29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008
من ارض المحبة والسلام، ارض الشهادة والدم القاني وقبلة الاحرار والمدافعين عن الحق، من ارض سيد الشهداء نهديكم اجمل تحياتنا وتمنياتنا لكم بدوام الصحة والعافية والنجاح المستمر.. ومن أجل التواصل مع الإدباء والمثقفين العراقيين المغتربين الذين وضعوا بصماتهم في الحركة الأدبية داخل العراق وخارجه، كان لنا مع الشاعر والكاتب المبدع بهاء الدين البطاح هذا اللقاء عبر الانترنت.
يتشرف موقع مؤسسة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) ان يستضيفكم في باب ضيف وحوار ولو كان ذلك من بعيد المسافة الكبيرة التي تفصلنا عنكم لن تكون عائقا بيننا ما دامت لكم في القلب محبة واحترام وتقدير نفتخر بحملها عنكم... فمن بوابة القلب وعبرها نتقدم اليكم ببعض الاسئلة راجين الاجابة عنها مع خالص تمنياتنا وشكرنا وتقديرنا لكم.
^1 كيف يمكن لنا تقديم التجربة الشعرية الخاصة بالشاعر بهاء الدين البطاح لقراءه وما هي اهم مميزاتها؟^/1
بسم الله الرحمن الرحيم.
لا أدري إذا ما كان ينبغي فهم السؤال على ظاهره، أم أنه يقتضي التأويل.
أما على التقدير الأول ؛ فإن الشاعر لا يمكنه أن يعطي مبادئ ذلك لكي يعتمدها الآخرون في تقييم تجربته، كذلك فإن الشاعر لا يصح أن يقوم هو بنفسه بتقييم تجربته الشعرية، وإذا فعل فإن مثل هذا التقييم سوف لن يأتي صائباً بل ربما لا يكون حقيقياً أصلاً.
أما على التقدير الثاني (تأويل السؤال) فإن تقييم تجربة الشاعر تقتضي أن يقوم بها غيره من أصحاب التخصص بهذا المجال.
على أني هنا سوف أقترح بعض المبادئ العامة التي تساعد، بل ربما تكون ضمن الأُسس التي تستند إليها عملية تقييم تجربة الشاعر ومنها:
1- ثقافة الشاعر: فإذا كانت ثقافة الشاعر تشكل نسبة 10% ومستوى شعره 10% أيضاً حينها يمكن القول أن شعره راقي بالقياس الى مستوى ثقافته، أما إذا كانت نسبة ثقافته 10% ومستوى شعره 5% فحينها يحق لنا القول أن شاعريته ضعيفة بالقياس الى نسبة ثقافته، وربما يكون السبب في ذلك الموهبة التي تحرك نشاطه الشعري، ذلك لأن الموهبة الشعرية ليست بمستوى واحد عند كل الشعراء وهي درجات فربما ارتفعت نسبتها عند بعضهم وربما انخفضت عن البعض وهكذا، ويدخل ضمن ذلك سقل الموهبة وتقويتها وتعاهدها وتشذيبها.
2- النظر في البيئة التي يترعرع فيها الشاعر ونوعية الثقافات السائدة المتاحة فيها واستطاعته منها،وكذلك العادات والتقاليد الإجتماعية وطبيعة السلطة الحاكمة والقوانين السائدة وما إليه.
3- النظر في نفسية الشاعر: نعني الملابسات النفسية للشاعر فيما إذا كان انعزالياً، مزاجياً، انفتاحياً، عصبياً، غضوباً، سوداوياً، متفائلاً، متشائماً، مكتئباً، منغلقاً، عدائياً، مسالماً، صبوراً، جزوعاً في عمله ونشاطاته وسلوكه، جدوائيا، يائساً من جدوائية نشاطه.
كل ذلك ينطبق في ذاته أو في تعامله مع نشاطه، كما يدخل في نظرته ورؤيته للمظاهر المختلفة التي تدخل أو يكمن أن تدخل في نشاطه وانجازاته الشعرية.
4- النظر في العنصر الوراثي والتأثيرات الجينية الفاعلة في التكوين الوراثي للشاعر لأنها تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال وتدخل أساساً معتمداً في محاولة تقييم الشاعر.
