23 جمادى الأولى 1432 - 27/04/2011
عبد الواحد ناصر البحراني
لم يكن سهلاً على الولايات المتحدة الأمريكية رحيل نظام حسني مبارك وقبله بن علي. فهما حلفاء أساسيين لمصالح أمريكا في المنطقة. لكن حجم الثورة الشعبية التي اندلعت في كل من البلدين والزخم الإعلامي الذي ترافق معها أجبر الولايات المتحدة على الانصياع إلى حجم الضغوطات الداخلية والدولية لمساعدة الشعوب للتخلص من الأنظمة القامعة لها. وما يجري في ليبيا أيضاً ما هو إلا تبعات لهذه الضغوط بالإضافة إلى مصالح الغرب في التخلص من نظام القذافي الذي لطالما اتهم بدعمه للإرهاب والحركات المعادية.
وحالياً فإننا نشهد ذات الدعم الغربي للتحركات الشعبية في سوريا ومطالبات بعدم استخدام العنف والتلويح بلغة دبلوماسية بإجراءات أكثر صرامة. وكذلك هو الوضع بالنسبة لليمن الذي وإن كان هناك نقل مباشر أحياناً لما يجري فيه من قتل للأبرياء من قبل نظام علي عبد الله صالح إلا أن التحرك الدولي بطيء نسبياً، بل أقحم فيه دول مجلس التعاون الخليجي وذلك لمصالح تتعلق بالنظام السعودي ذاته وخاصة المخاوف المتعلقة بالحوثيين أو بعض المتطرفين كالقاعدة.
أما ما يجري في البحرين فعلى الرغم من أنه مشابه تماماً لما يجري في أي بلد عربي من خروج لتظاهرات سلمية والقمع المسلح من قبل السلطة الحاكمة إلا أننا نشهد تعتيماً إعلامياً عربياً كبيراً قد يصل إلى حد التواطؤ.
ويقابل هذا الصمت الإعلامي العربي صمت حكومي غربي يتفق مع مصالح الغرب والولايات المتحدة الأمريكية مع النظام البحريني ويتعارض مع ما ينشره الإعلام الغربي عن جرائم وفظائع بحق الشعب الأعزل هناك.
فالقنوات الغربية تنشر في تقارير شبه يومية أخباراً وصوراً عن أعمال قتل وقمع وتعذيب واعتقالات ودهم وهدم لمساجد واستفزازات وتخريب لممتلكات عامة. وهذا كله يترافق مع مقالات لعديد من الصحفيين الغربيين عن سر الصمت الحكومي الغربي تجاه ما يجري في البحرين وعن تعارض هذا الصمت الغربي من قبل الحكومات مع القيم التي تنادي بالحرية ودعم الشعوب في حق تقرير مصيرها.
والواقع أن الولايات المتحدة استشعرت خطورة هذا الأمر منذ البداية وحاولت أن لا تظهر في صورة المعادي لحرية الشعوب، خاصة وأن إدارة الرئيس أوباما كانت تريد تحسين صورتها في العالم العربي والإسلامي. وهذا ما قامت به في مصر وتونس حيث عملت على تأييد التحرك الشعبي هناك وكأنها راعية لهذا التحرك.
أما في البحرين فقد واجهتها صعوبات جمة. فالبحرين كما هو معروف هي مركز للأسطول الأمريكي الخامس وهي في موقع قريب من إيران التي قد تستغل التغيير القادم في البحرين. لذا فقد تم إرسال وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) في بدايات (الأزمة) للقاء الملك البحريني وولي عهده للحديث عن إمكانية التحول إلى الملكية الدستورية التي طالبت بها المعارضة البحرينية منذ زمن وكانت المطلب الرئيسي للتظاهرات لدى انطلاقها.
