22 رمضان 1429 - 23/09/2008
رغم مسلسل التآمر والغدر الذي إضطلع به قادة أعراب الجاهلية ومنهم رجالات بني أمية ضد أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، لاسيما على صعيد إقصائهم عن ساحة الإدارة والحكم الإسلامي إلا أنهم كانوا على طول الخط يتحملون مسؤوليتهم الشرعية والأخلاقية في الحفاظ على الرسالة الإلهية وعلى الحركة الإسلامية وتحصينها ضد التردي والإنسلاخ من مبادئها وقيمها السامية، فكلما كان الإنحراف يطغى ويشتد وينذر بالوقوع في مستنقع الإنحراف، كان الأئمة الأطهار يتخذون المواقف الحاسمة والتدابير اللازمة ضد ذلك، وكلما وقعت التجربة الإسلامية في محنة أو مشكلة، وعجزت الزعامات عن علاجها بحكم عدم مصداقيتها أو كفاءتها، بادر الأئمة إلى تقديم الحلول المطلوبة ووقاية الأمة من الأخطار التي كانت تتهددها.
وبكلمة مختصرة كان أهل البيت(عليهم السلام) يحافظون دائما على المستوى العقائدي الرسالي للمجتمع الإسلامي ويمارسون الدور الكفيل برعاية الأمة وتبني مصالح الرسالة، وفي هذا الإتجاه فعل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) حين تولى مسؤولية الخلافة الإسلامية، وتسلم رسميا مهمة قيادة الدولة والأمة الإسلامية طيلة سنوات الفترة ما بين35-40هجرية.
صورة الوضع القائم في عهد الخليفة عثمان
إنعكست مسيرة الحكم لعثمان بن عفان، وما آلت إليه من ممارسات خاطئة وتطورات سلبية طالت مجمل الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية، بسبب مباشر من عدد كبير من الولاة والصحابة والعمال، أمثال سعيد بن العاص وعبد الله بن عوف الزهري وقادة بني أمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، وغيرهم ممن قربهم الخليفة عثمان إليه، ومكنهم من الوصول إلى سدة الحكم، ويمكن إجمال مظاهر ومساوئ الحالة العامة التي سادت مجتمع الأمة المسلمة وقتذاك بالآتي:
1- سوء الإدارة وفساد جهاز الحكم.
2- سوء السياسة المالية، وشيوع السرقة في بيت مال المسلمين والرشوة.
3- صعود رموز الطبقة الارستقراطية إلى قمة السلطة، وتولية المقربين من الخليفة عثمان المناصب الهامة كالولاة والقضاء ورئاسة الإدارات.
4- معاناة واضطهاد كبار صحابة رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) أمثال عمار بن ياسر ومالك الأشتر وأبو ذر الغفاري ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة وسلمان المحمدي.
5- سياسة القسوة والبطش المتبعة في إسكات وقمع حركة الاحتجاج الشعبي لدى مختلف أوساط الأمة.
الإمام علي يتصدى لتغيير هذا الواقع
لقد كان صوت علي بن أبي طالب(عليه السلام) في مقدمة الأصوات التي إرتفعت بالنقد والمعارضة للواقع الفاسد والتغييرات السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع العربي الإسلامي، ومن ثم فإن حركة المعارضة والنقد، ثم الثورة ضد هذه الأوضاع الشاذة المستجدة، قد اتخذت من علي(عليه السلام) رمزا لها وقيادة تلتف من حولها كي تمارس الضغط والتوبيخ لأصحاب المصالح الشخصية والطامعين في المناصب.
أسس السياسة عند الإمام
تتمثل أسس السياسة الشرعية التي إنتهجها الإمام علي(عليه السلام) وطريقة الحكم التي جسدها خلال فترة السنوات الخمس(35-40هـ) التي تولى فيها مسؤولية قيادة الدولة الإسلامية(فعليا) بالآتي من المبادئ والجوانب الأخلاقية والواجبات السياسية:
1- العمل الصالح أعظم ذخيرة.
2- إمتلاك الهوى والشح بالنفس عما لا يحل له، والشح يعني(الانصاف فيما أجبت وكرهت).
3- العدل بين الناس جميعا، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.
4- التحذير من سفك الدماء بغير حق.
كما حدد(عليه السلام) سياسة التعامل مع الولاة بالشروط الآتية:
1- توليه الواحد منهم بالامتحان، وليس ميلا لمعاونتهم، ولا إستبدادا بلا مشورة.
2- أن يكون من أهل التجربة والاحياء، ومن أهل البيوتات الصالحة.
3- التحفظ من الأعوان، وعقوبة من اجتمعت عليه أخبار المراقبين بما فعل.
4- تفقد أمر الخراج(الضرائب) بما يصلح أهله لأنه مهم لحياة الناس.
5- تفضيل عمارة الأرض على جباية الضرائب وفرض المكوس.
الناحية الدستورية
جعل الإمام علي(عليه السلام) في عهده رضا الأغلبية واحترامها أساسا في الحكم مادام هذا الرضا ينسجم مع العدل في منظوره الإسلامي، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة(أي يذهب به) وأن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة.