b4b3b2b1
سعيد بن قيس الهمْدانيّ | من نشاطات مؤسسة (الإمام الحسين) الإسلامية في اوغندا | آغا حسين القمي زعيمٌ للمرجعية ورائدٌ للحركة العلمية | لماذا يرفض المجتمع زواج المطلقة والأرملة؟ | الخطوات العملية المطلوبة لتحسين البيئة عالمياً.. من رؤى الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) | مطالبات ملحة بإيجاد أسواق خاصة بالنساء في كربلاء.. تقرير جديد | منظمات المجتمع المدني... يجمعها الشعار وتفرقها الغايات | أسعد بن أحمد الطّرابُلْسيّ | النظام الزراعي وتطوّره في المنظور الإسلامي | فاطمة بنت أسد عليها السّلام إطلالة البدر في كماله | قناة الأنوار الفضائية خطوة ناجحة ببركة أهل البيت (عليهم السلام) نحو نشر الإعلام الملتزم | تحرير المرأة بين جمال الشكل وخواء المحتوى .. من روى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) |

تحرير المرأة بين جمال الشكل وخواء المحتوى .. من روى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

 

29 ربيع الثاني 1433 - 25/03/2012

كانت سلطة الرجل على المرأة ولا تزال مثار جدل متواصل بين المعنيين بهذا الأمر وغيرهم أيضاً، فالمرأة تعاني من التسلّط الذكوري، لاسيما إذا غابت الضوابط التي تنظّم العلاقة بين الطرفين، ومع ان المرأة تؤلّف غالبية المجتمع البشري، لكن الرجل والمجتمع البشري، يميل على حقوق المرأة بسبب عدم الاحتكام إلى التعاليم والمعايير التي تحكم هذه العلاقة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في إحدى محاضراته القيّمة التي تبحث في (حقوق المرأة في الإسلام) حول نسبة النساء إلى الرجال: (يتألّف المجتمع الإنساني من شقّين، الذكور والإناث. وهذه الظاهرة سارية في الحياة الحيوانية والنباتية والجمادية أيضاً. فهكذا خلق الله الكون نصفه ذكور ونصفه إناث، «ومن كلّ شيء خلقنا زوجين»(1). ولكن النصف من الذكور أقل عدداً من الإناث، فالأنثى تمثّل النصف الأكبر عدداً في المجتمع. فما هو حكم الإسلام ونظرته لها؟).

البون الكبير بين الشعار ومحتواه

ليس كل ما تسمعه من كلام جميل قابل للتطبيق عملياّ، ولكن متى ما انطبق القول على فعل القائل وعمله عند ذاك يكون الكلام جميلاّ شكلاّ وجوهراّ، ولذلك لا يعتد بالشعارات إذا لم تطبّق عملياّ على الأرض، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص: (هناك في العالم حقائق وواقعيات، وهناك ظواهر وشكليات. قد ترى شخصاً يكلّمك عن موضوع ما كلاماً جميلاً جداً ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه لأنه لا يلتزم به. فمثلاً يدعو الناس إلى ترك شرب الخمر بينما هو رجل سكير، أو يدعو إلى الإسلام وهو أوّل المخالفين له. وربما ترى الرجل جالساً أمامك بوجه منطلق بشوش ولكن لو شقّ لك عن قلبه لرأيته مليئاً بالهموم والمشاكل. وهذا يعني وجود ظواهر وشكليات إلى جانب الحقائق والواقعيات المخالفة والمناقضة).

لذلك فإن تأثير العمل الواقعي والحقيقي يكون أكثراً وقعاً وتأثيراً في نفس المتلقّي، وكلما انطبق القول مع العمل صار أكثر جذباً للآخرين، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد: (إنّ مثقالاً من الواقع والحقيقة يؤثر أكثر من قنطار من الظواهر الخاوية. فلو أنّ بين يديك الآن آلاف بل ملايين من البشر لكنهم موتى بلا أرواح، لما كلّمك واحد منهم حتى حرفاً واحداً، ولكن لو تجلب طفلاً صغيراً عمره شهراً واحداً فقط لملأ لك البيت ضجيجاً. وما ذلك إلاّ لأن الطفل واقع وحقيقة، أما الموتى فلا أثر لهم وإن حدّثتهم لم تسمع لهم جواباً، لأنّه لا واقع للحياة فيهم. وهذه الدنيا صبغتها الظواهر. وعندما نأتي إلى قضية المرأة نلاحظ أنّ الشعارات التي تُرفع باسمها ليست سوى ظواهر وضجيج فارغ).

