10 ذو القعدة 1437 - 14/08/2016
مرقد يعود تاريخه الى أكثر من 12 قرناً حيث قامت مدينة مشهد المقدسة باستشهاد الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ثامن أئمة الهدى (عليه السلام) في منطقة طوس وتحديداً في قرية «سناباد» ومنذ ذلك الزمن أي سنة 203 للهجرة، اشتهرت هذه المنطقه المقدسة «بمشهد الرضا».
وشيئاً فشيئاً تجمعت واعتكفت مجموعات حول المرقد الرضوي المقدس وتم بناء قلعة محصنة تحيط بالمرقد هذا في القرن الرابع الهجري. واما في القرن الثامن الهجري، فصارت مدينة مشهد مدينة كبيرة جداً وازدادت رقعتها وازدهرت يوماً بعد يوم نتيجة اقبال الأثرياء الشيعة عليها فاهتموابها وجعلوها نصب أعينهم.
وبعد مضي اثني عشر عاماً على استشهاد الإمام الرضا (عيه السلام) ودفن جثمانه المبارك، شهدت مدينة مشهد كباقي المدن والمناطق في ايران، هجمات وغارات بين حين وآخر حيث حدثت فيها تغييرات مختلفة مذهبياً وثقافياً. وعلى الرغم من أن مدينة مشهد عصفت بها غارات وهجمات متكررة خلال قرون متمادية ولحق بها الدمار الشامل أحياناً، بيد أنها عادت اليها الحياة وتمت اعادة اعمارها بفضل وبركة وجود المرقد المقدس للامام الهمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي تشعشع انواره الجلية كل أرجائها، حتى أصبحت مشهد اليوم من اكبر المدن الدينية العلمية في العالم.
** تم بناء اول حجر للمضجع الشريف للامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من حجر الرخام الذي تصل أبعاده الى 40X30 وقطره 6 سنتيمترات. ويحتفظ به حالياً في المتحف الرئيس التابع للعتبة الرضوية المقدسة. وقد نقشت على هذا الحجر عبارات بالخط الكوفي تتضمن آيات قرآنية واسماء المعصومين وأئمة الهدى (عليه السلام)، ويحظى هذا الحجر بأهمية خاصة نظراً لقدمه ونوع الخط المنقوش به. لقد تم نصب الحجر هذا على المرقد المبارك منذ بدايات القرن السادس الهجري، والتاريخ المؤرخ على الحجر هو عام 516 للهجرة.
مرت الأيام وطرأت على حجر المضجع المقدس تغييرات شتى شملت ارتفاعه وحجمه وحتى شكله إذ تغير شكله المكعب في المراحل اللاحقة الى شكل صندوق.
** وأما الضريح المقدس فهو الآخر شمله التغيير في الحقب الزمنية اللاحقة وتم نصبه بشكله الحالي على المرقد المنور للامام الرضا (عليه السلام)، حيث يضم حجر المرقد والصندوق معاً.
وعلى ما يبدو ان السبب الرئيسي لهذه التغييرات وبما فيها بناء الضريح المقدس الأخير يعود لأمرين: أولاً انه جاء احتراماً واجلالاً واكراماً لهذا الامام الهمام (عليه السلام)، وثانياً زيادة عدد الزوار المحبين المتعطشين لزيارة الامام الرضا (عليه السلام) والمعبرين عن ولائهم وارادتهم ومجبتهم له عليه آلاف التحية والثناء.
** في داخل الحرم الرضوي، كان هناك ثلاثة محاريب يعود تاريخ بنائها الى القرن السابع الهجري ويحتفظ بها حالياً في المتحف الرضوي. هذا ولأبواب الحرم الرضوي المنور قيمة فنية رائعة فضلاً عن أنه تم نصب صناديق وأضرحة مختلفة على المرقد المقدس طوال القرون المتمادية.
في العام 957 للهجرة، أمر الملك الصفوي الشاه طهماسب ببناء صندوق بغطاء ذهبي سميك على مرقد الامام (عليه السلام). وفي المرحلة اللاحقة تم وبأمر من الملك الصفوي الشاه عباس إنشاء صندوق مطلي بالذهب يتضمن آية الكرسي الشريفة وذكر الصلوات على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطيب الطاهرين (عليه السلام) وأشعاراً فارسية بخطي الثلث والنستعليق، ونصب على المرقد المبارك، وان جزءاً منه يحتفظ به حالياً المتحف الرضوي. وفي العام 1379 للهجرة الشمسية (2000 للميلاد) تم نصب ضريح جديد على المرقد المقدس بناءً على تصميم فني تقدم به الفنان الايراني البارع الاستاذ محمود فرتشيان.
