16 شعبان المعظم 1437 - 24/05/2016
نبي الله شيث (عليه السلام)
هو ابن نبي الله آدم، أمه حواء و لقبه هبة الله. و هبة الله تعالى لآدم أبي البشر كي تقر عينه و ينجلي حزنه بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل، فورث علمه و كان أول الأوصياء.
ورد ذكر نبي الله شيث في روايات عديدة و أحاديث كثيرة لما له من الفضل و عظيم الشأن نذكر منها قول رسول الله (صلى الله عليه واله) أنزل الله تعالى على شيث (عليه السلام) خمسين صحيفة، و على أدريس ثلاثين صحيفة، و على ابراهيم عشرين صحيفة... (بحار الأنوار)
ويكفي للدلالة على مكانته الرفيعة سلام صاحب الزمان عليه في زيارة الناحية المقدسة حين يقول :"السلام على شيث ولي الله و خيرته".
موضع قبره:
بالنسبة لمكان دفنه و موضع قبره هناك رأيان
الأول: يقول أنه مدفون في العراق في الموصل في سنة 1057 كان الوالي على الموصل مصطفى باشا النشانجي ورأى النبي شيت في المنام ودل على قبره فأمر الحاج علي بن النومة أحد تجار الموصل ان يحفر على الموضع الذي راه في المنام فحفر واخرج قبره وبنى عليه الحاج علي المذكور قبة وصار يعرف بمرقد النبي شيت 2.
وفي سنة 1206هجرية تم بناء مسجد بجانبه تقام فيه الصلوات الخمس، وصار يعرف بمسجد النبي شيت، ومن بعد ذلك بناه احمد باشا بن سليمان باشا الجليلي.[2]
وقام أحمد باشا بن سليمان باشا الجليلي بإضافة أرض واسعة مما يجاور المسجد وبناه من جديد جامعا كبيرا وبنى فوق القبر قبة كبيرة وبنى فيه مدرسة.
أما الحرم فظل على هيئته القديمة وخصوصا المحراب والمنبر فقد بنيت من الحجر وزينت بالكتابة عليه والزخارف ولم تفقد الطابع الأثري.
الثاني: وهو الاكثر شهرة كما ورد في رحلة ابن جبير ص253 ان قبر شيث في البقاع فقال : (ومن المشاهد الكريمة التي لم نعاينها ووضعت لنا فقبر شيث ونوح عليهما السلام وهما بالبقاع وهي على يومين من البلد).
و أنه مدفون في أرض البقاع من لبنان في بلدة سميت فيما بعد باسمه و يورد أصحاب هذا القول أدلة عدة تؤيد رأيهم منها وجود قبر هابيل أخي شيث قرب مدخل بلدة الزبداني التي لا تبعد أكثر من 22 كيلومتراً، كذلك وجود قبر ابنه النبي عطريف (ع) في بلدة الخريبة المحاذية و التي لا تبعد هي الأخرى أكثر من 10 كيلومترات.
و إذا لم يكن النبي شيث موجوداً فما معنى وجود عدة قرى لبنانية من الشمال إلى الجنوب ارتبط اسمها بإسمه و منها (حدشيت في الشمال، و جبشيت و عدشيت و غيرها في الجنوب.
متى تم بناؤه؟
تظهر الوثائق الموجودة أن مقام نبي الله شيث كان مشيداً قبل أكثر من تسعماية عام و ذلك حسب (الوقفية) التي تنص أن (الخواجة محمد العصي) قد أوقف أراضيه لمقام نبي الله شيث بتاريخ السادس عشر من ذي القعدة عام 518 للهجرة و جعل عائداتها لبنائه و خدمته.
اللوحة.
و حسب لوحة حجرية ما تزال موجودة فقد جرى تشييد المقام و ترميمه منذ أكثر من 400 سنة و قد نقش على اللوحة (إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله و اليوم الآخر). لما كانت سنة إثنا عشر بعد الألف من شهر ربيع الأول شيد المقام المبارك، محسنة ابنة الدين غفر الله لها و لوالديها.
و محسنة ابنة الدين هذه ليست سوى فاعلة خير لم تشأ ذكر اسمها كي تحتفظ بكامل أجرها عند ربها.
بعد ذلك و قبل 200 سنة أعيد تأهيله و أضيفت أبنية جديدة على يد الحاج حسن الهمداني (الجد الأكبر لآل الحاج حسن) بتكليف من النبي شيث شخصياً بعد أن رآه في عالم الرؤيا, و هذه الرواية متواترة و مشهورة بين الأهالي و قد تم مؤخراً إعادة بناء المقام على يد المحسنين من أبناء البلدة في 5 نيسان 1995م.
