريعات التي يتبنها هذا الدين المشرق بالرحمة والمبادئ الإنسانية الحقة على البشر.

يجد الإمام (قدس) إن الدين الإسلامي ورسالته لم تختص بالمسلمين فقط، إنما يخص البشرية جمعاء، وهو حل لمشاكل الإنسانية، فلو فهم الغرب الإسلام جيدا لتخلصوا من جميع مما يعانون، ولاعتنق اغلبهم الإسلام برحابة صدر.

* لماذا كانت أفكاره وأهدافه مستحيلة التحقق عند البعض؟

الإستحاله نابعة من طبيعة الأوضاع القائمة الآن، وليس خللا في النظرية، فعلى سبيل المثال الإمام الشيرازي يجد في بطاقات الأحوال المدنية أو جوازات السفر فضلا عن الحدود الجغرافية بين البلدان، قيودا مبتدعة تهدف إلى تقييد حرية المسلمين، ويرى ضرورة إلغائها، لكن واقع الحال في عالمنا الإسلامي لا يتقبل هذه الفكرة ويعارضها أيضا.

في الوقت الحالي تعد تلك الأفكار الإمام الشيرازي مستحيلة ومستبعدة، لكن لو تطور هذا الوضع في المستقبل، وظهر واقع دولي جديد فمن الممكن أن نجد هذه الأفكار ممكن وتطبق وممكن العمل على أساسها.

* ماذا كان موقف الإمام الراحل وكيف كان يتعامل مع معارضيه من العلماء والخطباء وغيرهم؟

في هذا المنحى يعد الإمام الراحل كما يصفه الكثيرون من ذو النفوس الكبيرة، سيما انه (قدس) كان منفتحا على الجميع دون تمييز، من محبيه أو أعدائه.

وكان مبدأ اللاعنف يتقدم تعامله مع الناس، كان يجهد في استيعاب الآخرين على أساس مواجهة العنف بل اللاعنف، وقد جسدت تلك الأخلاق من خلال الكثير من الحوادث والوقائع التاريخية.

وتتداول الكثير من الأمثلة على ذلك، ويذكر جميع المقربين للامام الشيرازي كيف كان يحضر ويواسي مصائب معارضيه، ويحضر مجالس عزاءهم، ويتفقد أحوالهم ويهم إلى مساعدتهم.

كما هو الحال أيضا حتى تعامله مع الشيوعيين، حيث يروى إن أحد الشيوعيين هدده بالقتل، فما كان رده ابلغ ما يكون حيث قال له "إني أسير منفردا كل يوم على شاطئ الحسينية يومياً، في الساعة كذا ساعة وتستطيع أن تقتلني هناك"، وكان صادقا في كل كلمة قالها.

من تلك الحادثة نستشف إن تعامل الإمام الشيرازي مع معارضيه كان مقابله الإساءة بالإحسان، والدفع بالتي هي أحسن، ومحاولة امتصاص غضب الآخرين واستيعابهم في نطاق نظرية اللاعنف والحوار والتسامح.

* ما هي أسباب هجرة الإمام المجدد من كربلاء ومتى كان ذلك؟

بدءا لابد من الإشارة إلى كون هجرة الإمام الراحل من كربلاء كانت بمثابة خسارة للعراقيين جميعا، وليس لأهالي كربلاء وحدهم، سيما إننا خسرنا ما لم يكن بالاستطاعة الاستعاضة به، لان العراق خسر نتاجا وفكرا وإشعاعا اجتماعي وتنويريا بعد مغادرته (قدس).

لقد تعرض والإمام الشيرازي وعائلته إلى عنف وإكراه شديدين من قبل الحكومة بعد تولي البعثيين مقاليد السلطة، حتى إن السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) تعرض إلى الاعتقال والتعذيب في السجون، مما اضطره (قدس) إلى مغادرة العراق مكرها عام 1970.

حيث يقول الإمام الراحل، (لقد تركت العراق متوجهاً إلى الحدود السورية العراقية خائفاً أترقب).

فلو بقي سماحته في العراق لكان مصيره الاغتيال على يد الطغمة البعثية الفاسدة، كما تم اغتيال أخيه السيد حسن الشيرازي (رحمه).

* ماذا كان دور الإمام المجدد في الكويت وخاصة عند قدومه؟

عكف الإمام الشيرازي بعدما استقر به الحال في الكويت، على التركيز في جانبين مهمين هناك.

الجانب الأول تمثل في ترسيخ علوم وثقافة آل البيت عليهم السلام عن طريق تأسيس منظمات المجتمع المدني بمختلف نشاطاتها، وتحفيز الأهالي على بناء المؤسسات الثقافية والدينية والخيرية، إلى جانب حث المجتمع الكويتي على بناء الحسينيات والمساجد، وإطلاق النشرات والمجلات التثقيفية والتوعوية.

وقد قطع الإمام الراحل أشواطا ناجحة في هذا المضمار، حتى باتت المؤسسات الشيرازية الكويتية من اكبر وأكثر الهيئات الاجتماعية نجاحا ونشاطا تعدى مستواها المحلي والإقليمي.

أما الجانب الثاني تمثل بنشاطه الإصلاحي، حيث كان الإمام الشيرازي غالبا ما يمارس دور الوسيط لحل مشاكل والإشكالات التي كانت تقع بين أبناء أو طوائف المجتمع الكويتي، إن كانت مع السلطة أو بين طوائف المجتمع نفسها.

فكانت شخصيته (قدس) إحدى ابرز الشخصيات قبولا واستحسانا في الأوساط الكويتية، نظرا لما كان يتصف به من دماثة خلق وعذب منطق وعدل لطيف.

حوار/ محمد حميد الصواف