- 24/02/2012
مفردة التغيير غالباً ما يُقصَد بها، التجديد، أو تحويل مسار الحياة نحو الأفضل، توافقاً مع الطبيعة البشرية التي تبحث عن الأفضلية دائماً، لذا ينصح العلماء والمصلحون والمفكّرون المختصّون بتحسين الحياة، من خلال التغيير نحو الأفضل، عبر انتهاج سبل وطرائق نفسية وعملية تساعد الإنسان على أن يكون ناجحاً ومقبولاً لدى الجميع، بسبب احترامه لحقوق الآخرين وقبوله بالمكاسب التي تتحقّق له، وعدم حزنه على الخسائر والتضحيات التي قد يتعرّض لها، فالحياة كما يقول العارفون أخذ وعطاء، ولا يمكن أن تسير بوتيرة واحدة، لذا على الإنسان أن يكون مهيّئاً نفسياً لقبول الربح والخسارة في الوقت نفسه، على أن يبقى هاجس التغيير نحو الأفضل موجوداً في ذاته، وفقاً للمعايير والضوابط الإنسانية المستمدة من الدين والعرف السائد بين الجميع.
تربية الذات وكبح جموحها
يتطلّب هذا الهدف (التغيير) كبحاً لميول النفس، وحثّاً متواصلاً للتمسّك بالمبادئ السليمة، وعدم الانجرار وراء ميول النفس، فهي غالباً ما تدفع صاحبها إلى ما يريحها وفقاً للغرائز البشرية المعروفة، لذا لابد أن ينتهج الإنسان لتحقيق التغيير، مساراً واضحاً يتمثّل بتبسيط الحياة، ومن وسائل تحقيق ذلك، الزهد وعدم الفرح بالمكاسب أو الحزن على الخسائر، وما إلى ذلك من معايير تنحو إلى اليسر والبساطة، لأن الحياة يمكن تسميتها برحلة الخسائر والأرباح، لذا على الإنسان أن يروّض نفسه على ذلك، طالما أن الأمر له علاقة بالإرادة الإلهية.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى محاضراته القيّمة حول هذا الموضوع: (ليس الزهد أن تمتنع عن الطعام والشراب أو التملّك أو النكاح، بل حقيقة الزهد أن لا تأسى ولا تحزن على ما فاتك من ثروات وقدرات مهما كان نوعها، ولا تفرح بما أوتيت مثل ذلك. وهذه منزلة لا يبلغها المرء بسهولة بل لابدّ له أوّلاً من تمرين متواصل وترويض مستمرّ).
والتغيير هنا ليس معنياً بطبائع الإنسان المتجذّرة في ذاته، لأنها ليست قابلة للتغيير، ولكن هناك درجات يمكن التحكّم بها ذاتياً، من خلال إرادة الإنسان نفسها، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ليس المقصود تغيير جذور الطبيعة والعنصر الثابت فيها، بل المقصود درجات الشدّة والضعف والآثار واللوازم التي تترتّب عليها. فنفوس الناس ميّالة في الغالب للدعة والراحة، ولا رغبة لها في الأعمال التي تتطلّب جهداً مضاعفاً كطلب العلم مثلاً، ولكنّا نرى بعضهم يتغيّر بفعل الضغوط المختلفة سواء من ذاته أو من الآخرين، فيشمّر عن ساعد الجدّ ويصبح عنده شوق إلى الدراسة بحيث يتحمّل سهر الليالي وشظف العيش من أجل الوصول إلى هدفه).
انتهاج الطرائق الإنسانية للنجاح
وهكذا فإن قضية التغيير تتعلّق بالذات أولاً واستعداد الإنسان للنجاح والعمل الدؤوب من أجل تحقيق الهدف المطلوب، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بالطرق الإنسانية المتّفق عليها، أي من دون الإضرار بحقوق ومصالح الآخرين، خاصة إذا عرفنا أن النجاحات والخسائر لا تتعلّق بذات الإنسان وحده ولا ينبغي له أن يفرح أو يحزن كثيراً بهذا الخصوص، علماً أن الاستعداد لتغيير الذات من حال إلى حال يختلف من شخص إلى آخر كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (أجل، يختلف الناس في سرعة التغيّر وشدّته. فبعض الطباع تتغيّر بسرعة فيما بعضها الآخر يتغيّر ببطء. وكلما استحضر الإنسان المنافع التي سيجنيها والمضارّ التي سيدفعها من التغيير، زاد من سرعة تغيّره. وكما تختلف النفوس، فكذلك تختلف الغرائز والطباع في قوّتها وضعفها).