طول الضريح:
قد يتسائل الزائر عند دخوله المقام عن طول القبر الشريف البالغ 30 متراً و الحقيقة أن هذا الأمر يعود لسببين:
الأول: عدم تحديد موضع القبر بدقة من قبل القيمين الأولين جعلتهم يحتاطون و يوسعون الضريح مخافة أن تطأ أقدام الزائرين موضع القبر الشريف.
الثاني: أن كثافة عدد الزوار و الحجيج الذين كانوا يأتون للزيارة و التبرك و بأعداد هائلة خاصة ليلة النصف من شعبان من كل عام و من كافة قرى المنطقة، من الهرمل حتى البقاع الغربي استدعى توسيع رقعة القبرليتسنى لأكبر عدد من الزوار أن يطوفوا حول الضريح المبارك.
الكرامات:
لنبي الله شيث كرامات لا يمكن إحصائها، و لا يستطاع تعدادها، نذكر منها واحدة مشهورة و متواترة، على سبيل التعداد لا الحصر، و هذه الحادثة جرت عام 1946م عند بناء المئذنة الحجرية القديمة الباقية كشاهد حتى يومنا هذا.
فقد جرى نقاش و جدال بين البناء و هو نصراني و بين المشرفين على المقام حول حقيقة و صحة وجود قبر النبي شيث في هذه البقعة و لأن لكللٍ من أنبياء الله كرامات طلب النصراني أن يرمي إبريق الفخار من أعلى المئذنة و إذا سلم الإبريق ثبت وجود جثمان النبي في هذا المكان و إلا تحول البناء إلى مسجد ليس إلا.
و لما قبل القيمون و الحاضرون من أهالي البلدة التحدي أدلى البناء بحبله من أعلى المأذنة ليرفع إبريقاً مليئاً بالماء ثم رماه لا لينكسر و يتهشم كما يفترض، بل ليستوي سالماً كما لو أن يداً وضعته بلطفً و أناة و دون أن تراق منه نقطة ماءٍ واحدة، مما حدى بالنصراني أن ينطق بالشهادتين و يسامح بأجره و ما يستحقه من مالً حباً و تعظيماً لصاحب المقام.
و هناك حادثة أخرى، سنة 1937م لا يزال بعض من عاينها حياً يرزق، حتى يومنا هذا و هو المختار جريس ابراهيم أبو حيدر من بلدة طليا مواليد 1922م.
يقول أبو حيدر منذ أن فتحت عيني على الدنيا و أنا أذهب سنوياً لزيارة مقام النبي شيث، و نذبح شاةً هناك، إيماناً منا بفضله و إقراراً بكرامته، هكذا كنا و لا نزال على هذه الحال. و ما لا أنساه حادثةٌ لا تزال ماثلةً لا تفارق ذاكرتي مع أنها جرت في أيلول 1937م. فبعد أن ذبحنا الشاة و جلسنا للغداء أبى رئيس مخفر طليا يومها و كان من جملة المدعوين أن يأكل ما لم يشرب العرق، و لم يأبه لكل التحذيرات و التنبيهات بضرورة الحفاظ على حرمة المقام و قدسيته، فأرسل أحد جنوده إلى بلدة سرعين التحتا و هي بلدة مجاورة، و أهلها من المسيحيين، فأتى له بما أراد و شرب حتى سكر و صار الواحد منا يلتفت بالآخر متعجباً، كيف يمكن للنبي شيث أن يترك هذا الرجل يتمادى دون أن يلقى عقاباً. لكن الرد لم يتأخر ففي طريق العودة و عند وصولنا إلى آخر أرض النبي شيث عند أول بلدة طبشار، هبت و دونما إنذار سابق، ريحٌ قويةٌ إختارت رئيس مخفر طليا دون كثير من الخلق ممن كان معنا. إلتفّت حوله على شكل زوبعة رفعته هو و حصانه عن الأرض حتى إذا ألقته وجدنا بطنه قد شق و هو ينزف بغزارة و بقي زمناً طويلاً قيد العلاج.
هاتان حادثتان جرتا في الماضي، أما في الحاضر فيندر أن يمر يومٌ لا تسمع فيه أو تشهد فيه إستجابة النبي لطلبات المؤمنين بكراماته، من زائريه و قاصديه من أرباب الحوائج و المرض من كافة الطوائف.
و اللافت أن أكثر الكرامات لأول الأوصياء شيث (عليه السلام) تتجلى و تظهر ليلة الخامس عشر من شعبان ليلة مولد خاتم الأوصياء الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).