5- النظر في ايديولوجيا الشاعر فإنها تؤثر في كثير من الأحيان في حركته الثقافية والتصورية والفلسفية التي ربما تنسحب على تناوله الشعري.
إن حيادية الشاعر هنا تكون شبه مستحيلة أو على الأقل تكون بالغة الصعوبة، فإذا عاكس بعضها مع إيمانه بها لضرورة تجربة معينة فهو بهذا يُعدّ عبقرياً.
الى هنا ننتهي من اقتراح بعض الأُسس التي تدخل كموازين لتقييم تجربة الشاعر.
أما الذي يقوم بتقييم تجربة الشاعر فينبغي أن يتوفر على أُمور، منها:
1- التمكن من صنعته علمياً
2- التجرد من ميولاته وانطباعاته الشخصية وأحكامه المرتجلة المستندة الى نظرته الشخصية.
3- عدم الخلط بين ايدلوجيا الشاعر وبين مقدرته الشعرية، وكذلك لا ينبغي الخلط بين موهبة ومقدرة الشاعر وبين أخلاقه، سلوكه، مذهبه، دينه، وغير ذلك، فهو بصدد تقييم ودراسة تجربة شاعرية الشاعر وليس بصدد تقييم ودراسة شخصية الشاعر.
4- بعض المبادئ النقدية جامدة، تأتي بمثابة عنوان عريض يعتمده الناقد في دراساته وقراءاته النقدية؛ كالنظر في الصورة الشعرية، عدماً ووجوداً ضعفاً وقوةً جديدة أم مكرورة وهكذا.
^*1الأصل في إرادة خالق الشئ هو ما ينبغي مناصرته فإنْ أراد الخالق الحرية لذلك المخلوق فينبغي الحكم بحكمه^*/1
5- ونحن نرى أن على الناقد أن لا يقف عند هذه المبادئ الجامدة لأن الشعر متغير متطور يتخذ أشكالاً متعددة ربما لا تقف عند حد طالما مظاهر الحياة والتجارب الشعورية لا تقف عند حد وطالما الحركة الإبداعية لا تقف عند حد وطالما اللغة ذاتها قابلة للإستيعاب المفرداتي والتحويلي والتصحيفي والدلالي والإصطلاحي وغير ذلك، من هنا فإن على الناقد أن لا يقف عند تلك المبادئ النقدية الجامدة، ففي حالة الصورة فإنه يقتضي على الناقد أن يقرر وجود صورة مسبقاً وإنْ لم تبدو له من أول وهلة، وعليه أن يجتهد في البحث عنها والوقوف عليها، لأن المفردة أو المفردات التي تكوّن الجملة لا تخلو من صورة تتبادر الى الذهن ولكنها أحياناً تكون تحت حجاب لأسباب مختلفة.
إذا كانت ثقافة الشاعر تشكل نسبة 10% ومستوى شعره 10% أيضاً حينها يمكن القول أن شعره راقي بالقياس الى مستوى ثقافته.
^1 كتاب المرأة بين التحرير والاسترقاق..هو بحث حول المرأة فهل انت من المناصرين لقضية تحرير المرأة وما هي الموازيين والمبادئ التي اعتمدت عليها في هذه القضية؟^/1
لا أدري إذا ما كان السؤال انطلق عن محتويات الطبعة الأُولى أو الطبعة الثانية ففي الطبعة الثانية تجد الإجابة على هذا السؤال.
ومع ذلك أقول: إن الأصل في إرادة خالق الشئ هو ما ينبغي مناصرته فإنْ أراد الخالق الحرية لذلك المخلوق فينبغي الحكم بحكمه والنـزول عند إرادته ومناصرة تحققه.
أنا لستُ مناصراً لتحرير المرأة، وإنما أنا مع إرادة الخالق التكوينية في هذا المخلوق، ولقد ورد تأكيد حرية المرأة في القرآن بآيات عديدة لعل من أهمها هو مخاطبة الله للإنسان، فإن مفردة إنسان تشمل الذكر والأُنثى على السواء ولا يجوز في اللغة العربية أن نطلق مفردة إنسانة على المرأة فهذا خطأ لغوي، فلا يُقال هي إنسانة نادرة، وإنما يُقال هي إنسان نادر، ويقال هي امرأة نادرة.
