26 رجب 1433 - 17/06/2012
امرأة مظلومة
تلك آمنة، وقد كانت فصيحة اللسان حاضرة الجواب، مِن شيعة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ومُناصِريه؛ لذا تحمّلت في ذلك آلاماً ومحناً من قِبل طاغية الشام معاوية.
روى ابن أبي طيفور في كتابه ( بلاغات النساء ص 59 ) أنّه لما استُشهِد الإمام عليّ ابن أبي طالبٍ عليه السلام، بعث معاوية في طلب الشيعة، فكان في مَن طلب عمرُو ابن الحَمِق الخُزاعي، فاختفى عنه، فما كان من معاوية إلاّ أن أرسل إلى امرأة عمرو ( آمنة بنت الشريد ) فحبسها في سجن دمشق سنتين، حتّى استطاع عبدالرحمان بن الحكم أن يقبض على عمرو بن الحمق، فقتله وبعث برأسه إلى معاوية، فكان رأسه أوّلَ رأسٍ حُمِل في الإسلام! فماذا كان من معاوية الذي يتشفّى بقتل المؤمنين ؟!
حقّ يدمغ باطلاً
لمّا أُتي معاوية برأس عمرو بعثه إلى آمنة في السجن، وأوصى الحرسيَّ قائلاً له: احفَظْ ما تتكلّم به آمنة كي تُؤدّيَه إليّ، واطرح الرأسَ في حِجْرها. ففعل هذا، فارتاعت آمنة للرأس ساعةً، ثمّ وضَعَت يدها على رأسها وقالت: واحُزناه لصِغَره في دار هَوان، وضيقٍ من ضيمة سلطان! نَفَيتُموه عنّي طويلا، وأهديتموه إليّ قتيلا، فأهلاً وسهلاً بِمَن كنتُ له غيرَ قالية، وأنا له اليومَ غيرُ ناسية! إرجعْ به ـ أيّها الرسول ـ إلى معاوية وقل له ولا تطوهِ دونه: أيْتَمَ اللهُ وُلْدَك، وأوحَشَ منك أهلَك، ولا غفر الله لك ذَنْبَك.
فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالت، فأرسل إليها، فأتَتْه وعنده نفرٌ فيهم إياس ابن حسل و كان في شَدَقَيه نتوء عن فيه لعظمٍ كان في لسانه وثقل إذا تكلّم، فقال لها معاوية:
ـ أأنتِ ـ يا عدوّةَ الله ـ صاحبةُ الكلام الذي بَلَغني ؟
ـ نعم، غيرَ منازَعةٍ عنه، ولا معتذرةٍ منه، ولا مُنكرةٍ له، فلَعَمْري لقد اجتهدتُ في الدعاء إن نفَعَ الاجتهاد، وإنّ الحقّ لَمِن وراءِ العباد، وما بلغتَ شيئاً من جزائك، وإنّ الله بالنقمة من ورائك.
فأعرض عنها معاوية، فقال إياس:
ـ اقتُلْ هذه ـ يا أمير المؤمنين ـ، فواللهِ ما كان زوجها أحقَّ بالقتل منها.
فالتفَتَت إليه آمنة، فلمّا رأته ناتئَ الشدقَين ثقيلَ اللسان قالت له:
ـ تبّاً لك، وَيْلَك بين لِحْيَيك كجثمان الضفدع، ثمّ أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس! إن تُريد إلاّ أن تكون جبّاراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين!
فضحك معاوية، ثمّ قال لها: لله دَرُّكِ اخرُجي، ثمّ لا أسمع بكِ في شيءٍ من الشام.. وأشار إليها بِبَنانه أن اخرجي، فخرجت وهي تقول:
ـ واعَجَبني لمعاوية يكفّ عنّي لسانه، ويُشير إلى الخروج ببنانه، أما واللهِ ليعارضنّه عمرٌو بكلام مؤيَّدٍ سديد، أوجع من نوافذ الحديد، أوَ ما أنا بابنة الشريد ؟!
ثمّ التفت معاوية إلى عبيد بن أوس فقال له: ابعَثْ لها ما تقطع به عنها لسانها، وتقضي به ما ذكرت من دَينها، وتخفّ به إلى بلادها. فلما أتاها رسول معاوية قالت له: يا عَجَبي لمعاوية! يقتل زوجي ويبعث إليّ بالجوائز.. وخرَجَت تريد الجزيرة، فمرّت بحمص فقتلها الطاعون.
ورُوي أيضاً
قال الشيخ المفيد في ( الاختصاص:19 ): بعث معاوية برأس عمرو بن الحَمِق إلى امرأته فوُضع في حِجْرها، فقالت: سترتموه عنّي طويلا، وأهديتموه إليّ قتيلا! فأهلاً وسهلاً من هديّةٍ غيرِ قاليةٍ ولا مَقليّة. بَلّغْ ـ أيّها الرسول ـ عنّي معاوية ما أقول: طَلَب اللهُ بدمه، وعجّل الوبيلَ من نِقمه، فقد أتى أمراً فَرِيّا، وقتَلَ بارّاً تقيّا.
فبلّغ الرسول ما قالت، فبعث إليها وقال لها: أنتِ القائلةُ ما قُلتِ ؟
قالت: نعم، غيرَ ناكلةٍ عنه، ولا معتذرةٍ منه. قال لها: أُخرجي من بلادي.
قالت: أفعلُ والله ما هو لي بوطن، ولا أحنّ فيها إلى سجن. فلمّا أشار عبدالله بن سرح على معاوية قائلاً له: إنّها منافقة، فألْحِقْها بزوجها. قالت له في جوابٍ لها: إنّما المارق المنافق مَن قال بغير الصواب، واتّخذ العباد كالأرباب، فأُنزل كفرُه في الكتاب. فأومأ معاوية إلى الحاجب بإخراجها