19 ذي القعدة 1429 - 18/11/2008
تجَمع الفرق والمذاهب الإسلامية على حتمية إنتصار قوى الحق والعدالة والسلام في صراعها مع قوى الباطل والظلم والعدوان في نهاية المطاف، وتؤمن بغدٍ يشعُ فيه نور الإسلام على جميع ربوع المعمورة، وتسود فيها القيم الإنسانية سيادة تامة، ويتحقق ظهور المدينة الفاضلة والمجتمع الأمثل.
هذه الفكرة تنطلق أساساً من المفاهيم القرآنية التي تؤكد على حتمية إنتصار رسالة السماء (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)سورة التوبة: الآية33،وحتمية انتصار الصالحين (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)سورة الأنبياء: الآية 105،
وتنطوي أيضاً قبل كل شيء على نظرة تفاؤلية تجاه المسيرة العامة للنظام الطبيعي وتجاه مسيرة التاريخ، وتبعث الأمل في المستقبل، وتزيل كل النظرات التشاؤمية بالنسبة لما تنتظره البشرية في آخر تطلعاتها.
^*1تجَمع الفرق والمذاهب الإسلامية على حتمية إنتصار قوى الحق والعدالة والسلام في صراعها مع قوى الباطل والظلم والعدوان في نهاية المطاف. ^*/1
كثيرة هي الآثار والمراقد التي تعود لأهل البيت (سلام الله عليهم) والتي يتخذها الناس سبلاً ووسائل للتقرب الى الله سبحانه وتعالى بإعتبارهم شفعاء ومصادر الرحمة الإلهية، الإ إن لهذا المكان خصوصية ينفرد بها وهي
العلاقة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو مسجد جمكران الواقع في مدينة قم، هذا المسجد الكبير الذي شهد حدوث كرامات عديدة كحالات شفاء مرضى عجز الطب الحديث عن علاجهم فأصبح اليوم من الأماكن المقدسة ومن مواطن الدعاء والتوسل الى الله سبحانه وتعالى ويجتمع فيها الناس للعبادة وللتوسل بصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لقضاء حوائج الدنيا والآخره وعلى أمل اللقاء به.
^1موقع المسجد^/1
يقع في الجهة الجنوبية من مدينة قم المقدسة يقصده المئات بل الآلاف من المؤمنين من شتى البقاع الإسلامية، ولا سيّما في ليالي الأربعاء من كل أسبوع حيث يقضون فيه أوقاتاً في العبادة والتهجّد والتوسّل بالحجة ابن الحسن العسكري (عليهما السلام) وهو عامر بالعبادة في جميع الأوقات.
^1تأريخ بناءه^/1
يقدر عمر هذا المسجد بألف عام حيث يعود تاريخه إلى القرن الرابع الهجري، وقد ذٌُكرت في كيفيّة تأسيسه قصّة عجيبة ترتبط بالإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولذا نسب المسجد إليه ويعدّ هذا المسجد من العلائم البارزة لهذه المدينة المقدسة،ومن النادر جدّاً أن يزور شخص مدينة قم ويغفل عن زيارة هذا المسجد والصّلاة فيه.
ومنذ أن أسّس هذا المسجد وإلى يومنا هذا ولا زال المؤمنون يتوافدون على هذا المسجد وحداناً وأفواجاً، ويبتهلون إلى الله تعالى ويتوسلون بوليّه الحجة ابن الحسن (عليهما السلام) في مختلف شؤونهم وقضاياهم، والدعاء بتعجيل الفرج.
وقد اتسعت رقعة هذا المسجد بعد أن كانت مساحته صغيرة، حتى أصبح يتسع لآلاف المصلّين وقد خصّص قسم منه للنساء، وتشرف عليه هيئة خاصّة تدير شؤونه ولوازمه وسائر مرافقه.