من هنا فإن أي خطاب نجده في القرآن يُعنى بالانسان فهو يشمل المرأة والرجل معاً، وعليه فإذا ورد في القرآن مثلاً: أيها الإنسان أنت تملك حرية الإختيار فإن هذا الخطاب يعني ويتوجه الى المرأة والرجل معاً.
وكذلك الحال في مفردة: أيها الناس، ويا بني آدم وسواها.
من هنا فإن تحرير المرأة لا يتوقف على مناصرة الآخرين، بل ينبغي على هؤلاء أن يتنحوا جانباً لتأخذ قوانين النشأة مجالها وحركتها الطبيعية.
ثم هل المرأة مستعبدة فعلاً لكي أكون في صف المناصرين لتحريرها؟
أليس هذا يتوقف على مفهوم تحرير المرأة ودلالته عند دعاة تحرير المرأة.
إن مفهوم مفردة تحرير المرأة عند هؤلاء هو مفهوم عكسي يريدون به التضليل، فدعوة المرأة للعمل خارج البيت بطريقة شبه قسرية تتم عبر التضليل بحجة أن لبوثها في البيت دون ممارسة العمل خارج البيت هو بمثابة استعباد، إن هذا الكلام هو استعباد بحد ذاته، أعني أن هذا الفعل إنما يراد به الإستعباد بينما اتخذ غطاءً من مفردة التحرير للتسويغ.
^*1إذا كانت ثقافة الشاعر تشكل نسبة 10% ومستوى شعره 10% أيضاً حينها يمكن القول أن شعره راقي بالقياس الى مستوى ثقافته^*/1
بهذا الإيحاء الكيدي يتم تضليل المرأة فيصير عندها اعتقاد بذلك وتتمسك به ولا تلتفت بأن هذا الأمر تم فرضه عليها عبر التضليل فأفقدها حريتها في الاختيار بين العمل وبين تركه وأجبرت نفسها على اتجاه واحد وهو خيار العمل خارج البيت.
إن مفهوم حرية المرأة هو أن تمارس خياراتها التي يضمنها لها الحق الإنساني، ونضيف على ذلك أن الحرية الفردية ليست ثابتة وليست متشاكلة فهي متعلقة بالخصائص فإذا تغيرت الخصائص تغيرت، وسواء في ذلك المرأة والرجل.
والخلاصة: أنا لستُ مع دعاة تحرير المرأة من حريتها في الإختيار، فإذا كان هناك أمامها طريقان ساقوها الى واحد منها عبر وسائل تضليلية تصوره على أنه هو طريق تحريرها، وصوروا لها الطريق الثاني على أنه استعباد.
كما اني لستُ مع اضطهاد المرأة من قبل زوجها أو أبيها أو أي شخص يقوم بمقام ولي أمر لها، وهذا ما ورد بدلائل شرعية تفصيلية في الفصل الثالث من الكتاب المشار إليه في طبعته الثانية.
^1 الظهور المقدس..كتاب كان فيه النبض الشعري واضحا في الكثير من مقاطعه الا انك كنت تترجل عن صهوة الشعر الى ناحية النثر لماذا؟^/1
كتاب الظهور المقدس ليس ديوان شعر أو كتاب نثر أو سجع أو غيرذلك.
كتاب الظهور المقدس هو نص مفتوح، سفر شامل، حرص فيه الإلهام على تناول فنون كلام ودلالات منها ما هو موجود في كلام العرب ومنه ما لم يكن فهو يشبه الابتكار إذا لم نقل ابتكار.
والظهور المقدس تم إنجازه خلال أكثر من سنة وكان يأتي بما يشبه الإلهام نجوماً ومقاطع فكيفما كان يريد أن يكون كان، دون تدخل مني إلا في بعض التشذيبات الصياغية التي عادة ما كانت تحتوي على أسرار مثل سر البدء بكلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) عمودياً، و(بسم ذاتي إنني في أخمص ذاتي) أُفقياً، إذ بهذا تتشكل الزاوية القائمة التي يكمن فيها الصراع بين الأنا العليا وبين واجب الوجود.
