23 جمادى الآخرة 1433 - 15/05/2012
حالة مألوفة في تاريخ الأمم والأديان، أنّ الناس إذا أُرسل إليهم رسول من الله عزّوجلّ، أو تنبّأ نبيّ، أو عُرِّف بوصيّ، يبقَون في وضع شكٍّ وحيرةٍ وترقّب بادئَ الأمر، حتّى يقفوا على الحقيقة من خلال معجزةٍ ما، أو كرامةٍ خاصّة، تكون برهاناً ودليلاً على رسالة ذلك الرسول، أو نبوّة ذلك النبيّ، أو وصاية ذلك الوصيّ.
وربّما اقتنع البعض من خلال العقائد الحقّة، والسيرة الطاهرة، والأدلّة المعنويّة لذلك الوليّ، وربّما اقتنع البعض الآخر بالأدلّة الماديّة أوالإخبارات الغيبيّة، أو بالكرامات العالية.. أمّا المعاندون والمغالطون ومَن عقدوا قلوبهم على إنكار الحقائق مهما ظهرت، فأولئك لا شغلَ لنا معهم.
وإذا كان الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله قد طبّق الآفاق وملأ العيون والأسماع واحتجّ على العقول بالكثير من معجزاته التي تعدّدت صورها وحالاتها ومواقعها حتّى أذعن له الكثير ممّن آمنوا برسالته ونبوّته وأُعجبوا بها، أو ممّن غالطوا وفرّوا منها... فإنّ وصيَّه وخليفته ووارثه عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام طُولب منه ما طُولب به رسول الله صلّى الله عليه وآله، أو كان القوم ينتظرون منه من الكرامات ما يثبت لديهم أنّه الوليّ الحقّ، فكان من مشيئة الله تبارك وتعالى وحكمته أن تظهر للملأ كرامات للإمام عليّ عليه السلام فيها كثيرٌ من دلالات على عظمة منزلته عند الله عزّوجلّ، وعلى خصوصياته وإمامته وأفضليّاته سلام الله عليه. وهذا بعضها نرويه من كتب علماء أهل السنّة فحَسْب، لئلاّ تُتَّهم الروايات الشيعيّة بالغلوّ.
قالوا.. وكتبوا
• كتب الشيخ الصفوري الشافعي البغدادي ـ ت بعد سنة 884 هـ ـ في ( نزهة المجالس 210:2 ـ ط القاهرة ): ومن كرامته رضي الله عنه أنّه كان يعترض في بطن أمّه فيمنعها من السجود للصنم... حكاه النسفي.
ملاحظة: إنّ من عقائدنا أنّ أسرة عبدالمطلب وآباءه وكذا أسرة أبي طالب رضوانُ الله عليهم، كانوا حُنَفاءَ على ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام، أي كانوا موحِّدين لم يسجدوا لصنمٍ قطّ، بل لم يهمّوا بذلك أبداً، إذ كانوا على هُدىً من ربّهم وبصيرةٍ توحيديّة، فإذا فات ذلك علماءَ أهل السنّة فقد أقرّوا لأمير المؤمنين بكراماتٍ له وهو جنينٌ في بطن أمّه فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها، والتي اختار اللهُ تعالى لها بيته الحرام مَضيفاً لتلد فيه وليَّ الله عليّاً صلوات الله عليه، حيث لم يولَد فيه أحدٌ قبله، ولا يُولَد فيه أحدٌ بعده.
وقد ذكر خبرَ الصفوريّ المتقدم هذا: الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي في ( السيرة الحلبيّة ) على الشهرة، وهي السيرة النبويّة التي أسماها مؤلّفها ( إنسان العيون 268:1 ـ ط مصر ) وعبارته: فتقوّس في بطنها فمنعها من ذلك.
• ونعود إلى الصفوري الشافعي مرّةً أخرى في كتابه الآخر ( المحاسن المجتمعة:167 ـ من المخطوط ) فنقرأ قوله: ومن كراماته أنّه كان رضيعاً في مهده فقصَدَته حيّة، فانحدر من مهده وخنقها، فتعجّبت أمّه، فسمعت هاتفاً يقول: هذا حيدر انحدر من مهده على عدوّه فقتله!