وفي التركيبة النفسية للإنسان تتجذّر الطبائع التي تنطوي على أضرار بحقوق الآخرين من أجل تحقيق المصالح الذاتية، هنا لابد للإنسان أن يعتمد المعايير الصحيحة للتغير متمثّلة بالتعاليم الدينية والأعراف الإيجابية المتّفق عليها، إن حبّ السلطة والجاه من الطبائع المتأصلة في ذات الإنسان، ولكن هذا لايعني عدم القدرة على إحداث التغيير المطلوب نحو الأفضل، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ حبّ الجاه من الطبائع الأصيلة والقويّة عند الإنسان. وكذلك قد تختلف الأجواء والظروف وعوامل الوراثة والبيئة والتربية وغيرها. إلاّ أنّ الأمر المسلّم أنّ أصل التغيير ممكن).
ما يملكه الإنسان أمانة في عنقه
إن أساس الأخطاء التي يرتكبها الإنسان تجاه الآخرين، هو حبّه لذاته، وعدم سيطرته عليها، وبحثه وسعيه الدؤوب لتحقيق النجاحات، حتى لو تمّتْ باسلوب التجاوز على الآخرين، لذا لابد أن يتجاوز الإنسان عقبة (الفرح بالنجاح والحزن من الخسارة)، وعليه أن يتعلّم ويؤمن بأن كل ما يملكه هو أمانة في عنقه، ولتحقيق هذا الهدف يقول سماحة المرجع الشيرازي: (كيف يستطيع الإنسان أن يكيّف نفسه لكيلا تأسى على ما فاتها ولا تفرح بما أوتيت؟ للإجابة أقول: هناك طريق واحد، حيث كلّ الطرق ترجع إليه، وهو ما افتتحنا به الحديث، بأن يتذكّر الإنسان دائماً أنّ كلّ شيء أمانة في رقبته وعارية لديه، وأنّ الأمانة لابدّ من إرجاعها يوماً إلى صاحبها ومالكها الحقيقي. فالمال أمانة والعلم أمانة والجاه أمانة وكذا الصحّة والأولاد والأهل والزوجة والعقار وجسمه وروحه وكلّ شيء عنده هو أمانة، حتى السفر مثلاً لو كانت وسائله مهيّأة له ولكنه لأسباب لم يتحقق لا ينبغي له أن يحزن لأنّه كان أمانة! وإذا استطاع الإنسان أن يركّز على هذا الأمر فستخفّ الوطأة عنده شيئاً فشيئاً حتى يبلغ مرتبة يصدق عليه أنّه لا ييأس على ما فاته ولا يفرح بما أتاه).
لذا يتطلّب بلوغ هذه المرتبة نوعاً من تربية الذات وتغييرها، وهو أمر يتحقّق بالتربية السلوكية والنفسية للإنسان، لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (إنّ تألّم الإنسان لفقدان بعض الأشياء ـ كالصحّة مثلاً ـ أمر فطريّ، ولكن التربية تخفّف الوطأة على الإنسان وتزيل الألم المضاعف. فتارة يتألم الإنسان بدنيّاً بسبب مرض ألمّ به، وتارة يتألم نفسياً نتيجة الشعور بفقدان الصحة، وهذا أيضاً شيء طبيعي، ولكن التركيز على الألم النفسي والتحسّر وما أشبه هي الأمور التي تنهض التربية بإزالتها كلّما تذكّر الإنسان أنّ كلّ ما يملكه حتى صحّته وبدنه وروحه أمانة وليس هو مالكها الحقيقي).
إذن قضية التغيير الذاتي تتطلب استعداداً لكبح رغائب النفس، والكفّ عن الفرح بتحقيق نجاحات قد يكون مصدرها مصائب الآخرين، والكف عن الحزن الذي ربما يجعل حياة الإنسان أكثر توازناً وبساطة بل وسعادة، لذا على الإنسان أن يتحلّى بإيمان قاطع بأن الأمور كلها تعود إلى الله تعالى، يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (المطلوب من كلّ إنسان أن لا يفرح أو يأسى على شيء ما يحبّه ويهواه، وعليه أن يتذكّر دائماً أنّ كلّ النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخرى ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً تأخّر أو تقدّم).