تحرير المرأة المعاصرة

للأسف عصرنا الراهن يتبجح بتحرير المرأة لاسيما في الغرب وفي الشرق أيضاً، ولكن عدم تطبيق الشعارات والأقوال الجميلة بحق المرأة يجعل من هذه الشعارات ليست فارغة المحتوى وتافهة وحسب، وإنما تشكّل ضرراً عكسياً على كرامة المرأة، لذلك يؤشر سماحة المرجع الشيرازي علي هذا الخلل الواضح قائلاً: (إن تحرير المرأة مثلاً كلمة جميلة ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أنّ فيها تقييد المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون). ويضيف سماحته قائلاً في هذا المجال: (أما قول الله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» فكلمة جميلة الظاهر عميقة المحتوى؛ فلو بحثت التاريخ كلّه لما وجدت كلمة في جمال هذه الآية تجمع بين الواقع العميق وبين المظهر الجميل. إنّها عبارة جميلة وذات مضمون رائع حقاً. إنها تتألف من أربع كلمات فقط ولكن لو أُعطيت لأي عاقل ملتفت لقال إنها أحسن ما قيل في حق المرأة. ولو أردنا أن نوجز بتفكير وعمق كلّ ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات لما وجدنا أجمل ولا أجمع من هذه الكلمة. فلو عرضت هذه الكلمة على عقلاء العالم وحكمائه سيقول لك كلّ منهم إنها تعبر عن تقسيم عادل).

الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر

لذلك نحن جميعاً نتفق على أهمية التكامل بين الرجل والمرأة في إدارة شؤون المجتمع، كونها تضطلع بدور أساس في إدامة زخم الحياة على مستويات عدة كالجانب التربوي والأسري وسواهما، لهذا فالعلاقة بين الرجل والمرأة ينبغي أن تتسم بالتكامل والتكافؤ أيضاً، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بمحاضرته هذه: (إنّ مَثل الرجل والمرأة في الحياة مَثل العظم والغضروف في بدن الإنسان، وثم مثل آخر نضربه لتوضيح الموضوع ـ والأمثال كلّها من الطبيعة وكم لها من نظير ـ وهو أنّ الحياة مزيج من العقل والعاطفة، فإنّ الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها. فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، ولا وجدتَ مجلساً منعقداً بعض يتكلّم وبعض يستمع، فإنّ العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها). ويؤكد سماحته أيضاً بهذا الخصوص: (مَثل المرأة والرجل في الحياة كمثَل العاطفة والعقل، ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة خلافاً للرجل ـ في الغالب ـ فهو كيان يتغلب فيه العقل على العاطفة).

أثر الفوارق البايولوجية

ومع الدعوة للتآزر والتعاون بين الطرفين هناك قضية مراعاة القدرات الجسمية وتناسبها مع طبيعة الأعمال المناطة بكل طرف حسب قدراته، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما كما تختلف واجبات الغضروف عن العظم، والعاطفة عن العقل. فاستقامة البدن بالعظم وحركته بالغضروف ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن. وجاء في الحديث: لو أن الناس تساووا لهلكوا.

ولكن هناك زيف واضح في التعامل مع المرأة وهناك غياب للمقاييس الصحيحة التي تضبط طرق التعاطي مع المرأة وحقوقها لاسيما في الغرب، لذا جاءت النتائج وخيمة، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (انظر إلى إحصائيات الطلاق في أيّ بلد من البلاد الغربية المتمدنة منذ سنة 1900م وإلى الآن (عام 1979م) ترى معدّلاتها في تصاعد مستمر. فالعلم يتقدّم بالبشر إلى الفضاء ولكن مشاكله تتقدّم به إلى الطلاق وانهدام الأسرة وتفكّك العائلة وتفاقم المشاكل الزوجية، لماذا؟ لأنّ كلاًّ تخلّى عن بعض واجباته وقام بواجبات الآخر، مع أنّه ليس كفئاً لها، والحياة حياة الأكفّاء، كما هو الحال في الحياة المادية).

وقد ضع الإسلام تعاليم واضحة لحفظ حقوق المرأة وكرامتها، وردت في القرآن الكريمة وسيرة الرسول وآله عليهم الصلاة والسلام، فإن تم الأخذ بها نستطيع أن نصل إلى مجتمع متوازن يرعى حقوق الجميع، وأولهم المرأة، لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها حتى في هذا المجال، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في أن لا تتزوج إلاّ بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحق كما للزوج، ولكنه مع ذلك يشجع في خطه العام على الزواج، ويقول للمرأة: أنا أضع أمامك طريق الحياة السعيدة حتى مع كون الطلاق بيد الرجل، ولكن في الوقت نفسه، ولكي لا تشعري بالإجبار والإكراه، لا أجبركِ على شيء، وبإمكانك أن تضعي هذا الشرط قبل الزواج. وهذه المسألة طرحت في عهد الإمام الصادق سلام الله عليه).

________________________________

1: سورة الذاريات، الآية: 49.