ونبقى مع الشيخ الصفوري فنجده يكتب كرامةً أخرى هذا نصّها منه:
وأرسله النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى قومٍ كفّارٍ لهم نَحْل كثير، فكذّبوه، فقال: « يا نحل، أُخرج عنهم فإنّهم قد طَغَوا »، فطار النحل، فافتقر القوم واشتدّت بهم الحاجة إلى النحل لأنّ رزقهم كان منه، فأرسلوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله أن أرسِلْ إلينا رسولك. فأرسله إليهم فأسلموا، فقال عليّ عليه السلام: « يا نحل، بحقّ مَن أرسلني إليك، إرجع إلى مكانك »، فرجع كلُّه.
وقيل: كان في غزوة، فقَوي الكفّار عليه، وكان لهم نحلٌ كثير، فأوحى الله إليه: « أُخرُجْ إلى نُصرة عليّ »، فخرج وصار يلسع القومَ حتّى أهلكهم!
• ويضيف الصفوري، ولكن على الصفحة 233 ـ من الجزء الأوّل من كتابه ( نزهة المجالس ) قائلاً:
رأيتُ في ( شرح البخاري ) لابن أبي حمزة، أنّ عليّاً دخل منزله وأولادُه يبكون، فسأل فاطمة عن ذلك فقالت: من الجوع. فاستقرض ديناراً، وإذا برجلٍ يقول له: يا أبا الحسن، أولادي يبكون من الجوع! فأعطاه الدينار، وإذا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله يقول: « يا عليُّ يا أبا الحسن، هلاّ عشيَّتَني الليلة »، قال: « نعم »؛ ثقةً منه عليه السلام بالله عزّوجلّ، فدخل منزله فوجد ثريداً، فقدّمه للنبيّ صلّى الله عليه وآله، فلما أكل صلّى الله عليه وآله قال له: « هذا بالدينار الذي أعطيتَه فلاناً ».
• ويروي المحبّ الطبري الشافعي في ( ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القُربى:97 ـ ط مكتبة القدسي بالقاهرة ): عن أبي ذرّ قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لي: « عُدْ إليه ادْعُه، فإنّه في البيت ». قال: فعُدتُ إليه ( أي إلى عليٍّ عليه السلام ) فسمعتُ صوت رَحىً تطحن، فشارفتُ فإذا الرَّحى تطحن وليس معها أحد، فناديتُه فخرج إلينا منشرحاً، فقلت له: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعوك. فجاء، ثمّ لم أزل أنظر إلى رسول الله وينظر إليّ، ثمّ قال: « يا أبا ذرّ ما شأنُك ؟! »، فقلت: يا رسول الله، عجبتُ من العجب رأيتُ رحىً تطحن في بيت عليٍّ ليس معها أحدٌ يُديرها! فقال: « يا أبا ذرّ، أمَا علمتَ أنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض، وقد وُكِّلوا بمعونة آل محمّدٍ عليهم السلام » ( رواه المحبّ الطبري أيضاً في: الرياض النضرة 222:2، الخانجي بمصر، والقندوزي الحنفي في: ينابيع المودّة: 278 و 216 ـ ط إسلامبول، والحمزاوي في: مشارق الأنوار:91 ـ ط الشرقيّة بمصر، وابن الصبّان المصري الشافعي في: إسعاف الراغبين ـ المطبوع بهامش: نور الأبصار للشبلنجي الشافعي:176 ـ ط مصر، وغيرهم، كلّهم من طريق الملاّ في سيرته عن أبي ذرّ.
كذلك السمهودي الشافعي في كتابه: الإشراف على فضل الأشراف ـ النسخة المصوّرة من المكتبة الظاهريّة بدمشق، أو الأحمدية بحلب:ص97 ).