** ان المعلم والرمز الأبرز للمرقد الرضوي المقدس هو قبته الذهبية التي تبرز لناظره حتى من الأرجاء البعيدة في مدينة مشهد المقدسة، وكأنها تستقبل التحيات والصلوات المهداة لزوار امامها الامام (عليه السلام) ومجاوريه التي تكاد لا تحصى.
بحسب المؤرخين، ان اول قبة بنيت على المرقد الرضوي المقدس، تم بناؤها بأمر من السلطان سنجر السلجوقي (511-522 للهجرة القمرية) في مطلع القرن السادس الهجري، واستخدم في بنائها القاشاني الرائع، غير أن اللبنة المطلية بالقاشاني على القبة المقدسة حلت محلها الحلة الذهبية في العهد الصفوي وتحديداً أيام حكم الملك الشاه طهماسب. وجراء هجوم الأوزبك على مدينة مشهد وسرقة لبنة القبة المطلية بالذهب، أمر الملك الصفوي الشاه عباس وفي غضون الأعوام 1009 الى 1016 للهجرة، والذي توجه من اصفهان العاصمة الى مدينة مشهد المقدسة مشياً على الأقدام، أمر باعادة إعمار القبة وطلائها بالذهب من جديد.
للمرقد الرضوي المقدس في الوقت الحاضر قبتان: القبة الأولى هي تلك التي قد مضت قرون على إنشائها ويظهر من داخل الحرم، سطحها المقعر والمقرنص، وأما القبة الثانية فهي عبارة عن القبة الحالية التي تم نصبها على القبة الأولى وذلك بأمر من الملك الصفوي الشاه عباس الثاني. يبلغ ارتفاع القبة الذهبية لمرقد الامام الرضا (عليه السلام) من ارضية الحرم الى جزئها المحدب، يبلغ 31 متراً.
تطالعنا في الجزء القديم للعتبة الرضوية المقدسة منارتان: إحداها على مقربة من القبة الذهبية المقدسة والثانية تقابل الأولى وتقوم على الايوان العباسي المسمى (صحن الثورة). كلتا المنارتين مطليتان بالذهب؛ مما يضفي جمالاً وأبهة رائعة على المرقد الرضوي المبارك. وعلى ما يبدو ان المنارة القريبة من القبة الذهبية تم إنشاؤها في الوقت الذي بنيت فيه القبة نفسها، ويرجع تاريخها الى القرن السادس الهجري القمري.
** الايوان الجنوبي او الايوان الذهبي الواقع في الجهة الشمالية لدار الشكر او دار الشرف هو من أحد الطرق التي يتشرف من خلاله الزوار الى داخل الحرم الرضوي. سطح جدران هذا الايوان وسقفه تم بناؤه بالكامل من اللبنة الذهبية، ويتمتع بجمال وعظمة خاصة. يعود تاريخ بناء هذا الايوان الرائع الى السنوات 875 الى 885 للهجرة. وبما أن سطح هذا الايوان تم طلاؤه عام 145 هـ. بأمر من الملك الايراني نادر شاه أفشار، لذا يعرف بالايوان النادري ايضاً. يبلغ ارتفاع الايوان هذا اكثر من 21 متراً.
** الايوان الشمالي او الايوان العباسي هو من المعالم الأثرية المتبقية من عهد حكم الشاه عباس الصفوي ومن هنا جاءت تسميته كذلك بالايوان العباسي. وتقوم على هذا الايوان إحدى المنارتين الذهبيتين للمرقد المقدس، حيث ينسب تاريخ بئائها وكذلك طلاؤها بالذهب الى عهد نادرشاه أفشار. ويصل ارتفاع هذا الايوان والمنارة التي تعلوه من أرضية الصحن، يصل على التوالي الى اكثر من 22 و40 متراً.