^1الدعاء في المسجد^/1
تجدُ في كلّ ليلة أربعاء من كل أسبوع ازدحام الزّائرين من سائر المدن لزيارة حرم السيدة المعصومة (سلام الله عليها) ومسجد جمكران وبعض المزارات الأخرى وذلك نظير لما كان يجري في الكوفة حيث مسجد السّهلة فقد دأب الصّالحون وأهل العبادة على قضاء هذه الليلة من كلّ أسبوع في مسجد السّهلة للصلاة والتهجد والابتهال، وكانت ألطاف الله تعالى وعناياته تغمر بعض هؤلاء فيحظون بالكرامة الخاصّة وقضاء الحوائج و إستجابة الدعوات.
^*1أتسعت رُقعة المسجد بعد أن كانت مساحته صغيرة حتى أصبح يتسع لآلاف المصلّين. ^*/1
ذكر السيد ابن طاووس في أعمال مسجد السّهلة ذلك، فقال: إذا أردت أن تمضي إلى السّهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء، وهو أفضل من غيره من الأوقات.
فلعلّ اختيار زيارة مسجد جمكران في ليلة الأربعاء والصلاة فيه بمقتضى المناسبة بين المسجدين حيث التوسّل بالإمام الحجّة ابن الحسن صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
^1قصة بناء المسجد^/1
وأمّا قصّة بناء هذا المسجد وما رافقها من أحداث فهي كما في الحكاية الثامنة من كتاب جنّة المأوى، قال: في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمّي من كتاب مؤنس الحزين في معرفة الحقّ واليقين من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية:
سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام (عليه السلام) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصّالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنّه يدعوك.
قال: فقمت وتعبّأت وتهيّأت، فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: هو ما كان قميصك، فتركته وأخذت سراويلي فنودي: ليس ذلك منك فخذ سراويلك، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: الباب مفتوح.
فلمّا جئت إلى الباب رأيت قوماً من الأكابر فسلّمت عليهم فردّوا ورحّبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع المسجد الآن، فلمّا أمعنت النّظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكئاً عليها، وبين يديه شيخ وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلاً يصلّون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام)، فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام) ودعاني الإمام (عليه السلام) باسمين وقال: اذهب إلى حسن بن مسلم وقل له: إنّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخرّبها، زرعت خمس سنين والعام أيضاً أنت على حالك من الزّراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها، وعليك ردّ ما انتفعت به من غلاّت هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إنّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرّفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابّين فلم تنتبه من غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.
قال حسن بن مثلة: قلت: يا سيدي لابدّ لي في ذلك من علامة، فإنّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجّة عليه، ولا يصدّقون قولي، قال: إنا سنعلم هناك، فاذهب وبلّغ رسالتنا، واذهب إلى السيد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ويتمّ ما نقص من غلّة رهق ملكنا بناحية اردهال ويتم المسجد وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلّته كلّ عام ويصرف إلى عمارته.
^*1يجتمع الناس في مسجد جمكران للعبادة والتوسل بصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لقضاء حوائج الدنيا والآخره وعلى أمل اللقاء به. ^*/1
وقل للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزّروه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحيّة في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة وسورة الإخلاص سبع مرّات، ويسّبح في الركوع والسجود سبع مرّات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّره مائة مرّة، ثم يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرات، فإذا أتمّ الصلاة يهلّل ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبي وآله مائة مرة، ثم قال (عليه السلام) ما هذه حكاية لفظه: (فمن صلاّها فكأنّما صلّى في البيت العتيق).
قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأنّ هذا موضع أنت تزعم أنّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد، فأشار ذلك الفتى إليّ أن اذهب.
فرجعت فلمّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: إنّ في قطيع جعفر الكاشاني الرّاعي معزّاً يجب أن تشتريه، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجيء به إلى هذا الموضع وتذبحه الليلة الآتية، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم المعز على المرضى ومن به علّة شديدة فإنّ الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق كثير الشّعر وعليه سبع علامات سود وبيض ثلاث على جانب وأربع على جانب سود وبيض كالدّراهم.
فذهبت فأرجعوني ثالثة وقال: تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة وكلاهما يوم مبارك.