• وفي كتابه ( تاريخ الخميس 282:2 ـ ط الوهبيّة بمصر ) كتب الدياربكري المكّي: رُوي عن عمرو ذي مرّة قال: لمّا أُصيب عليّ بالضربة دخلتُ عليه وقد عصّب رأسه، فقلت: يا أمير المؤمنين، أرِني ضربتك. فحلّها، فقلت: خدشٌ وليس بشيء، فقال: « إنّي مُفارقكم »، فبكت أمّ كلثوم من وراء الحجاب، فقال لها: « اسكُتي، فلو تَرَين ما أرى لَما بكيتِ »، فقلت: يا أمير المؤمنين، ماذا ترى ؟ قال: « هذه الملائك وفود، والنبيّون ومحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: يا عليّ أبشِرْ؛ فما تصير إليه خيرٌ ممّا أنت فيه » ( رواه القندوزي الحنفي في: ينابيع المودّة:163 ـ ط إسلامبول عن: المناقب، بروايته عن حبيب بن عمرو، وفيه قول الإمام عليّ عليه السلام: « أرى الملائكة وهم ملائكة الرحمة، وأرى النبيّين والمرسلين وقوفاً عندي، وهذا أخي محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهذه فاطمة وخديجة، وهؤلاء حمزة وجعفر وعُبيدة عندي، ومحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لي: إنّ أمامَك خير لك ممّا أنت فيه »، ثمّ قال عليه السام: « الله الله الله »، فتُوفّي.
• ونقرأ في ( منال الطالب في مناقب عليّ بن ابي طالب:198 ـ من المخطوط ) للشيخ نجم الدين الشافعي قوله: ومنها ( أي من كراماته ) ما رواه الحسن بن نكران الفارسي قال: كنت مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ وقد شكا إليه الناس أمرَ الفرات وأنّه قد زاد الماءُ ما لا نحتمله، ونخاف أن تهلك مزارعنا، ونحبّ أن تسأل اللهَ تعالى أن يُنقصه عنّا.
فقام عليه السلام ودخل بيته والناسُ مجتمعون ينتظرونه، فخرج وقد لبس جبّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وعمامته وبُردَه، وفي يده قضيبه، فدعا بفرسه فركبه، ومشى الناس معه وأولاده وأنا معهم رَجّالة، حتّى وقف على الفرات فنزل عن فرسه وصلّى ركعتين خفيفتين، ثم قام وأخذ القضيب بيده ومشى على الجسر وليس معه غير ولَدَيه الحسن والحسين وأنا، فأهوى إلى الماء بالقضيب ( ولعلّه عصا ) فنقص الماء ذراعاً، فقال: « أيكفيكم ؟ »، قالوا: لا يا أمير المؤمنين فقام وأومى بالقضيب وأهوى به في الماء، فنقصت الفرات ذراعاً آخر، هكذا إلى أن نقصت ثلاثة أذرع، فقالوا: حَسْبُنا يا أمير المؤمنين. فعاد عليه السلام وركب فرسه ورجع إلى منزله. وهذه كرامة عظيمة، ونعمة من الله جسيمة!
• وكتب النبهاني في ( جامع كرامات الأولياء 155:1 ـ ط البابي الحلبي بالقاهرة ): وأمّا عليّ كرّم الله وجهه فيُروى أنّ واحداً مِن محبّيه سرق، وكان عبداً أسود، فأُتي به إلى عليّ فقال له: « أسرقت ؟ »، قال: نعم. ( وفي الروايات الصحيحة الموثقة استتابه الإمام عليه السلام ثلاث مرّات فأصّر هذا العبد المتّقي على قطع يده ليهدأ ضميره )، فقطع الإمام يده، فانصرف من عنده، فلَقِيَه سلمان الفارسي وابن الكوّا، فسأله ابنِ الكوّا: مَن قطع يدك ؟ قال: أميرُ المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وخَتن الرسول، وزوج البتول! فقال: قطع يدك وتمدحه ؟! قال: ولِمَ لا أمدحه وقد قطع يدي بحقٍّ وخلّصني ( أي من عقوبة الآخرة ).
فسمع سلمان ذلك فأخبر به عليّاً، فدعا عليه السلام ذلك الأسود ووضع يده على ساعده وغطّاها بمنديل، ودعا له بدعوات، فسُمع صوتٌ من السماء: « إرفع الرداءَ عن اليد »، فرُفعت، فإذا اليد قد بَرِئت بإذن الله تعالى وجميل صنعه. ( رواه الصفوري في: المحاسن المجتمعة:166 ـ من المخطوط قال: رأيت في: تفسير العلاّمي ـ في سورة الكهف أنّ عليّاً رضي الله عنه قطع يد عبدٍ في سرقة... ).