وقد أبدى الملك وولي عهده رغبة في الحوار مع المعارضين لكن هذه الرغبة اصدمت برفض رئيس الوزراء البحريني (خليفة بن سلمان آل خليفة) عم الملك الحالي (حمد بن عيسى آل خليفة) وطلبه من القوات السعودية المساندة في قمع التظاهرات الشعبية. وذلك في محاولة لسد الباب أما (غيتس)، الذي تجنب منذ البداية زيارة رئيس الوزراء البحريني في رسالة واضحة لرغبة واشنطن في تهدئة الأوضاع. إلا أن (غيتس) وجد نفسه في وضع محرج وبدلاً من أن يسلم رسالة أمريكية فإنه كان قد تسلم رسالة سعودية مفادها أن المملكة ترفض أي محاولة لتغيير نظام الحكم في البحرين أو إعطاء أي دور سياسي يذكر (للشيعة) وقد تمثلت هذه الرسالة بدخول قوات سعودية بغطاء ما يعرف بدرع الجزيرة.
أما عن سبب الرفض السعودي فهو لوأد أي نموذج ملكي دستوري في الخليج لأن ولادة هذا النموذج تعني إمكانية وجوده والعمل به في المملكة العربية السعودية أيضاً. خاصة وأن جزءاً غير قليل من الشعب السعودي المتواجد في المنطقة الشرقية والإحساء هم من السلمين الشيعة أيضاً وهم كانوا ولا يزالون يشعرون بالتهميش ويطالبون بدور سياسي وتمثيل أكبر في دوائر الحكومة.
كما أن المملكة التي أنشأت جسراً بينها وبين البحرين لن تدع سيطرتها على هذه الجزيرة تضعف لصالح قوى (شيعية) بحرينية معارضة تعتبرها مؤيدة لإيران.
هذا الرفض السعودي والتأييد الخليجي الواسع له والخوف من إيران والحفاظ على منابع النفط مستقرة جعل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب برمته يوازن بين مصالحه مع شركائه في المنطقة وقيمه المنادية بالحرية أمام شعوبه.
لكن المراقبين والمحللين السياسيين للأوضاع في الخليج يرون أن آبار النفط هناك وخاصة في السعودية والبحرين تقع على جمر ملتهب. فعلى المدى القصير يستطيع الغرب الاعتماد على حلفائه هناك في قمع معارضيهم. أما على المدى البعيد فإن هذا التقييم هو خاطئ إلى درجة كبيرة. ويبدو أن دروس مصر وتونس لم تستوعب جيداً من قبل الغرب الذي يكرر خطأه الاستراتيجي في الاعتماد على الأنظمة أو التعتيم الإعلامي وتجاهل الشعوب.
فالمعارضة الشعبية في كل من البحرين والسعودية لم تعد مقتصرةً على طائفة بحد ذاتها وإنما تعدتها لتصل إلى الجميع وإلى شرائح غير دينية تطالب بالإصلاح. وهوما يعني أن الأمر ليس إلا مجرد وقت حتى نشهد انفجاراً شعبياً عارماً قد لا تستطيع القوة العسكرية منعه ويكون محرجاً جداً لحكومات العالم الغربي التي لن تعرف كيف ستواجه شعوبها أو صحافتها وما هي المبررات التي سوف تطرحها أمامها.
إن صراع الغرب بين القيم التي بنيت عليها دساتيره والمصالح التي تغذي اقتصاداته، والذي بدا واضحاً في انتفاضة البحرين، لن يبقى محصوراً في البحرين أو الخليج العربي فقط. فالنظام الحاكم في البحرين يصعّد يوماً بعد الآخر من أعمال القمع والاضطهاد ضد الشعب البحريني الأعزل وفي نفس الوقت فإن تقارير الإعلام الغربي التي تفضح هذه الجرائم تشهد تزايداً وكثافة. وعندها لن يكون بمقدور الغرب أن يفسر انحيازه للظالم على حساب المظلوم أياً كان هذا الظالم ومهما بلغ ثراؤه النفطي.