27 ذي الحجة 1428 - 07/01/2008
نسمع كثيراً عبر توالي العقود بمصطلحات كثيرة ومثيرة تَعدّ الدول الفقيرة مادياً (كدول العالم الثالث) بحياة مرفهة واقتصاد غني وحياة أفضل مع إنا لا نرى منها سوى الاستغلال والتهديد.
واليوم لا يغيب عن مسامعنا وأنظارنا طبول العولمة التي تدق بكل زمان ومكان تدعو الشعوب لفتح الأبواب لها، تحمل هذه الوعود بدولة عالمية تتكامل اقتصادياً وسياسياً بعد إزالة الحدود واندماج الأسواق وثقافة غربية متمدنة (من وجهة نظرهم) بديل عن ثقافتنا وعقائدنا التي أصبحت قديمة!، فهم يريدون منا أن تكون أذهاننا مفتوحة لكي تستقبل الأفكار وأنماط السلوك الإنساني والقيم وتقبل الانفتاح كما يشاؤون، ونستعد للدولة العالمية ونهيء الأرضية الخصبة لها، فمواردنا البشرية قد أنهكها الحرمان على أيدي الطغاة! وبلداننا تنقصها التكنولوجيا! ومواردنا الطبيعية غير مستغلة! فأين الشركات المتعددة الجنسية ومن يقف ورائها ليسرقنا (عفوا) لينقذنا؟
وقد تكون كلمة سرقة التي كتبتها سهواً هي ظلم لهم، فالخطر الذي نواجهه هو أكبر من السرقة إنه يهدد هويتنا وديننا وثقافتنا الإسلامية وإرثنا الحضاري الذي ورثناه عن القرآن الكريم ومحمد صلى الله عليه وآل بيته الأطهار (عليهم السلام)، كيف سنقاوم المد الإعلامي الذي دخل منازلنا وأحياناً نفوسنا؟
كيف سنقاوم الفضائيات؟ كيف سنقاوم الكتب والمجلات والأقراص الليزرية المتفشية في كل مكان والداعية إلى مسخ تعاليمنا السامية.
في بداية قراءتي عن العولمة في أدبيات إدارة الأعمال الغربية انبهرت كثيراً بها واعتقدت أنها فرصة لا يمكن تعويضها، فبها سوف تستثمر الموارد للبلدان وستكون هناك تنمية للموارد البشرية، وزيادة في دخل الفرد، وزيادة فرص الحصول على التكنولوجيا الحديثة، ولم التفت إلى السلبيات الخطيرة التي ستترك آثارها وبصماتها على المجتمع، حتى وصل بي الحد انني سمحت لنفسي أن أقارن بين عنصر (العالمية) في مصطلح العولمة مع (عالمية) دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وقد تكون هذه المقارنة قاصرة بعض الشيء باعتبار أن العـالمية اليوم هي (وضعية) أمـا عـالمية دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فهـي فطرية إلهـية فضـلا عن ذلــك ان دعاة العولمة ومروجي فكرتها هم أناس يفتقرون للعصمة.
بغض النظر عن هذا فأنني لو قارنت سوف أصل إلى أطروحات مهمة مميزة، وستظهر لنا الأبعاد العظيمة لدولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، فكافة الأنظمة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية في دولة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مغايرة تماماً للأنظمة السابقة لعصر الظهور ولعدة أسباب:
أولها وأهمها: إن دعوة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) قائمة على الدين، الإسلامي وغيره.
وثانيها: اننا ننطلق من فكرة الحديث النبوي الشريف:
(إن المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملأت ظلماً وجوراً) فسوف تنتشر ـ وقبل ظهوره (عج) كما هو مفاد الحديث الشريف ـ أساليب الحكم الفردي الدكتاتوري ووجود الكيان الرأسمالي الأمريكي أو غيره القائم على الاستبداد وحب السيطرة على الثروات ومقدرات العالم، والوعود للشعوب بحل مشاكلهم عن طريق الغزو الفكري، كما حدث في الشيوعية التي انهارت تاركة وعوداً وآمال لم تتحقق.
وثالثها: ان سائر الأنظمة والقوانين الوضعية قائمة على المادية وأسقطت العنصر الإلهي والتسديد الرباني وبهذا تنتهك القيم الإنسانية ولا تفكر بمصلحة الفرد كما تفكر بملئ خزائنها بالأموال.
السبب الرابع: ان أغلب الشعوب في العالم عانت الكثير من ظلم واضطهاد انظمتها وهي تبحث عن نظام جديد منقذ يوصلها لحالة الاكتفاء وتحقيق العدالة الاجتماعية، فموقف الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من العنصرية دائماً موقف سلبي ومعارض ودعوته ودولته عالمية تصل إلى كل البشر على حد سواء دون تفضيل جماعة على اخرى، لذلك ستكون الأحقاد الطبقية والعرقية منعدمة لتوفر فرص العمل للجميع وحالة الرضا الوظيفي بترتيب دون غبن يلحق بالفرد.