• وبسنده إلى ابن شهاب، كتب الحاكم النيسابوري الشافعي في ( المستدرك على الصحيحين 113:3 ـ ط حيدرآباد الدكن بالهند ) أنّه قال:
قدمتُ دمشق وأنا أريد الغزو، فأتيتُ عبدالملك بن مروان لأسلّم عليه فوجدته في قبّةٍ على فرش... فسلّمت ثمّ جلست، فقال لي: يا ابن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المَقْدِس صباحَ قُتل عليُّ بن أبي طالب؟ فقلت: نعم، فقال: هَلُمّ ( أي أُدْنُ منّي ).
فقمتُ من وراء الناس حتّى أتيتُ خلف القبّة، فحوّل إليّ وجهه فأحنى علَيّ، فقال: ما كان ؟ قلت: لم يُرفَع حَجَرٌ من بيت المقدس إلاّ وُجِد تحته دمٌ عبيط ( أي طريّ )، فقال عبدالملك: لم يَبقَ أحدٌ يعلم هذا غيري وغيرك، لا يَسمَعَنّ منك أحدٌ!! قال ابن شهاب: فما حدّثتُ به حتّى تُوفّي عبدالملك! ( رواه أيضاً: الخوارزمي الحنفي في: المناقب:270 ـ ط تبريز، والمحبّ الطبري في: ذخائر العقبى:115 ـ ط القدسي بمصر، والذهبي في: تلخيص المستدرك 113:3 ـ ط حيدر آباد الدكن، والزرندي الحنفي في: نظم درر السمطين:148 ـ ط مطبعة القضاء، والحمويني الشافعي في: فرائد السمطين، وابن الصبّاغ المالكي في: الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة:122 ـ ط الغري، والبدخشي في:مفتاح النجا في مناقب آل العبا:90 ـ من المخطوط، وجلال الدين السيوطي الشافعي في: الخصائص الكبرى 124:2 ـ ط حيدر آباد الدكن، والشبلنجي الشافعي في: نور الأبصار:100 ـ ط العامرة بمصر، والمقدسي في: الأنس الجليل:252 ـ ط الوهبيّة بالقاهرة، وابن عساكر الدمشقي الشافعي في: ترجمة الإمام علي من: تاريخ دمشق 216:3 ـ ط دار التعارف ببيروت، والقندوزي في: ينابيع المودّة:330 ـ ط إسلامبول، وابن حجر الهيتمي المكي في: الصواعق المحرقة:192 ـ ط دار الطباعة المحمّدية بمصر، وباكثير الحضرمي الشافعي في: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل:144 ـ من نسخة المكتبة الظاهريّة بدمشق... وغيرهم ).
• ومن ظريف ما كتبه ابن عساكر في ( ترجمة الإمام علي من: تاريخ دمشق 263:3 ـ ط دار التعارف ببيروت ) عن شيخٍ مِن بني هاشم قال: رأيتُ رجلاً بالشام قد اسوَدّ نصف وجهه وهو يُغطّيه، فسألتُه عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلتُ لله علَيّ أن لا يسألَني أحدٌ عن ذلك إلاّ أخبرتُه، كنتُ شديد الوقيعة في عليّ بن أبي طالب، كثيرَ الذِّكر له بالمكروه، فيينا أنا ذات ليلةٍ نائمٌ أتاني آتٍ في منامي فقال لي: أنت صاحب الوقيعة في عليّ ؟! وضرب شقَّ وجهي، فأصبحتُ وشقُّ وجهي أسودَ كما ترى! ( رواه كذلك: حمد الله الداجوي الحنفي في: البصائر لمُنكِر التوسّل بأهل المقابر:44 ـ ط إسلامبول، وابن حسنويه الحنفي في: درّ بحر المناقب:40 ـ من المخطوط، أمّا على الصفحة 32 فقد كتب ابن حسنويه:
عن الحسن بن أبي بكر بن سلامة الفرّار، حيث ذَهبَت عينه اليمنى، وكان عليه دَينٌ لشخص يُعرَف بـ ( ابن خطلخ ) الفرّار، فألحّ عليه بالمطالبة وهو مٌعِسر، فشكا حاله إلى الله تعالى واستجار بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
فلمّا كان في بعض الليل رأى في منامه عزَّ الدين أبا المعالي ابن الطيّبي رحمه الله ومعه رجلٌ آخر، فدنا منه وسلّم عليه، وسأله عن الرجل فقال له: هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. فدنا من الإمام وقال له: مولاي، هذه عيني اليمنى وقد ذهبت، فقال له: « يَردُّها الله عليك »، ومدّ يده الكريمة إليها وقال: « يُحْييها الذي أنشأها أوّل مَرّة »، فرجعت بإذن الله، وقد شاهد ذلك كلُّ مَن في الواسط، والرجل موجود بها.
