b4b3b2b1
خراطة الخشب.. صنعة تتحدى الزمن بعمق التراث | سوق الصفافير من عمق التراث العراقي | عشق قديم يكنه الإنسان للأحجار الكريمة | صناعة الزوارق.. تولد من جديد بجنوب العراق | شناشيل الحلة... تراث معماري أصيل وشاهد على التأريخ | الذهب حسب القول المشهور (زينة وخزينة) | السبحة.. جزء لا يتجزأ من التراث الديني | الكاشي الكربلائي.. دلالات روحية وخصائص جمالية | التصوير الشمسي يلتقط أنفاسه الأخيرة |

الذهب حسب القول المشهور (زينة وخزينة)

 

29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008

تطورت الحرف في بلاد الرافدين عبر آلاف السنين وقدم العراقيون القدامى الكثير من الإبتكارات في الكيمياء وعلم المواد قبل إعادة إكتشافها في أوروبا بقرون عديدة فعلى سبيل المثال عثر المنقبون على أول نحاسية سومرية تعود الى حوالي 2500 ق.م مطلية بالفضة بطريقة تماثل طريقة الطلاء الإلكتروني بالخلية الكهربائية وعثروا في عام 1936 على أوان يسميها العراقيون (بستوكة) تعود للعصر الفرثي (248ق.م- 224م) صنعت من الخزف بالقرب من بغداد فيها إسطوانة نحاسية في وسطها قضيب من الحديد عزل بإستعمال القار، وحسب مدير المتحف العراقي يمكن لهذه الأواني توليد تيار كهربائي بإستعمال سائل إلكتروني مثل الخل المصنوع من التمر وإشتهرت هذه اللقى بإسم بطارية بغداد.. غير ان الصاغة المندائيين عرفوا قبل قرون عديدة خلية كهربائية مماثلة إستعملوها في عملية طلاء المعادن الرخيصة كالنحاس بالمعادن الثمينة (الفضة او الذهب) وهي تقنية عرفتها أوروبا لاحقا بعد إكتشاف التيار الكهربائي في 1799 على يد الإيطالي الساندروفولتا. وكان الصائغ صالح عايش (1880-1952) أحد الصاغة المندائيين يستعمل هذه التقنية التي قال أنه أخــذها عن أبيه عايش الذي أخذها عن أبيه عوض.

وبالرغم من تزايد موجة العنف والإرهاب في العراق إلا ان إقبال العراقيين على الحياة مازال مستمرا فالزواج وطقوسه مازالت مستمرة وشغف النساء بالذهب مستمرا أيضا فهو زينة وإدخار لأيام الحاجة كما يقال هنا.. ويكاد لا تخلو أية سوق في أية مدينة في العراق من محل أو عدة محال لبيع وشراء الذهب بمختلف الحلي الذهبية القديمة والجديدة من قلائد وخواتم وأسورة و(تراجي) وأحزمة، يمكن القول ان تجارة الذهب في العراق حافظت على هيبتها خلال العقود الأخيرة حيث ان محال بيع الذهب هي نفسها في مناطقها المعروفة.

وكانت صياغة الذهب في العراق مقتصرة على طائفة الصابئة المندائيين الذين توارثوا هذه المهنة من آبائهم وأجدادهم كما قال أحد الصاغة مضيفاً: أننا نمارس هذه المهنة منذ أكثر من 1500 عام لكن الظروف الاخيرة وتردي الوضع الامني وظهور حالات الخطف والإبتزاز جعلت الكثير منا يغادر العراق، أحد الشباب يقول تجارة الذهب غير خاضعة للخسارة فمثلا إذا كنت تملك كيلوغراماً من الذهب وهبطت الاسعار في السوق او أرتفعت تبقى تملك ذلك الذهب وكذلك فأن تجــــــــارة الذهب لا تخضع لألية السوق المحلية.. وإنما للسوق العالمية والتي تسمى (الأونســــــا).

ولكثرة الطلب على بعض الحلي الذهبية المعينة أطلق العراقيون تسميات خاصة على بعضها فهناك (الباون) و(الستالايت) و(الخارطة) و(البقلاوة) و(الدمعة) أما التراجي فهناك نوع معروف منها يسمى (شباك) وكل هذه المصوغات الذهبية تحتوي على أشكال هذه المسميات وتوجد في بغداد ثلاث مناطق معروفة تحتوي على محال وورش الذهب وهذه المناطق لا يستغني عن زيارتها أي صائغ فضلا عن باقي المحال المنتشرة في جميع الأسواق الشعبية وهذه المناطق هي منطقة شارع النهر (بالدرجة الأولى) ومنطقة خان الشابندر قرب سوق السراي.

