29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008
اشتهر العراق منذ زمن بعيد بصناعة الزوارق وهذه الصناعة كانت مزدهرة في مدينة ميسان (العمارة) والمناطق المجاورة للاهوار كقلعة صالح والكحلاء والمشرح والمجر الكبير والميمونة،لما للزوارق من أهمية بالغة في حياة سكان الاهوار لأنها واسطتهم الوحيدة في التنقل وقضاء حاجاتهم.
ويستخدم في صناعة الزوارق مادة الخشب:وهو ما يستورد من الخارج على شكل الواح طويلة ذات سمك معين وقد يستعمل نوعا اخر من الخشب المحلي وهي اغصان شجر التوت والتي تستعمل في اماكن معينة من هيكل الزورق اضافة الى الجير:وهو القار الذي يستعمل في طلي الزورق من الخارج ويحول دون تسرب المياه داخل الزورق.حيث يتم تثبيتها بواسطة المساميروهذه تستعمل في ربط الخشب مع بعضه وتختلف حجومها حسب الاماكن المراد تثبيتها بواسطتها.//ويقول احد المهتمين بصناعة الزوارق (جاسب زيدان (65 عاما) ان من ابرز مواد البناء والآلات المستخدمة في بناء الزوارق هي:- (الجاكوج والجلابتين والفاس والجف) وهو منشار صغير يستعمل في قطع الاخشاب الصغيرة)..، والمنشار(وهو منشار رفيع وطويل،طوله متر ونصف تربط نهايتاه بخشبتين تقوم كل منهما مقام المقبضين يستعمله رجلان وطريقة استعماله تتم بوضع اللوحة الطويلة المراد شقها الى نصفين على جذع شجرة كبير.يجلس احد رجلين فوق اللوحة ماسكا بيده طرف المنشار في الوقت نفسه يجلس رجل اخر على الارض قبالة الرجل الاول ماسكا بيده طرف المنشار الاخر.
ثم يباشر بالعمل حيث يدفع الرجل الاول المنشار بكلتا يديه يساعده الاخر بسحبه اليه وبتكرار هذه العملية يتم شق اللوحة) كما يستخدم المكفال (وهو عبارة عن قضيب من الحديد القوي تكون احدى نهايتيه عريضة على شكل قرص والنهاية الاخرى مدببة يستعمل المكفال لفصل (الجير) القديم عن الخشب.وتتم هذه العملية بعد اخراج الزورق من الماء وقلبه على الارض حيث يضع النجار (المكفال) في منطقة التقاء القير بالخشب ويضرب علية (بالمطكاكة) الى ان يتم فصل القير الملتصق بالخشب.)كما تستخدم المطكاكة (وهذه عبارة عن خشبة طويلة ومستقيمة وقوية يبلغ طولها نصف ذراع تستعمل في (كفل) القير وتقوم مقام الجاكوج في بعض الاحيان) كما تستخدم سوبج الصكلة (وهذه الخشبة مدببة النهاية من الطرفين يبلغ طولها ذراع واحد تستقطع من الخشب الجيدة، تستعمل في طلي القير وذلك بعد مسحها بالنفط الاسود لكيلا يلتصق القير بها وتتم عملية طلي الزورق بالقير وذلك بمسك (السوبج)من طرفيه ودفعه الى الامام فوق القير ثم سحبه الى الوراء الى يتم تساوي سطح القير كله). واهم مادة تسنخدم في صناعة الزوارق هي الجيروالجير هذا عبارة عن برميل كبير يشق من وسطه ويمد على الارض مكونا صفيحة من (الجينكو) يبلغ طولها محيط البرميل وعرضها ارتفاع البرميل نفسه.بعد ذلك تحفر حفرة مستطيلة الشكل تكون ابعادها نفس ابعاد الصفيحة (أي البرميل المشقوق) ثم يؤتي بالصفيحة وتوضع فوق الحفرة وتثبت بالطين والطابوق مع عمل حافة على الصفيحة لكي تستوعب كميات كثيرة من القير.بعد ذلك يعمل في الحفرة فتحتان احدهما للوقود وتكون كبيرة - ويكون الوقود عادة من القصب والمطال - والفتحة الاخرى صغيرة وعالية لخروج الدخان)..، ومن مواد بناء الزورق هي الكاطوعة:وهذه عبارة عن عمود في نهايته كف عريضة من الخشب اللوح. تستعمل في خلط القير وتحريكه في اثناء ذوبانه. كما انها تستعمل في حمل القير من (الجير) الى (المنكالة). تتكون فيما بعد خشبة على شكل زاوية منفرجة قليلا يكون احد ذراعيها اطول من الاخر.ناخذ (الطابك وهو لوحة طولها (12) ذراعا وعرضها شبر واحد ونضعها على الارض ونضع تحتها (تكوات) لرفعها عن الارض قليلا ثم ناتي بالعطفات حيث ندق عطفتين متقابلتين في وسط (الطابك) قليلا بوضع (تكوات) تحته بعد ذلك نضع (4) عطفات صغيرة تمتد من الوحة الفولاذي حتى العطفات الوسطى من كل جهة. و هنا يبدأ الصانع بـ (ركم) لوحة طويلة تمتد من الطولاني الاول مثبتا اياها على العطفات من الخارج - الى الطولاني الثاني من كل جهة ايضاً. كما تستخدم (المنالة) وهي عبارة عن (طاسة) من الخشب تستعمل لنقل القير من (الجير) الى الزورق المراد طليه بالقير، ثم تملا اللوحتان السابقتان بالعطف من الداخل وعلى مسافة (كف) بين العطفة والاخرى من الجانبين ايضاً.