• ونقرأ لمحمّد صالح الكشفي الترمذي الحنفي في كتابه ( المناقب المرتضويّة:307 ـ ط بمبئي ) قوله: رُوي في ( شواهد النبوّة ) بطرقٍ صحيحة، أنّ عليّاً كان يقرأ القرآن بتمامه حين يركب ويبدأ به حين يضع رِجْلَه في حلقة الركاب، ويختم به قبل أن يضع رجله في الحلقة الأخرى.
وعلى الصفحة 318 كتب يقول: رُوي عن هبيرة قال: دخلتُ على عليّ فرأى منّي شوقاً إلى لقاء أهلي، فأمرني أن أرحل إليهم، فلمّا دخلتُ عليه أمرني بغمض العين، فلمّا فتحت عيني فإذا بنفسي على سطح داري بالمدينة، فلقيتُ أهلي وجدّدتُ العهد معهم، ثمّ رجعتُ فأمرني بغمض العين، فلمّا فتحتُ وجدتُ نفسي عنده في الموضع الأوّل.
وعلى الصفحة التي سبقتها 317 قال: رُوي في ( مفاتيح القلوب ) أنّ عليّاً كان جالساً مع جمعٍ من الصحابة عند شجر رمانٍ يابس، فقال: لأُرينّكمُ اليومَ آيةَ عيسى على بني إسرائيل، حيث نزّل عليهم المائدة من السماء »، فقال: « انظروا إلى هذه الشجرة »، فلمّا نظروا فيها وجدوها مُخْضَرّةً عليها ثمارها، فقال: « كلوا منها ببسم الله »، فقاموا إليها، فاقتطف منها بعضهم دون بعض لم تصل يده إليها، فقال عليه السلام: لا يجتني منها مَن كان في قلبه بُغضُنا! وكذلك في القيامة أحبّاؤنا على سُررٍ موضونةٍ متّكئين عليها، وكلَّما أرادوا أن يأكلوا من ثمار الجنّة تصل أيديهم إليها، كما قال الله: « وذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذليلاً »، وأعداؤنا في النار يقولون لأهل الجنّة: أفيضُوا علينا مِن الماء أو مِمّا رزَقَكمُ الله، فيقولون: إنّ اللهَ حرَّمَهما على الكافرين ».
• وكتب ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة 254:3 ـ ط القاهرة ): روى أبو عبدالله أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام أنّه قال: « كنتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله صبيحة الليلة التي أُسريَ به فيها وهو بالحِجْر يصلّي، فلمّا قضى صلاته وقضيتُ صلاتي سمعتُ رنّةً شديدة، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة ؟ قال: ألا تعلم، هذه رنّة الشيطان، عَلِم أنّي أُسرِيَ بيَ الليلةَ إلى السماء، فأيِس مِن أن يُعبدَ في هذه الأرض ».