بلدنا العراق هو مهد الحضارة والعلوم والفنون والإبداع عرف الذهب منذ أقدم العصور وقد تخصص بعض أبنائه في فن صياغته فعملوا منه تيجان الملوك ورصعوا به كراسي العروش وصاغوا منه زينة النساء كالقلائد والأساور والخلاخيل والأقراط وسواها من الحلي المعروفة في ذلك الزمان وبرعوا في تحويل السبائك الذهبية الى أشكال فنية متعددة الأغراض تتميز بالروعة والجمال والإدهاش... وصاغة الذهب

العراقيون تميزوا بأسلوبهم الفني الذي يجسد إحالة تراثهم الحضاري الماجد ويعبر عن قيم الخير والحب والحرية في فكرهم الإنساني المتجدد.. تركزت هذه المهنة في بغداد وكربلاء والموصل والنجف والبصرة إلا ان لكل من هذه المدن مميزاتها الفنية المستمدة من خصوصياتها المحلية فالمدرسة العراقية الفنية لصياغة الذهب هي من أشهر المدارس العالمية و تضاهي المدرستين الإيطالية والهندية وهذه حقيقة معروفة لدى المتخصصين.

ولقد تميزت مدينة كربلاء بالعديد من الحرف الفنية الشعبية ومن بينها صياغة الحلي الذهبية فقد برع بعض الصاغة الكربلائيين في النحت على الذهب الأصفر بشكل لافت للنظر حتى أصبحت كربلاء بفضل تميزهم الإبداعي وأسلوبهم الخاص مدرسة فنية في صياغة الذهب لها ملامحها المميزة وقيمها الفنية المستمدة من تراث المدينة الروحي، قبل قرون من الزمان كان الصاغة الكربلائيون ينجزون أعمالهم اليدوية بصعوبة بالغة لعدم وجود الكهرباء والأدوات فلم تكن هنالك ورش عمل ثابتة بل كانوا يطوفون ببضاعتهم على الحمير او البغال في قرى المحافظة لبيع وشراء الذهب بعدها تطورت الحياة فأصبحت للصاغة محال خاصة يعرضون فيها مصوغاتهم الذهبية للزبائن الذين يقصدونهم من داخل وخارج المدينة. فقد شهدت محافظة كربلاء في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي إزدهار تجارة بيع الذهب حيث كان (البنك المركزي العراقي) يزود الصاغة بحصص شهرية من السبائك الذهبية وبمقادير مختلفة وبحسب إستيعاب كل ورشة، ومن الورش المعروفة في كربلاء ورشة عمل الحاج شاكر الجحش البازي وورشة الحاج عباس عبد الله الأسدي وورشة الحاج جواد كاظم البناء الخفاجي وورشة الحاج سعيد جواد الخفاجي وبسبب الحرب العراقية الإيرانية توقف البنك المركزي عن تجهيز هذه الورش بالسبائك الذهبية، أما بعد سقوط النظام فقد حلت الفوضى حيث أغلقت المؤسسة العامة للتقييس والسيطرة النوعية أبوابها وهي الجهة الرسمية المخولة بفحص الذهب ووضع (الوشم) عليه لذلك أخذ كل صائغ يضع (الوشم) على مسؤوليته من دون رقيب، ويعاني اصحاب الورش من عدم وجود مثل هذه المؤسسات في محافظاتهم ووجودها في بغداد فقط لهذا يتوجب عليهم نقل الذهب الى بغداد لوشمه وهذا أمر محفوف بالمخاطر.

لهذا فهم يتمنون ان توجد فروع للسيطرة النوعية في المحافظات.

يقال هذا ذهب (تيزاب) وهذا (مخلوط) فما معنى هذين الإصطلاحين الشعبيين الخاصين بالمصوغات الذهبية؟

للإجابة على مثل هذا السؤال يقول أحد الصاغة في شارع النهر عندما نقول هذا (تيزاب) فنعني بذلك الذهب الخالص النقي الخالي من المعادن وعندما نقول هذا ذهب (مخلوط) فنعني بذلك الذهب غيرالنقي الذي يحتوي على نسبة قليلة من معدن النحاس المضافة اليه، وعليه فالذهب الخالص النقي يساوي (24) حبة للمثقال الواحد وهذا في السبائك فقط فمعيار (21) حبة مكون من (18 نقي)+ (3 نحاس) وعيار (18) حبة مكون من (15 نقي+ 3 نحاس) وسبب إضافة نسبة قليلة من الفضة او النحاس هو ليكتسب الذهب صفة المتانة والتماسك، أما عن معنى ذهب (الخشالة) فيقول صائغ آخر كل ذهب يستعمل تسمية (خشالة) سواء كان نظيفا أم متكسرا والفرق بين الخشالة والمصاغ حديثا هو في أجور الصياغة فالذهب الجديد تتراوح أجور صياغته بين خمسة آلاف للحبة الواحدة اما الذهب المستعمل فتسقط منه أجور صياغته ويأخذ مبلغ يتراوح بين (2-3) آلاف عن الحبة والحبة تساوي غراما والمثقال يساوي خمس حبات أي خمسة غرامات.