بهذا ممكن لي أن أتدخل في تشذيب بعض الصياغات، كذلك هو الحال في سر (صلخملا يدهملا يف) العمودية وكان بالإمكان كتابتها أُفقياً ولكنها إذا كُتبت أُفقياً فقدت بذلك سرها. وكذلك في (فارتقب) وغيرها الكثير.
والخلاصة: لم يكن هم الظهور المقدس أن يكون شعراً أو نثراً وإنما المراد فيه أن لا يفقد المعنى جوهره، فإن فيه النثر إذا تحول شعراً خرج بذلك عن مدلولاته وأن فيه الشعر إذا تحول الى نثر فقد إيحاءاته.
الناقد المتخصص في تحليل النص البروفسور الدكتور عبد الإله الصائغ قال: إن للعرب أربعة فنون في الكلام:
قرآن، شعر، سجع، نثر.
وأكمل قائلاً: أما الظهور المقدس فلا يندرج تحت أي عنوان من العناوين الأربعة من فنون الكلام عند العرب، وينبغي أن نبتكر له عنواناً خامساً ليكون فناً خامساً من فنون الكلام عند العرب. إ.هـ
^1 لقد كانت لكم تجربتكم في مجال المسرح تاليفا واخراجا وتمثيلا..وحسب معرفتي فقد كان المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي قدس سره يدعم جهودكم في هذا المجال فهل لك ان تحدثنا عن هذه التجربة؟^/1
لم تكن هذه تجربة، بل كانت رسالة حرص السيد على رعايتها حرصاً شديداً لإيمانه بأنها وسيلة من سنخ الغاية، كان (ق) على بصيرة واسعة ودراية عميقة بأن هذه الوسيلة هي وسيلة تتوفر على مؤثرات فائقة التأثير في الإستجابات لدى الإنسان.
كان يقول مثلاً: إن بهذه الوسيلة خرجت فرنسا من العصور المظلمة، وساق حينها أمثلة تأريخية ومعاصرة كثيرة بجانبيها السلبي والإيجابي، وكان يُرجع ذلك السلبي والإيجابي الى كيفية ونوعية استغلال هذه الوسيلة.
ودليل شدة اهتمامه بهذه الوسيلة التبليغية الإعلامية أنه كان يدعمنا مالياً بما يغطي كل نفقاتنا، وكانت نفقات نشاطاتنا ضخمة جداً، ولكن مع ذلك كان يدعمنا بكل كرم ويؤكد فيما إذا كان هذا الدعم المالي كافياً أو لا وكان يقول إذا كان قليلاً فسوف نزيدكم لكي تكون أعمالكم بالمستوى المطلوب، ولكي لا نهبط بهذا الفن فتهبط معه المادة التي يتم تقديمها من خلاله. ^*1كتاب الظهور المقدس هو نص مفتوح، سفر شامل، حرص فيه الإلهام على تناول فنون كلام^*/1
وكذلك معنوياً حيث كان يحرص على متابعة نتاجاتنا بنفسه من مسرح وإنشاد ثم يحرص كل الحرص بعد ذلك على أن نلتقيه ليحدثنا بشأنها تفصيلياً ويبدي ملاحظاته وارشادته التي كانت تنم عن اضطلاعه بمثل هذه الفنون حتى إني كنت أقول في نفسي أنه رحمه الله لابد من أنه درس هذه الفنون عن كثب فكأنه محيط تمام الإحاطة بمناهج أكاديمية الفنون الجميلة، بل تاريخ هذه الفنون ومدارسها ومذاهبها وما إليه.
ومن أهم تلك التوجيهات التي اقتديتها أنا في كل نشاطاتي حتى هذه الساعة هو ذلك التوجيه الذي قال فيه لا تهدروا كل جهودكم على أعمال محلية أو آنية، فلتكن أعمالكم تأخذ طابعاً إنسانياً (عالمياً) ولتكن طويلة العمر ولا تموت بموت الحدث، أنتم الآن مثلاً تقدمون أعمالاً عن العراق ومظالم صدام الشخصية وتدعون الى اسقاطه وإقامة حكومة عادلة، ولكن اعلموا أن صدام سوف ينتهي وبذلك ينتهي تأثير العمل الذي عملتموه بشأنه ويموت عملكم وتموت جهودكم معه.