• وكتب الشيخ تاج الدين عبدالوهّاب بن تقيّ الدين السبكي الشافعي في ( طبقات الشافعيّة الكبرى 68:2 ـ ط القاهرة ):
رُويَ أنّ عليّاً وولدَيه الحسنَ والحسين رضيَ الله عنهم سمعوا قائلاً يقول في جوف الليل:
يا مَن يُجيب دُعا المضطرِّ في الظُّلَـمِ يا كاشفَ الضُّرِّ والبلوى مـع السَّقَـمِ
قد نام وفدُك حول البيـتِ وانتبهـوا وعينُ جُـودِك يـا قيّـومُ لـم تَنَـمِ
هَبْ لي بجودِك فضلَ العفوِ عن زللي يا مَن إليه رجاءُ الخَلْقِ فـي الحـرمِ
إن كان عفوُك لا يرجـوه ذو خطـاً فَمَن يجود على العاصيـن بالنِّعَـمِ ؟!
فقال عليّ رضي الله عنه لولده: « اطلبْ لي هذا القائل »، فأتاه فقال: أجِبْ أمير المؤمنين. فأقبل الرجل يجرّ شقَّيه حتّى وقف بين يديه، فقال الإمام: « قد سمعتُ خطابَك، فما قصّتك ؟ »، فقال:
إنّي رجلٌ كنت مشغولاً بالطرب والعصيان، وكان والدي يعظني ويقول: إن لله سطواتٍ ونقمات، وما هي من الظالمين ببعيد! فلمّا ألحّ في الموعظة ضربتُه، فحلف لَيدعُونّ علَيّ ويأتي مكّة مستغيثاً إلى الله، ففعل، ودعا فلم يُتمَّ دعاءه حتّى جفّ شقّيَ الأيمن، فندمتُ على ما كان منّي، وداريته وأرضيته إلى أن ضمن لي أنّه يدعو لي حيث دعا علَيّ، فقدّمتُ إليه ناقةً فأركبته، فنفرت الناقة ورمت به بين صخرتين فمات!
فقال عليّ رضي الله عنه: « رضي اللهُ عنك إن كان أبوك رضي عنك »، فقال الرجل: واللهِ كذلك. فقام عليّ كرّم الله وجهه وصلّى ركعات، ودعا بدعوات، أسرّها إلى الله عزّوجلّ، ثمّ قال: « يا مبارك قم »، فقام أبو الرجل ـ وكان قد مات ـ ومشى وعاد إلى الصحّة كما كان، ثمّ قال الإمام للرجل: « لولا أنّك حلفتَ أنّ اباك رضي عنك ما دعوتُ لك ».
• وكتب الصفوري الشافعي في ( نزهة المجالس 209:2 ـ ط القاهرة ): رأيت في ( شوارد المِلَح ): قال رجلٌ لعليٍّ رضي الله عنه: إنّي أريد السفر وأخاف من السَّبُع. فدفع إليه خاتمه وقال له: « قل له إذا جاءك: هذا خاتم عليّ بن أبي طالب ».
فسافر الرجل فلَقِيَه السَّبُع في طريقه، فقال له: يا سَبُع، هذا خاتم أمير المؤمنين عليِّ ابن أبي طالب! فلمّا رأى السبع خاتم عليٍّ رفع رأسه إلى السماء وهَمْهَم، ثمّ إلى الأرض كذلك، ثمّ إلى المشرق كذلك، ثمّ إلى المغرب كذلك، ثمّ ذهب مهرولاً.
قال الرجل: فلمّا رجعتُ من السفر أخبرتُ عليّاً بذلك فقال: « إنّه يقول: وحقِّ مَن رفعها، وحقِّ مَن وَضَعها، وحقِّ مَن أطلعها، وحقِّ مَن غيّبَها، لا أسكن ببلادٍ يشكوني فيها لعليّ بن أبي طالب »
• ويروي الحافظ أبو محمّد بن أبي الفوارس في ( الأربعين:41 ـ من المخطوط ) يقول: رُوي عن سعيد بن العاص قال: كنتُ مع أمير المؤمنين عليه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبرنا القرية التي يُقال لها ( النُّخَيلة ) على فرسخٍ من الكوفة، قال: فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود وقالوا لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: أنت الإمام عليّ بن أبي طالب ؟ فقال: « أنا ذاك »، فقالوا: لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّةٍ من الأنبياء، ونحن نطلب الصخرة، فقال عليه السلام: « إتْبَعوني ».