** الايوان الغربي او ايوان الساعة الذي، كما ورد في التاريخ، تم بناؤه بأمر من الشاه عباس الصفوي. هذا الايوان في جانبيه مزخرف بالكتيبات والقاشاني المعرق، ويصل ارتفاعه الى اكثر من 24 متراً. تعلو هذا الايوان ساعة كبيرة تؤشر على الزمان بكل وضوح من الجهات الاربع. الأبراج المزدوجة للساعة تعد من اكثر أبنية العتبة الرضوية المقدسة ارتفاعاً، وبامكان كل زائر أو ناظر الى الساعة هذه أن يشاهد أرقامها وعقاربها ويقرأها. هذه الساعة في فواصل زمينة محددة (كل ربع ساعة) ومن خلال دقات مختلفة، تعلن عن الوقت.
** الايوان الشرقي او ايوان النقارة، يقع في شرق صحن الثورة، يتشكل هذا الايوان كالايوان الغربي من ايوانين مختلفين. وقد بني هذا الايوان البالغ ارتفاعه 26 متراً بأمر من الشاه عباس الصفوي. تعلو هذا الايوان بناية النقارة الجميلة، حيث تسترعي انتباه جميع الزوار والسياح اليها. ومن هنا جاءت تسمية هذا الايوان بايوان النقارة ايضاً.
الضرب على الطبول والعزف على الأبواق كانا من التقاليد والطقوس المألوفة في العتبة الرضوية المقدسة منذ زمن بعيد، غير أن جذورها وتاريخ ظهورها باعتبارها سنة دينية لم تتضخ بعد، إلا أن ما ورد في أعمال وكتب المؤرخين والباحثين يشير الى أن العزف على الأبواق والضرب على الطبول كان أمراً مألوفاً خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين وحتى ان مكاناً في الحرم في الماضي كان خصيصاً للضاربين على الطبول والعازفين على الأبواق، وكان هذا المكان (النقارة) يعرف بأنه يعلو باقي المباني والعمارات.
في القرون الماضية، كان الحكام والولاة والأمراء يستخدمون الضاربين على الطبول والعازفين على الأبواق إعلاناً عن سير الموكب الملكي أو وقفته او استدعاء الرعايا وما الى ذلك؛ مما كان يعتبر من علامات عظمة البلاط وقدرته. ولعل هذا السبب هو وراء أن يكون الضرب على الطبول والعزف على الأبواق في العتبة الرضوية المقدسة، أمراً مألوفاً، وذلك لأن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) كان يتمتع بجلال وعظمة ومكانة تفوق الملوك والأمراء والحكام قاطبة، وأداء هذه المراسم (الضرب على الطبول والعزف على الأبواق) ليس إلا شاهداً على أبهة حرمه ومرقده المقدس.
في الوقت الحاضر، يأتي الضرب على الطبول والعزف على الأبواق إيذاناً بقرب انتهاء موعد الصلاة. هذه المراسم تجري طوال السنة، ماعدا شهري المحرم الحرام وصفر وايام العزاء الأخرى، تجري يومياً مرتين: عشر دقائق قبل بزوغ الشمس وغروبها. إضافة الى ذلك، في ليالي الأعياد وأيامها وبعد صلاتي المغرب والعشاء وكذلك موعد رأس السنة الايرانية الجديدة (عيد النوروز) وأسحار شهر رمضان الفضيل والاعلان عن حلول عيد الفطر السعيد، يتم الضرب على الطبول والعزف على الأبواق.
بناية النقارة هي من أجمل أبنية العتبة الرضوية المقدسة ولها طابقان: الطابق العلوي فهو مكان يستقر فيه الضاربون على الطبول والعازفون على الأبواق، واما الطابق الأسفل فهو خصيص لوضع الطبول والأبواق وباقي المستلزمات والاحتفاظ بها. يتكون فريق النقارة من سبعة اشخاص: ثلاثة منهم يضربون على الطبول والأربعة الآخرون ينفخون في الأبواق، مرددين فيها اسم «الرضا» المبارك أو عبارة «المولى الرضا».
** في وسط صحن الثورة، هناك مشربة ماء لها قبة مطلية بالذهب، وتعرف كذلك بمشربة «اسماعيل طلائي» للماء. بنيت هذه المشربة على شكل ثمانية الأضلاع، حيث يرتوى الزوار من ماءها تبركاً. يرى بعض المؤرخين أن مشربة الماء هذه بنيت على يد شخص يدعى «اسماعيل طلايي» وبأمر من الملك نادرشاه أفشار الذي جاء بحجرها الرخامي المتجانس من هرات.