ولقد قال بهذا الصدد نبؤة هزت في وقتها كياني، حيث قال: إن العراق سيقع بيد الإنكليز!!
كان هذا الكلام ما بين سنة 1982-1983
ولقد مرت السنين الطويلة حتى دخل العراق الانكليز والامريكان سنة 2003.. حينها كأن شيئاً استفزني يريد إيقاظي من غفلة ما، وإذا بي أتذكر نبؤة السيد وحينها لا اريد أن اصف ما حدث لي.
المهم دعونا الآن نعود للحديث فلقد كان يؤكد على أن تتخذ اعمالنا طابعاً إنسانياً، وأن نتناول في أعمالنا الهموم التي تشترك بها البشرية كلها، وكان مما يطمح إليه أن تكون نشاطاتنا أكثر انتشاراً، كان يقول: أنتم اعملوا أعمالاً تصويرية ونحن نوصي اخوتنا بتوزيعها الى كل الدول التي يستطيعون.
وكذلك من دلائل شدة اهتمامه هو ارشادنا دائماً بعدم التأطر والتحزب والتكتل، وأن لا نعمل ضمن حزب أو منظمة أو غير ذلك، لأنه كان يؤمن بأن من يمارس مثل هذه المجالات يجب أن يكون مستقلاً لكي لا تكون أعماله تصب في مصب الحزب أو الجهة التي يعمل ضمنها.
كان حريصاً على هذا الجانب وكان يقول بالنص (من أعطاكم دعماً مالياً في سبيل الله فلا ضير في ذلك، ومن أعطاكم يريد بهذا جركم الى حزبه فلا تأمنوا فشل نشاطاتكم).
كان يقول بالنص (سوف يأتيكم الكثير يعرض عليكم مختلف أنواع الدعم فكونوا على حذر لتكون أعمالكم نزيهة وفي سبيل نصرة الإسلام والقيم الإنسانية العليا التي ما جاء الإسلام إلا ليدعو إليها).
وهذا الكلام تحقق فعلاً على ارض الواقع فلقد تقدم إلينا الكثير بعروض دعم مختلفة وإغراءات عديدة، ولا اريد ذكر أسماء تلك المؤسسات، على أني لا بأس أن أذكر منها مثلاً وزارة الإرشاد الإيرانية، والاخ الفاضل (هادي رباني) على علم بهذا الأمر حيث مال أحد اخوتنا الى عروض وزارة الإرشاد فاعترض عليه (هادي رباني) مذكراً إياه بنصيحة السيد (ق). وهادي رباني هو أحد الأخوة الموكلين بنا من طرف السيد (ق).
وهنا بودي أن أذكر حادثة وقعت لي شخصياً مع السيد حيث قمنا مع الأُخْوة بزيارته وكنت حينها قد قمت بكتابة قصيدة مدحية باللغة الدارجة كان مطلعها على ما أذكر:
يامولانا ظلك سالم
عدلك باين حبك قايم
حبك خضّر بينه ورود
ونبقى نحبك حبك دايم
عادل ما ترضه بذلتنا
يا مبشرنا بمهدي القايم
...
ولقد قام حينها بتسجيل الشعر أحد المعنيين بتسجيلات بيت السيد وقد حصلتُ على نسخة منه لازلت لحد هذا اليوم احتفظ بها كما لا زلتُ احتفظ بصورة التقطوها لي أثناء إلقاء هذه القصيدة.
المهم هنا ليس هذا، وإنما المهم هو بعد أن انتهى اللقاء وخرجنا الى باحة المنـزل جاءني أحدهم على أغلب الظن هو الاخ (علي زحل) فقال لي أن السيد يطلبك، ففعلت، فاستقبلني مرة أُخرى بأحسن ما يكون وبابتسامته المعهودة حتى جلسنا فقال:
كانت قصيدتك راقية وكان إلقاءك رائعاً، أنت تمتلك مقدرة فائقة على كتابة الشعر، اكتب شعر محمدي، شعر اسلامي، شعر في القيم الانسانية، واكتب بالفصحى لكي تطبعه.