قال عبدالله بن خالد: فسار القوم خلف أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استبطن بهم البُرّ، وإذا بجبلٍ من رملٍ عظيم، فقال عليه السلام للريح: « أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحق اسم الله الأعظم ». فما كان إلاّ ساعةٌ حتّى نسفت الريحُ الرمل وظهرت الصخرة، فقال عليه السلام: « هذه صخرتكم »، فقالوا: إنّ صخرتنا عليها اسم ستّةٍ من الأنبياء، على ما سمعناه وقرأناه في كتبنا، ولسنا نرى عليها الأسماء! فقال عليه السلام: «الأسماء التي عليها هي على وجهها الذي على الأرض، فاقلبوها».
قال: فتعصّبوا عليها ألف رجل ( أي كأنّهم يتناوبون على تحريكها ) فما قَدَروا أن يقلبوها، فقال عليه السلام: « تَنَحَّوا عنها »، فمدّ يده الكريمة إليها فقلبها، فوجدوا عليها الأسماء الستّة، وهم أصحاب الشرايع عليهم السلام: آدمٌ ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين، فقالوا: إنّك أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، وحُجّة الله في أرضه على العالمين، مَن عَرَفك سعد ونجا، ومَن خالفك ضلّ وغوى وإلى الجحيم هوى، جلّت مناقبك عن التحديد، وعظُمت صفاتك ونعوتك عن التعديد!!
• وكتب محمّد خواجه پارساي البخاري في ( فصل الخطاب ـ على ما في: ينابيع المودّة:372 ـ ط إسلامبول ): روى ابن أبي الدنيا أنّه خرج بعض من الصيّاد زمنَ هارون الرشيد من الكوفة متصيّداً بناحية الغري، فلجأت الظِّباء إلى ناحيةٍ من الغري، فقال: أرسَلْنا عليها الصقور والكلاب، فرجعت الكلاب والصقور، فأخبرنا الرشيد... قال زين الدين أبوالرشيد الحافظ: لم يَزَل قبر عليٍّ رضي الله عنه مختفياً ( خشيةَ هدمه مِن قِبل بني أميّة ) إلى زمن الرشيد، ثمّ ظهر بالغريّ بظاهر الكوفة، ويزوره الناس إلى اليوم، وصار قبره مأوى كلِّ لهيف، وملجأ كلّ هارب.
وهل هذا فحسب ؟
لا أبداً، فقد نقلت المصادر السنيّة غيرَ هذا عشراتِ الكرامات لأمير المؤمنين عليه السلام في مواقع عديدة، ومواضيع متعدّدة، منها:
ـ ملاقاته الخضرَ عليه السلام، كما في: تاريخ مدينة دمشق ـ على ما في ( منتخبه 152:5 ـ ط الترقّي بدمشق )، و ( حياة الحيوان للدميري 272:1 ـ ط القاهرة ).
ـ ظهور كنزٍ له عليه السلام، كما في ( درّ بحر المناقب:31 ).
ـ قلعُه صخرةً عظيمة واستخراجه الماء من تحتها، كما في ( شرح التجريد ـ المطبوع بهامش: شرح المواقف 330:4 ـ ط إسلامبول ) للشيخ علاء الدين القوشجي، و ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7:1 ـ ط القاهرة )، و ( المناقب المرتضويّة للكشفي الحنفي:252 ـ ط بمبئي )، و ( ينابيع المودّة:148 ـ ط إسلامبول )، و ( المناقب للخوارزمي:159 ـ ط تبريز )، وغيرها.
ـ إحياؤه ميّتاً وتكلّمه بعد موته وإخباره عن قاتله، كما في ( درّ بحر المناقب:101 ـ من المخطوط ).
ـ إستجابة دعواته الشريفة عليه السلام، وذلك يحتاج إلى مقالٍ مطوّل.
إلى غير ذلك من المواضيع الكثيرة، جمع شيئاً منها المرحوم السيّد شهاب الدين المرعشي في ( ملحقات إحقاق الحق 704:8 ـ 774، و 195:18 ـ 240 ). هذا فضلاً عمّا توفّر أضعاف ذلك في كتب الشيعة برواياتهم الموثّقة، وتلك دلائل الإمامة، وعلامات من أفضليّات الإمام عليٍّ عليه السلام.