ومما لاشك فيه ان المتتبع لأخبار دولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) سوف تتضح الصورة لديه بانكشاف وجهات القصور والنقص والظلم وزيف المبادئ التي تسبق ظهور الإمام ومخالفتها للمصالح العامة لعدم صدق أهدافها على جميع الأصعدة وستنكشف له مضامين التيارات التي يدعي بها الغرب بين الحين والآخر كالعولمة ـ مثلا ـ كما انكشفت لهم الشيوعية وشعاراتها (وطن حر وشعب سعيد) تماماً عكس توجهات الدولة المهدوية التي ستسعى لتحقيق الكمال الإنساني الأعلى للبشرية جمعاء وعلى كافة الأصعدة وضمن الحدود الممكنة وبالتدريج، فضلا عن تربية العالم بثقافة إسلامية ذات مستوىً راقٍ، فالشعوب غير المسلمة سوف يتقبلون الثقافة الإسلامية باقتناع وسهولة دون استبداد او كراهية، وسيسمح بمقتضى القواعد الإسلامية للكتابيين البقاء على دينهم مع دفع الجزية للمسلمين ويكون لها أن تدخل في الدين الإسلامي طوعاً، وهذا الإجراء سيشد أهل الكتاب للثقافة الإسلامية السمحاء وسيحكم الإمام أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل وأهل القرآن بالقرآن وهي إشارة إلى عدالة دولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالانسجام والتقبل النفسي للجماعة. ولا يغيب عنا أيضاً موضوع التكنولوجيا والتطور التقني وثورة المعلومات والاتصالات التي ستشهدها الدولة العالمية في ظل صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه) فالشواهد والأخبار عنها كثيرة، فقد ورد في بحار الأنوار للمجلسي عن ابن مسكان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إن المؤمن في زمان القائم وهو في المشرق ليرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق).
وهي أشارة واضحة إلى التطور التقني في وسائل الاتصال السمعية والمرئية كالإذاعة والتلفزيون والمحطات الفضائية والصحافة، لكنها ستكون وسيلة لنشر الأفكار الهادية والعادلة البعيدة عن الضلال والفساد والترويج للأفكار المخرّبة للمجتمع العالمي.
أما جانب الاقتصاد فهو لا يخلو من التطور في تلك الدولة أيضا فدولة الإمام ستصبح على درجة من الرقي لا توصف فقد اخرج لنا البخاري عن أبي موسى عن النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال:
(ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها).
والأحاديث الشريفة كثيرة بهذا الصدد تنقل لنا أخبار تلك الدولة المرفهة فالأرض تؤتي أكلها ولا تدخر منه شيئاً (حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات) فمن الطريف أن نسمع ـ حينئذ ـ أن البشرية متجهة نحو المجاعة وان زيادة النسل يؤدي إلى قلة الأرزاق في العالم.
نعم ان ذلك يتحقق حين يكون الإخلاص ضئيلا والعمل مبعثراً والتشريع ظالماً كما هو الحال في عصرنا، أما عصر الإمام فسوف يحفظ للبشرية أرزاقها مهما تزايدت وتكاثرت بل يزيد الإنتاج إلى أضعاف مقدار الحاجة الفعلية ويتضاعف الدخل الفردي لكل البشر بشكل لا شبيه له في ما سبق من التاريخ.
أما السياسة العمرانية فنتائجها واضحة فيما سمعناه من الأخبار، فبيوت الكوفة سوف تتصل بكربلاء والحيرة ويكون الجميع بلدة واحدة، وكذا الحال بالنسبة للمساجد فيأمر الإمام ببناء المساجد ولاسيما مسجداً في ظهر الكوفة له ألف باب.
وللتعدين نصيبه من التطور أيضاً فقد نصت الروايات على أن الأرض ستظهر معادنها وكنوزها على سطحها حتى يراها الناس، وهذا من باب الإعجاز اما من الناحية الطبيعية فان الدولة المهدوية وبفضل التقدم التقني ستحرص على توفير آلات الاستخراج الضخمة ومعدات التعدين، ومن الملفت للنظر ان سياسة توزيع عوائد التعدين في دولة الإمام مختلفة تماماً عما قبل الظهور فتلك العوائد سوف توزع على الشعوب بالتساوي ويذهب الجزء اليسير إلى خزانة الدولة ليدخل ضمن الانفاق العام.
وهنا لابد من الإشارة إلى الحالة المرفهة التي سيصل إليها الشعب أثناء تطبيق تلك السياسة، فالأفراد على الإطلاق سيكونون في غنى مالي، وأحد الأخبار الدالة على ذلك ان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يعرض الأموال أمام الناس ويعلن التوزيع المجاني إلاّ ان الناس لا يرغبون به ولا يأخذون منه شيء، الا واحد يأتي ويأخذ من تلك الاموال ثم يندم لأنه أصبح الوحيد الطامع في المال، ثم يحاول ارجاعه فيرفض طلبه، وكل تلك الأخبار هي صورة واضحة تدلل على مدى الانتعاش الاقتصادي وكثرة عائدات الاستثمار بحيث تصبح هذه العائدات أكثر من حصص الأموال الموزعة على الشعب.
وختاماً لهذه السطور..
دعوني أدعو لي ولكم بان يقرّ الله عيوننا أجمعين برؤيا الطلعة البهية لمقام صاحب الزمان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وان يجعلنا من أنصاره وأعوانه وان نكون من السعداء والمرفهين في دولته الكريمة التي سوف يعز بها الإسلام وأهله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.