ماذا فهمت أنا من هذا الكلام؟
فهمت ما يلي:
أولاً لكي لا يكسر بخاطري شكرني على القصيدة حيث كانت مدحاً له، ولكنه لم يقل ذلك باهتمام أبداً، وهذا يعني أنه لم يشجعني على أن اقول قصائد مدحية في حق الأشخاص واسبغ عليهم مسحة التقديس، لأن تقديس الأشخاص ربما يؤدي الى عبادتهم أو على الاقل اتباع الناس لهم فإذا كانوا على ضلال كان من اتبعهم على ضلال (ولقد تعرضت الى ملابسات تقديس الشخصيات في كتاب (الاسقاطات في المبادئ والديانات) طبع دار العلوم 2006 لبنان).
لذلك فإن السيد كان بمثابة من يحذرني ضمنياً من التمادي في تقديس الأشخاص ودليل ذلك أنه قال لي اكتب شعر اسلامي، في القيم الإنسانية، اكتب شعر محمدي (يريد بذلك قيم ومبادئ الرسول).
شكرته على ذلك وأنا راسي مليئة ببحور من التفسيرات لكلماته وابعادها وايحاءاتها وما إليه.
حتى إني عندما انتقل السيد الى جوار ربه رأيت نفسي أريد أن ارثيه بقصيدة عصماء وكتبتُ بعض الأبيات منها، وهي كالتالي:
سأُرثيك دهراً رثائي السَّما***إذا ما تهاوتْ بأنْ تُهدما
فأنتَ المقدَّسُ، عرشُ العُلى***وعرشُ المعارفِ مهما سمى
فقُمْ يا (حسيني) فقُم لا تموت***أيُرضيكَ رِمسكَ أنْ يَلْطُما
أما قد رأيتَ البرايا هَوَتْ***إذا ما هويتَ، أما قد أما
إلى هذا البيت الأخير توقفتُ فجأة عن المواصلة، لأني في هذه الأثناء تذكرتُ نصيحته فخشيت أن تكون قصيدتي تقديسية، لذلك قمتُ بكتابة قصيدة أُخرى اقتصدتُ فيها الى غاية ما أمكن، والقصيدة الثانية هذه منشورة في مجلة النبأ العدد 69 كانون الثاني 2003 وهي موجودة على النت عبر الرابط أدناه:
http://www.annabaa.org/nba69/rohalnqaa.htm
منذ ذلك الحين والى هذه الساعة سلكت في كتاباتي الشعرية وفق توصيته.
وكان من شأن ذلك أن فتح أمامي آفاقاً واسعة جداً ومقدرةً كبيرة ومنحني رؤية إنسانية شاملة فترفعتُ عن ذاتي في كتاباتي وأخذتُ أنظر الى نفسي بمنظار الآية (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) فانطبع ذلك في معظم كتاباتي ومعالجاتي الشعرية لتجربة البشرية الوجودية، وبهذا يكون السيد (ق) هو الذي صنعني لأكون كاتباً إنسانياً متجرداً من ذاتي وأنانيتي.
^1 من خلال لقاءاتكم المتكررة مع الامام الشيرازي الراحل ومعرفتكم باهتماماته في هذا المجال هل لكم ان تحدثنا عن نظرته للمسرح؟^/1
كان السيد على اطلاع واسع بتأريخ المسرح ونشأته حيث كان يقول: إن هذا الفن هو لنا ولكنهم سرقوه منا.
كان يقول: إن المسرح كانت نشأته نشأةً دينية منذ اليونان، حيث كانت المؤسسات الدينية في تلك العصورتستخدمه لأغراض إصلاحية دينية وممارسة طقوس دينية أُخرى، ثم سرقه المفسدون فحولوه الى وسيلة إفساد، فعلينا إستعادته وإرجاعه الى منـزلته النـزيهة.
عندما كنت أسمع هذا الكلام من السيد أقول في نفسي: أنا أعرف ذلك باعتبار ان هذا المجال هو من اهتماماتي وقد قرأت فيه الكثير، فما بال السيد (ق) وهو رجل دين ومرجع ما الذي دفعه الى الإلمام بكل هذه التفاصيل التي لا يعرفها حتى المشتغل في هذا المجال!!