قال حسن بن مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل اللّيل متفكّراً حتى أسفر الصبح فأدّيت الفريضة وجئت إلى علي بن المنذر فقصصت عليه الحال فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال: والله إنّ العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أنّ هذه السلاسل والأوتاد هاهنا.
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا، فلمّا وصلنا إلى باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون إنّ السيد أبا الحسن الرّضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم فدخلت عليه الساعة وسلّمت عليه، وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني، ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدّثه، وقال: يا حسن بن مثلة إنّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إنّ رجلاً من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدوّ ولتصدّقن ما يقول، واعتمد على قوله، فإنّ قوله قولنا، فلا تردّن عليه قوله، فانتبهت من رقدتي وكنت أنتظرك الآن.
فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتسرج، وتخرّجوا فركبوا، فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الرّاعي وله قطيع على جانب الطريق، فدخل حسن بن مثلة بين القطيع وكان ذلك المعز خلف القطيع، فأقبل المعز عادياً إلى الحسن بن مثلة، فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الرّاعي ويأتي به فأقسم جعفر الرّاعي أنى ما رأيت هذا المعز قطّ، ولم يكن في قطيعي إلا أنّي رأيته، وكلّما أريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم. فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه.
وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع وأحضروا الحسن بن مسلم واستردّوا منه الغلاّت، وجاءوا بغلاّت رهق وسقفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسّلاسل والأوتاد وأودعها في بيته، فكان يأتي المرضى والمعلولون ويمسّون أبدانهم بالسّلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلاً ويصحّون.
قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرّضا في المحلّة المدعوة بموسويّان من بلدة قم فمرض ـ بعد وفاته ـ ولد له فدخل بيته وفتح الصّندوق الذي فيه السّلاسل والأوتاد فلم يجدها.
ثم قال المحدّث النوري: وقد نقلنا الخبر السابق من خطّ السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري عن مجموعة نقله منه، ولكنّه كان بالفارسية فنقلناه ثانياً إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع.
^*1من النادر جدّاً أن يزور شخص مدينة قم ويغفل عن زيارة هذا المسجد والصّلاة فيه. ^*/1
ولا يخفى أنّ كلمة التسعين الواقعة في صدر الخبر بالمثنّاة فوق ثم السين المهملة كانت في الأصل سبعين مقدّم المهملة على الموحّدة واشتبه على الناسخ لأنّ وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين، ولذا نرى جمعاً من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السّبعين بتقديم السين أو التاء حذراً عن التصحيف والتحريف، والله تعالى هو العالم.
هذا ما ذكر في قصّة بناء هذا المسجد، وظاهراً أنّها في اليقظة لا في المنام.
وعلى أي حال فالحكاية المذكورة وإن لم تكن حجة شرعيّة، ليثبت بها استحباب الصّلاة المذكورة بالكيفية الخاصة إلا أنه يقال بثبوته بعنوان آخر وهو كونه من صغريات قاعدة التسامح في أدلّة السنن، والتي تناولها العلماء بالدراسة في علم الأصول على اختلاف بينهم في توجيهها.
مضافاً إلى أن أصل القضية أمر مسلّم عند علماء الشيعة، حيث تلقّوه بالقبول، وتسالموا عليه، وقد ذهب بعض الأجلاّء منهم إلى أنّ ما اتفقت سيرة الشيعة عليه والتزموا به لا يحتاج إلى دليل.
ويؤيّد ذلك: ما يشاهده المؤمنون ويلمسونه من آثار العبادة والتوسّل في هذا المكان المبارك، الأمر الذي يكشف عن صحة هذه القضيّة وواقعيّتها والحاصل: أنّ هذه البقعة لا تخرج عن كونها مسجداً من المساجد العامرة بالعبادة، وموطناً من مواطن الدعاء والتوسل بصاحب الزمان (عليه السلام) وردت فيها هذه الخصوصيّة وظهرت لها آثار جليلة كثيرة.