بعد ذلك نأتي بلوحتين وندقهما على العطفات من الداخل في كل جانب. حتى اذا ما انتهينا من تثبيت اللوحتين. نضع الجسوت (مفردها جست وهي خشبة عرضية يختلف طولها وعرضها حسب عرض الزورق وكبره وفائدة الجسوت هي تربط جانبي الزورق وتقويته ولكي لاتتحرك الجسوت تربط بخشبات تشبه الزوايا المنفرجة تسمى (الكاورات)
مراحل صنع الزورق
وتتم بتهيئة الواح الخشب الطويلة اولا وجذوع واغصان شجر التوت ثانيا لعمل (العطفات) منه(والعطفات مفردها عطفة وهذه عبارة عن خشبة تقطع من شجرة التوت بطريقة تسمى (شرح العطف) حيث بعد تكوين هيكل الزورق الخشبي يقوم الاسطة بملء الفراغات الموجودة في هيكل الزورق وهو مايسمى (بالمداواة) حيث تؤخذ خشبات صغيرة وتحشد في الفتحات وتهذب من الخارج بالفاس لتكون سطحا مستويا. وبعد ذلك يباشر بالعملية الثانية وهي الاخيرة والتي تسمى (الكيار) حيث يبدأ صاحب الزورق بجلب الوقود ويكون عادة من القصب والمطال وهو فضلات الحيوانات ويبدا بشعله مبكرا تحت (الجير) والذي مر ذكره سابقا بعد وضع كميات مناسبة من القير فيه.
واثناء ذلك يقلب الزورق على وجهه بعد وضع (التكوات) تحته وهذه مسندات من الخشب تحول دون تحرك الزورق او سقوطه. وحالما يذوب القير يبدا صاحب الزورق (بالكص) ويتم بواسطة (الكاطوعة) وهي غرافة خشبية. والتي تغمس بين فترة واخرى بقدر مملوء بالنفط الاسود والماء واللذين يحولان دون التصاق القير (بالكاطوعة) على ان يتم نقل القير من احد افراد عائلة صاحب الزورق ايضاً ويكون عادة (بطاسة) مصنوعة من الخشب او (فقه مصنوع من الخوص) تسمى (المنكلة) والتي تمسح في كل مرة - قبل ملئها - بالتراب او الرماد لكيلا يلتصق القير فيها على ان وظيفة الاسطة الصانع تنحصر في هذه العملية لوقوفه قرب الزورق المقلوب ماسكاً بيده (السوبج) ومرتدياً (عباءة من الصوف الاسود ومتمنطقاً بحزام من البردي. عندجما ياتي (الناكول) بالقير يضعه امام الاسطة فوق سطح الزورق. يقوم أي الاسطة (بالكيار) والذي يتم بتغميس السوبج بالنفط الاسود والذي يوضع عادة في اناء قرب الاسطة ثم يبدأ بمسك السوبج وتمشيته فوق القير السائل بطريقة فنية وسريعة وذلك عدة مرات ذهابا وإيابا الى ان يتم تسويته بصورة صحيحة فوق سطح الزوارق كاسياً اياه بطبقة خفيفة من القير يطلق عليها (الثوب) او (السواد) على ان الاسطة يبدا بطلي الزورق بطبقة اخرى من القير تسمى (الكمر) وبعد ان تتم العملية الثانية يقوم صاحب الزورق بطليه بطبقة من (الطين الحري) ثم يستعين بعدد من ابناء قريته لمساعدته لقلب الزورق ومن ثم دفعه الى الماء (تزليجه).