كان السيد يعرف جيداً ويؤكد لنا دائماً بأن هذا الفن يحتاج الى مساحة حرة واسعة وبغير ذلك فسوف لن يؤتي ثماره ولا ينقل للناس الرسالة المطلوبة، كان يقول إن المسرح وسيلة إعلامية راقية يجب استغلالها بأحسن ما يكون وبأوسع ما يكون، فابحثوا عن المساحات الواسعة والتي توفر لكم حرية الحركة لكي لا يتحجم مسرحكم بمواضيعه، وكونوا معه أحراراً فإن المسرح هو منصة الأحرار.
والكلام في ذلك يطول وربما ليس هذا محله.
إن كل ما ذكرتُه هنا هو عبارة عن مقتضبات مبتسرة، أما الذي ذكرته ببعض التفصيل فإن هذا بحافز من الأمانة التأريخية والمعرفية وحق العالم على الناس.
^1 لقد عرفنا ان لكم اهتمامات كثيرة في مجال التاليف والشعر والمسرح وغيرها كيف تستطيع الموازنة بين كل هذه الاهتمامات؟^/1
إذا أنا سألتُ نفسي هذا السؤال فسوف أجيب بما يلي:
إذا كنتُ فعلاً على ما ترون فإنه ليس لي فيه شئ، إنه لله تعالى، وأما إمكانية الموازنة والجمع بين كل ذلك فالأمر ليس إرادياً، لذا فلا فخر لي فيه، وإنما يكون ذلك للرابطة التي تجمعهم وبما يفضي بعضهم الى بعض، ربما.
^1 الفكر الارهابي ومعضلة الاجيال كتاب استعرضت فيه مواقف تاريخية عديدة برأيك هل يمكننا القول ان الارهاب يستند الى خلفية تأريخية؟^/1
نعم يمكن القول أن الإرهاب يستند الى خلفية تاريخية، ومنذ خلق آدم حيث مارس إبليس الإرهاب الفكري والإعتقادي ضد آدم وحواء عبر التضليل، والتضليل هو وجه من وجوه الإرهاب، وبهذا يكون إبليس هو أول من مارس الإرهاب.
ثم عندما ننتقل الى الأرض نرى كيف مارس قابيل عملية الإرهاب بأبشع صورها ضد أخيه هابيل.
وهكذا استمرت هذه الظاهرة في كل العصور ولحقت بجميع المبادئ السماوية منها والوضعية وفي جميع بقاع هذه الارض.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا هذه الظاهرة.
والجواب نجده في القرآن حيث (ونفس وما سواها فألهمها فجورها..)
فالفجور بمعناه الأوسع هو الخروج عن الإتزان والإعتدال، وان أحد مظاهر هذا الفجور هو التطرف، لذلك فلقد ورد النهي عنه في القرآن عبر الآية: (يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم..)
وهذا يدل على أن الغلو في الدين هو ليس من الدين، بل إنه يدخل تحت عنوان (فألهمها فجورها..).
إن الغلو هو مظهر خطير من مظاهر النظرية التفاضلية التي قال بها داروِن بذهابه الى أن البقاء للأقوى والأفضل، وهذا من شأنه أن يؤسس ويخلق شعوراً بالفوقية والأفضلية والإعتقاد بالعرق الأنقى الذي يجب أن يبقى ويجب أن يُباد غيره لأن البقاء يجب أن يكون للأفضل حسب نظرية داروِن.
لقد تسبب هذا الإعتقاد في ممارسة أبشع أنواع الإرهاب، بدءاً من التطهير العرقي وما سواه من إلغاء الآخر الى الإبادات الجماعية المليونية كما حدث لهتلر فاعتقد بأن الجنس الآري هو أنقى الأعراق فجره ذلك الى إبادة أكثر من 41 مليون إنسان من البشرية في الحرب العالمية الثانية.
على هذا فإن الغلو هو مفهوم إفنائي بشع يقوم على أساس المبدأ التفاضلي على حساب إلغاء المبدأ النظائري، ولقد تعرضنا لذلك بشئ من التفصيل في كتابنا (مهزلة الشرائع والقوانين) الذي سيصدر قريباً.