علماً بان عملية صنع الزورق تتم بالقرب من الانهار حيث يعمل لهم اماكن خاصة تسمى (السوابيط) والتي تبنى عادة من القصب و البردي لتقيهم الامطار شتاءا وحرارة الشمس صيفا.
أنواع الزوارق
ويضيف صانع الزوارق (سعدون دايش مريدي 45 عاما) ان انواع الزوارق كثيرة ومختلفة ومنها:-ماطور (.امويطير.ابليم.جليكة).هذه مجموعة من الاسماء تطلق على زورق صغير طوله (7) اذرع وعرضه ذراع واحد على ان العرض يقل حتى يصل الى الشبر في طرفي الزورق. يستعمله سكان الاهوار لصيد الطيور فقط. يتسع لشخص واحد مع بندقيته التي يستعملها في الصيد يصبغ احياناً باللون الابيض ويسير بالغرافة او (الفالة) واثناء مشاهدة الصياد الطيور في مكان قريب يبدأ بالغرف بيده بعد ان يطرح الغرافه جانباً لكي لا يحدث صوتا يخيف الطيور.
2.المشحوف:وهو زورق صغير طوله (9) اذرع وعرضه ذراعان يستعمله سكان الاهوار لجلب الحشيش الى حيواناتهم او الانتقال من مكان الى اخر.ويسير عادة بالمرادي او الغرافة ويتسع لــ (4) اشخاص.
3.طرادة: وهي اطول من المشحوف وتصنع من الواح خفيفة من الخشب تستعمل في صيد السمك والطيور ايضاً كما يستعملها السكان في الاعراس وتسير عادة بالمرادي او الغرافة.
4.بلـم: وهو زورق كبير يبلغ طوله (20)ذراعاً. يستعمل لنقل الشلب يسيره عدد من الاشخاص، وكثيرا ما يسيره شخصان حيث يجلس احدهما في مؤخرة البلم وقد امسك بيده غرافة. والاخر ينزل على الارض وقد ربط على صدره حبلا قد شد طرفه في مقدمة الزورق وذلك لجره بسرعة.
5.الكعدة:زورق كبير يستعمل لنقل الشلب ايضا وكذلك لنقل الاسماك من الاهوار الى المدينة وكثيرا ما يسير بربطه بالزورق البخاري او يقوم بجره عدد من الاشخاص بواسطة الشواريف وهي حبال تربط بالزورق ويضع نهايتها الاخرى على صدور الرجال لسحب الزورق وجره بسرعة ايضا.
6.العانية:وهي سفينة كبيرة جدا تسير بواسطة عدة اشخاص قسم منهم يدفع بالمردي من الجانبين والقسم الاخر يجر السفينة بواسطة الشاروفة اضافة للشراع الذي يفتح في حالة اتفاق الريح ومسرع السفينة كما ان السفينة مزودة بـ(سكان) يحركه شخص الى جهتين يجلس على دفة السفينة والسفن تتجول في اهوار العمارة وهي كثيرا ما تكون محملة بالتمر تاتي من مدينة البصرة وتضع في العمارة.
وبعد هذا الاستعراض التاريخي لصناعة الزوارق..، تشهد صناعة الزوارق الآن ازدهارا كبيرا بعد حملة إعادة الاهوار في الجنوب بعد فترة الجفاف التي عاشتها في ظل النظام السابق حيث تواصل وزارة الموارد المائية العراقية اطلاق كميات المياه إلى مناطق الاهواربغية إعادة تأهيلها من جديد.. حيث يجري التنسيق مع بعض المنظمات الإنسانية لاعادة تنمية مناطق الاهوار على اساس علمي صحيح وهنا يتطلب الاهتمام بتطوير صناعة الزوارق لكي تنسجم مع التطور الذي ستشهده مناطق الاهوار.. اذ ستتحول تلك المناطق إلى أماكن سياحية يؤمها السياح من جميع أنحاء العالم لقضاء أوقات جميلة من النزهة في مناطقها ولهذا فان الزورق سيكون هو الواسطة الوحيدة التي يتم من خلالها التنقل بين أكداس القصب ودخول واستكشاف مجاهيل الاهوار إذ لا تمتلك السفن الصغير المختلفة الدخول في أعماق تلك المناطق.